عرض مشاركة واحدة
 
  #8  
قديم 03-03-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن

(3)
حقـائق وأباطيل
يخشى الطواغيت وأتباعهم اهتداء الأمة إلى الطريق الصحيح للتغيير والنهوض، فهذا نذير بالقضاء على باطلهم وظلمهم، والتضليل والقضاء على دعاة الحق مسألة مصيرية عندهم. ولذلك فبعد أن هدموا الدولة الإسلامية، مزقوا البلاد وأقاموا بدلاً منها دويلات كثيرة نصَّبوا عليها نواطير. وقاموا بأعمال سياسية روجوا فيها لعملائهم وصوروهم أبطالاً وزعماء تحرير ونهضة، وبطشوا بكل عمل وتحرّكٍ مخلص.
وقد عمل هؤلاء النواطير وزبانيتهم مع أسيادهم على المزيد من تضليل الأمة لأجل القضاء على الإسلام، فكثرت الحركات العلمانية والشيوعية، ومُنعت الدعوة إلى الإسلام إلا بشكل مدروس يهدف إلى تنفيس العمل المخلص الصحيح ويخدم التضليل. وعُرِضَ الكفر باسم الإسلام، وغُـيِّبتْ أفكار الإسلام ومفاهيمه المتعلقة بالحكم والسياسة، وطمست الأحكام المتعلقة بالطريقة، حتى صار الإسلام غريباً بين أبنائه. وصارت الأمة الإسلامية دولاً متباغضة، وظهرت العصبيات القومية والوطنية، وصار لكل دولة أو دويلة نظام وقضية متناقضة مع ما لغيرها، وأثيرت القضايا الخلافية والنـزاعات، وزُرعت دولة يهود كخنجر في قلب الأمة. وبما أن الإسلام عقيدة وشريعة وتؤمن به الأمة كلها، عمد الكافر وعملاؤه إلى التضليل بكثير من الأفكار والآراء: من ذلك أن الإسلام لا دخل له بالسياسة، وأنّ وحدة الأمة الإسلامية أمر غير عملي بل مستحيل. وأنّ إقامة الدولة الإسلامية، دولة الخلافة، أمر مستحيل.
وجوب العمل السياسي:
أما أن الإسلام لا دخل له بالسياسة، فقالوا إن الإسلام دين ولا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، وإن السياسة كذب وغش وخداع وتقوم على الغدر والمؤامرات ومثل هذا يجب تنـزيه الدين عنه... وعليه فالتدين مسألة خاصة وفردية ولها رجالها وأماكنها الخاصة. والأعمال السياسية ونُظُم العلاقات تدار بمعزل عن الدين، ويتولى أمرها الكفار والعلمانيون والفسقة.
وهذا كله أباطـيل، فليس هذا هـو واقع السـياسـة، وإنما هو هكذا عند الدول القائمة على النفـعـيـة وعلى فلسـفة ميكيافيلّي التي تجعل الغاية تبرر الوسـيلة. وفي الحـقيقة فإن السياسة هي رعاية شؤون الناس، ورعاية الشؤون لا تتم إلا بحسب أفكار وأنظمة وقوانين. والسياسة في الإسلام هي رعاية شؤون الناس بتطبيق أحكام الإسلام عليهم.
وإذا كان واقع السـياسـة اليوم أنها تقوم على الكفـر والظـم وانعدام القيم والأخلاق، فهذا لا يعني ترك العمل السياسي أو تحريمه، وإنما يعني إنكار هذا المفهوم للسياسة، والإنكار على هكذا (سياسيين) والعمل لإزاحتهم، وإعطاء الولاء والتأييد للسياسيين المخلصين الذين يعملون لتطبيق الإسلام، ورعاية شؤون الناس بحسب أحكامه.
والسياسيون الذين يتحكمون اليوم برقاب الناس ويطبقون الكفر هم حفنة من أهل الباطل ومن الدجالين والمرتشين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويرهقونهم ويقودونهم إلى الذل والهلاك والخضوع لعدوهم. وهؤلاء يروّج الإعلام لهم ولأباطيلهم لأنه لهم ومن جنسهم، والباطل يروّج لفصل الإسلام عن السياسة وعن الحياة من باب الحرب على الإسلام.
السياسة في الإسلام هي رعاية شؤون الناس بالإسلام، والإسلام هو أعظم شريعة لرعاية شؤون الناس، وهو وحده الحق والعدل لأنه من عند الله، وكل ما عداه فهو باطل وطاغوت. والإسلام هو من عند الله الذي خلق الإنسان ويعلم ما يُصلِحه ويَصلُح له وما يفسده ويضرّه. قال تعالى: ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسـوس به نفسـه ونحـن أقرب إليه من حبل الوريد (سورة ق 16). وقال: ألا يعـلـم مـن خـلـق وهـو اللطيـف الخـبيـر (سورة الملك 14). وقال: إن هـذا القـرآن يهـدي للتي هي أقوم (سورة الإسراء 9).
وكيف يقال بفصل الدين عن السياسة أو السياسة عن الدين، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رئيساً للدولة الإسلامية، ورئيساً لرعاياها مسلمين وغير مسلمين ؟ ألم يكن سياسياً ؟ من الذي كان يرعى شؤون الناس ويفضّ المنازعات ويأمر بالمعالجات ويقضي بين الناس ويبين الحقوق وينفذ العقوبات ؟ من الذي كان يجهّز المجاهدين والجيوش ويقودها ؟ ومن الذي كان يعقد المهادنات أو الصلح أو يقرر الحرب ؟ وكذلك، ألم يكن أبو بكر  رئيساً للدولة الإسلامية يطبق الإسلام ويحمي المسلمين ويمنع من الخروج على النظام ويرسل الجيوش ؟ أَوَليس كذلك كان عمر بن الخطاب ، وكذلك عثمان بن عفان وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما ؟
ونحن مأمورون بالاقتداء بالنبي  والتأسي به. قال تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً (سورة الأحزاب 21).
فعلى المسلمين أن يدركوا أن السياسة هي رعاية شؤون الناس بتطبيق الإسلام عليهم داخل دار الإسلام، وبحمل دعوته إلى الناس خارج دار الإسلام. وتطبيقُ الإسلام لا يمكن بغير دولة إسلامية. وتطبيق الإسلام فرض وهو عمل سياسي، والعمل لإيجاد الدولة الإسلامية التي تطبق الإسـلام فرض وهوعمل سياسي. فالسـياسـة جزء من الإسـلام والعمل السـياسـي فـرض من فروض الإسلام.
والعمل السياسي يجب أن يكون على أساس الإسلام. فلا يجوز أن يكون على أسس مثل الديمقراطية أو العلمانية أو الوطنية أو القومية، فهذه كلها مناقضة للإسلام. وهي من أفكار الكفر ودعوات الكفار.
وكون العمل السياسي على أساس الإسلام يعني أنه لا بد أن يشتمل على بيان الحقائق والدعوة إليها، والتحذير من الأكاذيب والأضاليل، وأن يشتمل على بيان واقع الحكام والسياسيين الكفرة والفجرة والفسقة والعمل لتغييرهم، وأن يشتمل على بيان واقع الأنظمة المطبقة على المسلمين والعمل لإزالتها، ووضع الإسلام مكانها موضع التطبيق.
أما المشاركة مع هؤلاء الحكام في أعمالهم، ومع هذه الأنظمة في حكمها فهو منكر. وإن زُعِمَ أنه لخدمة الإسلام والمسلمين فهذا تضليل. قال تعالى: وأنِ احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك (سورة المائدة 49)، وقال: فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً (سورة الفرقان 52).
وحدة الأمة الإسلامية:
ومن الأباطيل التي يروجها أهل الباطل فكرة استحالة وحدة الأمة الإسلامية، وذلك بهدف تيئيس الناس من هذه الحقيقة، وإذا يئس الناس من تحقيق أمر فإنهم لن يعملوا له وسيرضون بغيره وبما هو دونه. ولذلك أمعن حكامنا في التضليل والتقتيل، وأثاروا النـزاعات والعداوات بين المسلمين، وغذوا أفكار التجزئة تحت اسم الاستقلال وتقرير المصير، وصارت الأمة الإسلامية مزقاً وقطعاً عربية وتركية وفارسية... وتعددت الولاءات بثقافات وأصول مختلفة فرعونية وفينيقية وغير ذلك. وأثاروا أباطيل من ترهاتهم وجهلهم سموها فكراً وتنظيراً، مثل أن المسلمين تتعدد لغاتهم وتتعدد أصولهم العرقية والقومية، وتختلف مشاكلهم وقضاياهم التي أمعن الشياطين في افتعالها وتغذيتها، وتدخلوا لتكريس الانقسام والقضاء على فكرة الوحدة بحجج مثل حل النـزاع، وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير والديمقراطية وما شاكل ذلك مما لا يحتاج إلى بيان.
وإن ما يجب أن يدركه كل مسلم ويعمل على أساسه هو أن الأمة الإسلامية أمة واحدة مهما اختلفت أعراقها أو لغاتها ومهما بلغ تعدادها، فهذه حقيقة وهي أمر واجب شرعاً. وإذا كان ذلك غير متحقق الآن، وتحول دونه عقبات، فالواجب العمل على تحقيقه وإزالة كل عقبة في سبيله. وإذا كان بعض المسلمين أو كثير منهم قد خُدعوا وحُمِّلوا أفكاراً تحمل على التباغض والتباعد، فيجب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإزالة هذه الأباطيل والأضاليل، ولغرس الأفكار الإسلامية الصحيحة. يقول تعالى: واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا (سورة آل عمران 103). ويقول: إنما المؤمنون إخوة (سورة الحجرات 10). ويقول: إن أكرمكم عند الله أتقاكم (سورة الحجرات 13). ويقول: وإنّ هذه أمتُكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاتقون (سورة المؤمنون 52). وإذا كان الدين واحداً والملة واحدةً، والدين عقيدة وشريعة تتناول كافة شؤون الفرد والجماعة، فهذا يجعل المسلمين أمةً واحدةً حتماً وآلياً. روى أحمد في مسنده عن النبي  قال: «المسلمون من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أمة واحدة من دون الناس» وقال : «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثلُ الجسد إذا اشتكى منه عضو تـداعى له سائر الجسـد بالسهر والحمى» (متفق عليه)، وقال: «المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينُه اشتكى كلُّه، وإن اشتكى رأسُه اشتكى كلُّه» (رواه مسلم)، وقال : «أيها الناس ألا إنّ ربكم واحد وإنّ أباكم واحد، ألا لا فضلَ لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى. ألا هل بلَّغتُ ؟ قالوا: نعم. قال: فليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ» (ذكره القرطبي في تفسيره وقال خرّجه الطبري)، وقال : «... المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يحقره، التقوى ههنا (ويشير إلى صدره ثلاث مرات) بِحَسْبِ امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» (رواه مسلم وأخرجه ابن ماجه)، ويقول  عن العصبيات القبلية والوطنية والقومية وأمثالها: «دعوها فإنها منتنة» (رواه مسلم). وغير ذلك من شواهد النصوص والأحوال. ولكن أهل الباطل والضلال يريدون القضاء على أمتنا فينصحوننا مثل نصيحة إبليس لآدم، وقد أخبرنا الله تعالى عنهم بقـولـه: إن تمسسكم حسنة تسؤهم، وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها (سورة آل عمران 120). وبقـولـه: قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينّا لكم الآيات إن كنتم تعقلون (سورة آل عمران 118). ونحن نـلمس ونعـاني مما آل إليـه أمرنـا في ظـل هـيمنتهـم واستبداد عملائهم بنا.
فنحن نُـذبَح ونُشرَّد أفراداً وجماعات، ولا يجد المسلم قدرةً أو حيلة لتقديم العون لأخيه على بعد كيلومترات أو أمتار منه، يستضعفنا من شاء من الأنذال والأرذال في فلسطين ولبنان وسورية والعراق والبوسنة والهرسك وكوسوفا والشيشان وإندونيسيا وأوزبيكستان وغيرها، والحبل على الجرار إن لم نغير الحال. وتنقل لنا أنظمتنا وأجهزتها أخبار مذابحنا ومشاهدها وكأن لا علاقة للمسلمين ببعضهم. والله تعالى يقول: والمؤمنون والمؤمنات بعضـهم أولياء بعـض (سـورة التوبة 71). ويقول: وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر (سورة الأنفال 72).
على المسلمين في كل أنحاء العالم أن يدركوا ويؤمنوا بحقيقة أن المسلمين أمة واحدة من دون الناس. وأن يتمسكوا بهذه الحقيقة الشرعية والحتمية، وأن يعملوا على أساسها وأن ينبذوا كل أساس آخر مهما كان الأمر ومهما كلف الثمن.
المسلمون أمة واحدة، هذه حقيقة قطعية وحتمية طالما ظل المسلمون مسلمين. وهي حتمية وليست فقط ممكنة. ووحدتنا كمسلمين هي الأمر البدهي والعملي والضروري ويمكن تحقيقها بسرعة لا تخطر على بال، شرط أن يسار في الطريق الصحيح لذلك، لا أن نسير خلف تضليلات الدول المستعمرة الكافرة وتضليلات حكامنا وأجهزتهم وحركاتهم المصطنعة وأبواقهم، ولو خادعونا بالوحدة أو بالسير على طريقها.
أما اللغة والعرق واللون والأصل والمشكلات والقضايا الآنية، فهذه كلها لا تحدد أو تعـطـي أي فكر أو مفهوم أو موقـف، فهي لا تعطـي فكرة عن وجـود الخـالق أو عن نبـوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أو عن يوم القيامة أو الجنة أو النار. ولا يعـطـي أي منها حكماً للحـج أو الصـيام أو الصـدق أو الأمانة... ولا للخمر أو الخـنـزير، ولا يحـدد أي منهـا موقفاً من اليهود أو غيرهم، ولا تعطي أي تشريع.
والمشكلات والقضايا لا تحدد أي موقف أو تشريع، فهي ليست مصادر للتشريع أو المعالجات، وإنما هي تحتاج إلى معالجات. والمعالجات مصدرها الفكر الأساس والمنهج التشريعي ونصوصه، أي فقط نصوص القرآن والسنة.
إن الوحدة بين الناس تقوم على وحدة الأفكار والأنظمة والقوانين التي يؤمن بها الناس، وعلى وحدة المشاعر الكامنة في وجدانهم أو الظاهرة عليهم.
رد مع اقتباس