عرض مشاركة واحدة
 
  #79  
قديم 12-11-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق 1-3

تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق 1-3


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }: الحمد والمدحُ أخَوانِ لفظاً، ومعناهما الثناء الجميل، وهما هنا بقصد التعظيم والتبجيل في الضّراء والسراء على السواء.

وبعضهم فرقاً بينهما، فيقول: الحمد يكون بعد الإحسان وهو مأمور به دائما لحديث: " من لم يحمَدِ الناسَ لم يحمد الله ".

أما المدح فيكون قبل الاحسان وبعده. وهو منهيٌّ عنه، لحديث " احثُوا في وجوه المدّاحين التراب ".

والربّ في كلام العرب له معان ثلاثة: السيد المطاع، والرجل المصْلِح للشيء، والمالك للشيء.

فربُّنا جل ثناؤه: السيد المطاع في خلقه، والمصلح أمْرَ خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الذي له الخَلْق والأمر.

{ ٱلْعَالَمِينَ }: جميع الكائنات في هذا الوجود.

فمعنى { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } الحمد لله الذي له الخلق كله، السماوات والأرض، ومن فيهن وما بينهن، مما يُعلم وما لا يُعلم، فالثناء المطلق الذي لا يُحَدّ لله سبحانه إنما كان لأنه هو رب العالمين.

{ ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }: الرحمن صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة، وقد تقدم انه لا يوصف بها الا الله:

{ ٱلرَّحْمَـٰنُ *عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } [الرحمن55: 1ـ2].
{ ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } [طه20: 5].
{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } [الإسراء17: 110].


أما الرحيم، فقد كثر استعمالها في القرآن وصفاً فعليا وجاءت بأسلوب ايصال النعمة والرحمة:

{ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [البقرة2: 143]
{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [الأعراف7: 156]
{ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب33: 43].

ولا نطيل أكثر من ذلك، وإنما نريد أن نبين هنا نكتة إعادتهما وتكرارهما. فنأياً عن أن يُفهم من لفظة الرب صفة الجبروت والقهر اراد الله تعالى أن يذكِّر الخلق برحمته واحسانه، ليجمعوا بين اعتقاد الجلال والجمال. فذكَر " الرحمن " اي المفيض للنعم بسعة وتجدُّد لا منتهى لهما، و " الرحيم " الثابتَ له وصف الرحمة، لا تزايله أبدا. بذا عرّفهم أن ربوبيته رحمة واحسان، ليعلموا ان هذه الصفة هي الأصلية التي يرجع اليها معنى بقية الصفات فيتعلقوا به ويُقبلوا على اكتساب مرضاته.


هذا وإن تكرار وصف الله لنفسه بالرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب لهو تأكيد لمعنى ان الدين الذي كتابه القرآن انما تقوم فضائله ونظُمه على الرحمة والحب والإحسان.

وإذا كان الحمد لله والثناء عليه مرجعهما وأساسهما التربية من الله للعالَم فما أجدر المؤمن ان يتخلق بخُلق الله، وان يلتمس الحمد والثناء من هذا السبيل الكريم. فمن حمّله الله مسئولية التربية من إمام أو معلّم أو أحد الزوجين فإن عليه أن يعتبر ما كُلف برعايته أمانةً عنده من المربي الاعظم سبحانه، فلْيمضِ فيها على سَنَن الرحمة والاحسان لا الجبروت والطغيان. ان ذلك أوفى الى ان يُصلح الله به، وأقربُ ان تناله رحمته.

{ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ }: قرىء: " مَلك يَوم الدِّين " و " مالكِ يوم الدين " قراءتان يدل مجموعهما على ان المُلك والمِلك في يوم القيامة لله وحده.

-1-

{ يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [الإنفطار82: 19]

لا يشاركه في ذلك أحدٌ ممن خلق.

وللفظ " الدين " معان كثيرة، منها المكافأة والعقوبة، وهذا المعنى يناسب المقام.

وفي هذا تربية أُخرى للعبد، فإنه إذا آمن بأن هناك يوماً يظهر فيه احسان المحسن، واساءة المسيء، وأن زمام الحكم في ذلك اليوم العظيم بيد الله ـ تكوّن عنده خُلُق المراقبة، وتوقَّع المحاسبة، فكان ذلك أعظمَ سبيل لإصلاح كل ما يعمل.

{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }: نخصّك بالعبادة ونخصك بطلب المعونة. والعبادة أقصى غاية الخضوع والتذلُّل، لذلك لم يستعمل اللفظُ الا في الخضوعِ لله تعالى، لأنهُ مولي أعظم النعم، فكان حقيقاً بأقصى غاية الخضوع.

أمرنا الله تعالى أن لا نعبد غيره لأنه هو الإلَه الواحد لا شريك له. وترشدنا عبارة { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } الى أمرين عظيمين هما معراج السعادة في الدنيا والآخرة.

أحدهما: أن نعمل الاعمال النافعة ونجتهد في إتقانها ما استطعنا، لأن طلب المعونة لا يكون الا على عملٍ يود المرء أن يبذل فيه طاقته، فهو يطلب المعونة على اتمامه.

وثانيهما: قصْر الاستعانة بالله عليه وحده.

وليس في هذا ما ينافي التعاون بين الناس.


{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ } [المائدة5: 2].

فان هذا التعاون في دائرة الحدود البشرية لا يخرج عنها.

قال بعض السلف: الفاتحة سر القرآن. وسرُّها هذه الكلمة { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } فالقسم الأول من الآية تبرؤ من الشِرك، والثاني تبرؤ من الحول والقوة، وتفويضٌ إلى الله عز وجل.

{ ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }: هداه الله هُدًى وهَدْياً وهِدَايةً الى الإيمان أرشده، وهداه الى الطريق وهداه الطريق وللطريق بيّنة له وعرّفه به. و الهداية دلالة بلطف، كما يقول الراغب الاصفهاني، والصراط المستقيم: هو الطريق الواضح الذي لا عوج فيه ولا انحراف.

والصراط المستقيم ههنا هو جملة ما يوصِل الناس الى سعادة الدنيا والآخرة من عقائد وآداب وأحكام من جهتي العلم والعمل، وهو سبيل الاسلام الذي ختم الله به الرسالاتِ وجعل القرآن دستوره الشامل، ووكل الى الرسول الكريم تبليغه وبيانه.

فالشريعة الاسلامية في جميع امورها من عقيدة، واخلاق، وتشريع، وفي صلة الانسان بالحياة، وعلاقته بالمجتمع، وعلاقة المسلمين بالأمم ـ تأخذ الطريق الصائب، لا إفراط ولا تفريط. هذا هو الصراط المستقيم.

وهداية الله تعالى لا تحصى، نذكر منها:

أولاً: الهداية التي تعم كل مكلَّف بحيث يهتدي الى مصالحه، كالعقل والفطنة والمعارف الضرورية كما قال عز وجل

{ ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } [طه20: 50].


ثانياً: نَصْبُ الدلائل الفارقة بين الحق والباطل، والصلاح والفساد:

{ وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } [البلد90: 10]، وقوله:
{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [فصلت41: 17].



ثالثاً: الهداية بإرسال الرسل وانزال الكتب:

{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا }
[الآنبياء21: 73]، وقوله:
{ إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء17: 9].


-2-

رابعاً: الكشف عن كثير من أسرار الأشياء كما هي، بالوحي والالهام والرؤيا الصادقة. وهذا القسم يختص بنيله الأولياء. والى ذلك اشار سبحانه وتعالى بقوله:

{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [الأنعام6: 90].


وقال ابن تيمية: " كل عبد مضطرٌّ دائما الى مقصود هذا الدعاء، أي هداية الصراط المستقيم. فإنه لا نجاة من العذاب إلا بهذه الهداية، ولا وصول الى السعادة الا بها، فمن فاته هذا الهدى فهو إما من المغضوب عليهم، واما من الضالين ". وهذا الاهتداء لا يحصل الا بهدى الله

{ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً } [الكهف18: 17].


وقد بين الله تعالى هذا الصراط المستقيم بقوله: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }.

اختلف المفسرون في بيان: الذين أنعم اللهُ عليهم، والمغضوبِ عليهم، والضآلِّين ـ وكتبوا وطوّلوا في ذلك. وأحسن ما قيل في ذلك ان الآية دلّت على أن الناس ثلاث فرق:

الفرقة الأولى: أهل الطاعة

{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ *أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [البقرة2: 3ـ5]،

وهؤلاء هم الذين انعم الله عليهم.


الفرقة الثانية: الكافرون:

{ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ *خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } [البقرة2: 6ـ7]،

وهؤلاء هم أهل النقمة المغضوب عليهم.


الفرقة الثالثة: هم المنافقون الحائرون، المترددون بين إيمانهم الظاهر وكفرهم الباطني

{ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً } [البقرة2: 10] فهم
{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوۤا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } [البقرة2: 14].

وهؤلاء هم الضالّون المتحيرون.


وقد فصّل الله تعالى هذه الفرق الثلاث في أول سورة البقرة كما سيأتي ان شاء الله.

القراءات:

قرأ ابنُ كَثير برواية قنبل، والكسائي عن طريق رويس " السراط " بالسين في الموضعَين، وقرأ الباقون " الصراط " بالصاد، وهي لغة قريش.

هذه هي سورة الفاتحة، وقد تكفّل نصفُها الاول ببيان الحقيقة التي هي أساس هذا الوجود: تقرير ربوبية الله للعاملين ورحمته ورحمانيته، وتفرُّده بالسلطان يوم الدين؛ وتكفّل نصفها الثاني ببيان أساس الخطة العملية في الحياة، سواء في العبادات أو المعاملات. فالعبادة لله، والاستعانة به، والهداية منه بالتزام طريق الله، والبعد عن طريق الجاحدين والضالين المتحدّين.

هذا والمتتبع للقرآن جميعه، الواقف على مقاصده ومعارفه، يرى أنه جاء تفصيلاً لما أجملته هذه السورة الكريمة.

بهذا كانت " فاتحة الكتاب " و " أمَّ القرآن " و " السبع المثاني " والسورة الوحيدة التي طُلبت من المؤمنين في كل ركعة من كل صلاة.

-3-

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس