عرض مشاركة واحدة
 
  #13  
قديم 02-18-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: بعض جوانب التاريخ الاجتماعي للقدس في العهدين الأيوبي والمملوكي د. علي السيد علي محمود

دور الأوقاف في الرعاية الاجتماعيَّة:
تتمثَّل أوْجه الرِّعاية الاجتماعيَّة كذلك في بيوت الصوفيَّة من خانقاوات ورباطات وزوايا، وهي التي وفَّرت لهم المأوى والكِساء والطعام، والرواتب النقدية كذلك، مِن ريع الأوقاف التي حُبِستْ على هذه الأماكن.

فقد جاء في الوثيقة رقم (13 أ)، وتاريخها مستهل شهر صفر سَنَة 777هـ: أنَّ أحد الصوفيَّة تقدَّم بطلب إلى القاضي الشافعي بالقدس، باعتباره مسؤولاً عن الأوقاف يطلب فيه صدقةً من الرِّباط المنصوري؛ لأنه "في عائلة ولم يكن له مرتَّب الدرهم الفرد، وهو مِن أهل الاستحقاق"، وعلى هذا الأساس فقد طلب مِن القاضي أن يصرفَ له رطل خبز كلَّ يوم، وبعدَ التحقيق مِن حاله، قرَّر له القاضي "في كل يوم أربعة أرغفة".

• كذلك جاء في الوثيقة رقم 10 المؤرَّخة في 20 صفر سنة 770هـ: أنَّ أحد الصوفيَّة، ويُدْعى إبراهيم الناصري طَلَب من قاضي القُدس أن يُكوِّن له سكنًا بالرباط المذكور، فوافق القاضي على طَلَبِه في حالة وجود مكان شاغِر، حيث كان الرِّباط يستوعب عشرين صوفيًّا[116].

• وتُلقي الوثيقة رقم 36 المؤرخة في 17 محرم سنة 797هـ الضوءَ على إحدى المنشآت الاجتماعيَّة، وهي التُّربة التي أنشأها الأمير بدر الدين بن حسام الدين بركة خان، أوقف عليها قَريةَ دير الغصون في طولكرم.

ومِن ريع هذه القرية كان يُنفق على التُّربة، وما تقوم به من أعمال الخير، مِن مداواة المرْضَى، وتجهيز الموتى بالقُدس الشريف، وبهذا لم تقتصرْ هذه التُّربة على كونها مدفنًا لهذا الأمير وذُريته مِن بعده، بل غدتْ واحدةً من المنشآت الاجتماعيَّة المهمَّة، بما قدَّمتْ من خِدْمَات، وما حوتْه من حوض للدواب، وحوانيت، هذه التُّربة أصبحتْ منذ سَنَة 1900 المكتبة الخالدية[117].

• أما الوثيقة رقم 833، والمؤرَّخة في 25 ربيع الأول سنة 747هـ، فتشير إلى أنَّ إحدى النساء المقدسيَّات، وتُدْعَى سيدة بنت محمد قد وقفتْ منزلاً مستجدًّا بحارة المغاربة بالقُدس "على الفقراء العجايز مِن المغاربة يسكنون به مِن غير انتفاع"[118].

• والوثيقة رقم 20 المؤرخة في 5 صفر سنة 768هـ تخبرنا أنَّ أحدَ تجَّار بيت المقدس أوقف دارًا على مصالِح البيمارستان الصلاحي الذي بناه صلاحُ الدين سنة 583هـ بخطِّ باب العمود، أحد أبواب مدينة القدس إلى الشَّمال منها، على أن يُنفق من رِيع هذه الدار لشراء أدوية للمرْضى، وأغذيتهم، وأغذية المجانين وأدويتهم، وسائر ما يحتاجون إليه[119].

وإذا كان صلاح الدِّين قد حَرَص على تشييد هذا البيمارستان لكي يستفيدَ من خِدْماته أهلُ القدس، فإنَّ هذا التاجر قد شارَكَ بدَور فعَّال في المحافظة على ذلك البيمارستان، وعلى أن يستمرَّ في أداء رسالته بعدَ وفاة صلاح الدِّين بأكثرَ من سبعين ومائة سَنَة.

ومن أوجه الرِّعاية الاجتماعيَّة المهمَّة في بيت المقدس: توفير الماء العَذب، الذي جعل الله - سبحانه وتعالى - منه كلَّ شيء حي، فقد كانت المياه بالنِّسبة لأهل القُدس نِعمة، يُحمد مَن يوفرها لهم كلّ الفضْل، وتعد من مآثره، وهم الذين عانوا كثيرًا مِن قلَّة الماء بسبب قلَّة سقوط الأمطار، وعدم وجود أنهار ببلدهم؛ لذا فقد أَوْلى سلاطين وأمراء المماليك مسألةَ توفير الماء العذب جُلَّ اهتمامهم، فالوثيقة رقم 311 والمؤرَّخة في 25 صفر سنة 745هـ تذكر أنَّ الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار قد أوقفَ قريةَ مجدل فضيل من عمل مدينة الخليل على قناة السبيل، وعلى مرْضى المسلمين الفقراء والمساكين[120].

ومِن الأضواء الجديدة التي تُلقيها الوثائق على بعضِ المنشآت الاجتماعيَّة، وبخاصَّة الحمامات: ما تذكره الوثيقة رقم 46 المؤرَّخة في 19 محرَّم سَنة 747هـ، عن حمام البطرك الذي كان جاريًا في أوقاف الخانقاه الصلاحية بالقدس، مِن أنَّ مكونات هذا الحمَّام هي "مستوقد ومخادع، وخلاوي وأجران"، وأنَّه تَمَّ تأجيرُ هذا الحمام لمدة سَنَة على أن يدفع المستأجر الإيجار يوميًّا من الدراهم النقرة الجياد الوازنة معاملة يومئذ، عن كلِّ يوم يمضي مِن تاريخه ثلاثة عشر درهمًا، يدفع منها عند غروب شمس كلَّ يوم من يوم تاريخه عشرةَ دراهم، بينما ثلاثة الدراهم الأخرى تُخصم نظيرَ دخول الصوفية واغتسالهم في الحمَّام المذكور.

كما دفع المستأجِرُ مبلغ ثلاثمائة درهم قسط شهر كامل من يوم تاريخه، وتعهَّد المستأجِرُ بنقْل الماء إلى الحمام من بِرْكة كبيرة مجاورة للحمام في حارة النصارى بالقُدس، وهي بركة البطرك، وكذلك التخلُّص من الرَّماد الخاص بالمستوقد والفُرن على نفقتِه الخاصَّة، بينما يقوم الناظر على الوقْف بكلِّ الإصلاحات والعمارة اللازمة للحمام[121].

كما تجلَّتِ الرِّعاية الاجتماعيَّة في الوثائق بالاهتمام بالمستوى الصِّحي لأهل القدس، وكيفية علاج الكثير مِنَ الأمراض المنتشرة يومئذٍ، مثل: "الإسهال"، أو "السعال"، و"أمراض الكلى"، عن طريق كثير من الوصفات الطبيَّة التي اعتمدتْ على الثُّوم، وصَفَار البيض، والتِّين، وزيت الزيتون، والصمغ العربي، والمِسْك، والكمُّون، وبعض الأعشاب الطبية، والطين الأرمني، فالوثيقة رقم 182 بدون تاريخ، بها الكثيرُ من الأمور المتعلِّقة بهذه النواحي[122].



رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/1007/29254/#ixzz1mYZQlm4r
رد مع اقتباس