عرض مشاركة واحدة
 
  #5  
قديم 07-08-2011
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: مشروعية الخروج على الظلمة والطواغيت

النوع الرابع من الحكام: وهو الحاكم المسلم الجائر الظالم، وهو الذي يظلم الناس في حكمه ويجور عليهم، فيكون فاسقاً من جهة مخالفته للشرع، وظالماً جائراً من جهة عدوله عن الشرع في الحكم وتعديه على حدود الله تعالى وتجاوزها، ومنع أهل الحقوق حقوقهم، وهذا النوع من الحكام قد وردت النصوص في الكتاب والسنة صراحة ودلالة في ذمه ومحاسبته وعدم طاعته ووجوب الخروج عليه وخلعه ولو أدى إلى قتله إن لم يستجب، وذلك في الرأي الراجح عند جمهور الأئمة مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحد قولي الإمام أحمد وابن حزم من المذهب الظاهري، قال الله تعالى (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) وقال (ولَمَن انتصر بعد ظُلمه فأُولئك ما عليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق) وقال ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقَتّلوا أو يُصَلّبوا أو تُقَطع أيدِيهِم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الحياة الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) وبما أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب أُصولاً ولغة، فعموم اللفظ في هذه الآيات الكريمة يشمل الظَلَمَة والمفسدين منَ الحكام أيضاً، وفي مسند أحمد من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه (وأن لا تنازع الأمر أهله ما لم يأمروك بإثم بواحاً) وفي مسند البزار والجامع لمعمر بن راشد بلفظ (إلا أن يأمروك بمعصية الله بواحاً) وفي صحيح ابن حبان (إلا أن تكون معصية لله بواحاً) وفي سنن الترمذي وأبي داود وغيرهما من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده) وفي سنن أبي داود والبيهقي ومسند أحمد من حديث ابن مسعود رضي الله عنه (لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقصرنه على الحق قصراً) وفي صحيح البخاري والترمذي وأحمد من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) وفي رواية الترمذي وأحمد وغيرهما بلفظ (فإن أخذوا على يديهم فمنعوهم نجوا جميعاً) ومعنى الأخذ باليد في هذه الأحاديث: المنع ولو بالقوة عند كل من فسرها من العلماء، وفي صحيح مسلم وأبي عوانة وابن حبان واللفظ له عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سيكون أُمراء من بعدي يقولون مالا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون) وعند أبي عوانة وبعض طرق ابن حبان ( ويعملون ما ينكرون) وعند الطبراني (ويعملون ما تنكرون) (فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، لا إيمان بعده) وعند مسلم (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) وروى ابن الأعرابي في معجمه وأبو نعيم في أخبار أصبهان والطبراني في المعجم الصغير عن ثوبان ورواه سهل بن أسلم في تاريخ واسط عن أنس بن مالك وفي الطبراني الكبير عن النعمان بن بشير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإن لم يفعلوا فضعوا سيوفكم على عواتقكم فأبيدوا خضراءهم، فإن لم تفعلوا فكونوا حينئذ زرّاعين أشقياء تأكلون من كد أيديكم) وقد رمز السيوطي في الجامع الصغير لحسنه، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجال الصغير ثقات. وفي معجم الطبراني وابن أبي شيبة بإسنادٍ حسن من حديث ابن عباس يرفعه ( سيكون أُمراء تعرفون وتنكرون فمن نابذهم نجا ومن اعتزلهم سلم ومن خالطهم هلك) وروى الطبراني والديلمي بإسنادٍ حسن عن أبي سلالة يرفعه (سيكون عليكم أئمة يملكون أرزاقكم يحدثونكم فيكذبون ويعملون ويسيئون العمل لا يرضون منكم حتى تُحسنوا قبيحهم وتُصدقوا كذبهم فأعطوهم الحق ما رضوا به فإذا تجاوزوا فمن قتل على ذلك فهو شهيد) وفي رواية الديلمي (فقاتلوهم فمن قتل على ذلك فهو شهيد) وروى الإمام أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك وصححه من حديث عبادة بن الصامت مرفوعاً (سيلي أُموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى الله تعالى) وفي مسند أحمد وسنن ابن ماجة عن ابن مسعود مرفوعاً (سيلي أُموركم بعدي رجال يُطفئون السنة ويعملون البدعة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها فقلت يا رسول الله: إن أدركتهم كيف أفعل قال تسألني يا ابن أم عبد كيف تفعل، لا طاعة لمن عصى الله) وفي مسند أحمد ومستدرك الحاكم وغيرهما من حديث كعب بن عجرة (أعاذك الله من إمارة السفهاء، قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أُمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون علي حوضي) وفي مصنف ابن أبي شيبة من حديث عبادة يرفعه (سيكون عليكم أُمراء يأمرونكم بما تعرفون ويفعلون ماتنكرون فليس لأُولئك عليكم طاعة) وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(ستكون عليكم أمراء من بعدي يأمرونكم بما لا تعرفون ويعملون بما تنكرون، فليس أولئك عليكم بأئمة) وفي تاريخ دمشق الكبير عن ابن عمر يرفعه (من أرعب صاحب بدعة ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً).
وإليكم أقوال بعض الصحابة في ذلك ولا يعرف لهم منهم مخالف أو معارض: فقد روى اسحق بن راهويه وأبو ذر الهروي وغيرهما عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: (إن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوموني) وروى الهروي وابن عساكر وغيرهما عن عمر رضي الله عنه قال: (أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ما كنتم فاعلين؟ فسكتوا، فقال ذلك مرتين وثلاثاً، فقال بشر بن سعد: لو فعلت ذلك قومناك تقويم القدح، فقال عمر: أنتم إذاً أنتم إذاً) وروى ابن المبارك وابن عساكر وغيرهما عن محمد بن مسلمة أنه قال لعمر بن الخطاب: (لو مِلتَ عدّلناك كما يُعدل السهم في الثقاب، فقال عمر: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا مِلت عدّلوني) وروى الطبري من طريق موسى بن عقبة عن عمر أنه قال: (لودِدْتُ أني وإياكم في سفينة في لجة البحر تذهب بنا شرقاً وغرباً، فلن يعجز المسلمون أن يولوا رجلاً منهم فإن استقام اتبعوه وإن جنف قتلوه، فقال طلحة: وما عليك لو قلت وإن اعوجّ عزلوه، قال لا القتل أنكل لمن بعده) وروى الطبري في تاريخه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد ذُكر عنده الخوارج فقال: (إن خالفوا إماماً عادلاً فقاتلوهم، وإن خالفوا إماماً جائراً فلا تقاتلوهم فإن لهم مقالاً) وروى الطبراني وابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (جاهدوا المنافقين بأيديكم، فإذا لم تستطيعوا إلا أن تكفهروا في وجوههم فاكفهروا في وجوههم) وفي تاريخ ابن عساكر عن عمرو بن دينار قال: رأيت جابر بن عبد الله وبيده السيف والمصحف وهو يقول: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا من خالف ما في هذا) وفي تاريخ دمشق وتهذيب الكمال وغيرهما عن جارية بن قدامة يقول لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: (إنك أعطيتنا عهداً وميثاقاً فأعطيناك سمعاً وطاعة، فإن وفيت لنا وفينا لك وإن جنحت إلى غير ذلك فإنا تركنا وراءنا رجالاً شداداً وأسنة حداداً).
ثم أضف إلى ذلك أدلة حلف الفضول القاضية بسل السيوف في وجه الظالم ونصرة المظلوم، فقد جاء في سيرة ابن هشام أنه كان بين الحسين بن علي رضي الله عنهما وبين الوليد بن عتبة وكان أميراً على المدينة في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه منازعه في مال كان بينهما بذي المروة فكان الوليد تحامل على الحسين رضي الله عنه في حقه لسلطانه، فقال له الحسين: (أحلف بالله لتنصفني من حقي أو لآخذن سيفي ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لأدعون إلى حلف الفضول، فقال عبد الله بن الزبير وقد كان عند الوليد حين قال الحسين بن علي ما قال: وأنا أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفي ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعاً، فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري رضي الله عنه، فقال: مثل ذلك، وبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله التيمي فقال مثل ذلك، فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي).
فهذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة لتبين بياناً شافياً لا لبس فيه مشروعية الخروج على الظلمة والطواغيت، ثم إن سلمنا جدلاً لا حقيقة أن حكام هذا الزمان ليسوا كفاراً، فهم بلا استثناء ظلمة جورة فسقة قطعاً لا ظناً، تنطبق عليهم الأدلة آنفاً انطباقاً تاماً، ويكفي لذلك أنهم لا يحكمون بما أنزل الله بل يحكمون بالعلمانية والاشتراكية، قال الله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) ويكفي لظلمهم أيضاً أنهم لصوص سرقوا أموال الأُمة ونهبوها، فهذه أرصدتهم بالملايين والمليارات في حين تقبع شعوبهم تحت مستوى الفقر، ويكفي أيضاً أنهم خانوا الأُمة ومقدساتها، فتركوا فلسطين والأقصى بيد المغتصب اليهودي، بل وساوموا عليها وتنازلوا لهم عنها، ومنعوا الجهاد لتحريرها وسجنوا من حاول ذلك أو قتلوه، وأنهم ولغوا في دماء المسلمين في كل مكان لمجرد أن قالوا لهم لا، بل إن سجونهم مليئة بمن قال ربي الله، وأنهم نشروا الرذيلة وسموها فنّاً، ومنعوا الفضيلة واعتبروها رجعية، وأنهم والوا أعداء الله ورسوله من يهود ونصارى، بل وسارعوا فيهم تطبيعاً، وعاقبوا المخالف والمعارض لذلك، وأنهم عطلوا الجهاد واعتبروه إرهاباً، ومنعوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واعتبروه مدعاة إلى الفتنة والتطرف ضد نظامهم العلماني والاشتراكي، ويكفي لظلمهم أيضاً أنهم سعوا في الأرض فساداً، فنشروا جلاوزتهم وأعوانهم فقتلوا ونهبوا وشردوا، وأنهم أفسدوا المسلمين حين نشروا الريبة بينهم تحت مسمى المخابرات والأمن وذلك منذ قرن من الزمان، وأنهم فرقوا الأُمة الواحدة فجعلوها أُمماً تركية وفارسية وعربية، وجعلوا بلادها إلى إقليميات ووطنيات، كل وطن وكل شعب بما لديهم من أنظمة وحكام فرحون، وأنهم أعزة على المسلمين أذلة عند الكافرين من يهود ونصارى وغيرهم، ثم أليست البنوك الربوية المنتشرة في عالمهم إثما ومعصية بواحاً توجب الخروج عليهم على ما جاء في الحديث الصحيح آنفاً؟!، أليست موالاة الكفار والحفاظ على مصالحهم إثماً بواحاً ؟!، أليست المحسوبية والرشوة المنتشرة في دنياهم إثماً بواحاً ؟!، أليست الدعوة إلى تطبيق غير الإسلام من علمانية أو اشتراكية إثما ومعصية بواحاً ؟!، أليس تعطيل الحدود والعقوبات الشرعية إثما بواحاً ؟!، أليست الكازنوهات وبيوت الدعارة إثما بواحاً ؟!، أليست سياسة تكميم الأفواه إثماً ومعصية بواحاً ؟!، أليس تركهم للصلاة والدعوة لها وعدم إقامتها والمحاسبة على تركها إثماً ومعصية بواحاً ؟!، أليس وجود وانتشار المرتدين عن الإسلام في عالمهم دون عقوبة تردعهم يعتبر إثماً ومعصية بواحاً ؟!، أليس استحلالهم قتل المسلمين بغير حق إثما ومعصية بواحاً ؟! أليست دعواهم فصل الدين عن الحياة والسياسة إثما ومعصية بواحاً؟! أليس معاونتهم للأمريك ضد أهل العراق إثما بواحاً؟! أليس تركهم فلسطين في يد المغتصبين إثماً بواحاً؟! أليست مشاركتهم في نظام الطاغوت هيئة الأُمم ومجلس الأمن معصية وإثما بواحاً؟!!.
هذه هي أدلة مشروعية الخروج على الظلمة والطواغيت، كما تراها واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار، وهي تنطبق على حكام هذا الزمان انطباقاً تامّاً، أما المانعون والمعترضون على ذلك فلا حجة لهم سوى مبررات وتأويلات واستدلالات لا محل لها ولا تنطبق على حكام هذا الزمان.
فمن هذه الاعتراضات الموهومة: أنهم يستميتون في نفي الكفر عن حكام هذا الزمان، ليس لنفي التكفير عن المسلمين كما يزعمون، فهم يكفرون خصومهم ومخالفيهم من المسلمين لأدنى فكرة يعتنقونها، بل لأنهم يعلمون أنه لا خلاف بين الأئمة في وجوب الخروج على الحاكم الكافر، وليس ذلك منهم ليمنعوا الخروج عليهم وحسب، بل ليُسقطوا هذا المذهب من قاموس المسلمين، ليبرروا دفاعهم عنهم وارتزاقهم منهم، ولإبعاد الإسلام وعدله زيادة فوق زيادة عن الحياة والمجتمع، إذ لا عدل إلا بتطبيق الإسلام الصحيح لا إسلام الملوك والحكام، مع أنه يكفي لإثبات كفرهم أنهم لا يحكمون بما أنزل الله رادّين حكم الله تعالى مقتنعين بحكم الطاغوت من علمانية واشتراكية، وما رفضهم لكثير من الأحكام الشرعية معتبرين إياها تخلفاً ورجعية، وما مناداتهم بإبعاد الإسلام عن الحياة والسياسة، إلا أكبر دليل على ذلك، ويكفي استحلال جميعهم للحرام كاستحلالهم للربا، فمؤسساته قد ملأت عالمهم كما أشرنا إلى ذلك وغيره قبل قليل.
رد مع اقتباس