عرض مشاركة واحدة
 
  #18  
قديم 03-03-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن

السبت 10 ربيع الثاني 1433
فكما أن الصلاة والصيام لا يغني أحدهما عن الآخر، وكذلك الزكاة والحج والجهاد، لا يغني أيٌّ من هذه الثلاثة عن الآخر ولا يقوم مقامه، فكذلك أيضاً أعمال الجمعيات الخيرية والمؤسسات المالية والتعليمية فإنها لا تغني عن الطريق الشرعي العملي والجاد لإقامة الحكم بما أنزل الله، ولا تقوم مقامه. بل إنها إذا اتُّخذت طريقاً إلى إقامة شرع الله، أو إذا زُعِمَ ذلك، فإن في هذا خطراً على الأمة بما يؤدي إليه من تضليل وتنفيس، وما يلي ذلك من تيئيس وتحريف للدين. وفيه خطر بما يؤدي إليه من تضييع للجهود، ومن مزيدٍ من التردّي وتمكين الكفار وعملائهم من الأمة. والطريق العملي إلى ذلك، -بشكل إجمالي- هو تقصد أخذ السلطة من الذين يحكمون بغير ما أنزل الله عبر إيجاد جماعة تتخذ هذا الأمر هدفاً لها، فتعمل في الأمة لإقناعها بهذا الهدف، وتقوم بتغيير الأفكار المتعلقة بطريقة العيش، وبنظام الحياة وبنظام الحكم وبالحكام، وبإيجاد الرأي العام الصالح لصالح هذا الهدف، فتتهيأ الأمة لرفض النظم القائمة بتشريعاتها وقوانينها وبحكامها، ولإسقاطها وتغييرها، ولدعم الإسلام ودولته وحمايتهما.
وكما أن الطريقة يجب أن تكون عملية، فيجب كذلك أن تكون شرعية، لأن الهدف هو إقامة الحكم بما أنزل الله وليس أي حكم، فلا يجوز انتهاك حرمة الشريعة ومخالفة أمر الله بحجة إقامة أحكام الشريعة، ومثل هذا كذب متهافت وتبرير ممجوج. فلا يصح تحريف أحكام الإسلام والتضليل فيها أو العمالة للأجنبي بحجة تبادل المصالح أو حفظها، وبحجة الضرورات أو الضعف أو المحافظة على المكتسبات، فكل هذا محرَّم شرعاً، وتبريره بغاية خدمة المسلمين أو إقامة الدولة الإسلامية فرية على الدين وكذب على الأمة وخيانة بكل المقاييس. قال تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (هود 113) وقال تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (النحل 116).
وقد علمنا من طريقة النبي  أنه أنشأ جماعة تؤمن بإقامة المجتمع الإسلامي وبإقامة شرع الله وتعمل لأجل ذلك، وأنه عمل لإزالة عقائد الكفر والأفكار الفاسدة والعادات البالية، وحمل على الكفر وزعمائه، وطلب النصرة مرات عديدة لأجل أخذ الحكم، وشاء الله تعالى أن يوفقه إليها في المدينة المنورة، وأقام الدولة الإسلامية، ورفض أثناء ذلك كله التنازلات والمساومات والمداهنات، رغم انسداد السبل وصعوبة الدعوة والتعرّض للمقاطعة والتعذيب، وكان أثناء ذلك كله واضحاً صريحاً صادقاً هادفاً جاداً ثابتاً. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة 21)، إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (الأعراف 54)، أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى  وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى  أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى  تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى  إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ (النجم 19-23) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (يوسف 40)، إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (الأنبياء 98)، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ  لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ  وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ  وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ  وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ  لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (سورة الكافرون). «والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه». وقد كان هذا شأن الأنبياء قبله عليه وعليهم السلام أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ (الأنعام 90) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ (الممتحنة 4).
نعم إنّ على مريدي التغيير وتطبيق فكرة أن الحاكمية لله وحده إدْراكَ أن ذلك لا يكون إلا بالدولة الإسلامية؛ دولة الخلافة، وأن الطريق إلى ذلك لا بد أن يكون شرعياً، وبذلك يكون عملياً، والتفكير في ذلك لا يكون إلا بالخطوات العملية الشرعية، وبذلك تكون الطريقة طريقة، وبهذه الطريقة تحمل الأمانة.
ضعف الإيمان أخطر عوامل التنكب عن حمل الأمانة:
وإن من موانع سلوك هذا الطريق وحمل الأمانة، ومن أسباب تبرير الانحراف والتحريف، ضعفَ الإيمان الذي يورث القلب زيغاً ومرضاً، ويجعل منطقة الإيمان غير آمنة فيؤدي إلى اتباع الهوى وإلى الضلال والعياذ بالله.
إنه ضعف الإيمان الذي يجعل الإيمان بأن الأمر كله بيد الله تعالى، وأنه هو تعالى الذي يحيي ويميت، وأنه هو تعالى الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وأنه هو تعالى وحده الذي يملك النفع والضر، وأنه هو تعالى وحده المعز والمذل، وأن النصر من عنده وحده، وأنه مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ  لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتاكُم (الحديد 22-23) يجعل هذا الإيمان مجرد كلماتٍ يرددها اللسان، وتنطلق على المنابر وفي الدروس، ولكنها لا تتجلى في الأعمال والمواقف في أوقات الضيق والشدائد وعند الامتحان والابتلاء.
وإنه الزيغ الذي يجعل هذا كله مباحث كلامية، مباحث في الصفات وتتبع للمتشابهات، وليس مفاهيم حقيقية صادقة ماثلة تتجلى مواقف إيمانية في أعمال، دالةً على حضور الإيمان بأن الله أكبر، وأنه قدير، وأنه مع الذين آمنوا. ولذلك ترى التساقط عند الابتلاء، بل قبل وقوعه، من متزعمي التنظير للعقيدة، والشرح لمعانيها، الذين حوَّلوا المفاهيم العقدية الإيمانية إلى أبحاث منطقية وتكفيرية. لذلك فهي وإن نطق بها اللسان، أو وقرت في القلب، فإنها لم يصدقها العمل. جاء في الأثر: «إن الإيمان ما وقر في القلب وصدَّقه العمل». لذلك نرى زعماء هذا المنهج في عصرنا يعتلون منابر السلاطين، وينتصبون للفتاوى التي ترضي الحكامَ وأسيادَهم وتغضب الله تعالى، يحرفون الأحكام الشرعية، ويؤولون النصوص خدمة لهم، ويبدلون مواقفهم بحسب متطلبات نظم الكفر ومَنْ خَلْفَها من شياطين الإنس والجن. وبذلك يضللون المسلمين ويفتنونهم عن العمل الصحيح الذي يؤدي إلى قلع الكفر وسلاطينه. قال تعالى هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ (آل عمران 7).
لذلك لا يستغرب على أصحاب هذا النهج أن لا يثبتوا على قول الحق وفعل الحق إذا اقتضى هذا الثبات صبراً على بلاء ومصادمةً للأهواء وتضحية بالمناصب والمنابر والشهوات.
وضعف الإيمان هو مرض في القلب يصرف عن الإيمان بأن الأمر كله بيد الله وحده، وأنه هو النافع وحده، وبيده الضر وحده، إنه ضعف في الإيمان بالقضاء والقدر، فيرى المريض أن عدوّه كبير وينسى أن الله أكبر، ويرى أن الطريق إلى الله فيه مخاطر، وينسى أنه مخلوق لكي يعبد الله تعالى، وأنه ممتحن ويجب أن ينجح في الامتحان بثباته في الموقف والعمل، وينسى أن الإيمان هو أن تتولى الله عز وجل فيتولاك، فتكون آيات القرآن الكريم وسنة النبي  وقصص الأنبياء وسِيَرُهم، عند هؤلاء المرضى، مجرد آيات تتلى وتحفظ من غير تدبر، وقصص تتلى وتُردَّد من غير اعتبار، وروايات يحاضر فيها من غير اتباع، فإذا داهم الخطر أو لاح الابتلاء، أو سرح الفكر في الرزق أو الأمن وفي شهوات الدنيا وحطامها، تزاحمت المبررات وتوالى النكوص، وتعاظمت المكتسبات التي ينبغي الحفاظ عليها، ولو كان الطريق إلى ذلك سعياً في إرضاء الكفار على حساب أوامر الله ونواهيه. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (المائدة 51-52).
لذلك لا يستغرب على هذا الفريق أن يتنكَّب عن الطريق العملي الصحيح، أي الشرعي، وأن يجترح السيئات ويخترع المبررات لتمرير زعمه. فليس غريباً على ضعاف الإيمان هؤلاء من الذين في قلوبهم زيغ أو مرض أن يزعموا أنهم إن يريدون إلا الإصلاح، وأن يؤكدوا أنهم من الناصحين، ثم بعد ذلك أن يقدموا لأجل هذا الإصلاح أو التغيير طرقاً أو مناهج يخجل من النطق بها من بقي عنده مسكة عقل أو رجح خيره على شره، أو مَن عرف قدرَ الله تعالى وصدق إيمانه به. لذلك نرى ونسمع من هؤلاء طروحات تافهة كالدعوة إلى مصالحة الحكام وكتجميل صورتهم وتبرير مواقفهم وإضفاء الشرعية على أعمالهم. أو كزعم الضعف والضرورة والحرص على الأمة، وليس الأمر كذلك وإنما هو الهوى والتمسك بحطام الدنيا وبالشهوات، ولذلك فإن هؤلاء يفضحون أنفسهم ولا يشعرون. قال تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً  أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (الفرقان 43-44) وقال أيضاً: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (الجاثية 23).
أخي القارئ، إن حمل الأمانة هو بسلوك طريق الأنبياء وأتباعهم المؤمنين، وهو طريق الابتلاء والامتحان وتمحيص المؤمنين وتمييز الخبيث من الطيب، وسلوك هذا الطريق يتطلب الإيمان الصادق بالله وبكل ما أخبر به تعالى. ويتطلب خشية الله تعالى والخوف منه وحده وعدم الخوف من أحد سواه. ويتطلب الإيمان بالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى وحده، وأن صاحب هذا الإيمان الذي يصدقه العمل هو من أولياء الله تعالى أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (يونس 62) وأن أصحاب هذا الإيمان منصورون ومستخلفون في الأرض إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (غافر 51)، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا (النور 55).
وإن انخلاع القلب أمام المخوفـات، والخـوف من المصيـر في الدنيا، والرهبة والتحسب من سلوك الطريق إلى رضـا الله تعالى، هو من تخويف الشيطان وهو نتيجة لاتبـاع خطـواته وتوليه، وهذا بدوره نقص في الإيمان. قال تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّـيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران 175) وقـال تعـالى: أَتَخْـشَـوْنَـهُمْ فَاللَّهُ أَحَـقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (التوبة 13).
وقد جعل تعالى النصر حليف المؤمنين الصابرين، والأمن والطمأنينة لهم ولقلوبهم في كل حال وفي كل حين. قال تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (الروم 47). وقال: الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (الأنعام 82) وقال: إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (الأنفال 29). وقال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (العنكبوت 69). وقال: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (المنافقون 8).
إن قلب المؤمن إن امتلأ بخوف الله فلن يبقى فيه مكان لخوف أحد سواه. وإن صدق إيمانه بأن كل شيء بأمر الله فسيظهر ذلك، ليس على اللسان وحسب، وإنما في السلوك وفي المواقف مهما كان شأنها وليس في حالات السعة والرخاء فقط، وحينذاك ينجح المؤمن في الامتحان، فيتولاه الله سبحانه وتعالى ويفيض عليه من نعم الدنيا والآخرة. قال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (البقرة 214) وقال: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِـيـنَ عَلَى مَـا أَنْـتُـمْ عَلَـيْـهِ حَـتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (آل عمران 179).وقال: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (آل عمران 186) وقال: الم  أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لا يُفْـتَـنُـونَ  وَلَقَدْ فَـتَـنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبـْـلِـهِمْ فَلَـيَعْـلَمَـنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْـلَمَـنَّ الْكَاذِبِينَ (العنكبوت 1-3).
رد مع اقتباس