عرض مشاركة واحدة
 
  #17  
قديم 03-03-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: التغيير حتمية الدولة الإسلامية, كتاب للكاتب محمود عبد الكريم حسن

السبت 10 ربيع الثاني 1433
(5)
الأمـانـة والإيمـان
الأمانة ووجوب حملها:
خلق الله سبحانه وتعالى الناسَ لعبادته وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (الذاريات 56) هذا هو قصد الشارع من الخلق، فيجب أن يكون هو قصد المكلف في الحياة وغايته فيها. وعبادة الله تعالى لا تقتصر على أعمال المكلف في العبادات، أي فيما هو علاقة خاصة بينه وبين ربه، ولا على أعمال دون أعمال، وإنما هي في كل ما أمر الله تعالى به أو نهى عنه، فهي تتعلق بكل أعمال الناس، أفراداً وجماعات، وبكل علاقاتهم. ولذلك وجب على كل إنسانٍ عاقلٍ بالغٍ أن لا يرضى بحكمٍ غير حكم الله، فلا يَحكم إلا بما أنزل الله، ولا يُحكم إلا بما انزل الله، ولا يتحاكم إلا إلى ما أنزل الله سبحانه وتعالى، ووجب عليه أن يعمل لتحقيق هذا الأمر فهذا هو ما خُلِقَ لأجله، وهذه هي غايته في الحياة، وعليها سيحاسَب يوم القيامة. وهذا في كل مسألة، صغيرة أو كبيرة، سواء كانت من قضايا السياسة والحكم، أي من القضايا العامة، أو من القضايا الخاصة أو الجزئية. وقد جعل الله سبحانه الإيمان موقوفاً على الإيمان بهذا الواجب والقيام به. قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (النساء 65)، وجعل إيمان الذين يريدون التحاكم إلى غير ما أنزل الله تعالى مجرد زعم تعارضه الحقيقة، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّـيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا (النساء 60).
وقد كان هذا التكليف هو الأمانة التي عرضها سبحانه وتعالى على الإنسان، فقبِلَ حملها غير عالمٍ بعجزه وحده، بعد أن عجز عنها وأبى حملها غيرُه من المخلوقات. قال تعالى: إِنَّا عَرَضْـنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً (الأحزاب 72).
وتبين هذا العجز مع أول إنسانٍ خلقه الله تعالى، آدم عليه السلام، حيث أسكنه الله سبحانه وتعالى وزوجَه الجنة وأذن لهما أن يأكلا منها ويتمتعا بما فيها طولاً وعرضاً إلا شجرةً واحدةً نهاهما عنها. ولكنهما اتبعا ما وسوس لهما به الشيطان وأكلا منها، فخرجا من الجنة. وكان هذا هو شأن الإنسان دوماً، المعصية والضلال، والتفريط بالأمانة، إلا أن يعينه الله ويوفقه ويهديه ويرسل له رسالات الهدى والرحمة يهتدي بها ويرعى شؤونه ويقوّم أموره فيعبد الله وحده، ويرسل له الأنبياء والرسل، يحملون الأمانة حق الحمل فيأمرون بالمعروف وينْهَوْن عن المنكر، ويتحملون في سبيل ذلك ما شاء الله أن يتحمّلوا، ويحملون الناس على الصراط المستقيم، ويردونهم من التيه والضلال إلى الإيمان بالله وطاعته.
وقد تجلى هذا الأمر فيما قصه علينا القرآن الكريم من قَصص الأنبياء منذ أن أُهبِط آدم عليه السلام إلى الأرض إلى أن أُرسل خاتم النبيين محمد  برسالة الإسلام الخالدة والمحفوظة، حيث يتبيّن خلال ذلك كله، بشكل قاطع، أن قضية الخلق، القضية المصيرية دائماً، والتي لأجلها خلق الله تعالى ما خلق، هي قضية الحقيقة المطلقة: لا إله إلا الله، وأن يُعبَدَ اللهُ وحده، ولا يعبدَ أحدٌ سواه والتي لا يمكن أن تُفْهم على حقيقتها بعد بعثة النبي محمد ، واليوم، ولا يمكن أن تصبح واقعاً محققاً إلا بأن تقترن بحقيقة أن محمداً رسول الله.
قال تعالى في شأن آدم عليه السلام وزوجه: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (طه 123-126). وقال تعالى عن سيدنا نوح عليه السلام: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (المؤمنون 23) وقال تعالى: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (الأعراف 65). وقال تعالى: وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ (الأعراف 73) وقال تعالى: وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (العنكبوت 16) وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ  إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ  وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الزخرف 26-28) وقال: أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ ءَابَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (البقرة 133). وقال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (يوسف 40) وقال تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (الأعراف 85).
وهكذا تتابع الأنبياء والرسل لهداية الناس وردِّهم إلى عبادة الله وحده. قال تعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ (فاطر 24)، وكانت دعوتهم جميعا: يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ. قال تعالى: وَمَا أَرْسَـلْـنَـا مِـنْ قَـبْـلِكَ مِنْ رَسُـولٍ إِلاَّ نُوحِـي إِلَيْهِ أَنَّـهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنـَا فَاعْـبُـدُونِ (الأنبياء 25) وكان كل نبي يأتي إلى قومه خاصة فيقول: إِنِّي لَكُمْ رَسُـولٌ أَمِينٌ  فَاتَّـقُـوا اللَّهَ وَأَطِـيعُـونِ  وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْـرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِـينَ (الشـعراء 143-145) ثم يكرر قوله: فَاتَّـقُـوا اللَّهَ وَأَطِيـعُـونِ (الشعراء)، إلى أن بعث الله تعالى خاتم النبيين محمداً  فكان رسولاً إلى الناس كافة. قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّـةً لِلنَّـاسِ بَشِـيـرًا وَنَذِيــرًا (سبأ 28). وقال: قُـلْ يَاأَيُّـهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُـولُ اللَّهِ إِلَيْكُـمْ جَمِيـعاً (الأعراف 158) وقـال: وَمَـا أَرْسَــلْنَـاكَ إِلاَّ رَحْمـَـةً لِلْعَالَمِيـنَ (الأنبياء 107).
حمل الأمانة لا ينقطع:
وإذا كان من شأن الأقوام والناس بعد هلاك أنبيائهم أن يتبعوا خطوات الشيطان، فيبدلوا الدين ويحرفوا الرسالة ويضيعوا الأمانة، فيضلوا ويعبدوا غير الله، فلا يكون لهم سبيل إلى الهدى والنجاة وإلى حمل الأمانة إلا بنبيٍّ جديد وبرسالة جديدة من عند الله تعالى، فما هو سبيل أمة النبي محمدٍ  إذا ضيَّعت الأمانة واتبعت سنن من كان قبلها في الغِواية والضلالة، وقد علمنا يقيناً أنه ليس بعد هذه الرسالة رسالة ولا بعد هذا النبي نبي .
إن الحصن الذي لا يزول في حفظ هذه الأمة ورسالتها وحملها للأمانة هو عون الله وتكفله بأنه لن تضيع هذه الرسالة ولن تندرس مهما ابتعد عنها المسلمون ومهما صرف الصارفون وحرَّف المحرِّفون. قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر 9). فالرسالة باقية، ولن يندثر سبيل الإيمان والهدى، وستظل الرسالة نوراً يبدِّد كل ظلام، وسيظل الطريق واضحاً إلى يوم القيامة.
وإذا كانت الرسالة باقيةً ومحفوظةً إلى يوم القيامة، فمن الذي سيحملها إذا تقاعس عنها الناس أو تنكروا لها، فقد كان شأن الأمم السابقة إذا ضلّت أن يرسل الله تعالى لهم رسالةً ورسولاً، فمن سيحمل رسالة الإسلام إذا ضل الناس ولم يكن هناك رسول؟
والجواب هو أنه كما تكفَّل الله بعصمة هذه الرسالة من الضياع والتحريف، فقد تكفَّل أيضاً -برحمته- بأن لا تضل الأمة، وأن لا تقعد كلها عن حمل الرسالة، مهما كثر الضالون والمحرِّفون والمنكرون، فكما ستظل الرسالة كلها محفوظة فسيظل في الأمة من يحملها كلَّها. قال : «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ» (متفق عليه واللفظ لمسلم).
وهكذا فمهما ابتعدت الأمة عن الإسلام، ومهما غوت وشذَّت في اتباع خطوات الشيطان، ومهما غذَّت وشدَّت في سبل الظلام والعثار، فسيظل في الأمة طائفة متمسكة بالكتاب والسنة، تستنير بهما وتقتدي بهدي الأنبياء، وتقوم بعملهم الذي استخلفهم الله لأجله، وتحمل إرث الأنبياء فتكون الطائفة التي استخلفها الله في حفظ أمانته وحملها، وهي قضية لا إله إلا الله، حتى يأتي الله بأمره. قال تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي (المجادلة 21) وقال: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (غافر 51).
وبهذا تكون الأمةُ الإسلامية، أمةُ المسلمين، مهما عصَوْا وغووا، أو ظلموا وبغَوْا، بما فيها من طائفةٍ تقوم بعمل الأنبياء، تكون خير أمة أخرجت للناس، لأنها أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله. وستظل الأمة المستخلفة لتقوم بما استخلفها الله فيه، ولتقوم بمسؤوليتها عن البشرية. قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (آل عمران 110) وقال أيضاً عز من قائل: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (البقرة 143).
وعلى كل مكلَّف أن يسعى لأن يفهم هذه الأمانة ولأن يحملها ويسير بها في طريقها الواضح، فيسعى لأن يكون من هذه الطائفة، بإيمانه وعمله وسعيه معها لإقامة حكم الله في الأرض.
حفظ الأمانة لا يتم إلا بالدولة الإسلامية (الخلافة):
ولا يمكن أن تقوم الأمة الإسلامية بهذه الوظيفة التي استخلفها الله لأجلها، وكلَّفها بها ما لم تكن مدركةً لوظيفتها، ومجتمعةَ القوى لأجل القيام بها، فتَحكم وتُحكم بشرع الله، وتجاهد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا. لذلك وجب أن يكون لها كيانها التنفيذي الخاص بها، وأن تكون لها قيادتها وأميرها الذي يطبق عليها وبها شريعة الإسلام. فوجب لأجل حمل الأمانة والشهادة على الناس، أن تقوم دولة الإسلام؛ الخلافة. وأن يوجد أمير الأمة؛ الخليفة، أميراً واحداً، يبايع الأمة وتبايعه على الحكم بالإسلام. قال : «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» (رواه مسلم) وقال: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» (رواه مسلم وغيره) وقال: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخَرَ منهما» (رواه مسلم). وبغير هذه الخلافة لن تستطيع الأمة حمل الأمانة وتطبيق الإسلام، ولن تستطيع ردّ أذىً عن نفسها. قال : «وإنما الإمام جُنَّة يقاتَل من ورائه ويُتَّقى به» (متفق عليه واللفظ للبخاري) ومن لم يعرف معنى الخلافة وأهمية الخليفة، فليخضع عقله وقلبه لمعنى هذا النص النبوي: «وإنما الإمام جُنَّة يُقاتَل من ورائه ويُتَّقى به».
بهذا تقوم الأمة بعمل النبي  بحمل الرسالة إلى الناس كافة، وتقوم الطائفة المؤمنة بعملها لإيجاد هذه الخلافة بعمل الأنبياء في دعوة أقوامهم إلى عبادة الله وحده. قال : «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» (رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري).
وعلى ذلك فإن الواجب على كلِّ مكلف أن يعمل عملاً جاداً لأجل إقامة الدولة الإسلامية لأجل أن تكون الحاكمية لله، فتستأنف الحياة الإسلامية وتطبق الإسلام على المسلمين داخل كيان هذه الدولة، وهذه هي الغاية الأولى التي تمكن من تحقيق الغاية التالية وهي حمل الدعوة الإسلامية إلى العالم بالدعوة والبيان والجهاد هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (التوبة 33 والصف 9). قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (التوبة 29)، قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً (التوبة 123). وهذه الغاية، إقامة الخلافة، هي الطريقة الشرعية التي أمر بها تعالى لتحقيق الغاية من الخلق: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ (الذاريات 56)، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَـقَـكُـمْ وَالَّذِيـنَ مِنْ قَبْلِـكُـمْ لَعَـلَّـكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة 21)، قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُـولُ اللَّهِ إِلَـيْـكُـمْ جَمِيعًا (الأعراف 158).
الخط العريض في كيفية حمل الأمانة وشروطها:
إن تحقيق هذ الغاية التي خلق الله تعالى الناسَ لأجلها تقتضي القيام بأعمال من شأنها أن تؤدي إليها بحسب السنن الكونية وخصائص الأشياء والمجتمعات والعلاقات، وبحسب الأحكام الشرعية التي تعيِّن الحلال والحرام. وبهذا تكون خطوات السير أو مراحله عمليةً وشرعية، ويكون الساعون إلى تحقيق هذه الغاية صادقين جادِّين ملتزمين.
إن الغاية هي إيجاد كيان سياسي تنفيذي للإسلام، أي: دولة إسلامية، ولا يمكن أن يتحقق هذا الأمر بغير أسبابه أو بما هو ليس سبباً له، أي بما ليس من شأنه أن يؤدي إلى إقامة دولة فضلاً عن دولة إسلامية. فلا يصح مثلاً في ذهن مفكر أو جاد أن هذا يتحقق بأعمال تعليمية أو غيرها كإنشاء مدارس أو روضات، أو بناء معاهد أو مستشفيات، أو من خلال جمع أموال من الأغنياء لتوزيعها على الفقراء. فهذه وغيرها، وإن كانت بنيةٍ سليمة، ومن أعمال البر والخير المندوبة، فإنها لا تؤدي إلى إزالة الطواغيت ونظمهم ولا تؤدي إلى إقامةِ دولةٍ إسلامية أو غير إسلامية. وإنما هي، في أحسن الأحوال أعمال تقف عند حد ذاتها. فهي كمن يريد دفع عدو يهاجمه بإعانة الفقراء أو بإقامة مستشفى أو مدرسة، وكمن يريد أن يمنع الكفار من الاعتداء على دماء المسلمين وأعراضهم وثرواتهم بالجمعيات الخيرية. وهذا ليس عملياً ولا شرعياً، فوق أنه محكوم بنظم الكفر وقوانينه وشروطه.
رد مع اقتباس