عرض مشاركة واحدة
 
  #3  
قديم 10-11-2011
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: متفرقات للمراجعة

العُذْرُ بالجَهْل ِوقيامُ الحُجَّةِ
ـ خطورة تكفير المسلم:
قبل الحديث عن عذر المسلم بجهله، وبيان الحالات التي يعذر بها، لا بد من أن نبين خطورة الإقدام على تكفير المسلم من دون بينة ظاهرة تدل على كفره، وما يترتب على ذلك من مزالق عقدية لا يحمد عقابها.
وإذا كان عدم تكفير الكافر ـ الظاهر كفره ـ هو خطأ ومزلق عقدي ينقض الإيمان، فإن الإقدام على تكفير المسلم كذلك يعتبر خطأ ومزلقاً عقدياً لا تُحمد عقباه ..!
وقد تُقرر أن الخطأ في تكفير المسلم أشد خطراً على صاحبه من الخطأ في عدم تكفير الكافر، وذلك من أوجه:
منها: أن تكفير المسلم يتضمن تكذيب الله ورسوله، ورد النصوص الشرعية من الكتاب والسنة؛ وذلك أن الشارع الحكيم يصف ذاك المسلم بصفة الإسلام، ويحكم له ما للمسلمين من حرمة وحقوق .. ويأبى المكفِّر له إلا أن يصفه بالكفر ويحكم عليه بالخروج من دائرة الإسلام .. وهو بذلك مثله مثل من يرد حكم الله تعالى فيحرم ما أحل الله، ويحلل ما حرم الله .. انتصارا لهواه ونفسه .. وهذا لا شك فيه أنه كفر.
ومنها: أن تكفير المسلم ورميه بالكفر والإلحاد ونحو ذلك .. يتضمن اعتبار الإسلام الذي يعتقده والذي به صار مسلماً .. كفراً، والإيمان الذي يعتقده وصار به مؤمناً إلحاداً .. علماً أن الشارع يعتبره مسلماًً ومؤمناً له ما للمسلمين والمؤمنين وعليه ما عليهم .. فتكفير المسلم من هذا الوجه كذلك يُعتبر كفراً ومروقاً لوصف الإسلام والإيمان بالكفر ..!
ومنها: أن تكفير المسلم، ورميه بالكفر كقتله لما يترتب على التكفير من تبعات جسام، وهدر لجميع حرماته وحقوقه التي صانها وحفظها له الإسلام.
لذا نجد أن النصوص الشرعية قد نصت على تكفير من كفر مسلماً، وان تكفير المسلم كقتله، كما في صحيح مسلم وغيره، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما".
وقال -صلى الله عليه وسلم-:" أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت " أي إن لم يكن في حكمه على الآخرصائباً ومحقاً رجع تكفيره على نفسه.
وقال:" كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه "[1].
وتكفيره بغير حق انتهاك لجميع هذه الحرمات.
وقال:" من قال في مؤمن ما ليس فيه، حُبس في ردغة الخبال، حتى يأتي بالمخرج مما قال "[2].
وأي قول أغلظ وأشد من أن يُشار إلى المسلم ـ بغير حق ـ بالكفر والخروج من الدين، الذي يعني ذلك بالنسبة للمُكفَّر قتله وهدر لجميع حرماته وحقوقه..؟!
كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-:" إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فهو كقتله، ولعن المؤمن كقتله"[3].
فالحذر الحذر ـ يا أخوة الإسلام ـ من التسرع وقلة الورع في تكفير عباد الله المسلمين.
ومنها: أن الخطأ في عدم تكفير الكافر يعتبر خطأ في حق الله دون العبد؛ من جهة كونه لم يُصب حكم الله فيه .. بينما الخطأ في تكفير المسلم خطآن: خطأ بحق الله تعالى، وخطأ بحق العبد، والأول خطؤه ـ إن كان عن اجتهاد وتأويل ـ قد يغفره الله له، بينما الآخر ولو غُفر له خطؤه المتعلق بحق الله تعالى، يبقى حق العبد عليه إلى أن يقتص الله من الظالم للمظلوم، هذا إن وجد الظالم مخرجاً مما قال في أخيه المسلم بغير حق.
كما في الحديث:" الظلم ثلاثة، فظلم لا يغفره الله، وظلم يغفره، وظلم لا يتركه، فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك ،قال تعالى:{إن الشرك لظلم عظيم}. وأما الظلم الذي يغفره فظلم العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم، وأما الظلم الذي لا يتركه الله فظلم العباد بعضهم بعضاً حتى يدبر لبعضهم من بعض"[4].
لأجل ذلك احتاط أهل العلم أشد الاحتياط في إصدار الحكم بالكفر على المسلم المعين، حيث إن كان كفره يُحتمل من تسع وتسعين وجهاً، ووجه واحد يصرف عنه حكم الكفر، تراهم كانوا يأخذون بالوجه الواحد ـ الغير مكفر ـ احتياطاً لدينهم، وصوناً لحرمات ذلك المعين.
وكذلك لو حصل التردد أو الظن في تكفير شخص بعينه كانوا يتوقفون عن تكفيره، طلباً لليقين والسلامة معاً .. وهذا ـ مما لا شك فيه ـ هو المذهب الحق الذي لا نرى غيره لتضافر الأدلة الدالة عليه، وتواصل عمل السلف به وذلك أن الإسلام الصريح لا ينقضه إلا الكفر البواح الصريح الذي لا يحتمل وجها آخر غير الكفر، كما في الحديث الصحيح:" إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان". وهذا في شأن الخروج على الحكام.
قال الخطابي: معنى قوله بواحاً، يريد ظاهراً بادياً من باح بالشيء يبوح به بواحاً، وإذا أذاعه وأظهره.
وفي قوله :" عندكم من الله فيه برهان " قال ابن حجر : أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل[5].
وفي " الهندية": إذا كان في المسألة وجوه توجب الكفر ووجه واحد يمنع فعلى المفتي أن يميل إلى ذلك الوجه، إلا إذا صرح بإرادة توجب الكفر، فـلا ينفعه التأويل حينئذ[6].
وقال الغزالي في فيصل التفرقة: ولا ينبغي أن يظن أن التكفير ونفيه ينبغي أن لا يدرك قطعاً في كل مقام، بل التكفير حكم شرعي، يرجع إلى إباحة المال وسفك الدم، والحكم بالخلود في النار، فمأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشرعية، فتارة يُدرك بيقين وتارة بظن غالب، وتارة بتردد فيه، ومهما حصل تردد فالوقف فيه عن التكفير أولى[7].
وقال ابن حجر في الفتح 12/314: قال الغزالي: ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلاً، فإنَّ استباحة دماء المصلين المقرين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافرٍ في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلمٍ واحد ا- هـ.
أما الغلو في الدين، وتكفير من لا يصح تكفيره من المسلمين، والاستهانة بمحرمات الناس وحقوقهم .. فإن ذلك من أخلاق وصفات الخوارج المارقين الغلاة الذين توعدهم الإسلام في الدنيا بالقتل .. وفي الآخرة بسوء العذاب الأليم.
ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه، تحت باب: قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم طائفة من الأحاديث منها، قوله -صلى الله عليه وسلم-:" سيخرج قوم آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة ".
وفي الصحيح كذلك عن ابن عمر أنه كان يقول: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين!!
ومن صفاتهم أيضاً قوله -صلى الله عليه وسلم- فيهم:" يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصومه مع صومهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " متفق عليه.
أي من كثرة ما يصلون ويصومون، يرى المسلم صلاته وصومه ليس شيئا قياساً إلى صلاتهم وصيامهم .. وهذا مما يرهب كثيراً من عوام المسلمين إذ كيف يُقدمون على قتال من كانت هذه هي صفاتهم!!
وقال -صلى الله عليه وسلم-:"سيكون بعدي من أمتي قوم يقرؤون القرآن، لايجاوز حلوقهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شرار الخلق والخليفة"[8].
وقال -صلى الله عليه وسلم-:" الخوارج كلاب أهل النار"[9].
كل ذلك بسبب غلوهم وتنطعهم في الدين، وتكفيرهم ـ بالذنوب والمعاصي التي هي دون الكفر ـ من لا يجوز تكفيره من المسلمين .. وإعمالهم للسيف في رقاب أبناء الأمة بغير وجه حق!
أعاذنا الله منهم ومن طريقتهم، وأخلاقهم .. ومن أن نكثر سوادهم بقول أو فعل .. وجعلنا ممن يتمسكون بالكتاب والسنة، وعلى منهج وغرس السلف الصالح بإذن الله.
رد مع اقتباس