عرض مشاركة واحدة
 
  #20  
قديم 01-03-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 141-150 من 259

تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 141-150 من 259

{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }


" أعجبتم من رحمة هذه بابنها فإن الله تعالى أرحم بكم جميعاً من هذه المرأة بابنها " فتفرق المسلمون على أعظم أنواع الفرح والبشارة.

أصل لفظ الجلالة:

المسألة الثالثة: في كيفية اشتقاق هذه اللفظة بحسب اللغة، قال بعضهم هذه اللفظة ليست عربية، بل عبرانية أو سريانية، فإنهم يقولون إلهاً رحماناً ومرحيانا، فلما عرب جعل «الله الرحمن الرحيم» وهذا بعيد، ولا يلزم من المشابهة الحاصلة بين اللغتين الطعن في كون هذه اللفظة عربية أصلية، والدليل عليه قوله تعالى:

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [لقمان31: 25] وقال تعالى:
{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم19: 65]


وأطبقوا على أن المراد منه لفظة «الله» وأما الأكثرون فقد سلموا كونها لفظة عربية، أما القائلون بأن هذا اللفظ اسم علم لله تعالى فقد تخلصوا عن هذه المباحث، وأما المنكرون لذلك فلهم قولان: قال الكوفيون: أصل هذه اللفظة إلاه، فأدخلت الألف واللام عليها للتعظيم، فصار الإلاه، فحذفت الهمزة استثقالاً، لكثرة جريانها على الألسنة، فاجتمع لامان، فأدغمت الأولى فقالوا: «الله» وقال البصريون أصله لاه، فألحقوا بها الألف واللام فقيل: «الله» وأنشدوا: ـ

فكحلفة من أبي رباحيسمعها لاهه الكبار


فأخرجه على الأصل.

المسألة الرابعة: قال الخليل: أطبق جميع الخلق على أن قولنا: «الله» مخصوص بالله سبحانه وتعالى، وكذلك قولنا الإله مخصوص به سبحانه وتعالى، وأما الذين كانوا يطلقون اسم الإله على غير الله فإنما كانوا يذكرونه بالإضافة كما يقال إله كذا، أو ينركونه فيقولون: إله كما قال الله تعالى خبرًا عن قوم موسى

{ اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ قَالَ إِنَّكُم قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [الأعراف7: 138].


خواص لفظ الجلالة:

المسألة الخامسة: اعلم أن هذا الاسم مختص بخواص لم توجد في سائر أسماء الله تعالى، ونحن نشير إليها: فالخاصة الأولى: أنك إذا حذفت الألف من قولك: «الله» بقي الباقي على صورة «الله» وهو مختص به سبحانه، كما في قوله:

{ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } [الفتح48: 4]
{ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } [المنافقون63: 7]

وإن حذفت عن هذه البقية اللام الأولى بقيت البقية على صورة «له» كما في قوله تعالى:

{ لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْضَ } [الزمر39: 63] وقوله:
{ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } [التغابن64: 1]

فإن حذفت اللام الباقية كانت البقية هي قولنا: «هو» وهو أيضًا يدل عليه سبحانه كما في قوله:

{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص112: 1] وقوله:
{ هُوَ ٱلْحَىُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [غافر40: 65]

والواو زائدة بدليل سقوطها في التثنية والجمع؛ فإنك تقول؛ هما، هم فلا تبقى الواو فيهما، فهذه الخاصية موجودة في لفظ «الله» غيرموجودة في سائر الأسماء، وكما حصلت هذه الخاصية بحسب اللفظ فقد حصلت أيضاً بحسب المعنى، فإنك إذا دعوت الله بالرحمن فقد وصفته بالرحمة، وما وصفته بالقهر، وإذا دعوته بالعليم فقد وصفته بالعلم، وما وصفته بالقدرة، وأما إذا قلت يا الله فقد وصفته بجميع الصفات؛ لأن الإله لا يكون إلهاً إلا إذا كان موصوفاً بجميع هذه الصفات، فثبت أن قولنا الله قد حصلت له هذه الخاصية التي لم تحصل لسائر الأسماء.


-141-

الخاصية الثانية: أن كلمة الشهادة وهي الكلمة التي بسببها ينتقل الكافر من الكفر إلى الإسلام لم يحصل فيها إلا هذا الاسم، فلو أن الكافر قال: أشهد أن لا إله إلا الرحمن أو إلا الرحيم، أو إلا الملك، أو إلا القدوس لم يخرج من الكفر ولم يدخل في الإسلام، أما إذا قال أشهد أن لا إله إلا الله فإنه يخرج من الكفر ويدخل في الإسلام، وذلك يدل على اختصاص هذا الاسم بهذه الخاصية الشريفة، والله الهادي إلى الصواب.

الباب العاشر

في البحث المتعلق بقولنا الرحمن الرحيم

الرحمن الرحيم:

اعلم أن الأشياء على أربعة أقسام: الذي يكون نافعاً وضرورياً معاً، والذي يكون نافعاً ولا يكون ضرورياً، والذي يكون ضرورياً ولا يكون نافعاً، والذي لا يكون نافعاً ولا يكون ضرورياً.

أما القسم الأول ـ وهو الذي يكون نافعاً وضرورياً معاً ـ فأما أن يكون كذلك في الدنيا فقط، وهو مثل النفس ـ فإنه لو انقطع منك لحظة واحدة حصل الموت، وإما أن يكون كذلك في الآخرة، وهو معرفة الله تعالى، فإنها إن زالت عن القلب لحظة واحدة مات القلب، واستوجب عذاب الأبد.

وأما القسم الثاني ـ وهو الذي يكون نافعاً ولا يكون ضرورياً ـ فهو كالمال في الدنيا وكسائر العلوم والمعارف في الآخرة.

وأما القسم الثالث ـ وهو الذي يكون ضرورياً ولا يكون نافعاً ـ فكالمضار التي لا بدّ منها في الدنيا: كالأمراض، والموت، والفقر، والهرم، ولا نظير لهذا القسم في الآخرة، فإن منافع الآخرة لا يلزمها شيء من المضار.

وأما القسم الرابع ـ وهو الذي لا يكون نافعاً ولا ضرورياً ـ فهو كالفقر في الدنيا والعذاب في الآخرة.

إذا عرفت هذا فنقول: قد ذكرنا أن النفس في الدنيا نافع وضروري فلو انقطع عن الإنسان لحظة لمات في الحال، وكذلك معرفة الله تعالى أمر لا بدّ منه في الآخرة فلو زالت عن القلب لحظة لمات القلب لا محالة، لكن الموت الأول أسهل من الثاني؛ لأنه لا يتألم في الموت الأول إلا ساعة واحدة، وأما الموت الثاني فإنه يبقى ألمه أبد الآباد، وكما أن التنفس له أثران: أحدهما: إدخال النسيم الطيب على القلب وإبقاء اعتداله وسلامته، والثاني: إخراج الهواء الفاسد الحار المحترق عن القلب، كذلك الفكر له أثران: أحدهما: إيصال نسيم الحجة والبرهان إلى القلب وإبقاء اعتدال الإيمان والمعرفة عليه، والثاني: إخراج الهواء الفاسد المتولد من الشبهات عن القلب، وما ذاك إلا بأن يعرف أن هذه المحسوسات متناهية في مقاديرها منتهية بالآخرة إلى الفناء بعد وجودها، فمن وقف على هذه الأحوال بقي آمناً من الآفات واصلاً إلى الخيرات والمسرات، وكمال هذين الأمرين ينكشف لعقلك بأن تعرف أن كل ما وجدته ووصلت إليه فهو قطرة من بحار رحمه الله، وذرة من أنوار إحسانه، فعند هذا ينفتح على قلبك معرفة كون الله تعالى رحماناً رحيماً.

-142-

فإذا أردت أن تعرف هذا المعنى على التفصيل فاعلم أنك جوهر مركب من نفس، وبدن وروح، وجسد.

(أما نفسك) فلا شك أنها كانت جاهلة في مبدأ الفطرة كما قال تعالى:

{ وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأبْصَـٰرَ وَٱلأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [النحل16: 78]

ثم تأمل في مراتب القوى الحساسة والمحركة والمدركة والعاقلة، وتأمل في مراتب المعقولات وفي جهاتها، واعلم أنه لا نهاية لها ألبتة، ولو أن العاقل أخذ في اكتساب العلم بالمعقولات وسرى فيها سريان البرق الخاطف والريح العاصف وبقي في ذلك السير أبد الآبدين ودهر الداهرين لكان الحاصل له من المعارف والعلوم قدراً متناهياً، ولكانت المعلومات التي ما عرفها ولم يصل إليها أيضاً غير متناهية، والمتناهي في جنب غير المتناهي قليل في كثير، فعند هذا يظهر له أن الذي قاله الله تعالى في قوله:

{ وَمَا أُوتِيتُم مّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [الإسراء17: 85]

حق وصدق.


(وأما بدنك) فاعلم أنه جوهر مركب من الأخلاط الأربعة، فتأمل كيفية تركيبها وتشريحها، وتعرف ما في كل واحد من الأعضاء والأجزاء من المنافع العالية والآثار الشريفة وحينئذٍ يظهر لك صدق قوله تعالى:

{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [إبراهيم14: 34]

وحينئذٍ ينجلي لك أثر من آثار كمال رحمته في خلقك وهدايتك، فتفهم شيئاً قليلاً من معنى قوله الرحمن الرحيم.


لا رحمن إلا الله

فإن قيل: فهل لغير الله رحمة أم لا؟ قلنا: الحق أن الرحمة ليست إلا لله، ثم بتقدير أن تكون لغير الله رحمة إلا أن رحمة الله أكمل من رحمة غيره، وههنا مقامان: المقام الأول: في بيان أنه لا رحمة إلا لله، فنقول: الذي يدل عليه وجوه: الأول: أن الجود هو إفادة ما ينبغي لا لعوض، فكل أحد غير الله فهو إنما يعطي ليأخذ عوضاً، إلا أن الأعواض أقسام: منها جسمانية مثل أن يعطي ديناراً ليأخذ كرباساً، ومنها روحانية وهي أقسام: فأحدها: أنه يعطي المال لطلب الخدمة، وثانيها: يعطي المال لطلب الإعانة، وثالثها: يعطي المال لطلب الثناء الجميل، ورابعها: يعطي المال لطلب الثواب الجزيل، وخامسها: يعطي المال ليزيل حب المال عن القلب، وسادسها: يعطي المال لدفع الرقة الجنسية عن قلبه، وكل هذه الأقسام أعواض روحانية، وبالجملة فكل من أعطي فإنما يعطي ليفوز بواسطة ذلك العطاء بنوع من أنواع الكمال، فيكون ذلك في الحقيقة معاوضة، ولا يكون جوداً، ولا هبة، ولا عطية، أما الحق سبحانه وتعالى فإنه كامل لذاته، فيستحيل أن يعطي ليستفيد به كمالاً، فكان الجواد المطلق والراحم المطلق هو الله تعالى.

-143-

الحجة الثانية: أن كل من سوى الله فهو ممكن لذاته، والممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد واجب الوجود لذاته، فكل رحمة تصدر من غير الله فهي إنما دخلت في الوجود بإيجاد الله فيكون الرحيم في الحقيقة هو الله تعالى.

الحجة الثالثة: أن الإنسان يمكنه الفعل والترك، فيمتنع رجحان الفعل على الترك إلا عند حصول داعية جازمة في القلب، فعند عدم حصول تلك الداعية يمتنع صدور تلك الرحمة منه، وعند حصولها يجب صدور الرحمة منه، فيكون الراحم في الحقيقة هو الذي خلق تلك الداعية في ذلك القلب، وما ذاك إلا الله تعالى، فيكون الراحم في الحقيقة هو الله تعالى.

الحجة الرابعة: هب أن فلاناً يعطي الحنطة، ولكن ما لم تحصل المعدة الهاضمة للطعام لم يحصل الانتفاع بتلك الحنطة، وهب أنه وهب البستان فما لم تحصل القوة الباصرة في العين لم يحصل الانتفاع بذلك البستان، بل الحق أن خالق تلك الحنطة وذلك البستان هو الله تعالى والممكن من الانتفاع بهما هو الله، والحافظ له عن أنواع الآفات والمخافات حتى يحصل الانتفاع بتلك الأشياء هو الله تعالى، فوجب أن يقال: المنعم والراحم في الحقيقة هو الله تعالى.

المقام الثاني: في بيان أن بتقدير أن تحصل الرحمة من غير الله إلا أن رحمة الله أكمل وأعظم. وبيانه من وجوه: الأول: أن الأنعام يوجب علو حال المنعم ودناءة حال المنعم عليه بالنسبة إلى المنعم، فإذا حصل التواضع بالنسبة إلى حضرة الله فذاك خير من حصول هذه الحالة بالنسبة إلى بعض الخلق.

الثاني: أن الله تعالى إذا أنعم عليك بنعمة طلب عندها منك عملاً تتوصل به إلى استحقاق نعم الآخرة، فكأنه تعالى يأمرك بأن تكتسب لنفسك سعادة الأبد، وأما غير الله فإنه إذا أنعم عليك بنعمة أمرك بالاشتغال بخدمته والانصراف إلى تحصيل مقصوده، ولا شك أن الحالة الأولى أفضل.

الثالث: أن المنعم عليه يصير كالعبد للمنعم، وعبودية الله أولى من عبودية غير الله.

الرابع: أن السلطان إذا أنعم عليك فهو غير عالم بتفاصيل أحوالك، فقد ينعم عليك حال ما تكون غنياً عن إنعامه، وقد يقطع عنك إنعامه حال ما تكون محتاجاً إلى إنعامه، وأيضاً فهو غير قادر على الإنعام عليك في كل الأوقات وبجميع المرادات، أما الحق تعالى فإنه عالم بجميع المعلومات قادر على كل الممكنات، فإذا ظهرت بك حاجة عرفها، وإن طلبت منه شيئاً قدر على تحصيله، فكان ذلك أفضل.

-144-

الخامس: الإنعام يوجب المنة، وقبول المنة من الحق أفضل من قبولها من الخلق.

فثبت بما ذكرنا أن الرحمن الرحيم هو الله تعالى، وبتقدير أن يحصل رحمن آخر فرحمة الله تعالى أكمل وأفضل وأعلى وأجل،والله أعلم.

الباب الحادي عشر

في بعض النكت المستخرجة من قولنا (بسم الله الرحمن الرحيم)

إشارات البسملة:

النكتة الأولى: مرض موسى عليه السلام واشتد وجع بطنه، فشكا إلى الله تعالى، فدله على عشب في المفازة، فأكل منه فعوفي بإذن الله تعالى، ثم عاوده ذلك المرض في وقت آخر فأكل ذلك العشب فازداد مرضه، فقال: يا رب، أكلته أولاً فانتفعت به، وأكلته ثانياً فازداد مرضي، فقال: لأنك في المرة الأولى ذهبت مني إلى الكلأ فحصل فيه الشفاء، وفي المرة الثانية ذهبت منك إلى الكلأ فازداد المرض، أما علمت أن الدنيا كلها سم قاتل وترياقها اسمي؟.

الثانية: باتت رابعة ليلة في التهجد والصلاة، فلما انفجر الصبح نامت، فدخل السارق دارها وأخذ ثيابها؛ وقصد الباب فلم يهتد إلى الباب، فوضعها فوجد الباب، ففعل ذلك ثلاث مرات، فنودي من زاوية البيت: ضع القماش واخرج فإن نام الحبيب فالسلطان يقظان.

الثالثة: كان بعض العارفين يرعى غنماً وحضر في قطيع غنمه الذئاب، وهي لا تضر أغنامه، فمر عليه رجل وناداه: متى اصطلح الذئب والغنم؟ فقال الراعي: من حين اصطلح الراعي مع الله تعالى.

الرابعة: قوله (بسم الله) معناه أبدأ باسم الله، فأسقط منه قوله: «أبدأ» تخفيفاً، فإذا قلت بسم الله فكأنك قلت أبدأ باسم الله، والمقصود منه التنبيه على أن العبد من أول ما شرع في العمل كان مدار أمره على التسهيل والتخفيف والمسامحة، فكأنه تعالى في أول كلمة ذكرها لك جعلها دليلاً على الصفح والإحسان.

الخامسة: روى أن فرعون قبل أن يدعي الإلهية بنى قصراً وأمر أن يكتب (بسم الله) على بابه الخارج، فلما ادعى الإلهية وأرسل إليه موسى عليه السلام ودعاه فلم يرَ به أثر الرشد قال: إلهي كم أدعوه ولا أرى به خيراً، فقال تعالى: يا موسى، لعلك تريد إهلاكه، أنت تنظر إلى كفره وأنا أنظر إلى ما كتبه على بابه، والنكتة أن من كتب هذه الكلمة على بابه الخارج صار آمناً من الهلاك وإن كان كافراً فالذي كتبه على سويداء قلبه من أول عمره إلى آخره كيف يكون حاله؟.

السادسة: سمى نفسه رحماناً رحيماً فكيف لا يرحم؟ روى أن سائلاً وقف على باب رفيع فسأل شيئاً فأعطي قليلاً، فجاء في اليوم الثاني بفأس وأخذ يخرب الباب فقيل له: ولم تفعل؟ قال: إما أن يجعل الباب لائقاً بالعطية أو العطية لائقة بالباب.

-145-

إلهنا إن بحار الرحمة بالنسبة إلى رحمتك أقل من الذرة بالنسبة إلى العرش، فكما ألقيت في أول كتابك على عبادك صفة رحمتك فلا تجعلنا محرومين عن رحمتك وفضلك.

السابعة: «الله» إشارة إلى القهر والقدرة والعلو، ثم ذكر عقيبه الرحمن الرحيم، وذلك يدل على أن رحمته أكثر وأكمل من قهره.

الثامنة: كثيراً ما يتفق لبعض عبيد الملك أنهم إذا اشتروا شيئاً من الخيل والبغال والحمير وضعوا عليها سمة الملك لئلا يطمع فيها الأعداء، فكأنه تعالى يقول: إن لطاعتك عدواً وهو الشيطان فإذا شرعت في عمل فاجعل عليه سمتي، وقل: بسم الله الرحمن الرحيم، حتى لا يطمع العدو فيها.

التاسعة: اجعل نفسك قرين ذكر الله تعالى حتى لا تبعد عنه في الدارين، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " دفع خاتمه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال: أكتب فيه لا إله إلا الله، فدفعه إلى النقاش وقال: أكتب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله، فكتب النقاش فيه ذلك، فأتى أبو بكر بالخاتم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرأى النبي فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق، فقال: يا أبا بكر، ما هذه الزوائد؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله ما رضيت أن أفرق إسمك عن إسم الله، وأما الباقي فما قلته، وخجل أبو بكر، فجاء جبريل عليه السلام وقال: يا رسول الله أما إسم أبي بكر فكتبته أنا لأنه ما رضي أن يفرق إسمك عن اسم الله فما رضي الله أن يفرق إسمه عن إسمك " والنكتة أن أبا بكر لما لم يرض بتفريق اسم محمد صلى الله عليه وسلم عن إسم الله عزّ وجلّ وجد هذه الكرامة فكيف إذا لم يفارق المرء ذكر الله تعالى؟.

العاشرة: أن نوحاً عليه السلام لما ركب السفينة قال:

{ بِسْمِ اللَّهِ مَجْرِيهَا وَمُرْسَاهَا } [هود11: 41]

فوجد النجاة بنصف هذه الكلمة، فمن واظب على هذه الكلمة طول عمره كيف يبقى محروماً عن النجاة؟ وأيضاً أن سليمان عليه السلام نال مملكة الدنيا والآخرة بقوله:

{ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ } [النمل27: 30]

فالمرجو أن العبد إذا قاله فاز بملك الدنيا والآخرة.


الحادية عشرة: إن قال قائل لم قدم سليمان عليه السلام إسم نفسه على إسم الله تعالى في قوله: { إنه من سليمان } فالجواب من وجوه: الأول: أن بلقيس لما وجدت ذلك الكتاب موضوعاً على وسادتها ولم يكن لأحد إليها طريق ورأت الهدهد واقفاً على طرف الجدار علمت أن ذلك الكتاب من سليمان، فأخذت الكتاب وقالت: إنه من سليمان، فلما فتحت الكتاب ورأت بسم الله الرحمن الرحيم قالت: وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، فقوله: { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ } من كلام بلقيس لا كلام سليمان: الثاني: لعل سليمان كتب على عنوان الكتاب { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ } وفي داخل الكتاب ابتدأ بقوله: { بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } كما هو العادة في جميع الكتب، فلما أخذت بلقيس ذلك الكتاب قرأت ما في عنوانه، فقالت: إنه من سليمان، فلما فتحت الكتاب قرأت: بسم الله الرحمن الرحيم، فقالت: وأنه بسم الله الرحمن الرحيم: الثالث: أن بلقيس كانت كافرة فخاف سليمان أن تشتم الله إذا نظرت في الكتاب فقدم إسم نفسه على إسم الله تعالى، ليكون الشتم له لا لله تعالى.

-146-

الثانية عشرة: الباء من «بسم» مشتق من البر فهو البار على المؤمنين بأنواع الكرامات في الدنيا والآخرة، وأجل بره وكرامته أن يكرمهم يوم القيامة برؤيته.

مرض لبعضهم جار يهودي قال: فدخلت عليه للعيادة وقلت له: أسلم، فقال: على ماذا؟ قلت: من خوف النار قال: لا أبالي بها، فقلت: للفوز بالجنة، فقال: لا أريدها، قلت: فماذا تريد؟ قال: على أن يريني وجهه الكريم، قلت: أسلم على أن تجد هذا المطلوب، فقال لي: أكتب بهذا خطاً، فكتبت له بذلك خطاً فأسلم ومات من ساعته، فصلينا عليه ودفناه، فرأيته في النوم كأنه يتبختر فقلت له: يا شمعون، ما فعل بك ربك؟ قال: غفر لي، وقال لي: أسلمت شوقاً إليّ.

وأما السين فهو مشتق من اسمه السميع، يسمع دعاء الخلق من العرش إلى ما تحت الثرى.

روي أن زيد بن حارثة خرج مع منافق من مكة إلى الطائف فبلغا خربة فقال المنافق ندخل ههنا ونستريح، فدخلا ونام زيد فأوثق المنافق زيداً وأراد قتله، فقال زيد: لم تقتلني؟ قال: لأن محمداً يحبك وأنا أبغضه، فقال زيد: يا رحمن أغثني، فسمع المنافق صوتاً يقول: ويحك لا تقتله، فخرج من الخربة ونظر فلم يرَ أحداً، فرجع وأراد قتله فسمع صائحاً أقرب من الأول يقول: لا تقتله، فنظر فلم يجد أحداً، فرجع الثالثة وأراد قتله فسمع صوتاً قريباً يقول: لا تقتله، فخرج فرأى فارساً معه رمح فضربه الفارس ضربة فقتله، ودخل الخربة وحل وثاق زيد، وقال له: أما تعرفني؟ أنا جبريل حين دعوت كنت في السماء السابعة فقال الله عزّ وجلّ: (أدرك عبدي)، وفي الثانية كنت في السماء الدنيا، وفي الثالثة بلغت إلى المنافق.

وأما الميم فمعناه أن من العرش إلى ما تحت الثرى ملكه وملكه.

قال السدي: أصاب الناس قحط على عهد سليمان بن داود عليهما السلام، فأتوه فقالوا له: يا نبي الله، لو خرجت بالناس إلى الاستسقاء، فخرجوا وإذا بنملة قائمة على رجليها باسطة يديها وهي تقول: اللهم أنا خلق من خلقك، ولا غنى لي عن فضلك، قال: فصب الله تعالى عليهم المطر، فقال لهم سليمان عليه السلام: ارجعوا فقد استجيب لكم بدعاء غيركم.

-147-

أما قوله: «الله» فاعلموا أيها الناس أني أقول طول حياتي الله، فإذا مت أقول الله، وإذا سئلت في القبر أقول الله، وإذا جئت يوم القيامة أقول الله، وأذا أخذت الكتاب أقول الله وإذا وزنت أعمالي أقول الله، وإذا جزت الصراط أقول الله، وإذا دخلت الجنة أقول الله، وإذا رأيت الله قلت الله.

النكتة الثالثة عشرة: الحكمة في ذكر هذه الأسماء الثلاثة أن المخاطبين في القرآن ثلاثة أصناف كما قال تعالى:

{ فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرٰتِ } [فاطر35: 32]

فقال: أنا الله للسابقين، الرحمن للمقتصدين، الرحيم للظالمين، وأيضاً الله هو معطي العطاء، والرحمن هو المتجاوز عن زلات الأولياء، والرحيم هو المتجاوز عن الجفاء، ومن كمال رحمته كأنه تعالى يقول أعلم منك ما لو علمه أبواك لفارقاك، ولو علمته المرأة لجفتك، ولو علمته الأمة لأقدمت على الفرار منك، ولو علمه الجار لسعى في تخريب الدار، وأنا أعلم كل ذلك وأستره بكرمي لتعلم أني إله كريم.


الرابعة عشرة: الله يوجب ولايته، قال الله تعالى:

{ ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } [البقرة2: 256]

والرحمن يوجب محبته، قال الله تعالى:

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } [مريم19: 96]

والرحيم يوجب رحمته

{ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب33: 43].


الخامسة عشرة: قال عليه الصلاة والسلام: " من رفع قرطاساً من الأرض فيه «بسم الله الرحمن الرحيم» إجلالاً له تعالى كتب عند الله من الصديقين، وخفف عن والديه وإن كانا مشركين " وقصة بشر الحافي في هذا الباب معروفة، وعن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: " يا أبا هريرة، إذا توضأت فقل: بسم الله، فإن حفظتك لا تبرح أن تكتب لك الحسنات حتى تفرغ، وإذا غشيت أهلك فقل: بسم الله، فإن حفظتك يكتبون لك الحسنات حتى تغتسل من الجنابة، فإن حصل من تلك الواقعة ولد كتب لك من الحسنات بعدد نفس ذلك الولد، وبعدد أنفاس أعقابه إن كان له عقب، حتى لا يبقى منهم أحد. يا أبا هريرة إذا ركبت دابة فقل: بسم الله والحمد لله، يكتب لك الحسنات بعدد كل خطوة، وإذا ركبت السفينة فقل: بسم الله والحمد لله، يكتب لك الحسنات حتى تخرج منها " وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا نزعوا ثيابهم أن يقولوا: بسم الله الرحمن الرحيم، والإشارة فيه أنه إذا صار هذا الاسم حجاباً بينك وبين أعدائك من الجن في الدنيا أفلا يصير حجاباً بينك وبين الزبانية في العقبى؟ ".

-148-

السادسة عشرة: كتب قيصر إلى عمر رضي الله عنه أن بي صُداعاً لا يسكن فابعث لي دواء، فبعث إليه عمر قلنسوة فكان إذا وضعها على رأسه يسكن صداعه، وإذا رفعها عن رأسه عاوده الصداع، فعجب منه ففتش القلنسوة فإذا فيها كاغد مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم.

السابعة عشرة: قال صلى الله عليه وسلم: " من توضأ ولم يذكر اسم الله تعالى كان طهوراً لتلك الأعضاء، ومن توضأ وذكر اسم الله تعالى كان طهوراً لجميع بدنه " فإذا كان الذكر على الوضوء طهوراً لكل البدن فذكره عن صميم القلب أولى أن يكون طهوراً للقلب عن الكفر والبدعة.

الثامنة عشرة: طلب بعضهم آية من خالد بن الوليد فقال: إنك تدعي الإسلام فأرنا آية لنسلم، فقال: ائتوني بالسم القاتل، فأتى بطاس من السم، فأخذها بيده وقال: بسم الله الرحمن الرحيم، وأكل الكل وقام سالماً بإذن الله تعالى، فقال المجوس هذا دين حق.

التاسعة عشرة: مر عيسى بن مريم عليه السلام على قبر فرأى ملائكة العذاب يعذبون ميتاً، فلما انصرف من حاجته مر على القبر فرأى ملائكة الرحمة معهم أطباق من نور، فتعجب من ذلك، فصلى ودعا الله تعالى فأوحى الله تعالى إليه: يا عيسى، كان هذا العبد عاصياً ومذ مات كان محبوساً في عذابي، وكان قد ترك امرأة حبلى فولدت ولداً وربته حتى كبر، فسلمته إلى الكتاب فلقنه المعلم بسم الله الرحمن الرحيم، فاستحيت من عبدي أن أعذبه بناري في بطن الأرض وولده يذكر اسمي على وجه الأرض.

العشرون: سئلت عمرة الفرغانية ـ وكانت من كبار العارفات ـ ما الحكمة في أن الجنب والحائض منهيان عن قراءة القرآن دون التسمية فقالت: لأن التسمية ذكر اسم الحبيب والحبيب لا يمنع من ذكر الحبيب.

الحادية والعشرون: قيل في قوله: «الرحيم» هو تعالى رحيم بهم في ستة مواضع في القبر وحشراته، والقيامة وظلماته، والميزان ودرجاته، وقراءة الكتاب وفزعاته، والصراط ومخافاته والنار ودركاته.

الثانية والعشرون: كتب عارف «بسم الله الرحمن الرحيم» وأوصى أن تجعل في كفنه فقيل له: أي فائدة لك فيه فقال: أقول يوم القيامة: إلهي بعثت كتاباً وجعلت عنوانه بسم الله الرحمن الرحيم، فعاملني بعنوان كتابك.

الثالثة والعشرون: قيل «بسم الله الرحمن الرحيم» تسعة عشر حرفاً، وفيه فائدتان: إحداهما: أن الزبانية تسعة عشر، فالله تعالى يدفع بأسهم بهذه الحروف التسعة عشر، الثانية: خلق الله تعالى الليل والنهار أربعة وعشرين ساعة، ثم فرض خمس صلوات في خمس ساعات فهذه الحروف التسعة عشر تقع كفارات للذنوب التي تقع في تلك الساعات التسعة عشر.

الرابعة والعشرون: لما كانت سورة التوبة مشتملة على الأمر بالقتال لم يكتب في أولها «بسم الله الرحمن الرحيم» وأيضاً السنة أن يقال عند الذبح «باسم الله، والله أكبر» ولا يقال: «بسم الله الرحمن الرحيم» لأن وقت القتال والقتل لا يليق به ذكر الرحمن الرحيم، فلما وفقك لذكر هذه الكلمة في كل يوم سبع عشرة مرة في الصلوات المفروضة دل ذلك على أنه ما خلقك للقتل والعذاب، وإنما خلقك للرحمة والفضل والإحسان، والله تعالى الهادي إلى الصواب.

-149-

الكلام في سورة الفاتحة وفي ذكر أسماء

هذه السورة، وفيه أبواب:

الباب الأول

اعلم أن هذه السورة لها أسماء كثيرة، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى: ـ

أسماء الفاتحة وسببها:

فالأول: «فاتحة الكتاب» سميت بذلك الاسم لأنه يفتتح بها في المصاحف والتعليم، والقراءة في الصلاة، وقيل سميت بذلك لأن الحمد فاتحة كل كلام على ما سيأتي تقريره، وقيل لأنها أول سورة نزلت من السماء.

والثاني: «سورة الحمد» والسبب فيه أن أولها لفظ الحمد.

والثالث: «أم القرآن» والسبب فيه وجوه:

الأول: أن أم الشيء أصله، والمقصود من كل القرآن تقرير أمور أربعة: الإلهيات، والمعاد، والنبوات، وإثبات القضاء والقدر لله تعالى، فقوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } يدل على الإلهيات، وقوله: { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ } يدل على المعاد، وقوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } يدل على نفي الجبر والقدر وعلى إثبات أن الكل بقضاء الله وقدره، وقوله: { ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ ٱلضَّالّينَ } يدل أيضاً على إثبات قضاء الله وقدره وعلى النبوات، وسيأتي شرح هذه المعاني بالاستقصاء، فلما كان المقصد الأعظم من القرآن هذه المطالب الأربعة وكانت هذه السورة مشتملة عليها لقبت بأم القرآن.

السبب الثاني لهذا الاسم: أن حاصل جميع الكتب الإلهية يرجع إلى أمور ثلاثة: إما الثناء على الله باللسان، وإما الاشتغال بالخدمة والطاعة، وإما طلب المكاشفات والمشاهدات، فقوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ } كله ثناء على الله، وقوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } اشتغال بالخدمة والعبودية،إلا أن الابتداء وقع بقوله { إياك نعبد } وهو إشارة إلى الجد والاجتهاد في العبودية، ثم قال: { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وهو إشارة إلى اعتراف العبد بالعجز والذلة والمسكنة والرجوع إلى الله، وأما قوله: { ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } فهو طلب للمكاشفات والمشاهدات وأنواع الهدايات.

السبب الثالث لتسمية هذه السورة بأم الكتاب: أن المقصود من جميع العلوم: إما معرفة عزة الربوبية، أو معرفة ذلة العبودية فقوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ } يدل على أنه هو الإله المستولي على كل أحوال الدنيا والآخرة، ثم من قوله: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } إلى آخر السورة يدل على ذل العبودية، فإنه يدل على أن العبد لا يتم له شيء من الأعمال الظاهرة ولا من المكاشفات الباطنة إلا بإعانة الله تعالى وهدايته.

-150-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس