عرض مشاركة واحدة
 
  #15  
قديم 12-31-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 91-100 من 259

تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 91-100 من 259

{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }


المسألة الثانية: اعلم أنا استخرجنا لقول من يقول الاسم نفس المسمى تأويلاً لطيفاً دقيقاً، وبيانه أن الاسم اسم لكل لفظ دل على معنى من غير أن يدل على زمان معين، ولفظ الاسم كذلك، فوجب أن يكون لفظ الاسم إسماً لنفسه، فيكون لفظ الاسم مسمى بلفظ الاسم، ففي هذه الصورة الاسم نفس المسمى، إلا أن فيه إشكالاً، وهو أن كون الاسم إسماً للمسمى من باب الاسم المضاف، وأحد المضافين لا بدّ وأن يكون مغايراً للآخر.

المسألة الثالثة: في ذكر الدلائل الدالة على أن الاسم لا يجوز أن يكون هو المسمى، وفيه وجوه: ـ

الأول: أن الاسم قد يكون موجوداً مع كون المسمى معدوماً، فإن قولنا: «المعدوم منفي» معناه سلب لا ثبوت له، والألفاظ موجودة مع أن المسمى بها عدم محض ونفي صرف، وأيضاً قد يكون المسمى موجوداً والاسم معدوماً مثل الحقائق التي ما وضعوا لها أسماء معينة، وبالجملة فثبوت كل واحد منهما حال عدم الآخر معلوم مقرر وذلك يوجب المغايرة.

الثاني: أن الأسماء تكون كثيرة مع كون المسمى واحد كالأسماء المترادفة، وقد يكون الاسم واحداً والمسميات كثيرة كالأسماء المشتركة، وذلك أيضاً يوجب المغايرة.

الثالث: أن كون الاسم إسماً للمسمى وكون المسمى مسمى بالاسم من باب الإضافة كالمالكية والمملوكية، وأحد المضافين مغاير للآخر ولقائل أن يقول: يشكل هذا بكون الشيء عالماً بنفسه.

الرابع: الاسم أصوات مقطعة وضعت لتعريف المسميات، وتلك الأصوات أعراض غير باقية، والمسمى قد يكون باقياً، بل يكون واجب الوجود لذاته.

الخامس: أنا إذا تلفظنا بالنار والثلج فهذان اللفظان موجودان في ألسنتنا، فلو كان الاسم نفس المسمى لزم أن يحصل في ألسنتنا النار والثلج، وذلك لا يقوله عاقل.

السادس: قوله تعالى: { وَللَّهِ ٱلأَسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } وقوله صلى الله عليه وسلم: " إن لله تعالى تسعة وتسعين إسماً " فههنا الأسماء كثيرة والمسمى واحد، وهو الله عزّ وجلّ.

السابع: أن قوله تعالى: { بِسْمِ اللَّهِ } وقوله:

{ تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبّكَ } [الرحمن55: 78]

-91-

ففي هذه الآيات يقتضي إضافة الاسم إلى الله تعالى وإضافة الشيء إلى نفسه محال.

الثامن: أنا ندرك تفرقة ضرورية بين قولنا إسم الله، وبين قولنا اسم الاسم، وبين قولنا الله الله، وهذا يدل على أن الاسم غير المسمى.

التاسع: أنا نصف الأسماء بكونها عربية وفارسية فنقول: الله اسم عربي، وخداي اسم فارسي، وأما ذات الله تعالى فمنزه عن كونه كذلك.

العاشر: قال الله تعالى:

{ وَللَّهِ ٱلاسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [الأعراف7: 180]

أمرنا بأن ندعو الله بأسمائه فالاسم آلة الدعاء، والمدعو هو الله تعالى، والمغايرة بين ذات المدعو وبين اللفظ الذي يحصل به الدعاء معلوم بالضرورة.


واحتج من قال الاسم هو المسمى بالنص، والحكم، أما النص فقوله تعالىٰ:

{ تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبّكَ } [الرحمن55: 78]

والمتبارك المتعالي هو الله تعالى لا الصوت ولا الحرف، وأما الحكم فهو أن الرجل إذا قال: زينب طالق، وكان زينب إسماً لامرأته وقع عليها الطلاق، ولو كان الاسم غير المسمى لكان قد أوقع الطلاق على غير تلك المرأة، فكان يجب أن لا يقع الطلاق عليها.


والجواب عن الأول أن يقال: لم لا يجوز أن يقال: كما أنه يجب علينا أن نعتقد كونه تعالى منزهاً عن النقائص والآفات، فكذلك يجب علينا تنزيه الألفاظ الموضوعة لتعريف ذات الله تعالى وصفاته عن العبث والرفث وسوء الأدب.

وعن الثاني أن قولنا زينب طالق معناه أن الذات التي يعبر عنها بهذا اللفظ طالق، فلهذا السبب وقع الطلاق عليها.

المسألة الرابعة: التسمية عندنا غير الاسم، والدليل عليه أن التسمية عبارة عن تعيين اللفظ المعين لتعريف الذات المعينة، وذلك التعيين معناه قصد الواضع وإرادته، وأما الاسم فهو عبارة عن تلك اللفظة المعينة. والفرق بينهما معلوم بالضرورة.

الاسم أسبق من الفعل وضعا:

المسألة الخامسة: قد عرفت أن الألفاظ الدالة على تلك المعاني تستتبع ذكر الألفاظ الدالة على ارتباط بعضها بالبعض، فلهذا السبب الظاهر وضع الأسماء والأفعال سابق على وضع الحروف، فأما الأفعال والأسماء فأيهما أسبق؟ الأظهر أن وضع الأسماء سابق على وضع الأفعال، ويدل عليه وجوه: ـ

الأول: أن الاسم لفظ دال على الماهية، والفعل لفظ دال على حصول الماهية بشيء من الأشياء في زمان معين، فكان الاسم مفرداً والفعل مركباً، والمفرد سابق على المركب بالذات والرتبة، فوجب أن يكون سابقاً عليه في الذكر واللفظ.

الثاني: أن الفعل يمتنع التلفظ به إلا عند الإسناد إلى الفاعل، أما اللفظ الدال على ذلك الفاعل فقد يجوز التلفظ به من غير أن يسند إليه الفعل، فعلى هذا الفاعل غنيّ عن الفعل، والفعل محتاج إلى الفاعل، والغنيّ سابق بالرتبة على المحتاج، فوجب أن يكون سابقاً عليه في الذكر.

الثالث: أن تركيب الاسم مع الاسم مفيد، وهو الجملة المركبة من المبتدأ والخير، أما تركيب الفعل مع الفعل فلا يفيد ألبتة، بل ما لم يحصل في الجملة الاسم لم يفد ألبتة، فعلمنا أن الاسم متقدم بالرتبة، على الفعل، فكان الأظهر تقدمه عليه بحسب الوضع.

-92-

تقدم اسم الجنس على المشتق وضعا:

المسألة السادسة: قد علمت أن الاسم قد يكون اسماً للماهية من حيث هي هي، وقد يكون إسماً مشتقاً وهو الاسم الدال على كون الشيء موصوفاً بالصفة الفلانية كالعالم والقادر، والأظهر أن أسماء الماهيات سابقة بالرتبة على المشتقات، لأن الماهيات مفردات والمشتقات مركبات والمفرد قبل المركب.

المسألة السابعة: يشبه أن تكون أسماء الصفات سابقة بالرتبة على أسماء الذوات القائمة بأنفسها؛ لأنا لا نعرف الذوات إلا بواسطة الصفات القائمة بها، والمعرف معلوم قبل المعرف والسبق في المعرفة يناسب السبق في الذكر.

أقسام أسماء المسميات:

المسألة الثامنة: في أقسام الأسماء الواقعة على المسميات: اعلم أنها تسعة، فأولها: الاسم الواقع على الذات، وثانيها: الاسم الواقع على الشيء بحسب جزء من أجزاء ذاته كما إذا قلنا للجدار أنه جسم وجوهر، وثالثها: الاسم الواقع على الشيء بحسب صفة حقيقية قائمة بذاته كقولنا للشيء إنه أسود وأبيض وحار وبارد فإن السواد والبياض والحرارة والبرودة صفات حقيقية قائمة بالذات لا تعلق لها بالأشياء الخارجية، ورابعها: الاسم الواقع على الشيء بحسب صفة إضافية فقط كقولنا للشيء إنه معلوم ومفهوم ومذكور ومالك ومملوك، وخامسها: الاسم الواقع على الشيء بحسب حالة سلبية كقولنا إنه أعمى وفقير وقولنا إنه سليم عن الآفات خالٍ عن المخافات، وسادسها: الاسم الواقع على الشيء بحسب صفة حقيقية مع صفة إضافية كقولنا للشيء إنه عالم وقادر فإن العلم عند الجمهور صفة حقيقية ولها إضافة إلى المعلومات والقدرة صفة حقيقية ولها إضافة إلى المقدورات، وسابعها: الاسم الواقع على الشيء بحسب صفة حقيقية مع صفة سلبية كالمفهوم من مجموع قولنا قادر لا يعجز عن شيء وعالم لا يجهل شيئاً. وثامنها: الاسم الواقع على الشيء بحسب صفة إضافية مع صفة سلبية مثل لفظ الأول فإنه عبارة عن مجموع أمرين: أحدهما: أن يكون سابقاً على غيره وهو صفة إضافية. والثاني: أن لا يسبقه غيره وهو صفة سلبية، ومثل القيوم فإن معناه كونه قائماً بنفسه مقوماً لغيره فقيامه بنفسه أنه لا يحتاج إلى غيره وتقويمه لغيره احتياج غيره إليه، والأول: سلب، والثاني: إضافة، وتاسعها: الاسم الواقع على الشيء بحسب مجموع صفة حقيقية وإضافية وسلبية، فهذا هو القول في تقسيم الأسماء، وسواء كان الاسم إسماً لله سبحانه وتعالى أو لغيره من أقسام المحادثات فإنه لا يوجد قسم آخر من أقسام الأسماء غير ما ذكرناه.

المسألة التاسعة: في بيان أنه هل لله تعالى بحسب ذاته المخصوصة اسم أم لا؟ اعلم أن الخوض في هذه المسألة مسبوق بمقدمات عالية من المباحث الآلهية:

المقدمة الأولى: أنه تعالى مخالف لخلقه، لذاته المخصوصة لا لصفة، والدليل عليه أن ذاته من حيث هي هي مع قطع النظر عن سائر الصفات إن كانت مخالفة لخلقه فهو المطلوب، وإن كانت مساوية لسائر الذوات فحينئذٍ تكون مخالفة ذاته لسائر الذوات لا بدّ وأن يكون لصفة زائدة، فاختصاص ذاته بتلك الصفة التي لأجلها وقعت المخالفة إن لم يكن لأمر ألبتة فحينئذٍ لزم رجحان الجائز لا لمرجح، وإن كان لأمر آخر لزم إما التسلسل وإما الدور وهما محالان، فإن قيل؛ هي قولنا فهذا يقتضي أن تكون خصوصية تلك الصفة لصفة أخرى ويلزم منه التسلسل،وهو محال.

-93-

المقدمة الثانية: أنا نقول: إنه تعالى ليس بجسم ولا جوهر، لأن سلب الجسمية والجوهرية مفهوم سلبي، وذاته المخصوصة أمر ثابت، والمغايرة بين السلب والثبوت معلوم بالضرورة، وأيضاً فذاته المخصوصة ليست عبارة عن نفس القادرية والعالمية، لأن المفهوم من القادرية والعالمية مفهومات إضافية، وذاته ذات قائمة بنفسها والفرق بين الموجود القائم بالنفس وبين الاعتبارات النسبية والإضافية معلوم بالضرورة.

المقدمة الثالثة: في بيان أنا في هذا الوقت لا نعرف ذاته المخصوصة، ويدل عليه وجوه:

الأول: أنا إذا رجعنا إلى عقولنا وأفهامنا لم نجد عند عقولنا من معرفة الله تعالى إلا أحد أمور: أربعة: إما العلم بكونه موجوداً، وإما العلم بدوام وجوده، وإما العلم بصفات الجلال وهي الاعتبارات السلبية، وإما العلم بصفات الإكرام وهي الاعتبارات الإضافية، وقد ثبت بالدليل أن ذاته المخصوصة مغايرة لكل واحد من هذه الأربعة؛ فإنه ثبت بالدليل أن حقيقته غير وجوده، وإذا كان كذلك كانت حقيقته أيضاً مغايرة لدوام وجوده، وثبت أن حقيقته غير سلبية وغير إضافية، وإذا كان لا معلوم عند الخلق إلا أحد هذه الأمور الأربعة وثبت أنها مغايرة لحقيقته المخصوصة، ثبت أن حقيقته المخصوصة غير معلومة للبشر.

الثاني: أن الاستقراء التام يدل على أنا لا يمكننا أن نتصور أمراً من الأمور إلا من طرق أمور أربعة: أحدها: الأشياء التي أدركناها بإحدى هذه الحواس الخمس، وثانيها: الأحوال التي ندركها من أحوال أبداننا كالألم واللذة والجوع والعطش والفرح والغم، وثالثها: الأحوال التي ندركها بحسب عقولنا مثل علمنا بحقيقة الوجود والعدم والوحدة والكثرة والوجوب والإمكان، ورابعها: الأحوال التي يدركها العقل والخيال من تلك الثلاثة، فهذه الأشياء هي التي يمكننا أن نتصورها وأن ندركها من حيث هي هي، فإذا ثبت هذا وثبت أن حقيقة الحق سبحانه وتعالى مغايرة لهذه الأقسام، ثبت أن حقيقته غير معقولة للخلق.

الثالث: أن حقيقته المخصوصة علة لجميع لوازمه من الصفات الحقيقية والإضافية والسلبية والعلم بالعلة علة للعلم بالمعلول، ولو كانت حقيقته المخصوصة معلومة لكانت صفاته بأسرها معلومة بالضرورة، وهذا معدوم فذاك معدوم، فثبت أن حقيقة الحق غير معقولة للبشر.

-94-

المقدمة الرابعة: في بيان أنها وإن لم تكن معقولة للبشر فهل يمكن أن تصير معقولة لهم.

المقدمة الخامسة: في بيان أن البشر وإن امتنع في عقولهم إدراك تلك الحقيقة المخصوصة فهل يمكن ذلك العرفان في حق جنس الملائكة أو في حق فرد من أفرادهم؟ الإنصاف أن هذه المباحث صعبة، والعقل كالعاجز القاصر في الوفاء بها كما ينبغي، وقال بعضهم: عقول المخلوقات ومعارفهم متناهية، والحق تعالى غير متناهٍ، والمتناهي يمتنع وصوله إلى غير المتناهي ولأن أعظم الأشياء هو الله تعالى، وأعظم العلوم علم الله سبحانه وتعالى، وأعظم الأشياء لا يمكن معرفته إلا بأعظم العلوم، فعلى هذا لا يعرف الله إلا الله.

المقدمة السادسة: اعلم أن معرفة الأشياء على نوعين: معرفة عرضية، ومعرفة ذاتية: أما المعرفة العرضية فكما إذا رأينا بناء علمنا بأنه لا بدّ له من بان، فأما أن ذلك الباني كيف كان في ماهيته، وأن حقيقته من أي أنواع الماهيات، فوجود البناء لا يدل عليه، وأما المعرفة الذاتية فكما إذا عرفنا اللون المعين ببصرنا، وعرفنا الحرارة بلمسنا، وعرفنا الصوت بسمعنا، فإنه لا حقيقة للحرارة والبرودة إلا هذه الكيفية الملموسة، ولا حقيقة للسواد والبياض إلا هذه الكيفية المرئية، إذا عرفت هذا فنقول: إنا إذا علمنا احتياج المحدثات إلى محدث وخالق فقد عرفنا الله تعالى معرفة عرضية إنما الذي نفيناه الآن هو المعرفة الذاتية، فلتكن هذه الدقيقة معلومة حتى لا تقع في الغلط.

المقدمة السابعة: اعلم أن إدراك الشيء من حيث هو هو ـ أعني ذلك النوع الذي سميناه بالمعرفة الذاتية ـ يقع في الشاهد على نوعين: أحدهما: العلم، والثاني: الإبصار، فإنا إذا أبصرنا السواد ثم غمضنا العين فإنا نجد تفرقة بديهية بين الحالتين، فعلمنا أن العلم غير، وأن الإبصار غير، إذا عرفت هذا فنقول: بتقدير أنه يقال يمكن حصول المعرفة الذاتية للخلق فهل لتلك المعرفة ولذلك الإدراك طريق واحد فقط أو يمكن وقوعه على طريقين مثل ما في الشاهد من العلم والإبصار؟ هذا أيضاً مما لا سبيل للعقل إلى القضاء به والجزم فيه، وبتقدير أن يكون هناك طريقان: أحدهما: المعرفة، والثاني: الإبصار فهل الأمر هناك مقصور على هذين الطريقين أو هناك طرق كثيرة ومراتب مختلفة؟ كل هذه المباحث مما لا يقدر العقل على الجزم فيها ألبتة، فهذا هو الكلام في هذه المقدمات.

المسألة العاشرة: في أنه هل لله تعالى بحسب ذاته المخصوصة اسم أم لا؟ نقل عن قدماء الفلاسفة إنكاره، قالوا: والدليل عليه أن المراد من وضع الاسم الإشارة بذكره إلى المسمى فلو كان لله بحسب ذاته اسم لكان المراد من وضع ذلك الاسم ذكره مع غيره لتعريف ذلك المسمى، فإذا ثبت أن أحداً من الخلق لا يعرف ذاته المخصوصة ألبتة لم يبق في وضع الاسم لتلك الحقيقة فائدة، فثبت أن هذا النوع من الاسم مفقود، فعند هذا قالوا: إنه ليس لتلك الحقيقة اسم، بل له لوازم معرفة، وتلك اللوازم هي أنه الأزلي الذي لا يزول، وأنه الواجب الذي لا يقبل العدم، وأما الذين قالوا إنه لا يمتنع في قدرة الله تعالى أن يشرف بعض المقربين من عباده بأن يجعله عارفاً بتلك الحقيقة المخصوصة قالوا: إذا كان الأمر كذلك فحينئذٍ لا يمتنع وضع الاسم لتلك الحقيقة المخصوصة، فثبت أن هذه المسألة مبنية على تلك المقدمات السابقة.

-95-

المسألة الحادية عشرة: بتقدير أن يكون وضع الاسم لتلك الحقيقة المخصوصة ممكناً وجب القطع بأن ذلك الاسم أعظم الأسماء، وذلك الذكر أشرف الأذكار، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، وشرف الذكر بشرف المذكور، فلما كان ذات الله تعالى أشرف المعلومات والمذكورات كان العلم به أشرف العلوم، وكان ذكر الله أشرف الأذكار، وكان ذلك الاسم أشرف الأسماء وهو المراد من الكلام المشهور الواقع في الألسنة، وهو اسم الله الأعظم، ولو اتفق لملك مقرب أو نبي مرسل الوقوف على ذلك الاسم حال ما يكون قد تجلى له معناه لم يبعد أن يطيعه جميع عوالم الجسمانيات والروحانيات.

اسم الله الأعظم:

المسألة الثانية عشرة: القائلون بأن الاسم الأعظم موجود اختلفوا فيه على وجوه:

الأول: قول من يقول إن ذلك الاسم الأعظم هو قولنا:

{ ذُو الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ } [الرحمن55: 27]

وورد فيه قوله عليه الصلاة والسلام: " ألظوا بياذا الجلال والإكرام " وهذا عندي ضعيف، لأن الجلال إشارة إلى الصفات السلبية، والإكرام إشارة إلى الصفات الإضافية، وقد عرفت أن حقيقته المخصوصة مغايرة للسلوب والإضافات.


والقول الثاني: قول من يقول أنه هو

{ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [البقرة2: 255]

لقوله عليه الصلاة والسلام لأبي ابن كعب: ما أعظم آية في كتاب الله تعالى؟ فقال:

{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ } [البقرة2: 255]

فقال: " ليهنك العلم أبا المنذر " وعندي أنه ضعيف، وذلك لأن الحي هو الدراك الفعال، وهذا ليس فيه كثرة عظمة لأنه صفة، وأما القيوم فهو مبالغة في القيام، ومعناه كونه قائماً بنفسه مقوماً لغيره، فكونه قائماً بنفسه مفهوم سلبي وهو استغناؤه عن غيره، وكونه مقوماً لغيره صفة إضافية فالقيوم لفظ دال على مجموع سلب وإضافة، فلا يكون ذلك عبارة عن الاسم الأعظم.


القول الثالث: قول من يقول: أسماء الله كلها عظيمة مقدسة، ولا يجوز وصف الواحد منها بأنه أعظم؛ لأن ذلك يقتضي وصف ما عداه بالنقصان، وعندي أن هذا أيضاً ضعيف لأنا بينا أن الأسماء منقسمة إلى الأقسام التسعة، وبينا أن الاسم الدال على الذات المخصوصة يجب أن يكون أشرف الأسماء وأعظمها، وإذا ثبت هذا بالدلائل فلا سبيل فيه إلى الإنكار.

-96-

القول الرابع: أن الاسم الأعظم هو قولنا: «الله» وهذا هو الأقرب عندي لأنا سنقيم الدلالة على أن هذا الاسم يجري مجرى اسم العلم في حقه سبحانه، وإذا كان كذلك كان دالاً على ذاته المخصوصة.

المسألة الثالثة عشرة: أما الاسم الدال على المسمى بحسب جزء من أجزاء ماهية المسمى فهذا في حق الله تعالى محال، لأن هذا إنما يتصور في حق من كانت ماهيته مركبة من الأجزاء وذلك في حق الله محال، لأن كل مركب فإنه محتاج إلى جزئه، وجزؤه غيره فكل مركب فإنه محتاج إلى غيره، وكل محتاج إلى غيره فهو ممكن، ينتج أن كل مركب فهو ممكن لذاته، فما لا يكون ممكناً لذاته امتنع أن يكون مركباً، وما لا يكون مركباً امتنع أن يحصل له اسم بحسب جزء ماهيته.

المسألة الرابعة عشرة: اعلم أنّا بينا أن الاسم الدال على الذات هل هو حاصل في حق الله تعالىٰ أم لا، قد ذكرنا اختلاف الناس فيه، وأما الاسم الدال بحسب جزء الماهية فقد أقمنا البرهان القاطع على امتناع حصوله في حق الله تعالى، فبقيت الأقسام السبعة فنقول: أما الاسم الدال على الشيء بحسب صفة حقيقية قائمة بذاته المخصوصة فتلك الصفة إما أن تكون هي الوجود وإما أن تكون كيفية من كيفيات الوجود، وإما أن تكون صفة أخرى مغايرة للوجود ولكيفيات ذلك الوجود، ونحن نذكر المسائل المفرعة على هذه الأقسام، والله الهادي.

الباب الرابع

في البحث عن الأسماء الدالة على الصفات الحقيقية

قد عرفت أن هذا البحث ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: الأسماء الدالة على الوجود وفيه مسائل:

تسمية الله بالشيء:

المسألة الأولى: أطبق الأكثرون على أنه يجوز تسمية الله تعالى باسم الشيء ونقل عن جهم بن صفوان أن ذلك غير جائز، أما حجة الجمهور فوجوه: ـ

الحجة الأولى: قوله تعالى:

{ قُلْ أَىُّ شَىْء أَكْبَرُ شَهَـٰدةً قُلِ ٱللَّهِ } [الأنعام6: 19]

وهذا يدل على أنه يجوز تسمية الله باسم الشيء، فإن قيل: لو كان الكلام مقصوراً على قوله: { قُلِ ٱللَّهُ } لكان دليلكم حسناً، لكن ليس الأمر كذلك بل المذكور هو قوله تعالى:

{ قُلِ ٱللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ } [الأنعام6: 19]

وهذا كلام مستقل بنفسه، ولا تعلق له بما قبله، وحينئذٍ لا يلزم أن يكون الله تعالى مسمى باسم الشيء قلنا: لما قال: { أَىُّ شَىْء أَكْبَرُ شَهَـٰدةً } ثم قال: { قُلِ ٱللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ } وجب أن تكون هذه الجملة جارية مجرى الجواب عن قوله: { أَىُّ شَىْء أَكْبَرُ شَهَـٰدةً } وحينئذٍ يلزم المقصود.


-97-

الحجة الثانية: قوله تعالى:

{ كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [القصص28: 88]

والمراد بوجهه ذاته، ولو لم تكن ذاته شيئاً لما جاز استثنائه عن قوله: { كُلُّ شَىْء هَالِكٌ } وذلك يدل على أن الله تعالى مسمى بالشيء.


الحجة الثالثة: قوله عليه السلام في خبر عِمران بن الحصين: " كان الله ولم يكن شيء غيره " وهذا يدل على أن اسم الشيء يقع على الله تعالى.

الحجة الرابعة: روى عبد الله الأنصاري في الكتاب الذي سماه «بالفاروق» عن عائشة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من شيء أغير من الله عزّ وجلّ "

الحجة الخامسة: أن الشيء عبارة عما يصح أن يعلم ويخبر عنه، وذات الله تعالى كذلك، فيكون شيئاً.

واحتج جهم بوجوه: الحجة الأولى: قوله تعالى:

{ ٱللَّهُ خَـٰلِقُ كُلّ شَىْء } [الزمر39: 62] وكذلك قوله:
{ وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } [المائدة5: 17]

فهذا يقتضي أن يكون كل شيء مخلوقاً ومقدوراً، والله تعالى ليس بمخلوق ولا مقدور، ينتج أن الله سبحانه وتعالى ليس بشيء. فإن قالوا إن قوله تعالى: { ٱللَّهُ خَـٰلِقُ كُلّ شَىْء } وقوله:

{ وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } [الملك67: 1]

عام دخله التخصيص، قلنا الجواب عنه من وجهين: الأول: أن التخصيص خلاف الأصل، والدلائل اللفظية يكفي في تقريرها هذا القدر، الثاني: أن الأصل في جواز التخصيص هو أن أهل العرف يقيمون الأكثر مقام الكل، فلهذا السبب جوزوا دخول التخصيص في العموميات، إلا أن إجراء الأكثر مجرى الكل إنما يجوز في الصورة التي يكون الخارج عن الحكم حقيراً قليل القدر فيجعل وجوده كعدمه، ويحكم على الباقي بحكم الكل، فثبت أن التخصيص إنما يجوز في الصورة التي تكون حقيرة ساقطة الدرجة إذا عرفت هذا فنقول: إن بتقدير أن يكون الله تعالى مسمى بالشيء كان أعظم الأشياء وأجلها هو الله تعالى، فامتنع أن يحصل فيه جواز التخصيص، فوجب القول بأن ادعاء هذا التخصيص محال.


الحجة الثانية: قوله تعالى:

{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [الشورى42: 11]

حكم الله تعالى بأن مثل مثله ليس بشيء، ولا شك أن كل شيء مثل لمثل نفسه، وثبت بهذه الآية أن مثل مثله ليس بشيء ينتج أنه تعالى غير مسمى بالشيء، فإن قالوا إن الكاف زائدة، قلنا هذا الكلام معناه أن هذا الحرف من كلام الله تعالى لغو وعبث وباطل، ومعلوم أن هذا الكلام هو الباطل، ومتى قلنا إن هذا الحرف ليس بباطل صارت الحجة التي ذكرناها في غاية القوة والكمال.


الحجة الثالثة: لفظ الشيء لا يفيد صفة من صفات الجلال والعظمة والمدح والثناء، وأسماء الله تعالى يجب كونها كذلك ينتج أن لفظ الشيء ليس اسماً لله تعالى: أما قولنا إن اسم الشيء لا يفيد المدح والجلال فظاهر، وذلك لأن المفهوم من لفظ الشيء قدر مشترك بين الذرة الحقيرة وبين أشرف الأشياء، وإذا كان كذلك كان المفهوم من لفظ الشيء حاصلاً في أخس الأشياء وذلك يدل على أن اسم الشيء لا يفيد صفة المدح والجلال، وأما قولنا: إن أسماء الله يجب أن تكون دالة على صفة المدح والجلال، فالدليل عليه قوله تعالى:

-98-

{ وَللَّهِ ٱلأَسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَـٰئِهِ } [الأعراف7: 180]

والاستدلال بالآية أن كون الأسماء حسنة لا معنى له إلا كونها دالة على الصفات الحسنة الرفيعة الجليلة، فإذا لم يدل الاسم على هذا المعنى لم يكن الاسم حسناً ثم إنه تعالى أمرنا بأن ندعوه بهذه الأسماء ثم قال بعد ذلك

{ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَـٰئِهِ } [الأعراف7: 180]

وهذا كالتنبيه على أن من دعاه بغير تلك الأسماء الحسنة فقد ألحد في أسماء الله، فتصير هذه الآية دالة دلالة قوية على أنه ليس للعبد أن يدعو الله إلا بالأسماء الحسنى الدالة على صفات الجلال والمدح، وإذا ثبت هاتان المقدمتان فقد حصل المطلوب.


الحجة الرابعة: أنه لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنه خاطب الله تعالى بقوله يا شيء، وكيف يقال ذلك وهذا اللفظ في غاية الحقارة، فكيف يجوز للعبد خطاب الله بهذاالاسم، بل نقل عنهم أنهم كانوا يقولون: يا منشىء الأشياء، يا منشىء الأرض والسماء.

واعلم أن من الناس من يظن أن هذا البحث واقع في المعنى، وهذا في غاية البعد، فإنه لا نزاع في أن الله تعالى موجود وذات وحقيقة، إنما النزاع في أنه هل يجوز إطلاق هذا اللفظ عليه، فهذا نزاع في مجرد اللفظ لا في المعنى، ولا يجري بسببه تكفير ولا تفسيق، فليكن الإنسان عالماً بهذه الدقيقة حتى لا يقع في الغلط.

إطلاق لفظ الموجود على الله:

المسألة الثانية: في بيان أنه هل يجوز إطلاق لفظ الموجود على الله تعالى؟ اعلم أن هذا البحث يجب أن يكون مسبوقاً بمقدمة، وهي أن لفظ الوجود يقال بالاشتراك على معيين: أحدهما: أن يراد بالوجود الوجدان والإدراك والشعور، ومتى أريد بالوجود الوجدان والإدراك فقد أريد بالموجود لا محالة المدرك والمشعور به، والثاني: أن يراد بالوجود الحصول والتحقق في نفسه، واعلم أن بين الأمرين، فرقاً، وذلك لأن كونه معلوم الحصول في الأعيان يتوقف على كونه حاصلاً في نفسه، ولا ينعكس، لأن كونه حاصلاً في نفسه لا يتوقف على كونه معلوم الحصول في الأعيان: لأنه يمتنع في العقل كونه حاصلاً في نفسه مع أنه لا يكون معلوماً لأحد، بقي ههنا بحث، وهو أن لفظ الوجود هل وضع أولاً للإدراك والوجدان ثم نقل ثانياً إلى حصول الشيء في نفسه، أو الأمر فيه بالعكس، أو وضعا معاً؟ فنقول: هذا البحث لفظي، والأقرب هو الأول، لأنه لولا شعور الإنسان بذلك الشيء لما عرف حصوله في نفسه، فلما كان الأمر كذلك وجب أن يكون وضع اللفظ لمعنى الشعور والإدراك سابقاً على وضعه لحصول الشيء نفسه.

-99-

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: إطلاق لفظ الموجود على الله تعالى يكون على وجهين: أحدهما: كونه معلوماً مشعوراً به، والثاني: كونه في نفسه ثابتاً متحققاً، أما بحسب المعنى الأول فقد جاء في القرآن قال الله تعالى:

{ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ } [النساء4: 64]

ولفظ الوجود ههنا بمعنى الوجدان والعرفان، وأما بالمعنى الثاني فهو غير موجود في القرآن.


فإن قالوا: لما حصل الوجود بمعنى الوجدان لزم حصول الوجود بمعنى الثبوت والتحقق إذ لو كان عدماً محضاً لما كان الأمر كذلك.

فنقول: هذا ضعيف من وجهين: الأول: أنه لا يلزم من حصول الوجود بمعنى الوجدان والمعرفة حصول الوجود بمعنى الثبوت؛ لما ثبت أن المعدوم قد يكون معلوماً، والثاني: أنا بينا أن هذا البحث ليس إلا في اللفظ، فلا يلزم من حصول الاسم بحسب معنى حصول الاسم بحسب معنى آخر، ثم نقول: ثبت بإجماع المسلمين إطلاق هذا الاسم فوجب القول به.

فإن قالوا: ألستم قلتم إن أسماء الله تعالى يجب كونها دالة على المدح والثناء، ولفظ الموجود لا يفيد ذلك؟.

قلنا عدلنا عن هذا الدليل بدلالة الإجماع، وأيضاً فدلالة لفظ الموجود على المدح أكثر من دلالة لفظ الشيء عليه، وبيانه من وجوه: الأول: أنه عند قوم يقع لفظ الشيء على المعدوم كما يقع على الموجود، أما الموجود فإنه لا يقع على المعدوم ألبتة، فكان إشعار هذا اللفظ بالمدح أولى. الثاني: أن لفظ الموجود بمعنى المعلوم يفيد صفة المدح والثناء، لأنه يفيد أن بسبب كثرة الدلائل على وجوده وإلاهيته صار كأنه معلوم لكل أحد موجود عند كل أحد واجب الإقرار به عند كل عقل، فهذا اللفظ أفاد المدح والثناء من هذا الوجه، فظهر الفرق بينه وبين لفظ الشيء.

معنى قولنا ذات الله:

المسألة الثالثة: في الذات: روى عبد الله الأنصاري الهروي في الكتاب الذي سماه «بالفاروق» أخباراً تدل على هذا اللفظ: أحدها: عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن من أعظم الناس أجراً الوزير الصالح من أمير يطيعه في ذات الله " ، وثانيها: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن إبراهيم لم يكذب إلا في ثلاث ثنتين في ذات الله " ، وثالثها: عن كعب بن عجرة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا علياً فإنه كان مخشوشاً في ذات الله "

-100-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس