عرض مشاركة واحدة
 
  #11  
قديم 12-27-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 51-60 من 259

تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 51-60 من 259




{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }


{ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً } [مريم19: 42]

فبتقدير أن لا يكون الإله عالماً بكل المعلومات قادراً على جميع المقدورات كان سؤاله سؤالاً لمن لا يسمع ولا يبصر، وكان داخلاً تحت ما جعله إبراهيم عليه السلام عيباً على أبيه، وأما علم العبد بحال نفسه فلا بدّ وأن يعلم عجزه وقصوره عن رعاية مصالح نفسه على سبيل التمام، وأن يعلم أيضاً أنه بتقدير أن يعلم تلك المصالح بحسب الكيفية والكمية لكنه لا يمكنه تحصيلها عند عدمها ولا إبقاؤها عند وجودها، إذا عرفت هذا فنقول: إنه إذا حصلت هذه العلوم في قلب العبد وصار مشاهداً لها متيقناً فيها وجب أن يحصل في قلبه تلك الجالة المسماة بالانكسار والخضوع، وحينئذٍ يحصل في قلبه الطلب، وفي لسانه اللفظ الدال على ذلك الطلب، وذلك هو قوله: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) والذي يدل على كون الإنسان عاجزاً عن تحصيل مصالح نفسه في الدنيا والآخرة أن الصادر عن الإنسان إما العمل وإما العلم، وهو في كلا البابين في الحقيقة في غاية العجز، أما العلم فما أشد الحاجة في تحصيله إلى الاستعاذة بالله، وفي الاحتراز عن حصول ضده إلى الاستعاذة بالله ويدل عليه وجوه: ـ

الحجة الأولى: أنا كم رأينا من الأكياس المحققين بقوا في شبهة واحدة طول عمرهم، ولم يعرفوا الجواب عنها، بل أصروا عليها وظنوها علماً يقينياً وبرهاناً جلياً، ثم بعد انقضاء أعمارهم جاء بعدهم من تنبه لوجه الغلط فيها وأظهر للناس وجه فسادها، وإذا جاز ذلك على بعض الناس جاز على الكل مثله، ولولا هذا السبب لما وقع بين أهل العلم اختلاف في الأديان والمذاهب، وإذا كان الأمر كذلك فلولا إعانة الله وفضله وإرشاده وإلا فمن ذا الذي يتخلص بسفينة فكره من أمواج الضلالات ودياجي الظلمات؟.

-51-

الحجة الثانية: أن كل أحد إنما يقصد أن يحصل له الدين الحق والاعتقاد الصحيح، وإن أحداً لا يرضى لنفسه بالجهل والكفر، فلو كان الأمر بحسب سعيه وإرادته لوجب كون الكل محقين صادقين، وحيث لم يكن الأمر كذلك بل نجد المحقين في جنب المبطلين كالشعرة البيضاء في جلد ثور أسود علمنا أنه لا خلاص من ظلمات الضلالات إلا بإعانة إله الأرض والسموات.

الحجة الثالثة: أن القضية التي توقف الإنسان في صحتها وفسادها فإنه لا سبيل له إلى الجزم بها إلا إذا دخل فيما بينهما الحد الأوسط فنقول: ذلك الحد الأوسط إن كان حاضراً في عقله كان القياس منعقداً والنتيجة لازمة. فحينئذٍ لا يكون العقل متوقفاً في تلك القضية بل يكون جازماً بها، وقد فرضناه متوقفاً فيها، هذا خلف، وأما إن قلنا إن ذلك الحد الأوسط غير حاضر في عقله فهل يمكنه طلبه؟ أو لا يمكنه طلبه، والأول باطل، لأنه إن كان لا يعرفه بعينه فكيف يطلبه؟ لأن طلب الشيء بعينه إنما يمكن بعد الشعور به، وإن كان يعرفه بعينه فالعلم به حاضر في ذهنه فكيف يطلب تحصيل الحاصل؟ وأما إن كان لا يمكنه طلبه فحينئذٍ يكون عاجزاً عن تحصيل الطريق الذي يتخلص به من ذلك التوقف ويخرج من ظلمة تلك الحيرة، وهذا يدل على كون العبد في غاية الحيرة والدهشة.

الحجة الرابعة: أنه تعالى قال لرسوله عليه الصلاة والسلام:

{ وَقُلْ رَّبّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّيـٰطِينِ } [المؤمنون23: 97]

فهذه الاستعاذة مطلقة غير مقيدة بحالة مخصوصة، فهذا بيان كمال عجز العبد عن تحصيل العقائد والعلوم، وأما عجز العبد عن الأعمال الظاهرة التي يجر بها النفع إلى نفسه ويدفع بها الضرر عن نفسه فهذا أيضاً كذلك ويدل عليه وجوه: الأول: أنه قد انكشف لأرباب البصائر أن هذا البدن يشبه الجحيم وانكشف لهم أنه جلس على باب هذا الجحيم تسعة عشر نوعاً من الزبانية، وهي الحواس الخمس الظاهرة والحواس الخمس الباطنة، والشهوة، والغضب، والقوى الطبيعية السبع، وكل واحد من هذه التسعة عشر فهو واحد بحسب الجنس، إلا أنه يدخل تحت كل واحد منها أعداد لا نهاية لها بحسب الشخص والعدد، واعتبر ذلك بالقوة الباصرة، فإن الأشياء التي تقوي القوة الباصرة على إدراكها أمور غير متناهية، ويحصل من إبصار كل واحد منها أثر خاص في القلب، وذلك الأثر يجر القلب من أوج عالم الروحانيات إلى حضيض عالم الجسمانيات، وإذا عرفت هذا ظهر أن مع كثرة هذه العوائق والعلائق أنه لا خلاص للقلب من هذه الظلمات إلا بإعانة الله تعالى وإغاثته، ولما ثبت أنه لا نهاية لجهات نقصانات العبد ولا نهاية لكمال رحمة الله وقدرته وحكمته ثبت أن الاستعاذة بالله واجبة في كل الأوقات فلهذا السبب يجب علينا في أول كل قول وعمل ومبدأ كل لفظة ولحظة أن نقول (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).


-52-

الحجة الخامسة: أن اللذات الحاصلة في هذه الحياة العاجلة قسمان: أحدهما: اللذات الحسية. والثاني: اللذات الخيالية. وهي لذة الرياسة، وفي كل واحد من هذين القسمين الإنسان إذا لم يمكن يمارس تحصيل تلك اللذات ولم يزاولها لم يكن له شعور بها، وإذ كان عديم الشعور بها كان قليل الرغبة فيها، ثم إذا مارسها ووقف عليها التذ بها، وإذا حصل الألتذاذ بها قويت رغبته فيها، وكلما اجتهد الإنسان حتى وصل إلى مقام آخر في تحصيل اللذات والطيبات وصل في شدة الرغبة وقوة الحرص إلى مقام آخر أعلى مما كان قبل ذلك، فالحاصل أن الإنسان كلما كان أكثر فوزاً بالمطالب كان أعظم حرصاً وأشد رغبة في تحصيل الزائد عليها، وإذا كان لا نهاية لمراتب الكمالات فكذلك لا نهاية لدرجات الحرص، وكما أنه لا يمكن تحصيل الكمالات التي لا نهاية لها فكذلك لا يمكن إزالة ألم الشوق والحرص عن القلب، فثبت أن هذا مرض لا قدرة للعبد على علاجه، ووجب الرجوع فيه إلى الرحيم الكريم الناصر لعباده فيقال: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).

الحجة السادسة: في تقرير ما ذكرناه قوله تعالى: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وقوله:

{ وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ } [البقرة2: 45]

وقول موسى لقومه

{ ٱسْتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱلارْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف7: 128]

وفي بعض الكتب الآلهية إن الله تعالى يقول: «وعزتي وجلالي، لأقطعن أمل كل مؤمل غيري باليأس، ولألبسنه ثوب المذلة عند الناس، ولأخيبنه من قربي، ولأبعدنه من وصلي، ولأجعلنه متفكراً حيران يؤمل غيري في الشدائد والشدائد بيدي، وأنا الحي القيوم، ويرجو غيري ويطرق بالفكر أبواب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة وبابي مفتوح لمن دعاني».


مذهب الجبرية في الاستعاذة:

المسألة الثالثة: في أن الاستعاذة كيف تصح على مذهب أهل الجبر ومذهب القدرية قالت المعتزلة: قوله: (أعوذ بالله) يبطل القول بالجبر من وجوه: ـ

الأول: أن قوله: (أعوذ بالله) اعتراف بكون العبد فاعلاً لتلك الاستعاذة، ولو كان خالق الأعمال هو الله تعالى لامتنع كون العبد فاعلاً لأن تحصيل الحاصل محال، وأيضاً فإذا خلقه الله في العبد امتنع دفعه، وإذا لم يخلقه الله فيه امتنع تحصيله. فثبت أن قوله: (أعوذ بالله) اعتراف بكون العبد موجداً لأفعال نفسه.

والثاني: أن الاستعاذة إنما تحسن من الله تعالى إذا لم يكن الله تعالى خالقاً للأمور التي منها يستعاذ.

-53-

أما إذا كان الفاعل لها هو الله تعالى امتنع أن يستعاذ بالله منها لأن على هذا التقدير يصير كأن العبد استعاذ بالله من الله في عين ما يفعله الله.

والثالث: أن الاستعاذة بالله من المعاصي، تدل على أن العبد غير راضٍ بها، ولو كانت المعاصي تحصل بتخليق الله تعالى وقضائه وحكمه وجب على العبد كونه راضياً بها؛ لما ثبت بالإجماع / أن الرضا بقضاء الله واجب.

والرابع: أن الاستعاذة بالله من الشيطان إنما تعقل وتحسن لو كانت تلك الوسوسة فعلاً للشيطان، أما إذا كانت فعلاً لله ولم يكن للشيطان في وجودها أثر البتة فكيف يستعاذ من شر الشيطان، بل الواجب أن يستعاذ على هذا التقدير من شر الله تعالى، لأنه لا شر إلا من قبله.

الخامس: أن الشيطان يقول إذا كنت ما فعلت شيئاً أصلاً وأنت يا إله الخلق علمت صدور الوسوسة عني ولا قدرة لي على مخالفة قدرتك وحكمت بها عليّ ولا قدر لي على مخالفة حكمك ثم قلت:

{ لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [البقرة2: 286] وقلت:
{ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ } [البقرة2: 185] وقلت:
{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج22: 78]

فمع هذه الأعذار الظاهرة والأسباب القوية كيف يجوز في حكمتك ورحمتك أن تذمني وتلعنني؟.


السادس: جعلتني مرجوماً ملعوناً بسبب جرم صدر مني أو لا بسبب جرم صدر مني؟ فإن كان الأول فقد بطل الجبر، وإن كان الثاني فهذا محض الظلم، وأنت قلت:

{ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لّلْعِبَادِ } [غافر40: 31]

فكيف يليق هذا بك؟.


فإن قال قائل: هذه لإشكالات إنما تلزم على قول من يقول بالجبر، وأنا لا أقول بالجبر، ولا بالقدر، بل أقول: الحق حالة متوسطة بين الجبر والقدر، وهو الكسب.

فنقول: هذا ضعيف، لأنه إما أن يكون لقدرة العبد أثر في الفعل على سبيل الاستقلال أو لا يكون، فإن كان الأول فهو تمام القول بالاعتزال، وإن كان الثاني فهو الجبر المحض، والسؤالات المذكورة واردة على هذا القول، فكيف يعقل حصول الواسطة.

قال أهل السنّة والجماعة أما الإشكالات التي ألزمتموها علينا فهي بأسرها واردة عليكم من وجهين: ـ

الأول: أن قدرة العبد إما أن تكون معينة لأحد الطرفين، أو كانت صالحة للطرفين معاً، فإن كان الأول فالجبر لازم، وإن كان الثاني فرجحان أحد الطرفين على الآخر إما أن يتوقف على المرجح، أو لا يتوقف فإن كان الأول ففاعل ذلك المرجح إن كان هو العبد عاد التقسيم الأول فيه، وإن كان هو الله تعالى فعندما يفعل ذلك المرجح يصير الفعل واجب الوقوع، وعندما لا يفعله يصير الفعل ممتنع الوقوع، وحينئذٍ يلزمكم كل ما ذكرتموه، وأما الثاني: وهو أن يقال: إن رجحان أحد الطرفين على الآخر لا يتوقف على مرجح فهذا باطل لوجهين: الأول: أنه لو جاز ذلك لبطل الاستدلال بترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر على وجود المرجح، والثاني: أن على هذا التقدير يكون ذلك الرجحان واقعاً على سبيل الاتفاق، ولا يكون صادراً عن العبد، وإذا كان الأمر كذلك فقد عاد الجبر المحض، فثبت بهذا البيان أن كل ما أوردتموه علينا فهو وارد عليكم.

-54-

الوجه الثاني في السؤال: أنكم سلمتم كونه تعالى عالماً بجميع المعلومات، ووقوع الشي على خلاف علمه يقتضي انقلاب علمه جهلاً، وذلك محال، والمفضي إلى المحال محال، فكان كل ما أوردتموه علينا في القضاء والقدر لازماً عليكم في العلم لزوماً لا جواب عنه.

الاستعاذة تبطل قول القدرية:

ثم قال أهل السنّة والجماعة قوله: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) يبطل القول بالقدر من وجوه: ـ

الأول: أن المطلوب من قولك: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) إما أن يكون هو أن يمنع الله الشيطان من عمل الوسوسة منعاً بالنهي والتحذير، أو على سبيل القهر والجبر، أما الأول فقد فعله، ولما فعله كان طلبه من الله محالاً، لأن تحصيل الحاصل محال، وأما الثاني فهو غير جائز لأن الإلجاء ينافي كون الشياطين مكلفين، وقد ثبت كونهم مكلفين، أجابت المعتزلة عنه فقالوا: المطلوب بالاستعاذة فعل الألطاف التي تدعو المكلف إلى فعل الحسن وترك القبيح، لا يقال: فتلك الألطاف فعل الله بأسرها فما الفائدة في الطلب، لأنا نقول: إن من الألطاف ما لا يحسن فعله إلا عند هذا الدعاء، فلو لم يتقدم هذا الدعاء لم يحسن فعله. أجاب أهل السنّة عن هذا السؤال بأن فعل تلك الألطاف إما أن يكون له أثر في ترجيح جانب الفعل على جانب الترك، أو لا أثر فيه، فإن كان الأول فعند حصول الترجيح يصير الفعل واجب الوقوع، والدليل عليه أن عند حصول رجحان جانب الوجود لو حصل العدم فحينئذٍ يلزم أن يحصل عند رجحان جانب الوجود رجحان جانب العدم، وهو جمع بين النقيضين، وهو محال، فثبت أن عند حصول الرجحان يحصل الوجوب. وذلك يبطل القول بالاعتزال، وأما أن لم يحصل بحسب فعل تلك الألطاف رجحان طرف الوجود لم يكن لفعلها ألبتة أثر، فيكون فعلها عبثاً محضاً. وذلك في حق الله تعالى محال.

الوجه الثاني: أن يقال: إن الله تعالى إما أن يكون مريداً لصلاح حال العبد، أو لا يكون، فإن كان الحق هو الأول فالشيطان إما أن يتوقع منه إفساد العبد، أو لا يتوقع، فإن توقع منه إفساد العبد مع أن الله تعالى مريد إصلاح حال العبد فلم خلقه ولم سلطه على العبد؟ وأما إن كان لا يتوقع من الشيطان إفساد العبد فأي حاجة للعبد إلى الاستعاذة منه؟ وأما إذا قيل: إن الله تعالى لا يريد ما هو صلاح حال العبد فالاستعاذة بالله كيف تفيد الاعتصام من شر الشيطان.

-55-

الوجه الثالث: أن الشيطان إما أن يكون مجبوراً على فعل الشر، أو يكون قادراً على فعل الشر والخير معاً، فإن كان الأول فقد أجبره الله على الشر، وذلك يقدح في قولهم: إنه تعالى لا يريد إلا الصلاح والخير، وإن كان الثاني ـ وهو أنه قادر على فعل الشر والخير ـ فهنا يمتنع أن يترجح فعل الخير على فعل الشر إلا بمرجح، وذلك المرجح يكون من الله تعالى، وإذا كان كذلك فأي فائدة في الاستعاذة.

الوجه الرابع: هب أن البشر إنما وقعوا في المعاصي بسبب وسوسة الشيطان، فالشيطان كيف وقع في المعاصي؟ فإن قلنا إنه وقع فيها بوسوسة شيطان آخر لزم التسلسل، وإن قلنا وقع الشيطان في المعاصي لا لأجل شيطان آخر فلم لا يجوز مثله في البشر؟ وعلى هذا التقدير فلا فائدة في الاستعاذة من الشيطان، وإن قلنا إنه تعالى سلط الشيطان على البشر ولم يسلط على الشيطان شيطاناً آخر فهذا حيف على البشر، وتخصيص له بمزيد الثقل والأَضرار وذلك ينافي كون الإله رحيماً ناصر لعباده.

الوجه الخامس: أن الفعل المستعاذ منه إن كان معلوم الوقوع فهو واجب الوقوع، فلا فائدة في الاستعاذة منه. وإن كان غير معلوم الوقوع كان ممتنع الوقوع، فلا فائدة في الاستعاذة منه.

واعلم أن هذه المناظرة تدل على أنه لا حقيقة لقوله: (أعوذ بالله) إلا أن ينكشف للعبد أن الكل من الله وبالله، وحاصل الكلام فيه ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم: " أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من غضبك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك "

المستعاذ به:

الركن الثاني المستعاذ به: واعلم أن هذا ورد في القرآن والأخبار على وجهين: أحدهما: أن يقال: (أعوذ بالله) والثاني: أن يقال: (أعوذ بكلمات الله) أما قوله أعوذ بالله فبيانه إنما يتم بالبحث عن لفظة الله وسيأتي ذلك في تفسير بسم الله وأما قوله: (أعوذ بكلمات الله التامات) فاعلم أن المراد بكلمات الله هو قوله تعالى:

{ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [النحل16: 40]

والمراد من قوله «كن» نفاذ قدرته في الممكنات، وسريان مشيئته في الكائنات، بحيث يمتنع أن يعرض له عائق ومانع، ولا شك أنه لا تحسن الاستعاذة بالله إلا لكونه موصوفاً بتلك القدرة القاهرة والمشيئة النافذة، وأيضاً فالجسمانيات لا يكون حدوثها إلا على سبيل الحركة، والخروج من القوة إلى الفعل يسيراً يسيراً، وأما الروحانيات فإنما يحصل تكونها وخروجها إلى الفعل دفعة، ومتى كان الأمر كذلك كان حدوثها شبيهاً بحدوث الحرف الذي لا يوجد إلا في الآن الذي لا ينقسم، فلهذه المشابهة سميت نفاذ قدرته بالكلمة، وأيضاً ثبت في علم المعقولات أن عالم الأرواح مستولٍ على عالم الأجسام، وإنما هي المدبرات لأمور هذا العالم كما قال تعالى:


-56-

{ فَٱلْمُدَبّرٰتِ أَمْراً } [النازعات79: 5]

فقوله: (أعوذ بكلمات الله التامات) استعاذة من الأرواح البشرية بالأرواح العالية المقدسة الطاهرة الطيبة في دفع شرور الأرواح الخبيثة الظلمانية الكدرة، فالمراد بكلمات الله التامات تلك الأرواح العالية الطاهرة.

ثم ههنا دقيقة، وهي أن قوله: (أعوذ بكلمات الله التامات) إنما يحسن ذكره إذا كان قد بقي في نظره التفات إلى غير الله، وأما إذا تغلغل في بحر التوحيد، وتوغل في قعر الحقائق وصار بحيث لا يرى في الوجود أحداً إلا الله تعالى؛ لم يستعذ إلا بالله، ولم يلتجىء إلا إلى الله، ولم يعول إلا على الله، فلا جرم يقول: (أعوذ بالله) و (أعوذ من الله بالله) كما قال عليه السلام " وأعوذ بك منك " واعلم أن في هذا المقام يكون العبد مشتغلاً أيضاً بغير الله لأن الاستعاذة لا بدّ وأن تكون لطلب أو لهرب، وذلك اشتغال بغير الله تعالى، فإذا ترقى العبد عن هذا المقام وفني عن نفسه وفني أيضاً عن فنائه عن نفسه فههنا يترقى عن مقام قوله أعوذ بالله ويصير مستغرقاً في نور قوله: (بسم الله) ألا ترى أنه عليه السلام لما قال: " وأعوذ بك منك " ترقى عن هذا المقام فقال: " أنت كما أثنيت على نفسك "

المستعيذ:

الركن الثالث من أركان هذا الباب: المستعيذ: واعلم أن قوله (أعوذ بالله) أمر منه لعباده أن يقولوا ذلك، وهذا غير مختص بشخص معين، فهو أمر على سبيل العموم؛ لأنه تعالى حكى ذلك عن الأنبياء والأولياء، وذلك يدل على أن كل مخلوق يجب أن يكون مستعيذاً بالله، فالأول: أنه تعالى حكى عن نوح عليه السلام أنه قال:

{ رَبّ إِنّى أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ } [هود11: 47]

فعند هذا أعطاه الله خلعتين، والسلام والبركات، وهو قوله تعالى:

{ قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَـٰمٍ مّنَّا وَبَركَـٰتٍ عَلَيْكَ } [هود11: 48]

والثاني: حكي عن يوسف عليه السلام أن المرأة لما راودته قال:

{ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَّ } [يوسف12: 23]

فأعطاه الله تعالى خلعتين صرف السوء والفحشاء حيث قال:

{ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوء وَٱلْفَحْشَاء } [يوسف12: 24] والثالث: قيل له:
{ خُذِ أَحَدَنَا مَكَانَهُ } [يوسف12: 78] فقال:
{ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَـٰعَنَا عِندَهُ } [يوسف12: 79] فأكرمه الله تعالى بقوله:
{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا } [يوسف12: 100]

الرابع: حكى الله عن موسى عليه السلام أنه لما أمر قومه بذبح البقرة / قال قومه:

{ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } [البقرة2: 67]

-57-

فأعطاه الله خلعتين إزالة التهمة وإحياء القتيل فقال:

{ فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذٰلِكَ يُحْىِ ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَـٰتِهِ } [البقرة2: 73]

الخامس: أن القوم لما خوفوه بالقتل قال:
{ وَإِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ } [الدخان44: 20] وقال في آية أخرى:
{ إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُـمْ مّن كُلّ مُتَكَبّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } [غافر40: 27]

فأعطاه الله تعالى مراده فأفنى عدوهم وأورثهم أرضهم وديارهم، والسادس: أن أم مريم قالت:

{ وِإِنّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ ٱلرَّجِيمِ } [آل عمران3: 36]

فوجدت الخلعة والقبول وهو قوله:

{ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } [آل عمران3: 37]

والسابع: أن مريم عليها السلام لما رأت جبريل في صورة بشر يقصدها في الخلوة قالت:

{ إِنّى أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } [مريم19: 18]

فوجدت نعمتين ولداً من غير أب وتنزيه الله إياها بلسان ذلك الولد عن السوء وهو قوله:

{ إِنّى عَبْدُ ٱللَّهِ } [مريم19: 30]

الثامن: أن الله تعالى أمر محمداً عليه الصلاة والسلام بالاستعاذة مرة بعد أخرى فقال:

{ وَقُلْ رَّبّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّيـٰطِينِ *وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَن يَحْضُرُونِ } [المؤمنون23: 97، 98] وقال:
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلْفَلَقِ } [الفلق113: 1] و
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلنَّاسِ } [الناس114: 1]

والتاسع: قال في سورة الأعراف

{ خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرف وَأَعْرِض عَنِ ٱلْجَـٰهِلِينَ *وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ من ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأعراف7: 199، 200] وقال في حۤم السجدة:
{ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ } [فصلت41: 34] إلى أن قال:
{ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } [فصلت41: 36]

فهذه الآيات دالة على أن الأنبياء عليهم السلام كانوا أبداً في الاستعاذة من شر شياطين الإنس والجن.


وأما الأخبار فكثيرة: الخبر الأول: عن معاذ بن جبل قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم وأغرقا فيه: فقال عليه السلام: " إني لأعلم كلمة لو قالاها لذهب عنهما ذلك، وهي قوله: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وأقول هذا المعنى مقرر في العقل من وجوه: الأول: أن الإنسان يعلم أن علمه بمصالح هذا العالم ومفاسده قليل جداً، وأنه إنما يمكنه أن يعرف ذلك القليل بمدد العقل، وعند الغضب يزول العقل، فكل ما يفعله ويقوله لم يكن على القانون الجيد، فإذا استحضر في عقله هذا صار هذا المعنى مانعاً له عن الإقدام على تلك الأفعال وتلك الأقوال، وحاملاً له على أن يرجع إلى الله تعالى في تحصيل الخيرات ودفع الآفات، فلا جرم يقول أعوذ بالله. الثاني: أن الإنسان غير عالم قطعاً بأن الحق من جانبه ولا من جانب بخصمه، فإذا علم ذلك يقول: أفوض هذه الواقعة إلى الله تعالى، فإذا كان الحق من جانبي فالله يستوفيه من خصمي، وإن كان الحق من جانب خصمي فالأولى أن لا أظلمه» وعند هذا يفوض تلك الحكومة إلى الله ويقول أعوذ بالله.

-58-

الثالث: أن الإنسان إنما يغضب إذا أحس من نفسه بفرط قوة وشدة بواسطتها يقوى على قهر الخصم، فإذا استحضر في عقله أن إله العالم أقوى وأقدر مني ثم إني عصيته مرات وكرات وأنه بفضله تجاوز عني فالأولى لي أن أتجاوز عن هذا المغضوب عليه، فإذا أحضر في عقله هذا المعنى ترك الخصومة والمنازعة وقال: أعوذ بالله، وكل هذه المعاني مستنبطة من قوله تعالى:

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مّنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } [الأعراف7: 201]

والمعنى أنه إذا تذكر هذه الأسرار والمعاني أبصر طريق الرشد فترك النزاع والدفاع ورضي بقضاء الله تعالى.


والخبر الثاني: وروى معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر؛ وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي، فإن مات في ذلك اليوم مات شهيداً، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة "

قلت: وتقريره من جانب العقل أن قوله: (أعوذ بالله) مشاهدة لكمال عجز النفس وغاية قصورها، والآيات الثلاث من آخر سورة الحشر مشاهدة لكمال الله وجلاله وعظمته، وكمال الحال في مقام العبودية لا يحصل إلا بهذين المقامين.

الخبر الثالث: روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من استعاذ في اليوم عشر مرات وكل الله تعالى به ملكاً يذود عنه الشيطان "

قلت: والسبب فيه أنه لما قال: (أعوذ بالله) وعرف معناه عرف منه نقصان قدرته ونقصان علمه، وإذا عرف ذلك من نفسه لم يلتفت إلى ما تأمره به النفس، ولم يقدم على الأعمال التي تدعوه نفسه إليها، والشيطان الأكبر هو النفس، فثبت أن قراءة هذه الكلمة تذود الشيطان عن الإنسان.

والخبر الرابع: عن خولة بنت حكيم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: " من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من ذلك المنزل "

قلت: والسبب فيه أنه ثبت في العلوم العقلية أن كثرة الأشخاص الروحانية فوق كثرة الأشخاص الجسمانية، وأن السموات مملوءة من الأرواح الطاهرة، كما قال عليه الصلاة والسلام " أطت السماء، وحق لها أن تئط، ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك قائم أو قاعد " وكذلك الأثير والهواء مملوءة من الأرواح، وبعضها طاهرة مشرقة خيرة، وبعضها كدرة مؤذية شريرة، فإذا قال الرجل: (أعوذ بكلمات الله التامات) فقد استعاذ بتلك الأرواح الطاهرة من شر تلك الأرواح الخبيثة، وأيضاً كلمات الله هي قوله: «كن» وهي عبارة عن القدرة النافذة ومن استعاذ بقدرة الله لم يضره شيء.

-59-

والخبر الخامس: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا فزع أحدكم من النوم فليقل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن شر همزات الشياطين وأن يحضرون فإنها لا تضر " وكان عبد الله بن عمر يعلمها من بلغ من عبيده، ومن لم يبلغ كتبها في صك ثم علقها في عنقه.

والخبر السادس: عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما، ويقول: " أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة " ويقول: " كان أبي إبراهيم عليه السلام يعوذ بها إسمعيل وإسحق عليهما السلام "

الخبر السابع: أنه عليه الصلاة والسلام كان يعظم أمر الاستعاذة حتى أنه لما تزوج امرأة ودخل بها فقالت: أعوذ بالله منك فقال عليه الصلاة والسلام: عذت بمعاذ فالحقي بأهلك.

واعلم أن الرجل المستبصر بنور الله لا التفات له إلى القائل، وإنما التفاته إلى القول، فلما ذكرت تلك المرأة كلمة أعوذ بالله بقي قلب الرسول صلى الله عليه وسلم مشتغلاً بتلك الكلمة، ولم يلتفت إلى أنها قالت تلك الكلمة عن قصد أم لا.

والخبر الثامن: روى الحسن قال: بينما رجل يضرب مملوكاً له فجعل المملوك يقول: (أعوذ بالله) إذ جاء نبي الله فقال: أعوذ برسول الله، فأمسك عنه فقال عليه السلام: عائذ الله أحق أن يمسك عنه، فقال: فإني أشهدك يا رسول الله أنه حر لوجه الله، فقال عليه الصلاة والسلام: " أما والذي نفسي بيده لو لم تقلها لدافع وجهك سفع النار "

والخبر التاسع: قال سويد: سمعت أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يقول على المنبر: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فلا أحب أن أترك ذلك ما بقيت.

والخبر العاشر: قوله عليه الصلاة والسلام: " أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من غضبك، وأعوذ بك منك "

المستعاذ منه:

الركن الرابع من أركان هذا الباب الكلام؛ في المستعاذ منه وهو الشيطان، والمقصود من الاستعاذة دفع شر الشيطان، واعلم أن شر الشيطان إما أن يكون بالوسوسة أو بغيرهما، كما ذكره في قول الله تعالى:

{ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِى يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مِنَ ٱلْمَسّ } [البقرة2: 275]

وفي هذا الباب مسائل غامضة دقيقة من العقليات، ومن علوم المكاشفات.


الاختلاف في وجود الجن:

المسألة الأولى: اختلف الناس في وجود الجن والشياطين فمن الناس من أنكر الجن والشياطين، واعلم أنه لا بدّ أولاً من البحث عن ماهية الجن والشياطين فنقول: أطبق الكل على أنه ليس الجن والشياطين عبارة عن أشخاص جسمانية كثيفة تجيء وتذهب مثل الناس والبهائم، بل القول المحصل فيه قولان: الأول: أنها أجسام هوائية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة، ولها عقول وأفهام وقدرة على أعمال صعبة شاقة.

-60-


__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس