عرض مشاركة واحدة
 
  #26  
قديم 01-03-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 201-210 من 259

تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق 201-210 من 259

{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

شكر المنعم:

الفائدة السادسة عشرة: اختلفوا في أن وجوب الشكر ثابت بالعقل أو بالسمع: من الناس من قال: إنه ثابت بالسمع، لقوله تعالى:

{ وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [الإسراء17: 15] ولقوله تعالى:
{ رُّسُلاً مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } [النساء4: 165]

ومنهم من قال إنه ثابت قبل مجيء الشرع وبعد مجيئه على الإطلاق، والدليل عليه قوله تعالى: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } وبيانه من وجوه: الأول: أن قوله الحمد لله يدل أن هذا الحمد حقه وملكه على الإطلاق، وذلك يدل على ثبوت هذا الاستحقاق قبل مجيء الشرع. الثاني: أنه تعالى قال:

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [الفاتحة1: 2]

وقد ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف المناسب يدل على كون ذلك الحكم معللاً بذلك الوصف، فههنا أثبت الحمد لنفسه ووصف نفسه بكونه تعالى رباً للعالمين رحماناً رحيماً بهم، مالكاً لعاقبة أمرهم في القيامة، فهذا يدل على أن استحقاق الحمد إنما يحصل لكونه تعالى مربياً لهم رحماناً رحيماً بهم، وإذا كان كذلك ثبت أن استحقاق الحمد ثابت لله تعالى في كل الأوقات سواء كان قبل مجيء النبي أو بعده.


معنى الحمد:

الفائدة السابعة عشرة: يجب علينا أن نبحث عن حقيقة الحمد وماهيته فنقول: تحميد الله تعالى ليس عبارة عن قولنا الحمد لله، لأن قولنا الحمد لله إخبار عن حصول الحمد، والأخبار عن الشيء مغاير للمخبر عنه، فوجب أن يكون تحميد الله مغايراً لقولنا الحمد لله، فنقول: حمد المنعم عبارة عن كل فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعماً. وذلك الفعل إما أن يكون فعل القلب، أو فعل اللسان، أو فعل الجوارح، أما فعل القلب فهو أن يعتقد فيه كونه موصوفاً بصفات الكمال والإجلال، وأما فعل اللسان فهو أن يذكر ألفاظاً دالة على كونه موصوفاً بصفات الكمال. وأما فعل الجوارح فهو أن يأتي بأفعال دالة على كون ذلك المنعم موصوفاً بصفات الكمال والإجلال، فهذا هو المراد من الحمد، واعلم أن أهل العلم افترقوا في هذا المقام فريقين: الفريق الأول: الذين قالوا أنه لا يجوز أن يأمر الله عبيده بأن يحمدوه، واحتجوا عليه بوجوه: الأول: أن ذلك التحميد إما أن يكون بناءً على إنعام وصل إليهم أولاً وبناءً عليه، فالأول باطل، لأن هذا يقتضي أنه تعالى طلب منهم على إنعامه جزاء ومكافأة، وذلك يقدح في كمال الكرم، فإن الكريم إذا أنعم لم يطلب المكافأة، وأما الثاني فهو إتعاب للغير ابتداء، وذلك يوجب الظلم.

-201-

الثاني: قالوا الاشتغال بهذا الحمد متعب للحامد وغير نافع للمحمود، لأنه كامل لذاته، والكامل لذاته يستحيل أن يستكمل بغيره، فثبت أن الاشتغال بهذا التحميد عبث وضرر، فوجب أن لا يكون مشروعاً. الثالث: أن معنى الإيجاب هو أنه لو لم يفعل لاستحق العقاب، فإيجاب حمد الله تعالى معناه أنه قال لو لم تشتغل بهذا الحمد لعاقبتك، وهذا الحمد لا نفع له في حق الله، فكان معناه أن هذا الفعل لا فائدة فيه لأحد، ولو تركته لعاقبتك أبد الآباد، وهذا لا يليق بالحكم الكريم. الفريق الثاني: قالوا الاشتغال بحمد الله سوء أدب من وجوه: الأول: أنه يجري مجرى مقابلة إحسان الله بذلك الشكر القليل، والثاني: أن الاشتغال بالشكر لا يتأتى إلا مع استحضار تلك النعم في القلب، واشتغال القلب بالنعم يمنعه من الاستغراق في معرفة المنعم. الثالث: أن الثناء على الله تعالى عند وجدان النعمة يدل على أنه إنما أثنى عليه لأجل الفوز بتلك النعم، وذلك يدل على أن مقصوده من العبادة والحمد والثناء الفوز بتلك النعم، وهذا الرجل في الحقيقة معبوده ومطلوبه إنما هو تلك النعمة وحظ النفس، وذلك مقام نازل، والله أعلم.

الفصل الثاني

في تفسير قوله رب العالمين، وفيه فوائد:

أقسام العالم وأنواع كل قسم:

الفائدة الأولى: اعلم أن الموجود إما أن يكون واجباً لذاته، وإما أن يكون ممكناً لذاته، أما الواجب لذاته فهو الله تعالى فقط، وأما الممكن لذاته فهو كل ما سوى الله تعالى وهو العالم، أن المتكلمين قالوا: العالم كل موجود سوى الله، وسبب تسمية هذا القسم بالعالم أن وجود كل شيء سوى الله يدل على وجود الله تعالى، فلهذا السبب سمي كل موجود سوى الله بأنه عالم. إذا عرفت هذا فنقول: كل ما سوى الله تعالى إما أن يكون متحيزاً، وإما أن يكون صفة للمتحيز، وإما أن لا يكون متحيزاً ولا صفة للمتحيز، فهذه أقسام ثلاثة: القسم الأول: المتحيز: وهو إما أن يكون قابلاً للقسمة، أو لا يكون، فإن كان قابلاً للقسمة فهو الجسم، وإن لم يكن كذلك فهو الجوهر الفرد؛ أما الجسم فإما أن يكون من الأجسام العلوية أو من الأجسام السفلية؛ أما الأجسام العلوية فهي الأفلاك والكواكب، وقد ثبت بالشرع أشياء أخر سوى هذين القسمين، مثل العرش والكرسي وسدرة المنتهى واللوح والقلم والجنة، وأما الأجسام السفلية فهي إما بسيطة أو مركبة: أما البسيطة فهي العناصر الأربعة: واحدها: كرة الأرض بما فيها من المفاوز والجبال والبلاد المعمورة، وثانيها: كرة الماء وهي البحر المحيط وهذه الأبحر الكبيرة الموجودة في هذا الربع المعمور وما فيه من الأودية العظيمة التي لا يعلم عددها إلا الله تعالى، وثالثها: كرة الهواء، ورابعها: كرة النار.

-202-

وأما الأجسام المركبة فهي النبات، والمعادن، والحيوان، على كثرة أقسامها وتباين أنواعها، وأما القسم الثاني ـ وهو الممكن الذي يكون صفة للمتحيزات ـ فهي الأعراض، والمتكلمون ذكروا ما يقرب من أربعين جنساً من أجناس الأعراض. أما الثالث ـ وهو الممكن الذي لا يكون متحيزاً ولا صفة للمتحيز ـ فهو الأرواح، وهي إما سفلية، وإما علوية: أما السفلية فهي إما خيرة، وهم صالحو الجن، وإما شريرة خبيثة وهي مردة الشياطين. والأرواح العلوية إما متعلقة بالأجسام وهي الأرواح الفلكية، وإما غير متعلقة بالأجسام وهي الأرواح المطهرة المقدسة، فهذا هو الإشارة إلى تقسيم موجودات العالم، ولو أن الإنسان كتب ألف ألف مجلد في شرح هذه الأقسام لما وصل إلى أقل مرتبة من مراتب هذه الأقسام، إلا أنه لما ثبت أن واجب الوجود لذاته واحد، ثبت أن كل ما سواه ممكن لذاته، فيكون محتاجاً في وجوده إلى إيجاد الواجب لذاته، وأيضاً ثبت أن الممكن حال بقائه لا يستغنى عن المبقي، والله تعالى إله العالمين من حيث إنه هو الذي أخرجها من العدم إلى الوجود، وهو رب العالمين من حيث إنه هو الذي يبقيها حال دوامها واستقرارها. وإذا عرفت ذلك ظهر عندك شيء قليل من تفسير قوله الحمد لله رب العالمين، وكل من كان أكثر إحاطة بأحوال هذه الأقسام الثلاثة كان أكثر وقوفاً على تفسير قوله رب العالمين.

الفائدة الثانية: المربي على قسمين: أحدهما: أن يربي شيئاً ليربح عليه المربي، والثاني: أن يربيه ليربح المربي، وتربية كل الخلق على القسم الأول، لأنهم إنما يربون غيرهم ليربحوا عليه إما ثواباً أو ثناءً، والقسم الثاني: هو الحق سبحانه، كما قال: خلقتكم لتربحوا علي لا لأربح عليكم فهو تعالى يربي ويحسن، وهو بخلاف سائر المربين وبخلاف سائر المحسنين.

واعلم أن تربيته تعالى مخالفة لتربية غيره، وبيانه من وجوه: الأول: ما ذكرناه أنه تعالى يربي عبيده لا لغرض نفسه بل لغرضهم وغيره يربون لغرض أنفسهم لا لغرض غيرهم، الثاني: أن غيره إذا ربى فبقدر تلك التربية يظهر النقصان في خزائنه وفي ماله وهو تعالى متعالٍ عن النقصان والضرر، كما قال تعالى:

{ وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } [الحجر15: 21]


-203-

الثالث: أن غيره من المحسنين إذا ألح الفقير عليه أبغضه وحرمه ومنعه، والحق تعالى بخلاف ذلك، كما قال عليه الصلاة والسلام " إن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء. " الرابع: أن غيره من المحسنين ما لم يطلب منه الإحسان لم يعط، أما الحق تعالى فإنه يعطي قبل السؤال، ألا ترى أنه رباك حال ما كنت جنيناً في رحم الأم، وحال ما كنت جاهلاً غير عاقل، لا تحسن أن تسأل منه ووقاك وأحسن إليك مع أنك ما سألته وما كان لك عقل ولا هداية. الخامس: أن غيره من المحسنين ينقطع إحسانه إما بسبب الفقر أو الغيبة أو الموت، والحق تعالى لا ينقطع إحسانه ألبتة. السادس: أن غيره من المحسنين يختص إحسانه بقوم دون قوم ولا يمكنه التعميم أما الحق تعالى فقد وصل تربيته وإحسانه إلى الكل كما قال:

{ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء } [الأعراف7: 156]

فثبت أنه تعالى رب العالمين ومحسن إلى الخلائق أجمعين، فلهذا قال تعالى في حق نفسه الحمد لله رب العالمين.


الفائدة الثالثة: أن الذي يحمد ويمدح ويعظم في الدنيا إنما يكون كذلك لأحد وجوه أربعة؛ إما لكونه كاملاً في ذاته وفي صفاته منزهاً عن جميع النقائص والآفات وإن لم يكن منه إحسان إليك، وإما لكونه محسناً إليك ومنعماً عليك، وإما لأنك ترجو وصول إحسانه إليك في المستقبل من الزمان، وإما لأجل أنك تكون خائفاً من قهره وقدرته وكمال سطوته، فهذه الحالات هي الجهات الموجبة للتعظيم، فكأنه سبحانه وتعالى يقول: إن كنتم ممن يعظمون الكمال الذاتي فاحمدوني فإني إله العالمين، وهو المراد من قوله الحمد لله، وإن كنتم ممن تعظمون الإحسان فأنا رب العالمين، وإن كنتم تعظمون للطمع في المستقبل فانا الرحمن الرحيم، وإن كنتم تعظمون للخوف فأنا مالك يوم الدين.

الفائدة الرابعة: وجوه تربية الله للعبد كثيرة غير متناهية، ونحن نذكر منها أمثلة: المثال الأول: لما وقعت قطرة النطفة من صلب الأب إلى رحم الأم فانظر كيف أنها صارت علقة أولاً، ثم مضغة ثانياً، ثم تولدت منها أعضاء مختلفة مثل العظام والغضاريف والرباطات والأوتار والأوردة والشرايين، ثم اتصل البعض بالبعض، ثم حصل في كل واحد منها نوع خاص من أنواع القوى، فحصلت القوة الباصرة في العين، والسامعة في الأذن، والناطقة في اللسان، فسبحان من أسمع بعظم، وبصر بشحم، وأنطق بلحم، واعلم أن كتاب التشريح لبدن الإنسان مشهور، وكل ذلك يدل على تربية الله تعالى للعبد المثال الثاني: أن الحبة الواحدة إذا وقعت في الأرض فإذا وصلت نداوة الأرض إليها انتفخت ولا تنشق من شيء من الجوانب إلا من أعلاها وأسفلها، مع أن الانتفاخ حاصل من جميع الجوانب: أما الشق الأعلى فيخرج منه الجزء الصاعد من الشجرة؛ وأما الشق الأسفل فيخرج منه الجزء الغائص في الأرض، وهو عروق الشجرة، فأما الجزء الصاعد فبعد صعوده يحصل له ساق، ثم ينفصل من ذلك الساق أغصان كثيرة، ثم يظهر على تلك الأغصان الأنوار أولاً، ثم الثمار ثانياً، ويحصل لتلك الثمار أجزاء مختلفة بالكثافة واللطافة وهي القشور ثم اللبوب ثم الأدهان، وأما الجزء الغائص من الشجرة فإن تلك العروق تنتهي إلى أطرافها؛ وتلك الأطراف تكون في اللطافة كأنها مياه منعقدة، ومع غاية لطافتها فإنها تغوص في الأرض الصلبة الخشنة، وأودع الله فيها قوى جاذبة تجذب الأجزاء اللطيفة من الطين إلى نفسها، والحكمة في كل هذه التدبيرات تحصيل ما يحتاج العبد إليه من الغذاء والأدام والفواكه والأشربة والأدوية، كما قال تعالى:

-204-

{ أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَاء صَبّاً *ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأرْضَ شَقّاً } [عبس80: 25، 26]

الآيات. المثال الثالث: أنه وضع الأفلاك والكواكب بحيث صارت أسباباً لحصول مصالح العباد، فخلق الليل ليكون سبباً للراحة والسكون وخلق النهار ليكون سبباً للمعاش والحركة

{ هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَاء وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقّ } [يونس10: 5]
{ وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } [الأنعام6: 97] واقرأ قوله:
{أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأرْضَ مِهَـٰداً *وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } [النبأ78: 6-7]

ـ إلى آخر الآية واعلم أنك إذا تأملت في عجائب أحوال المعادن والنبات والحيوان وآثار حكمة الرحمن في خلق الإنسان قضى صريح عقلك بأن أسباب تربية الله كثيرة، ودلائل رحمته لائحة ظاهرة، وعند ذلك يظهر لك قطرة من بحار أسرار قوله الحمد لله رب العالمين.


الفائدة الخامسة: أضاف الحمد إلى نفسه فقال تعالى الحمد لله، ثم أضاف نفسه إلى العالمين والتقدير: إني أحب الحمد فنسبته إلى نفسي بكونه ملكاً لي ثم لما ذكرت نفسي عرفت نفسي بكوني رباً للعالمين، ومن عرف ذاتاً بصفة فإنه يحاول ذكر أحسن الصفات وأكملها، وذلك يدل على أن كونه رباً للعالمين أكمل الصفات، والأمر كذلك؛ لأن أكمل المراتب أن يكون تاماً، وفوق التمام، فقولنا الله يدل على كونه واجب الوجود لذاته في ذاته وبذاته وهو التمام، وقوله رب العالمين معناه أن وجود كل ما سواه فائض عن تربيته وإحسانه وجوده وهو المراد من قولنا أنه فوق التمام.

الفائدة السادسة: أنه يملك عباداً غيرك كما قال:

{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ } [المدثر74: 31]

وأنت ليس لك رب سواه، ثم أنه يربيك كأنه ليس له عبد سواك وأنت تخدمه كأن لك رباً غيره، فما أحسن هذه التربية أليس أنه يحفظك في النهار عن الآفات من غير عوض، وبالليل عن المخافات من غير عوض؟ واعلم أن الحراس يحرسون الملك كل ليلة، فهل يحرسونه عن لدغ الحشرات وهل يحرسونه عن أن تنزل به البليات؟ أما الحق تعالى فإنه يحرسه من الآفات، ويصونه من المخافات؛ بعد أن كان قد زج أول الليل في أنواع المحظورات وأقسام المحرمات والمنكرات، فما أكبر هذه التربية وما أحسنها، أليس من التربية أنه صلى الله عليه وسلم قال:


-205-

" الآدمي بنيان الرب، ملعون من هدم بنيان الرب " ؛ فلهذا المعنى قال تعالى:

{ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } [الأنبياء21: 42]

ما ذاك إلا الملك الجبار، والواحد القهار، ومقلب القلوب والأبصار، والمطلع على الضمائر والأسرار.


الفائدة السابعة: قالت القدرية: إنما يكون تعالى رباً للعالمين ومربياً لهم لو كان محسناً إليهم دافعاً للمضار عنهم، أما إذا خلق الكفر في الكافر ثم يعذبه عليه؛ ويأمر بالإيمان ثم يمنعه منه؛ لم يكن رباً ولا مربياً، بل كان ضاراً ومؤذياً، وقالت الجبرية: إنما سيكون رباً ومربياً لو كانت النعمة صادرة منه والأَلطاف فائضة من رحمته، ولما كان الإيمان أعظم النعم وأجلها وجب أن يكون حصولها من الله تعالى ليكون رباً للعالمين إليهم محسناً بخلق الإيمان فيهم.

الفائدة الثامنة: قولنا: «الله» أشرف من قولنا: «رب» على ما بينا ذلك بالوجوه الكثيرة في تفسير أسماء الله تعالى، ثم أن الداعي في أكثر الأمر يقول: يا رب، يا رب، والسبب فيه النكت والوجوه المذكورة في تفسير أسماء الله تعالى فلا نعيدها.

الفصل الثالث

في تفسير قوله { الرحمن الرحيم } ، وفيه فوائد:

تفسير (الرحمن الرحيم):

الفائدة الأولى: الرحمن: هو المنعم بما لا يتصور صدور جنسه من العباد، والرحيم: هو المنعم بما يتصور جنسه من العباد، حكي عن إبراهيم بن أدهم أنه قال كنت ضيفاً لبعض القوم فقدم المائدة، فنزل غراب وسلب رغيفاً، فاتبعته تعجباً، فنزل في بعض التلال، وإذا هو برجل مقيد مشدود اليدين فألقى الغراب ذلك الرغيف على وجهه. وروى ذي النون أنه قال: كنت في البيت إذ وقعت ولولة في قلبي، وصرت بحيث ما ملكت نفسي، فخرجت من البيت وانتهيت إلى شط النيل، فرأيت عقرباً قوياً يعدو فتبعته فوصل إلى طرف النيل فرأيت ضفدعاً واقفاً على طرف الوادي، فوثب العقرب على ظهر الضفدع وأخذ الضفدع يسبح ويذهب، فركبت السفينة وتبعته فوصل الضفدع إلى الطرف الآخر من النيل، ونزل العقرب من ظهره، وأخذ يعدو فتبعته، فرأيت شاباً نائماً تحت شجرة، ورأيت أفعى يقصده فلما قربت الأفعى من ذلك الشاب وصل العقرب إلى الأفعى فوثب العقرب على الأفعى فلدغه، والأفعى أيضاً لدغ العقرب، فماتا معاً، وسلم ذلك الإنسان منهما. ويحكى أن ولد الغراب كما يخرج من قشر البيضة يخرج من غير ريش فيكون كأنه قطعة لحم أحمر، والغراب يفر منه ولا يقوم بتربيته، ثم أن البعوض يجتمع عليه لأنه يشبه قطعة لحم ميت، فإذا وصلت البعوض إليه التقم تلك البعوض واغتذى بها، ولا يزال على هذه الحال إلى أن يقوى وينبت ريشه ويخفى لحمه تحت ريشه، فعند ذلك تعود أمه إليه، ولهذا السبب جاء في أدعية العرب: يا رازق النعاب في عشه، فظهر بهذه الأمثلة أن فضل الله عام، وإحسانه شامل، ورحمته واسعة.

-206-

واعلم أن الحوادث على قسمين: منه ما يظن أنه رحمة مع أنه لا يكون كذلك، بل يكون في الحقيقة عذاباً ونقمة، ومنه ما يظن في الظاهر أنه عذاب ونقمة، مع أنه يكون في الحقيقة فضلاً وإحساناً ورحمة: أما القسم الأول: فالوالد إذا أهمل ولده حتى يفعل ما يشاء ولا يؤدبه ولا يحمله على التعلم، فهذا في الظاهر رحمة وفي الباطن نقمة. وأما القسم الثاني: كالوالد إذا حبس ولده في المكتب وحمله على التعلم فهذا في الظاهر نقمة، وفي الحقيقة رحمة، وكذلك الإنسان إذا وقع في يده الآكلة فإذا قطعت تلك اليد فهذا في الظاهر عذاب، وفي الباطن راحة ورحمة، فالأبله يغتر بالظواهر، والعاقل ينظر في السرائر.

إذا عرفت هذا فكل ما في العالم من محنة وبلية وألم ومشقة فهو وإن كان عذاباً وألماً في الظاهر إلا أنه حكمة ورحمة في الحقيقة، وتحقيقه ما قيل في الحكمة: إن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير، فالمقصود من التكاليف تطهير الأرواح عن العلائق الجسدانية كما قال تعالى:

{ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأِنفُسِكُمْ } [الإسراء17: 7]

والمقصود من خلق النار صرف الأشرار إلى أعمال الأبرار، وجذبها من دار الفرار إلى دار القرار، كما قال تعالى:

{ فَفِرُّواْ إِلَى ٱللَّهِ } [الذاريات51: 50]

وأقرب مثال لهذا الباب قصة موسى والخضر عليهما السلام، فإن موسى كان يبني الحكم على ظواهر الأمور فاستنكر تخريق السفينة وقتل الغلام وعمارة الجدار المائل، وأما الخضر فإنه كان يبني أحكامه على الحقائق والأسرار فقال:

{ أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَـٰكِينَ يَعْمَلُونَ فِى ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً *وَأَمَّا ٱلْغُلَـٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَـٰناً وَكُفْراً *فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مّنْهُ زَكَـوٰةً وَأَقْرَبَ رُحْماً *وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَـٰمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَـٰلِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا } [الكهف18: 79 ـ 82]

فظهر بهذه القصة أن الحكيم المحقق هو الذي يبني أمره على الحقائق لا على الظاهر، فإذا رأيت ما يكرهه طبعك وينفر عنه عقلك فاعلم أن تحته أسراراً خفية وحكماً بالغة، وأن حكمته ورحمته اقتضت ذلك، وعند ذلك يظهر لك أثر من بحار أسرار قوله الرحمن الرحيم.


الفائدة الثانية: الرحمن: اسم خاص بالله، والرحيم: ينطلق عليه وعلى غيره.

فإن قيل: فعلى هذا: الرحمن أعظم: فلم ذكر الأدنى بعد ذكر الأعلى؟.

-207-

والجواب: لأن الكبير العظيم لا يطلب منه الشيء الحقير اليسير، حكي أن بعضهم ذهب إلى بعض الأكابر فقال: جئتك لمهم يسير فقال: اطلب للمهم اليسير رجلاً يسيراً، كأنه تعالى يقول: لو اقتصرت على ذكر الرحمن لاحتشمت عني ولتعذر عليك سؤال الأمور اليسيرة، ولكن كما علمتني رحماناً تطلب مني الأمور العظيمة، فأنا أيضاً رحيم؛ فاطلب مني شراك نعلك وملح قدرك، كما قال تعالى لموسى: «يا موسى سلني عن ملح قدرك وعلف شاتك».

الفائدة الثالثة: وصف نفسه بكونه رحماناً رحيماً، ثم إنه أعطى مريم عليها السلام رحمة واحدة حيث قال:

{ وَرَحْمَةً مّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً } [مريم19: 21]

فتلك الرحمة صارت سبباً لنجاتها من توبيخ الكفار الفجّار، ثم أنا نصفه كل يوم أربعة وثلاثين مرة أنه رحمن وأنه رحيم، وذلك لأن الصلوات سبع عشرة ركعة، ويقرأ لفظ الرحمن الرحيم في كل ركعة مرتين مرة في بسم الله الرحمن الرحيم ومرة في قوله:

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ *ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } [الفاتحة1: 2-3]

فلما صار ذكر الرحمة مرة واحدة سبباً لخلاص مريم عليها السلام عن المكروهات أفلا يصير ذكر الرحمة هذه المرات الكثيرة طول العمر سبباً لنجاة المسلمين من النار والعار والدمار؟.


الفائدة الرابعة: أنه تعالى رحمن لأنه يخلق ما لا يقدر العبد عليه، رحيم لأنه يفعل ما لا يقدر العبد على جنسه، فكأنه تعالى يقول: أنا رحمن لأنك تسلم إلى نطفة مذرة فأسلمها إليك صورة حسنة، كما قال تعالى:

{ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } [غافر40: 64]

وأنا رحيم لأنك تسلم إلى طاعة ناقصة فأسلم إليك جنة خالصة.


الفائدة الخامسة: روي أن فتى قربت وفاته واعتقل لسانه عن شهادة أن لا إله إلا الله فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه به، فقام ودخل عليه، وجعل يعرض عليه الشهادة وهو يتحرك ويضطرب ولا يعمل لسانه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما كان يصلي؟ أما كان يصوم؟ أما كان يزكي؟ " فقالوا: بلى، فقال: " هل عق والديه؟ " فقالوا: بلى، فقال عليه السلام: " هاتوا بأمه " ، فجاءت وهي عجوز عوراء فقال عليه السلام: «هلا عفوت عنه»، فقالت: لا أعفو لأنه لطمني ففقأ عيني، فقال عليه السلام: " هاتوا بالحطب والنار " ، فقالت: وما تصنع بالنار؟ فقال عليه السلام: " أحرقه بالنار بين يديك جزاء لما عمل بك " ، فقالت: عفوت عفوت، أللنار حملته تسعة أشهر؟ أللنار أرضعته سنتين؟ فأين رحمة الأم؟ فعند ذلك انطلق لسانه، وذكر أشهد أن لا إله إلا الله، والنكتة أنها كانت رحيمة وما كانت رحمانة فلأجل ذلك القدر القليل من الرحمة ما جوزت الإحراق بالنار، فالرحمن الرحيم الذي لم يتضرر بجنايات عبيده مع عنايته بعباده كيف يستجيز أن يحرق المؤمن الذي واظب على شهادة أن لا إله إلا الله سبعين سنة بالنار.

-208-

الفائدة السادسة: لقد اشتهر أن النبي عليه السلام لما كسرت رباعيته قال: " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " ، فظهر أنه يوم القيامة يقول: " أمتي، أمتي " ، فهذا كرم عظيم منه في الدنيا وفي الآخرة، وإنما حصل فيه هذا الكرم وهذا الإحسان لكونه رحمة كما قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ } فإذا كان أثر الرحمة الواحدة بلغ هذا المبلغ فكيف كرم من هو رحمن رحيم؟ وأيضاً روي أنه عليه السلام قال: " اللهم اجعل حساب أمتي على يدي " ، ثم إنه امتنع عن الصلاة على الميت لأجل أنه كان مديوناً بدرهمين، وأخرج عائشة / عن البيت بسبب الإفك فكأنه تعالى قال له إن لك رحمة واحدة وهي قوله:

{ وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ } [الأنبياء21: 107]

والرحمة الواحدة لا تكفي في إصلاح عالم المخلوقات، فذرني وعبيدي واتركني وأمتك فإني أنا الرحمن الرحيم، فرحمتي لا نهاية لها، ومعصيتهم متناهية، والمتناهي في جنب غير المتناهي يصير فانياً، فلا جرم معاصي جميع الخلق تفنى في بحار رحمتي، لأني أنا الرحمن الرحيم.


الفائدة السابعة: قالت القدرية: كيف يكون رحماناً رحيماً من خلق الخلق للنار ولعذاب الأبد؟ وكيف يكون رحماناً رحيماً من يخلق الكفر في الكافر ويعذبه عليه؟ وكيف يكون رحماناً رحيماً من أمر بالإيمان ثم صد ومنع عنه؟ وقالت الجبرية: أعظم أنواع النعمة والرحمة هو الإيمان فلو لم يكن الإيمان من الله بل كان من العبد لكان اسم الرحمن الرحيم بالعبد أولى منه بالله، والله أعلم.

الفصل الرابع

في تفسير قوله { مالك يوم الدين } ، وفيه فوائد:

تفسير (مالك يوم الدين):

الفائدة الأولى: قوله مالك يوم الدين، أي: مالك يوم البعث والجزاء، وتقريره أنه لا بدّ من الفرق بين المحسن والمسيء، والمطيع والعاصي، والموافق والمخالف، وذلك لا يظهر إلا في يوم الجزاء كما قال تعالى:

{ لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ أَسَاءواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِى ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } [النجم53: 31] وقال تعالى:
{ أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِى ٱلأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } [صۤ38: 28] وقال:
{ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } [طه20: 15]

واعلم أن من سلط الظالم على المظلوم ثم إنه لا ينتقم منه فذاك إما للعجز أو للجهل أو لكونه راضياً بذلك الظلم، وهذه الصفات الثلاث على الله تعالى محال، فوجب أن ينتقم للمظلومين من الظالمين، ولما لم يحصل هذا الانتقام في دار الدنيا وجب أن يحصل في دار الأخرى بعد دار الدنيا، وذلك هو المراد بقوله:

{ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدّينِ } [الفاتحة1: 4] وبقوله:
{ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [الزلزلة99: 7] الآية

روي أنه يجاء برجل يوم القيامة فينظر في أحوال نفسه فلا يرى لنفسه حسنة ألبتة، فيأتيه النداء، يا فلان أدخل الجنة بعملك، فيقول: إلهي، ماذا عملت؟ فيقول الله تعالى: ألست لما كنت نائماً تقلبت من جنب إلى جنب ليلة كذا فقلت في خلال ذلك «الله» ثم غلبك النوم في الحال فنسيت ذلك أما أنا فلا تأخذني سنة ولا نوم فما نسيت ذلك، وأيضاً يؤتى برجل وتوزن حسناته وسيئاته فتخف حسناته فتأتيه بطاقة فتثقل ميزانه فإذا فيها شهادة أن لا إله إلا الله فلا يثقل مع ذكر الله غيره.


-209-

واعلم أن الواجبات على قسمين: حقوق الله تعالى، وحقوق العباد: أما حقوق الله تعالى فمبناها على المسامحة لأنه تعالى غني عن العالمين، وأما حقوق العباد فهي التي يجب الاحتراز عنها.

روي أن أبا حنيفة رضي الله عنه كان له على بعض المجوس مال فذهب إلى داره ليطالبه به، فلما وصل إلى باب داره وقع على نعله نجاسة، فنفض نعله فارتفعت النجاسة عن فعله ووقعت على حائط دار المجوسي فتحير أبو حنيفة وقال: إن تركتها كان ذلك سبباً لقبح جدار هذا المجوسي، وإن حككتها انحدر التراب من الحائط، فدق الباب فخرجت الجارية فقال لها: قولي لمولاك إن أبا حنيفة بالباب، فخرج إليه وظن أنه يطالبه بالمال، فأخذ يعتذر، فقال أبو حنيفة رضي الله عنه، ههنا ما هو أولى، وذكر قصة الجدار، وأنه كيف السبيل إلى تطهيره فقال المجوسي: فأنا أبدأ بتطهير نفسي فأسلم في الحال، والنكتة فيه أن أبا حنيفة لما احترز عن ظلم المجوسي في ذلك القدر القليل من الظلم فلأجل تركه ذلك انتقل المجوسي من الكفر إلى الإيمان، فمن احترز عن الظلم كيف يكون حاله عند الله تعالى.

الفائدة الثانية: اختلف القراء في هذه الكلمة، فمنهم من قرأ مالك يوم الدين، ومنهم من قرأ ملك يوم الدين. حجة من قرأ مالك وجوه: الأول: أن فيه حرفاً زائداً فكانت قراءته أكثر ثواباً. الثاني: أنه يحصل في القيامة ملوك كثيرون، أما المالك الحق ليوم الدين فليس إلا الله. الثالث: المالك قد يكون ملكاً وقد لا يكون كما أن الملك قد يكون مالكاً وقد لا يكون فالملكية والمالكية قد تنفك كل واحدة منهما عن الأخرى إلا أن المالكية سبب لإطلاق التصرف، والملكية ليست كذلك فكان المالك أولى. الرابع: إن الملك ملك للرعية، والمالك مالك للعبيد، والعبد أدون حالاً من الرعية، فوجب أن يكون القهر في المالكية أكثر منه في الملكية، فوجب أن يكون المالك أعلى حالاً من الملك، الخامس: أن الرعية يمكنهم إخراج أنفسهم عن كونهم رعية لذلك الملك باختيار أنفسهم، أما المملوك فلا يمكنه إخراج نفسه عن كونه مملوكاً لذلك المالك باختيار نفسه، فثبت أن القهر في المالكية أكمل منه في الملكية.

-210-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس