عرض مشاركة واحدة
 
  #24  
قديم 12-06-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق 9-16 من 24

تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق 9-16 من 24



وذكر ابن عطية أنها قراءة عمر بن عبد العزيز، وأبي صالح السمان، وأبي عبد الملك الشامي. وروى ابن أبي عاصم عن اليمان ملكاً بالنصب والتنوين. وقرأ مالك برفع الكاف والتنوين عون العقيلي، ورويت عن خلف بن هشام وأبي عبيد وأبي حاتم، وبنصب اليوم. وقرأ مالك يوم بالرفع والإضافة أبو هريرة، وأبو حياة، وعمر بن عبد العزيز بخلاف عنه، ونسبها صاحب اللوامح إلى أبي روح عون بن أبي شداد العقيلي، ساكن البصرة. وقرأ مليك على وزن فعيل أُبي، وأبو هريرة، وأبو رجاء العطاردي. وقرأ مالك بالإمالة البليغة يحيـى بن يعمر، وأيوب السختياني، وبين بين قتيبة بن مهران، عن الكسائي. وجهل النقل، أعني في قراءة الإمالة، أبو علي الفارسي فقال: لم يمل أحد من القراءة ألف مالك، وذلك جائز، إلا أنه لا يقرأ بما يجوز إلا أن يأتي بذلك أثر مستفيض. وذكر أيضاً أنه قرىء في الشاذ ملاك بالألف والتشديد للام وكسر الكاف. فهذه ثلاث عشرة قراءة، بعضها راجع إلى الملك، وبعضها إلى الملك، قال اللغويون: وهما راجعان إلى الملك، وهو الربط، ومنه ملك العجين. وقال قيس بن الخطيم:

ملكت بها كفى فانهرت فتقهايرى قائماً من دونها ما وراءها


والأملاك ربط عقد النكاح، ومن ملح هذه المادة أن جميع تقاليبها الستة مستعملة في اللسان، وكلها راجع إلى معنى القوة والشدة، فبينها كلها قدر مشترك، وهذا يسمى بالإشتقاق الأكبر، ولم يذهب إليه غير أبي الفتح. وكان أبو علي الفارسي يأنس به في بعض المواضع وتلك التقاليب: ملك، مكل، كمكل، لكم، كمل، كلم. وزعم الفخر الرازي أن تقليب كمكل مهمل وليس بصحيح، بل هو مستعمل بدليل ما أنشد الفراء من قول الشاعر:

فلما رآني قد حممت ارتحالهتملك لو يجدي عليه التملك


والملك هو القهر والتسليط على من تتأتى منه الطاعة، ويكون ذلك باستحقاق وبغير استحقاق. والملك هو القهر على من تتأتى منه الطاعة، ومن لا تتأتى منه، ويكون ذلك منه باستحقاق، فبينهما عموم وخصوص من وجه. وقال الأخفش: يقال ملك من الملك، بضم الميم، ومالك من الملك، بكسر الميم وفتحها، وزعموا أن ضم الميم لغة في هذا المعنى. وروي عن بعض البغداديين لي في هذا الوادي ملك وملك بمعنى واحد.

{ يوم } ، اليوم هو المدة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويطلق على مطلق الوقت، وتركيبه غريب، أعني وجود مادة تكون فاء الكلمة فيها ياء وعينها واواً لم يأت من ذلك سوى يوم وتصاريفه ويوح اسم للشمس، وبعضهم زعم أنه بوج بالباء، والمعجمة بواحدة من أسفل. { الدين } الجزاء دناهم كما دانوا، قاله قتادة، والحساب

{ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } [الروم30: 30]،

قاله ابن عباس والقضاء

{ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } [النور24: 2]،

والطاعة في دين عمرو، وحالت بيننا وبينك فدك، قاله أبو الفضل والعادة، كدينك من أم الحويرث قبلها، وكنى بها هنا عن العمل، قاله الفراء والملة،


-9-

{ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً } [المائدة5: 3]
{ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلَامُ } [آل عمران3: 19]،

والقهر، ومنه المدين للعبد، والمدينة للأمة، قاله يمان بن رئاب. وقال أبو عمرو الزاهد: وإن أطاع وعصى وذل وعز وقهر وجار وملك. وحكى أهل اللغة: دنته بفعله دَيناً ودِيناً بفتح الدال وكسرها جازيته. وقيل: الدين المصدر، والدين بالكسر الإسم، والدين السياسة، والديان السايس. قال ذو الإصبع عنه:

ولا أنت دياني فتخزوني


والدين الحال. قال النضر بن شميل: سألت أعرابياً عن شيء، فقال: لو لقيتني على دين غير هذا لأخبرتك، والدين الداء عن اللحياني وأنشد:

يا دين قلبك من سلمى وقد دينا


ومن قرأ بجر الكاف فعلى معنى الصفة، فإن كان بلفظ ملك على فعل بكسر العين أو إسكانها، أو مليك بمعناه فظاهر لأنه وصف معرفة بمعرفة، وإن كان بلفظ مالك أو ملاك أو مليك محولين من مالك للمبالغة بالمعرفة، ويدل عليه قراءة من قرأ ملك يوم الدين فعلاً ماضياً، وإن كان بمعنى الاستقبال، وهو الظاهر لأن اليوم لم يوجد فهو مشكل، لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، فإنه تكون إضافته غير محضة فلا يتعرف بالإضافة، وإن أضيف إلى معرفة فلا يكون إذ ذاك صفة، لأن المعرفة لا توصف بالنكرة ولا بدل نكرة من معرفة، لأن البدل بالصفات ضعيف. وحل هذا الإشكال هو أن اسم الفاعل، إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال، جاز فيه وجهان: أحدهما ما قدمناه من أنه لا يتعرف بما أضيف إليه، إذ يكون منوياً فيه الانفصال من الإضافة، ولأنه عمل النصب لفظاً. الثاني: أن يتعرف به إذا كان معرفة، فيلحظ فيه أن الموصوف صار معروفاً بهذا الوصف، وكان تقييده بالزمان غير معتبر، وهذا الوجه غريب النقل، لا يعرفه إلا من له اطلاع على كتاب سيبويه وتنقيب عن لطائفه. قال سيبويه، رحمه الله تعالى، وزعم يونس والخليل أن الصفات المضافة التي صارت صفة للنكرة قد يجوز فيهن كلهن أن يكن معرفة، وذلك معروف في كلام العرب، انتهى. واستثنى من ذلك باب الصفة المشبهة فقط، فإنه لا يتعرف بالإضافة نحو حسن الوجه. ومن رفع الكاف ونون أو لم ينون فعلى القطع إلى الرفع. ومن نصب فعلى القطع إلى النصب، أو على النداء والقطع أغرب لتناسق الصفات، إذ لم يخرج بالقطع عنها. ومن قرأ ملك فعلاً ماضياً فجملة خبرية لا موضع لها من الإعراب، ومن أشبع كسرة الكاف فقد قرأ بنادر أو بما ذكر أنه لا يجوز إلا في الشعر، وإضافة الملك أو الملك إلى يوم الدين إنما هو من باب الاتساع، إذ متعلقهما غير اليوم.

-10-

والإضافة على معنى اللام، لا على معنى في، خلافاً لمن أثبت الإضافة بمعنى في، ويبحث في تقرير هذا في النحو، وإذا كان من الملك كان من باب.

طباخ ساعات الكرى زاد الكسل


وظاهر اللغة تغاير الملك والمالك كما تقدم، وقيل هما بمعنى واحد كالفره والفاره، فإذا قلنا بالتغاير فقيل مالك أمدح لحسن إضافته إلى من لا تحسن إضافة الملك إليه، نحو مالك الجن والإنس، والملائكة والطير، فهو أوسع لشمول العقلاء وغيرهم، قال الشاعر:

سبحان من عنت الوجوه لوجههملك الملوك ومالك العفر


قاله الأخفش، ولا يقال هنا ملك، ولقولهم مالك الشيء لمن يملكه، وقد يكون ملكاً لا مالكاً نحو ملك العرب والعجم، قاله أبو حاتم، ولزيادته في البناء، والعرب تعظم بالزيادة في البناء، وللزيادة في أجزاء الثاني لزيادة الحروف، ولكثرة من عليها من القراء، ولتمكن التصرف ببيع وهبة وتمليك، ولإبقاء الملك في يد المالك إذا تصرف بجور أو اعتداء أو سرف، ولتعينه في يوم القيامة، ولعدم قدرة المملوك على انتزاعه من الملك، ولكثرة رجائه في سيده بطلب ما يحتاج إليه، ولوجوب خدمته عليه، ولأن المالك يطمع فيه، والملك يطمع فيك، ولأن له رأفة ورحمة، والملك له هيبة وسياسة. وقيل ملك أمدح وأليق إن لم يوصف به الله تعالى لإشعاره بالكثرة ولتمدحه بمالك الملك، ولم يقل مالك الملك، ولتوافق الابتداء والاختتام في قوله

{ مَلِكِ النَّاسِ } [الناس114: 2]،

والاختتام لا يكون إلا بأشرف الأسماء، ولدخول المالك تحت حكم الملك، ولوصفه نفسه بالملك في مواضع، ولعموم تصرفه فيمن حوته مملكته، وقصر المالك على ملكه، قاله أبو عبيدة، ولعدم احتياج الملك إلى الإضافة، أو مالك لا بد له من الإضافة إلى مملوك، ولكنه أعظم الناس، فكان أشرف من المالك.


قال أبو علي: حكى ابن السراج عمن اختار قراءة ملك كل شيء بقوله { رب العالمين } ، فقراءة مالك تقرير، قال أبو علي، ولا حجة في هذا، لأن في التنزيل تقدم العام، ثم ذكر الخاص منه

{ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ } [الحشر59: 24]،

فالخالق يعم، وذكر المصور لما في ذلك من التنبيه على الصنعة ووجوه الحكمة، ومنه

{ وَبِالأَخِرَةِ هُم يُوقِنُونَ } [البقرة2: 4]،

بعد قوله

{ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } [البقرة2: 3]،

وإنما كرر تعظيماً لها، وتنبيهاً على وجوب اعتقادها، والرد على الكفرة الملحدين، ومنه { الرحمن الرحيم } ، ذكر الرحمن الذي هو عام، وذكر الرحيم بعده لتخصيص الرحمة بالمؤمنين في قوله

{ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب33: 43]،

انتهى. وقال ابن عطية: وأيضاً فإن الرب يتصرف في كلام العرب بمعنى الملك، كقوله:

ومـن قبـل ربيتنـي فصفـت ربـوب


وغير ذلك من الشواهد، فتنعكس الحجة على من قرأ ملك. والمراد باليوم الذي أضيف إليه مالك أو ملك زمان ممتد إلى أن ينقضي الحساب ويستقر أهل الجنة فيها، وأهل النار فيها، ومتعلق المضاف إليه في الحقيقة هو الأمر، كأنه قال مالك أو ملك الأمر في يوم الدين.

-11-

لكنه لما كان اليوم ظرفاً للأمر، جاز أن يتسع فيتسلط عليه الملك أو المالك، لأن الاستيلاء على الظرف استيلاء على المظروف. وفائدة تخصيص هذه الإضافة، وإن كان الله تعالى مالك الأزمنة كلها والأمكنة ومن حلها والملك فيها التنبيه على عظم هذا اليوم بما يقع فيه من الأمور العظام والأهوال الجسام من قيامهم فيه لله تعالى والاستشفاع لتعجيل الحساب والفصل بين المحسن والمسيء واستقرارهما فيما وعدهما الله تعالى به، أو على أنه يوم يرجع فيه إلى الله جميع ما ملكه لعباده وخوّلهم فيه ويزول فيه ملك كل مالك قال تعالى:

{ وَكُلُّهُم ءَاتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً } [مريم19: 95]،
{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الأنعام6: 94].

قال ابن السراج: إن معنى { مالك يوم الدين } إنه يملك مجيئه ووقوعه، فالإضافة إلى اليوم على قوله إضافة إلى المفعول به على الحقيقة، وليس طرفاً اتسع فيه، وما فسر به الدين من المعاني يصح إضافة اليوم إليه إلى معنى كل منها إلا الملة، قال ابن مسعود، وابن عباس، وقتادة، وابن جريج وغيرهم: يوم الدين يوم الجزاء على الأعمال والحساب. قال أبو علي: ويدل على ذلك

{ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَت } [غافر40: 17]،

و

{ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الجاثية45: 28].

وقال مجاهد: يوم الدين يوم الحساب مدينين محاسبين، وفي قوله: { مالك يوم الدين } دلالة على إثبات المعاد والحشر والحساب، ولما اتصف تعالى بالرحمة، انبسط العبد وغلب عليه الرجاء، فنبه بصفة الملك أو المالك ليكون من عمله على وجل، وأن لعمله يوماً تظهر له فيه ثمرته من خير وشر.


{ إياك } ، إيا تلحقه ياء المتكلم وكاف المخاطب وهاء الغائب وفروعها، فيكون ضمير نصب منفصلاً لا اسماً ظاهراً أضيف خلافاً لزاعمه، وهل الضمير هو مع لواحقه أو هو وحده؟ واللواحق حروف، أو هو واللواحق أسماء أضيف هو إليها، أو اللواحق وحدها، وإيا زائدة لتتصل بها الضمائر، أقوال ذكرت في النحو. وأما لغاته فبكسر الهمزة وتشديد الياء، وبها قرأ الجمهور، وبفتح الهمزة وتشديد الياء، وبها قرأ الفضل الرقاشي، وبكسر الهمزة وتخفيف الياء، وبها قرأ عمرو بن فائد، عن أُبي، وبإبدال الهمزة المكسورة هاء، وبإبدال الهمزة المفتوحة هاء، وبذلك قرأ ابن السوار الغنوي، وذهاب أبي عبيدة إلى أن إيا مشتق ضعيف، وكان أبو عبيدة لا يحسن النحو، وإن كان إماماً في اللغات وأيام العرب. وإذا قيل بالاشتقاق، فاشتقاقه من لفظ، أو من قوله:

فا ولذكـراهـا إذا مـا ذكـرتهـا


فتكون من باب قوة، أو من الآية فتكون عينها ياء كقوله:

لـم يبق هـذا الدهـر مـن إيائه


قولان، وهل وزنه إفعل وأصله إ أو و أو إ أو ي أو فعيل فأصله أو يو أو او يـي أو فعول، وأصله إو وو أو اويـي أو فعلى، فأصله أووى أواويا، أقاويل كلها ضعيفة، والكلام على تصاريفها حتى صارت إيا تذكر في علم النحو، وإضافة إيا لظاهر نادر نحو: وإيا الشواب، أو ضرورة نحو: دعني وإيا خالد، واستعماله تحذيراً معروف فيحتمل ضميراً مرفوعاً يجوز أن يتبع بالرفع نحو: إياك أنت نفسك.

-12-

{ نعبد } ، العبادة: التذلل، قاله الجمهور، أو التجريد، قاله ابن السكيت، وتعديه بالتشديد مغاير لتعديه بالتخفيف، نحو: عبدت الرجل ذللته، وعبدت الله ذللت له. وقرأ الحسن، وأبو مجلز، وأبو المتوكل: إياك يعبد بالياء مبنياً للمفعول، وعن بعض أهل مكة نعبد بإسكان الدال. وقرأ زيد بن علي، ويحيـى بن وثاب، وعبيد بن عمير الليثي: نعبد بكسر النون.

{ نستعين } ، الاستعانة، طلب العون، والطلب أحد معاني استفعل، وهي اثنا عشر معنى، وهي: الطلب، والاتحاد، والتحول، وإلقاء الشيء بمعنى ما صيغ منه وعده كذلك، ومطاوعة افعل وموافقته، وموافقة تفعل وافتعل والفعل المجرد، والاغناء عنه وعن فعل مثل ذلك استطعم، واستعبده، واستنسر واستعظمه واستحسنه، وإن لم يكن كذلك، واستشلى مطاوع اشلى، واستبل موافق مطاوع ابل، واستكبر موافق تكبر، وأستعصم موافق اعتصم، واستغنى موافق غنى، واستنكف واستحيا مغنيان عن المجرد، واسترجع، واستعان حلق عانته، مغنيان عن فعل، فاستعان طلب العون، كاستغفر، واستعظم. وقال صاحب اللوامح: وقد جاء فيه وياك أبدل الهمزة واواً، فلا أدري أَذالك عن الفراء أم عن العرب، وهذا على العكس مما فروا إليه في نحو أشاح فيمن همز لأنهم فروا من الواو المكسورة إلى الهمزة، واستثقالاً للكسرة على الواو. وفي وياك فروا من الهمزة إلى الواو، وعلى لغة من يستثقل الهمزة جملة لما فيها من شبه التهوع، وبكون استفعل أيضاً لموافقة تفاعل وفعل. حكى أبو الحسن بن سيده في المحكم: تماسكت بالشيء ومسكت به واستمسك به بمعنى واحد، أي احتبست به، قال ويقال: مسكت بالشيء وأمسكت وتمسكت، احتبست، انتهى. فتكون معاني استفعل حينئذ أربعة عشر لزيادة موافقة تفاعل وتفعل. وفتح نون نستعين قرأ بها الجمهور، وهي لغة الحجاز، وهي الفصحى. وقرأ عبيد بن عمير الليثي، وزر بن حبيش، ويحيـى بن وثاب، والنخعي، والأعمش، بكسرها، وهي لغة قيس، وتميم، وأسد، وربيعة، وكذلك حكم حرف المضارعة في هذا الفعل وما أشبهه. وقال أبو جعفر الطوسي: هي لغة هذيل، وانقلاب الواو ألفاً في استعان ومستعان، وياء في نستعين ومستعين، والحذف في الاستعانة مذكور في علم التصريف، ويعدى استعان بنفسه وبالباء. إياك مفعول مقدم، والزمخشري يزعم أنه لا يقدم على العامل إلا للتخصيص، فكأنه قال: ما نعبد إلا إياك، وقد تقدم الرد عليه في تقديره بسم الله اتلوا، وذكرنا نص سيبويه هناك. فالتقديم عندنا إنما هو للاعتناء والاهتمام بالمفعول. وسب أعرابي آخر فأعرض عنه وقال: إياك أعني، فقال له: وعنك أعرض، فقدما الأهم، وإياك التفات لأنه انتقال من الغيبة، إذ لو جرى على نسق واحد لكان إياه.

-13-

والانتقال من فنون البلاغة، وهو الانتقال من الغيبة للخطاب أو التكلم، ومن الخطاب للغيبة أو التكلم، ومن التكلم للغيبة أو الخطاب. والغيبة تارة تكون بالظاهر، وتارة بالمضمر، وشرطه أن يكون المدلول واحداً. ألا ترى أن المخاطب بإياك هو الله تعالى؟ وقالوا فائدة هذا الالتفات إظهار الملكة في الكلام، والاقتدار على التصرف فيه. وقد ذكر بعضهم مزيداً على هذا، وهو إظهار فائدة تخص كل موضع موضع، ونتكلم على ذلك حيث يقع لنا منه شيء، وفائدته في إياك نعبد أنه لما ذكر أن الحمد لله المتصف بالربوبية والرحمة والملك والملك لليوم المذكور، أقبل الحامد مخبراً بأثر ذكره الحمد المستقر له منه ومن غيره، أنه وغيره يعبده ويخضع له. وكذلك أتى بالنون التي تكون له ولغيره، فكما أن الحمد يستغرق الحامدين، كذلك العبادة تستغرق المتكلم وغيره. ونظير هذا أنك تذكر شخصاً متصفاً بأوصاف جليلة، مخبراً عنه أخبار الغائب، ويكون ذلك الشخص حاضراً معك، فتقول له: إياك أقصد، فيكون في هذا الخطاب من التلطف على بلوغ المقصود ما لا يكون في لفظ إياه، ولأنه ذكر ذلك توطئة للدعاء في قوله اهدنا. ومن ذهب إلى أن ملك منادى، فلا يكون إياك التفاتاً لأنه خطاب بعد خطاب وإن كان يجوز بعد النداء الغيبة، كما قال:

يا دار مية بالعلياء فالسندأقوت وطال عليها سالف الأبد


ومن الخطاب بعد النداء:

ألا يا اسلمى يا دار مي على البلىولا زال منهلا بجرعائك القطر


ودعوى الزمخشري في أبيات امرىء القيس الثلاثة أن فيه ثلاثة التفاتات غير صحيح، بل هما التفاتان:

الأول: خروج من الخطاب المفتتح به في قوله:

تطاول ليلك بالاثمدونام الخلي ولم ترقد


إلى الغيبة في قوله:

وبات وباتت له ليلةكليلة ذي العائر الأرمد


الثاني: خروج من هذه الغيبة إلى التكلم في قوله: وذلك من نبأ جاءني. وخبرته عن أبي الأسود وتأويل كلامه أنها ثلاث خطأ وتعيين. إن الأول هو الانتقال من الغيبة إلى الحضور أشد خطأ لأن هذا الالتفات هو من عوارض الألفاظ لا من التقادير المعنوية، وإضمار قولوا قبل الحمد لله، وإضمارها أيضاً قبل إياك لا يكون معه التفات، وهو قول مرجوح. وقد عقد أرباب علم البديع باباً للالتفات في كلامهم، ومن أجلهم كلاماً فيه ابن الأثير الجزري، رحمه الله تعالى. وقراءة من قرأ إياك يعبد بالياء مبنياً للمفعول مشكلة، لأن إياك ضمير نصب ولا ناصب له وتوجيهها إن فيها استعارة والتفاتاً، فالاستعارة إحلال الضمير المنصوب موضع الضمير المرفوع، فكأنه قال أنت، ثم التفت فأخبر عنه أخبار الغائب لما كان إياك هو الغائب من حيث المعنى فقال يعبد، وغرابة هذا الالتفات كونه في جملة واحدة، وهو ينظر إلى قول الشاعر:

-14-

أأنت الهلالي الذي كنت مرةسمعنا به والأرحبي المغلب


وإلى قول أبي كثير الهذلي:

يا لهف نفسي كان جلدة خالدوبياض وجهك للتراب الأعفر


وفسرت العبادة في إياك نعبد بأنها التذلل والخضوع، وهو أصل موضوع اللغة أو الطاعة، كقوله تعالى:

{ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ } [مريم19: 44]،

أو التقرب بالطاعة أو الدعاء إن الذين يستكبرون عن عبادتي، أي عن دعائي، أو التوحيد إلا ليعبدون أي ليوحدون، وكلها متقاربة المعنى. وقرنت الاستعانة بالعبادة للجمع بين ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى، وبين ما يطلبه من جهته. وقدمت العبادة على الاستعانة لتقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة لتحصل الإجابة إليها، وأطلق العبادة والاستعانة لتتناول كل معبود به وكل مستعان عليه. وكرر إياك ليكون كل من العبادة والاستعانة سِيْقا في جملتين، وكل منهما مقصودة، وللتنصيص على طلب العون منه بخلاف لو كان إياك نعبد ونستعين، فإنه كان يحتمل أن يكون إخباراً بطلب لعون، أي وليطلب العون من غير أن يعين ممن يطلب..


ونقل عن المنتمين للصلاح تقييدات مختلفة في العبادة والاستعانة، كقول بعضهم: إياك نعبد بالعلم، وإياك نستعين عليه بالمعرفة، وليس في اللفظ ما يدل على ذلك. وفي قوله: نعبد قالوا رد على الجبرية، وفي نستعين رد على القدرية، ومقام العبادة شريف، وقد جاء الأمر به في مواضع، قال تعالى:

{ وَاعْبُد رَبَّكَ } [الحجر15: 99]
{ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ } [البقرة2: 21]،

والكناية به عن أشرف المخلوقين صلى الله عليه وسلم. قال تعالى:

{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } [الإسراء17: 1]،
{ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا } [الأنفال8: 41]،

وقال تعالى، حكاية عن عيسى، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام

{ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ } [مريم19: 30]،

وقال تعالى وتقدس:

{ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي } [طه20: 14]

فذكر العبادة عقيب التوحيد، لأن التوحيد هو الأصل، والعبادة فرعه. وقالوا في قوله: إياك. رد على الدهرية والمعطلة والمنكرين لوجود الصانع، فإنه خطاب لموجود حاضر.


{ اهدنا } ، الهداية: الإرشاد والدلالة والتقدم ومنه الهوادي أو التبيين،

{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُم } [فصلت41: 17]

أو الإلهام

{ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } [طه20: 50]،

قال المفسرون: معناه ألهم الحيوانات كلها إلى منافعها، أو الدعاء، ولكل قوم هاد أي داع والأصل في هدي أن يصل إلى ثاني معمولة باللام

{ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء17: 9]

أو إلى

{ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [الشورى: 52]

ثم يتسع فيه فيعدى إليه بنفسه، ومنه { اهدنا الصراط } ، ونا ضمير المتكلم ومعه غيره أو معظم نفسه. ويكون في موضع رفع ونصب وجر.


{ الصراط } الطريق، وأصله بالسين من السرط، وهو اللقم، ومنه سمي الطريق لقماً، وبالسين على الأصل قرأ قنبل ورويس، وإبدال سينه صاداً هي الفصحى، وهي لغة قريش، وبها قرأ الجمهور، وبها كتبت في الإمام، وزاياً لغة رواها الأصمعي عن أبي عمرو، وأشمامها زاياً لغة قيس، وبه قرأ حمزة بخلاف وتفصيل عن رواته.

-15-

وقال أبو علي: وروي عن أبي عمرو، السين والصاد والمضارعة بين الزاي والصاد، ورواه عنه العريان عن أبي سفيان، وروى الأصمعي عن أبي عمرو أنه قرأها بزاي خالصة. قال بعض اللغويين: ما حكاه الأصمعي في هذه القراءة خطأ منه إنما سمع أبا عمرو يقرؤها بالمضارعة فتوهمها زاياً، ولم يكن الأصمعي نحوياً فيؤمن على هذا. وحكى هذا الكلام أبو علي عن أبي بكر بن مجاهد، وقال أبو جعفر الطوسي في تفسيره، وهو إمام من أئمة الإمامية: الصراط بالصاد لغة قريش، وهي اللغة الجيدة، وعامة العرب يجعلونها سيناً، والزاي لغة لعذرة، وكعب، وبني القين. وقال أبو بكر بن مجاهد، وهذه القراءة تشير إلى أن قراءة من قرأ بين الزاي والصاد تكلف حرف بين حرفين، وذلك صعب على اللسان، وليس بحرف ينبني عليه الكلام، ولا هو من حروف المعجم. لست أدفع أنه من كلام فصحاء العرب، إلا أن الصاد أفصح وأوسع، ويذكر ويؤنث، وتذكيره أكثر. وقال أبو جعفر الطوسي: أهل الحجاز يؤنثون الصراط كالطريق، والسبيل والزقاق والسوق، وبنو تميم يذكرون هذا كله ويجمع في الكثرة على سرط، نحو كتاب وكتب، وفي القلة قياسه أسرطه، نحو حمار وأحمره، هذا إذا كان الصراط مذكراً، وأما إذا أنث فقياسه أفعل نحو ذراع وأذرع وشمال وأشمل. وقرأ زيد بن علي، والضحاك، ونصر بن علي، عن الحسن: اهدنا صراطاً مستقيماً، بالتنوين من غير لام التعريف، كقوله:

{ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } * { صِرَاطِ اللَّهِ } [الشورى42: 52 - 53].

{ المستقيم } ، استقام: استفعل بمعنى الفعل المجرد من الزوائد، وهذا أحد معاني استفعل، وهو أن يكون بمعنى الفعل المجرد، وهو قام، والقيام هو الانتصاب والاستواء من غير اعوجاج.


{ صراط الذين } اسم موصول، والأفصح كونه بالياء في أحواله الثلاثة، وبعض العرب يجعله بالواو وفي حالة الرفع، واستعماله بحذف النون جائز، وخص بعضهم ذلك بالضرورة، إلا إن كان لغير تخصيص فيجوز في غيرها، وسمع حذف أل منه فقالوا: الذين، وفيما تعرف به خلاف ذكر في النحو، ويخص العقلاء بخلاف الذي، فإنه ينطلق على ذي العلم وغيره.

{ أنعمت } ، النعمة: لين العيش وخفضه، ولذلك قيل للجنوب النعامي للين هبوبها، وسميت النعامة للين سهمها: نعم إذا كان في نعمة، وأنعمت عينه أي سررتها، وأنعم عليه بالغ في التفضيل عليه، أي والهمزة في أنعم بجعل الشيء صاحب ما صيغ منه، إلا أنه ضمن معنى التفضل، فعدى بعلى، وأصله التعدية بنفسه. أنعمته أي جعلته صاحب نعمة، وهذا أحد المعاني التي لأفعل، وهي أربعة وعشرون معنى، هذا أحدها. والتعدية، والكثرة، والصيرورة، والإعانة، والتعريض، والسلب، وإصابة الشيء بمعنى ما صيغ منه، وبلوغ عدد أو زمان أو مكان، وموافقة ثلاثي، وإغناء عنه، ومطاوعة فعل وفعل، والهجوم، ونفي الغريزة، والتسمية، والدعاء، والاستحقاق، والوصول، والاستقبال، والمجيء بالشيء والتفرقة مثل ذلك أدنيته وأعجبني المكان، وأغد البعير وأحليت فلاناً، وأقبلت فلاناً، واشتكيت الرجل، وأحمدت فلاناً، وأعشرت الدراهم، وأصبحنا، وأشأم القوم، وأحزنه بمعنى حزنه، وأرقل، وأقشع السحاب مطاوع قشع الريح السحاب، وأفطر مطاوع فطرته، وأطلعت عليهم، وأستريح، وأخطيته سميته مخطئاً، وأسقيته، وأحصد الزرع، وأغفلته وصلت غفلتي اليه، وافقته استقبلته بأف هكذا مثل هذا.
-16-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس