عرض مشاركة واحدة
 
  #10  
قديم 06-27-2009
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: كيف يجب علينا أن نفسر القرآن الكريم


سؤال7 :
قال تعالى ( وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا )]الأنعام25[ , يَشُم البعض من هذه الآية رائحة الجبر , فما رأيكم في ذلك ؟

الجواب :
هذا الجعـل هو جعلٌ كوني , ولفهم هذا لابد من شرح مـعنى الإرادة الإلهية , فالإرادة الإلهية تنقسم إلى قسمين : ( إرادة شرعية , وإرادة كونية ) .

والإرادة الشرعية : هي كل ما شرعه الله عزوجل لعباده , وحضهم على القيام به من طاعات وعبادات على اختلاف أحكامها , من فرائض إلى مندوبات , فهذه الطاعات والعبادات يريدها تبارك وتعالى ويُحبها .

وأما الإرادة الكونية : فهي قد تكون تارة مما لم يشرعها الله , ولكنه قدرها وهذه الإمارة إنما سُميت بالإرادة الكونية اشتقاقاً من قوله تعالى ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )]يس82[ , فــ ( شَيْئًا ) اسم نكرة يشمل كل شيء , سواء أكان طاعة أو معصية , وإنما يكون ذلك بقوله تعالى ( كُنْ ) , أي بمشيئته وقضائه وقدره , فإذا عرفنا هذه الإرادة الكونية – وهي أنها تشمل كل شيء , سواء أكان طاعة أو كان معصية – فلا بد من الرجوع بنا إلى موضوع القضاء والقدر , لأن قوله تعالى ( وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ) , معناه أن هـــــذا الـذي قــــــال له ( كُنْ ) جعله أمراً مُقدراً كائناً لابد منه , فكل شيء عند الله عزوجل بقدر , وهذا أيضاً يشمل الخير والشر , ولكن ما يتعلق منه بنا نحن الثقلين –الإنس والجن المكلفين المأمورين من الله عزوجل- أن ننظر فيما نقوم نحن به , إما أن يكون بمحض إرادتنا واختيارنا , وإما أن يكون رغماً عنا , وهذا القسم الثاني لا يتعلق به طاعة ولا معصية , ولا يكون عاقبة ذلك جنة ولا ناراً , وإنما القسم الأول هو الذي عليه تدور الأحكام الشرعية , وعلى ذلك يكون جزاء الإنسان الجنة أو النار , أي : ما يفعله الإنسان بإرادته , ويسعى إليه بكسبه واختياره هو الذي يحاسب عليه , إنْ كان خيراً فخير , وإن كان شراً فشر .

وكون الإنسان مختاراً في قسم كبير من أعماله , فهذه حقيقة لا يمكن المجادلة فيها شرعاً ولا عقلاً .

أما شرعاً : فنصوص الكتاب والسنة متواترة في أمر الإنسان بأن يفعل ما أمر به , وفي أن يترك ما نُهي عنه , وهذه النصوص أكثر من أن تذكر .

أما عقلاً : فواضح لكل إنسان متجرد عن الهوى والغرض بأنه حينما يتكلم , حينما يمشي , حينما يأكل , حينما يشرب , حينما يفعل أي شيء , مما يدخل في اختياره , فهو مختار في ذلك غير مضطر إطلاقاً , وأنا شئتُ أنْ أتكلم الآن , فليس هناك أحد يجبرني على ذلك بطبيعة الحال , ولكنه مقدر , ومعنى كلامي هذا مع كونه مقدراً , أي أنه مقدر مع اختياري لهذا الذي أقوله وأتكلم به , ولكن باستطاعتي أن أصمت لأبين لمن كان في شك مما أقول أني مختار في هذا الكلام .

إذاُ , فاختيار الإنسان –من حيث الواقع- أمر لا يقبل المناقشة والمجادلة , وإلا فالذي يجادل في مثل هذا إنما هو يسفسط ويشكك في البدهيات , وإذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة انقطع معه الكلام .

إذاً فأعمال الإنسان قسمان : اختيارية , و اضطرارية .

والاضطرارية : ليس فيها كلام , لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية الواقعية , والشرع يتعلق بالأمور الاختيارية , فهذه هي الحقيقة , وإذا ركزناها في أذهاننا , استطعنا أن نفهم الآية السابقة ( وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ) وهذا الجعل كوني , ويجب أن نتذكر الآية السابقة ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) أن الإرادة ههنا إرادة كونية , ولكن ليس رغماُ عن هذا الذي جعل الله على قلبه أكنه .

مثال من الناحية المادية : أن الإنسان حينما يُخلق إنما يُخلق ولحمه غض طري , ثم إذا كبر وكبر يقسو لحمه ويشتد عظمه ولكن الناس ليسوا كلهم سواءً , فهذا مثلاً إنسان منكب على نوع من الدراسة والعلم , فهذا ماذا يقوى فيه ؟ يقوى عقله ؟ ويقوى دماغه من الناحية التي هو ينشغل بها , ويَنصب بكل جهده عليها , ولكن من الناحية البدنية جسده لا يقوى , وعضلاته لا تنمو .

والعكس بالعكس تماماً : فهذا شخص منصب على الناحية المادية , فهو في كل يوم يتعاطى تمارين رياضية –كما يقولون اليوم- فهذا تشتد عضلاته , ويقوى جسده , ويصبح له صورة كما نرى ذلك أحياناً في الواقع , وأحياناً في الصور , فهؤلاء الأبطال مثلاُ تصبح أجسادهم كلها عضلات , فهل هو خُلق هكذا , أم هو اكتسب هذه البنية القوية ذات العضلات الكثيرة ؟ هذا شيء وصل إليه هو بكسبه واختياره .

ذلك هو مثل الإنسان الذي يضل في ضلاله وفي عناده , وفي كفره وجحوده , فيصل الران , إلى هذه الأكنة التي يجعلها الله عزوجل على قلوبهم ؟ لا بفرض من الله واضطرار من الله لهم , وإنما بسبب كسبهم واختيارهم , فهذا هو الجعل الكوني الذي يكسبه هؤلاء الكفار , فيصلون إلى هذه النقطة التي يتوهم الجُهال أنها فُرضت عليهم , والحقيقة أن ذلك لم يُفرض عليهم وإنما ذلك بما كسبت أيديهم , وأن الله ليس بظلامٍ للعبيد .
رد مع اقتباس