عرض مشاركة واحدة
 
  #10  
قديم 10-22-2011
مستنير مستنير غير متواجد حالياً
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 45
افتراضي رد: نقض كتاب حمل الدعوة واجبات وصفات

وأن محمداً رسول الله ، وأما الطاعة الإجمالية فإنها تدل على الأحكام لا على العقائد بدليل أن المؤلف قد نص على إستثناء الأجكام التفصيلية فقط من الأمر باتباع الأنبياء والمرسلين حيث قال (وليس بالأحكام التفصيلية) وهذا يعني أن الأحكام الإجمالية ليست مستثناة من الأمر بالإتباع فيكون مدلول الطاعة الإجمالية هو طاعتهم في الأحكام الإجمالية.
وفي موقع آخر كان المؤلف أكثر جرأة في التصريح بأن شرعنا هو نفس شرع من قبلنا وذلك كما ورد في صفحة 14 حيث قال:- "وهذا هو السبيل القويم والمنهاج المستقيم الذي جاءت به رسل الله سبحانه، قال تعالى في سورة الأعراف: "...لقد جاءت رسل ربنا بالحق" وهو السبيل نفسه والمنهاج نفسه المطلوب من المسلمين العاملين المخلصين الداعين الى الله، قال تعالى في سورة الأعراف: "وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون"". ثم طالب بالعمل بآيات القصص بشكل صريح كما ورد في صفحة 28:- "فاننا ولا شك مطالبون بتعلم آيات القرآن كلها وتعليمها والعمل بها، ومنها آيات القصص" وكما هو معلوم أن آيات القصص تشمل العقائد والأحكام، فتكون دعوة المؤلف الى العمل بآيات القصص هي دعوة الى العمل بالأحكام التي تضمنتها.
وأيضا نص المؤلف بلفظ صريح على الاقتداء بالأنبياء والمرسلين والامتثال لأمرهم في حمل الدعوة كما ورد في صفحة 5 :- "فان نهض مسلم بمثل هذا العمل اقتداء بهم وامتثالا لأمرهم"، لذلك قال في صفحة 29 :- "وبعبارة أخرى فان قصص الأنبياء والمرسلين ما هي إلا نماذج لكيفية حمل الدعوة إلى الأمم المختلفة".
فمثل هذه المفاهيم المغلوطة المتعلقة بشرع من قبلنا يمكن أن يتم إدخالها الى عقول الشباب بشكل خاص والى عقول المسلمين بشكل عام بفعل الخلط والتداخل بين "الايمان والعمل".
وفوق هذا نجد أن المؤلف لم يقف في كتابه "حمل الدعوة الاسلامية" عند حد إحداث الخلط بين "الإيمان والعمل" بل تجاوز ذلك الى ضرب مفهوم التوحيد باعطائه ثلاثة مدلولات مختلفة أخطرها المدلول الذي نص عليه المؤلف في صفحة 27:- "فأصل الديانات كلها هو الإيمان بوجود الله وأنه رب هذا الكون، وأن الواجب على الناس عبادته وحمده". فحسب هذا المدلول يعتبر اليهود والنصارى من الموحدين لأنهم يؤمنون بوجود الله وأنه رب هذا الكون، وأن الواجب على الناس عبادته وحمده". مع أنهم كفار ومشركون بنص القرآن لأنهم لم يقروا بتوحيد الألوهية بالذات الواجب الوجود وهو الله تعالى، قال تعالى"وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون، اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون". وفي بيان ذلك يقول الحزب :-
"ومن هنا كان الاعتراف بوجود الله غير كاف في الوحدانية، بل لا بد من وحدانية الخالق، ووحدانية المعبود، لأن معنى لا إله الا الله هو لا معبود إلا الله، ولذلك كانت شهادة المسلم بأنه لا اله الا الله، ملزمة له قطعا بالعبادة لله، وملزمة له بافراد العبادة بالله وحده. فالتوحيد هو توحيد التقديس بالخالق، أي توحيد العبادة بالله الواحد الأحد" انتهى، وفي كتاب نقض الإشتراكية الماركسية في صفحة 31 ورد ما نصه:- ( ولذلك كان الإقرار بوجود الخالق عاماً عند جميع بني الإنسان في جميع العصور، والخلاف بينهم إنما كان بتعدد الآلهة أو توحيدها، ولكنهم مجمعون على وجود الخالق ).
من هنا كان مفهوم التوحيد حسب دلالة ( أصل الديانات ) من أخطر المفاهيم على المسلمين، فهذا المفهوم والمفاهيم المغلوطة المتعلقة بشرع من قبلنا سالفة الذكر تشكل معا ما يدعو إليه الغرب وأبواقه في العالم الاسلامي ما يسمى ب "وحدة الاديان".

القدوة و المثال
ورد في صفحة 60 ما نصه إن الله سبحانه قد فطر الإنسان وجبله على الإيمان بالماديات والمحسوسات أكثر بكثير من إيمانه بالمغيبات أو الأفكار المجردة ، فالإنسان إذا ما رأى شيئاً محسوساً آمن بوجوده وصدق بهذا الوجود، وأحبه ومال اليه إن كان صحيحاً وصالحاً، ولكن هذا الإنسان إن هو سمع بهذ الشيء المحسوس من طريق إنسان آخر أو مجموعة من الناس فإنه ربما آمن بوجوده وصدق بهذا الوجود، وأحبه ومال اليه إن سمع أنه صحيح وصالح، وربما لم يؤمن ولم يصدق، وحتى إن هو آمن وصدق فإن إيمانه وتصديقه يكون أقل قوة مما هو عليه فيما لو كان ناتجاً عن مشاهدة وحس بهذا الشيء، وهذا أمر بادي الوضوح) انتهى النص.
التعليق:-
أولاً:-فطرة المؤلف أو كل ما نص عليه المؤلف ينبني عليه بالضرورة النتائج التالية:-
1: العقيدة الشيوعية تتفق مع فطرة الإنسان لأنها عقيدة مادية، بنيت على المادة ولا تؤمن بوجود شيء سوى المادة.
ورد في كتاب نظام الإسلام صفحة 26 ما نصه:-(وأما الإشتراكية ومنها الشيوعية فهي ترى أن الكون والإنسان والحياة مادة فقط، وأن المادة هي أصل الأشياء، ومن تطورها صار وجود الأشياء، ولا يوجد وراء هذه المادة شيء مطلقاً، وأن هذه المادة أزلية قديمة لم يوجدها أحد، أي أنها واجبة الوجود، ولذلك ينكرون كون الأشياء مخلوقة لخالق، أي ينكرون الناحية الروحية في الأشياء ويعتبرون الإعتراف بوجودها خطراً على الحياة، لذلك يعتبرون الدين أفيون الشعوب الذي يخدرها، ويمنعها من العمل . ولا وجود عندهم لشيء سوى المادة، حتى الفكر إنما هو إنعكاس المادة على الدماغ، وعليه فالمادة أصل الفكر، وأصل كل شيء، ومن تطورها المادي توجد الأشياء .وعلى هذا فهم ينكرون وجود الخالق، ويعتبرون المادة أزلية، فهم ينكرون ما قبل الحياة وما بعدها، ولا يعترفون إلا بالحياة فقط)انتهى نص الحزب.
والمؤلف يقول (إن الله سبحانه قد فطر الإنسان وجبله على الإيمان بالماديات والمحسوسات أكثر بكثير من إيمانه بالمغيبات).
2:- العقيدة الإسلامية تعتبر أقل إتفاقاً أو أقل تجاوباً مع الفطرة من العقيدة الشيوعية لأن الله سبحانه-حسب قول المؤلف-قد فطر الإنسان وجبله على الإيمان بالماديات والمحسوسات أكثر بكثير من إيمانه بالمغيبات،
3:- إيمان المسلم بعقيدة الإسلام أقل قوة من إيمان الشيوعي بالعقيدة الشيوعية لأن إيمان الشيوعي ناتج عن مشاهدة وحس بالمادة التي لا يؤمن بوجود سواها، أما الإسلام فأساسه الإيمان أو التصديق الجازم بوجود الله تعالى، وهذا التصديق ليس ناتجاً بل يستحيل أن يكون ناتجاً عن مشاهدة وحس بذات الله، وينطبق هذا أيضاً على الإيمان بالجنة والنار والبعث والنشور والحساب والعذاب والجن والشياطين والملائكة والأنبياء والمرسلين لأن جميع هذه الأشياء ليست مما يقع تحت الحس، فلا يمكن أن يكون الإيمان أو التصديق الجازم بوجودها ناتجاً عن مشاهدة وحس بذواتها، قال تعالى {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون } وقال تعالى { الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون} وقال{ وليعلم اللهُ من ينصره ورسله بالغيب } وقال { جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا }.
لكن المؤلف يقول(وحتى إن هو آمن وصدق فإن إيمانه وتصديقه يكون أقل قوة مما هو عليه فيما لو كان ناتجاً عن مشاهدة وحس بهذا الشيء، وهذا أمر بادي الوضوح)
4:- ما نص عليه المؤلف مؤداهُ التشكيك بصلاحية العقيدة الإسلامية للإعتقاد بها من قبل الإنسان، وذلك لأن التصديق بوجود الشيء إذا لم يكن ناتجاً عن مشاهدة وحس بهذا الشيء فإن الإنسان (ربما آمن بوجوده وصدق بهذا الوجود) (وربما لم يؤمن ولم يصدق) وحتى إن هو آمن وصدق (فإن إيمانه وتصديقه يكون أقل قوة مما هو عليه فيما لو كان ناتجاً عن مشاهدة وحس بهذا الشيء).
5:-ما نص عليه المؤلف يسقط حجية الأحاديث المتواترة للإستدلال بها على العقائد أي من حيث كونها تفيد القطع واليقين وذلك أن المؤلف قد قال( ولكن هذا الإنسان إن هو سمع بهذا الشيء المحسوس من طريق إنسان آخر أو مجموعة من الناس فإنه ربما آمن بوجوده وصدق بهذا الوجود .... وربما لم يؤمن ولم يصدق، وحتى إن هو آمن وصدق فإن إيمانه وتصديقه يكون أقل قوة مما هو عليه فيما لو كان ناتجاً عن مشاهدة وحس بهذا الشيء). فقوله (ربما آمن)،( وربما لم يؤمن)،(وحتى إن هو آمن) يدل على أن الأحاديث المنقولة سواء بالتواتر أو بغير التواتر لا تفيد القطع واليقين.
ورد في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الأول في صفحة 28 ما نصه:- (وقد ثبت بالتواتر الذي يفيد القطع واليقين أن العرب عجزوا عن أن يأتوا بمثل القرآن من القول مع تحدي القرآن لهم ) وفي صفحة30 ما نصه:- (وبما أنه ثبت بطريق التواتر الذي هو دليل قاطع يقيني أن محمداً هو الذي جاء
بالقرآن) وفي صفحة 101 ما نصه:-(وأما نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فلأنه إدعى النبوة وأظهر المعجزة. أما دعوى النبوة فقد عُلم بالتواتر الذي يفيد القطع) وفي صفحة 122 ما نصه:-(فهذا كله يدل قطعاً على أن ترتيب الآيات في سورها وشكل السور بعدد آياتها ووضعها، كل ذلك توقيفي من الله تعالى. وعلى ذلك نقلته الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم وثبت ذلك تواتراً). فجميع هذه الأمور قد ثبتت بالتواتر ،والتواتر دليل نقلي أو سمعي ولا خلاف بين المسلمين في أنه يفيد القطع واليقين.
ثانياً:- ما نص عليه المؤلف وكل ما ينبني عليه يخالف الواقع ويتناقض مع ما تبناه الحزب وتدحضه الأدلة الشرعية.
أما من حيث مخالفته للواقع ،فيدل عليه رفض ملايين البشر إعتناق العقيدة المادية في البلاد التي خضعت للحكم الشيوعي بالحديد والنار .فكانت الدولة دولة شيوعية إلا أن الشعوب لم تتحول الى أمة شيوعية مطلقاً، فلم يوجد أمة شيوعية على وجه الكرة الأرضية وإنما وجدت دولة أو دول شيوعية الى أن أُزيلت هذه الدول من الوجود بأيدي الشعوب التي خضعت تحت سلطان الفكر المادي .
وفي مقابل ذلك نجد أن ملايين البشر قد تم صهرهم في بوتقة الإسلام فصاروا أمة واحدة من دون الناس، وبقيت الأمة أمة إسلامية وبقي المسلمون على إعتناقهم لعقيدة الإسلام رغم زوال سلطان الإسلام من على وجه الكرة الأرضية منذ ما يزيد على السبعين سنة، ورغم ما بذله ويبذله الكفار من محاولات إستئصال الإسلام وقلعه من نفوس المسلمين، فضلاً عن خضوع المسلمين وعيشهم عملياً في ظل أنظمة الكفر التي تطبق عليهم منذ زوال دولة الإسلام وحتى الآن.
والسبب في إخفاق القيادة الفكرية الشيوعية هو مادية العقيدة الشيوعية لإنكارها وجود الله تعالى وإنكارها الناحية الروحية في الأشياء، والسبب في نجاح القيادة الفكرية لمبدأ الإسلام هو قيامه على الأساس الروحي ، أي لإقرارها ما في فطرة الإنسان من عجز واحتياج إلى الخالق المدبر الذي يستحيل أن يكون الإيمان بوجوده ناتجاً عن مشاهدة وحس بذاته.
أما من حيث مناقضته لما تبناه الحزب، فقد تبنى الحزب أن الله سبحانه قد فطر الإنسان على الإيمان بالذات التي يستحيل أن يقع حس الإنسان عليها لا على الإيمان بالماديات والمحسوسات، فقد ورد في نظام الإسلام صفحة 6 ما نصه: ( نعم إن الإيمان بالخالق المدبر فطري في كل إنسان. إلا أن هذا الإيمان الفطري يأتي عن طريق الوجدان ) وفي صفحة 23 ما نصه:-( ومعنى اتفاق القاعدة الفكرية مع فطرة الإنسان كونها تقرر ما في فطرة الإنسان من عجز واحتياج إلى الخالق المدبر وبعبارة أخرى توافق غريزة التدين ).
فالله سبحانه وتعالى قد فطر الإنسان على الإيمان بالذات الواجب الوجود بمعنى أنه فطره على العجز والإحتياج الى الذات التي يستحيل أن يقع حس الإنسان عليها.
ومع أن العقل قاصر عن إدراك ذات الله لاستحالة وقوعها تحت الحس إلا أن هذا القصور نفسه من مقويات هذا الإيمان لا من عوامل ضعفه، ورد في نظام الإسلام صفحة 7 ما نصه:-( ولذلك كان الإيمان بوجود الله عقلياً وفي حدود العقل، بخلاف إدراك ذات الله فإنه مستحيل، لأن ذاته وراء الكون والإنسان والحياة، فهو وراء العقل. والعقل لا يمكن أن يدرك حقيقة ما وراءه لقصوره عن هذا الإدراك. وهذا القصور نفسه يجب أن يكون من مقويات الإيمان، وليس من عوامل الإرتياب والشك فإنه لما كان إيماننا بالله آتياً عن طريق العقل كان إدراكنا لوجوده إدراكاً تاماً، ولما كان شعورنا بوجوده تعالى مقروناً بالعقل كان شعورنا بوجوده شعوراً يقينياً، وهذا كله يجعل عندنا إدراكاً وشعوراً يقينياً بصفات الألوهية. وهذا من شأنه أن يقنعنا أننا لن نستطيع إدراك حقيقة ذات الله على شدة إيماننا به). من هنا كانت القيادة الفكرية للمبدأ الإسلامي متفقة مع فطرة الإنسان أي مع ما في فطرة الإنسان من عجز وإحتياج الى الذات التي يستحيل وقوعها تحت حس الإنسان ومن هنا أيضاً كانت القيادة الفكرية في الشيوعية مخفقة من ناحية فطرية، ورد في نظام الإسلام صفحة 35 ما نصه:-( ولما ظهر المبدأ المادي الذي ينكر وجود الله وينكر الروح لم يستطع أن يقضي على هذا التدين الطبيعي، وإنما نقل تصور الإنسان لقوة أكبر منه، ونقل تقديسه لهذه القوة ، نقل كل ذلك الى تصور هذه القوة في المبدأ وفي حملته، وجعل تقديسه لهما وحدهما، فكأنه رجع الى الوراء، ونقل تقديس الناس من عبادة الله الى عبادة العباد ومن تقديس آيات الله الى تقديس كلام المخلوقات، فكان رجعياً في ذلك. ولم يستطع القضاء على فطرة التدين، وإنما حولها بالمغالطة تحويلاً رجعياً. ولذلك كانت قيادته الفكرية تختلف مع طبيعة الإنسان، وكانت قيادة سلبية. ومن هنا كانت القيادة الفكرية في الشيوعية مخفقة من ناحية فطرية ).
ولو كانت الفطرة التي فطر الله الناس عليها هي الإيمان بالماديات والمحسوسات كما يزعم المؤلف لتجاوبت الفطرة مع المبدأ المادي الذي نقل تقديس الناس من عبادة الله الى عبادة العباد، ومن تقديس آيات الله الى تقديس كلام المخلوقات.
وأما من حيث مخالفته لما دلت عليه النصوص الشرعية فبيانه كما يلي :-
1:- قال تعالى { ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله }، ووجه الإستدلال بهذه الآية هو أن الأصنام أشياء مادية محسوسة والله سبحانه ليس كمثله شيء، فليس الله سبحانه مما يقع عليه حس الإنسان، وعند المقارنة نجد أن الله سبحانه وتعالى قد ساوى بين حب الكفار لأوثانهم وحبهم لله تعالى ، أي أن حبهم للماديات والمحسوسات لم يكن أشد من حبهم لله تعالى إلا أننا نجد أن الله سبحانه قد بين أن المؤمنين أشد حباً لله من حب الكفار لأوثانهم فهذا دليل على أن ميل الإنسان وحبه للماديات والمحسوسات ليس أكثر من ميله وحبه للذات التي يستحيل أن يقع عليها حسه.
2:- قال تعالى { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير اللهِ تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه وتنسون ما تشركون } وقال { هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرينَ بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أُحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لإن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرينْ } وقال { وإذا مسكم الضرُّ في البحر ضلَّ من تدعون إلا إياه فلما نجاكم الى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا }.
ووجه الإستدلال بهذه الآيات هو أن الفطرة إذا تحركت تجاوبت مع ما فطر عليه الإنسان { بل إياه تدعون } ،{ وتنسون ما تشركون }،{ دعوا الله مخلصين له الدين }،{ ضل من تدعون إلا إياه}، أي لما تحركت الفطرة لم تتحرك صوب الماديات والمحسوسات { وتنسون ما تشركون } بل صوب الذات التي يستحيل وقوعها تحت حس الإنسان { بل إياه تدعون }،{ دعوا الله مخلصين له الدين } حتى فرعون، لمَّا جحد بآيات الله فقال تجبراً وتكبراً كما في قوله تعالى :-{الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطانٍ أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبرٍ جبار* وقال فرعون يا هامان إبن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب* أسباب السماوات فأطَّلِعُ الى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زُين لفرعون سوءُ عمله وَصُدَّ عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب }، فإنه لما تحركت فيه الفطرة فثار لديه الشعور بالعجز والإحتياج الى الخالق المدبر قال كما في قوله تعالى { حتى إذا اداركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين }.
3:- قال تعالى :- {ولو ترى إذ وُقِفوا على النار فقالوا يا ليتنا نُرَدُّ ولا نكذِّبُ بآياتِ رَبِنا ونكون من المؤمنين*بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو رُدُّوا لعادوا لِما نُهوا عنه وإنهم لكاذبون }.
ووجه الإستدلال بهذه الآية هو أن هذه الآية نصت على حقيقة أن الكفار لو رُدوا الى الدنيا بعد أن { وُقِفوا على النار } أي بعد أن شاهدوا جهنم بالحس ورأوها رأي العين لعادوا لما نهوا عنه من الجحود بآيات الله والكفر به والعمل بما يسخط عليهم ربهم ،بخلاف المؤمنين { الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون }،{ والذين يقولون ربنا إصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما* إنها ساءَت مستقراً ومقاما }.
فلو كانت الفطرة التي فطر الله الناس عليها هي ( الإيمان بالماديات والمحسوسات أكثر بكثير من إيمانه بالمغيبات )- كما يدعي المؤلف- لما خشي المؤمنون ربهم بالغيب، ولما عاد الكفار لما نهوا عنه من الجحود بآيات الله والكفر به والعمل بما يسخطه فيما لورُدوا الى الدنيا بعد أن وقفوا على النار ورأوها رأي العين .
وأما قوله تعالى { وإذ قال إبراهيمُ ربِ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } فلا يوجد فيه ما يدل على أن الله سبحانه قد فطر الإنسان على ( الإيمان بالماديات والمحسوسات أكثر بكثير من إيمانه بالمغيبات )، لأن فطرة المؤلف تتعلق بالإيمان أما الآية فليس موضوعها الإيمان وما أورده الإمام أحمد إبن المنير الإسكندري في تفسير هذه الآية في كتاب الإنتصاف يكفي لبيان ذلك حيث نص الإمام أحمد على ما يلي : ( أما سؤال الخليل عليه السلام بقوله له { كيف تحيي الموتى } فليس عن شك والعياذ بالله في قدرة الله عن الإحياء . ولكنه سؤال عن كيفية الإحياء، ولا يشترط في الإيمان الإحاطة بصورتها، فإنما هي طلب علم ما لا يتوقف الإيمان على علمه ويدل على ذلك ورود السؤال بصيغة كيف، وموضوعها السؤال عن الحال، ونظير هذا السؤال أن يقول القائل: كيف يحكم زيد في الناس؟ فهو لا يشك أن زيد يحكم فيهم ولكنه سأل عن كيفية حكمه لا ثبوته، ولو كان الوهم قد يتلاعب ببعض الخواطر فيطرق الى إبراهيم شكاً من هذه الآية. وقد قطع النبي عليه السلام دابر هذا الوهم بقوله ( نحن أحق بالشك من إبراهيم ) أي ونحن لم نشك، فلان لا يشك إبراهيم أحرى وأولى. فإن قلت إذا كان السؤال مصروفاً الى الكيفية التي لا يضر عدم تصورها ومشاهدتها بالإيمان ولا تخل به، فما موقع قوله تعالى { أولم تؤمن } ؟ قلت: وقد وقعت لبعض الحذاق فيه على لطيفة وهي أن هذه الصيغة تستعمل ظاهراً في السؤال عن الكيفية كما مر، وقد تستعمل في الإستعجاز. مثاله: أن يدعي مدعٍ أنه يحمل ثقلاً من الأثقال وأنت جازم بعجزه عن حمله، فتقول له: أرني كيف محمل هذا، فلما كانت هذه الصيغة قد يعرض لها هذا الإستعمال الذي أحاط علم الله تعالى بأن إبراهيم مبرأٌ منه، أراد بقوله: {أولم تؤمن} أن ينطق إبراهيم بقوله:بلى آمنت،ليدفع عنه ذلك الإحتمال اللفظي في العبارة الأولى: ليكون إيمانه مُخلصاً نص عليه بعبارة يفهمها كل من يسمعها فهماً لا يلحقه فيه شك. فإن قلت: قد تبين لي وجه الربط بين الكلام على التقدير المبين، فما موقع قول إبراهيم{ ولكن ليطمئن قلبي } وذلك يشعر ظاهراً بأنه كان عند السؤال فاقداً للطمأنينة؟ قلت: معناه ولكن ليزول عن قلبي الفكر في كيفية الحياة، لأني إذا شاهدتها سكن قلبي عن الجولان في كيفياتها المتخيلة، وتعينت عندي بالتصوير وجاءت الآية مطابقة لسؤاله، لأنه شاهد صورة حياة الموتى،تقديره: الذي يحيي ويميت، فهذا أحسن ما يجري لي في تفسير هذه الآية وربك الفتاح العليم.) إنتهى نص تفسير الآية.
وأما قوله تعالى { وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون } فلا يدل أيضاً على فطرة المؤلف، بل أن قوله تعالى{ فأخذتكم الصاعقة } يدل على أن ما قالوه لموسى منافٍ للفطرة، إذ لو كانت الفطرة التي فطر الله الناس عليها هي الإيمان بالماديات والمحسوسات أكثر بكثير
رد مع اقتباس