عرض مشاركة واحدة
 
  #10  
قديم 02-18-2012
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: بعض جوانب التاريخ الاجتماعي للقدس في العهدين الأيوبي والمملوكي د. علي السيد علي محمود

السبت 26 ربيع الأول 1433

المرأة والإنتاج:
قامتِ المرأة المقدسيَّة بدَوْر مهمٍّ وفعَّال في إنتاج كلِّ ما يلزمها، ويلزم بيتها، مِن أنواع المفروشات التي تُستخدم في المنازل، مثل: البسط التي تنسج من الصُّوف، والسجَّاد والوسائد والمفارش، سواء الجلدية منها، أو المصنوعة من بعض الأقمشة.

وكذلك بعض المقاعِد من القطن أو "الجوخ"، وألوانها على الأغلب زرقاء، وقد تُضيف إليها قطعًا من الجِلْد، أو تبطنها ببطانة زرقاء، وكذلك بعض "الطراريح"، التي كانت تفرش على الأرْض الزرقاء والبيضاء والحمراء، إضافةً إلى "المساند" لراحة الناس عندَ الجلوس أو عندَ النَّوْم.

وكان القماش المستعمل يختلف بحسب الحالة الاجتماعيَّة، فقد يكون قماشها مِن الحرير، أو القماش العادي، وتُحْشَى بالقطن، أو تحشَى بورق الموز، أو اللباد الأبيض، أمَّا ألوانها فكانتْ زرقاءَ أو بيضاء بكِيس أحمر أو زيتي، وأحيانًا تطرز بالحرير الأحمر أو الأبيض[79].

وتقوم بغَزْل الصوف والقطن والكتَّان، واستخدمتْ بعض الأنوال في نسج بعض قِطع من القماش لصناعة أغطية الرأس النسائيَّة مِن "طرح" ومناديل وغيرها، وكذلك بعض أغطية الرأس الرجاليَّة.

وكانت تقوم بحِياكة الملابس الخاصَّة بها، وبأفراد أسرتها بنفسها أو تذهب إلى غيرها من النِّساء "الخياطات"؛ لتخيطَ لها نظيرَ أجْر يحصلن عليه، أضِف إلى ذلك الكثير من أشغال الإبرة والتطريز، وتزيين الملابس النسائية بوجه خاص، سواء أكان منها الملابس الداخليَّة "التحتانية"، أم الملابس الخارجية "الفوقانية"، والتي جاء ذِكْرها بشكل متنوِّع ومتعدِّد في عدد من الوثائق المقدسيَّة بوجه خاص، فتقوم بزخرفتها بالخرز و"الترتر"، والقصب وغيرها[80].

كذلك كانتْ تُصنع اللحف ولا تزال تصنعها، كانتْ تستخدم كدِثار عندَ النوم، وتُحشَى بالصوف؛ لتستخدمَ شتاءً، وبالقطن؛ لتستخدمَ صيفًا، وتقوم بتركيب ملاءة على ظهر اللحاف؛ لتقيَه الأوساخ، وتجعله أقدرَ على منع البرد.

هذا بالإضافة إلى بعضِ الركينات "جمع ركينة"، التي يكون القصد منها تزيينَ مكان الجلوس، أو وضعها في رُكْن البيت؛ لتضفيَ جمالاً على المنظر؛ ولذا فهي إمَّا أن تكون مطرزة بحرير أزرق أو أحمر، أو حاشية مزركشة[81].

كذلك قامتِ المرأةُ في ذلك العصْر بصناعة كثيرٍ من السلاسل، وبعض الأوعية المنزليَّة من سَعَف النخيل، وهي مِن الصناعات القديمة، وإلى الآن ما تزال تقوم بها كثيرٌ من نساء القرى وبيعها في أسواق المدينة المختلفة، وبخاصَّة في المناطِق التي تكثر بها المزارات السياحيَّة، وبخاصَّة المسيحيَّة في ذلك العصْر حيث يَفِد أعدادٌ كبيرةٌ من أبناء الغَرْب الأوربي لزيارتها أو الحج إليها، وشراء هذه المنتجات على سبيل التبرُّك بها، ومنها ما كان يُستخدم محليًّا في منازل القدس مثل مراوح القش والأوعية المصنوعة من الخُوص التي استخدمتْ في كثيرٍ من الأغراض المنزليَّة[82].

ومِن الصناعات التي قامتْ فيها النِّساءُ بدَور واضح في ذلك العصر: صناعة الصابون، حيث كانتْ تقوم النِّساء بعصْر الزَّيْت من الزيتون وغيره في المعاصِر المختلفة، بينما يُحضر لهنَّ الرجالُ مادةَ البوتاس "الصودا الكاوية"؛ ليقمنَ بصناعة أنواع مختلفة من الصابون للاستهلاك المنزلي غالبًا.

وربما اشتغلتْ بعضُ النساء في كثيرٍ من مصانع الصابون التي عُرِفت باسم "المصابن"، التي أَنْتجتْ مقاديرَ كبيرةً للاستهلاك المحلي في تلك الفترة[83].

وفي عصْرٍ لم يكنِ الناس يعرفون ما نعرِف اليوم مِن عمليات حِفْظ الأطعمة بالوسائل المتطوِّرة والحديثة، واستخدام الأجهزة المختلِفة لذلك، أو التقدُّم الهائل في وسائل المواصلات، الذي سهَّل تبادل كثير من السِّلع الغذائية، وتوافرها في غير مواسِم زراعتها، قامتِ المرأة بدور كبير، وجَهْد ملموس في حِفْظ بعض الخُضَر والفاكهة، مثل البامية، والملوخية، والتين، واللوز، والمشمش، والعنب وغيرها، عن طريق تجفيفها في مواسمِ كثرتها، والاحتفاظ بها؛ لاستخدامها في فصْل ينعدم الإنتاج، وكذلك حِفْظ الطماطم بصُنْعها على شكل معجون "صلصة" في أوانٍ كبيرة، مع المِلْح والزَّيْت حتى يتيسَّرَ استخدامها في وقتِ ندرتها، أو ارتفاع أسعارها، وفي بلاد الشام بوجهٍ عامٍّ، وبيت المقدس بوجه خاص، وحيث الشتاء الطويل، قامتِ النساء - ولا تزال - بحفظ اللحوم في مقاديرَ كبيرةٍ من الدُّهن الحيواني في آنية ضخْمة؛ لاستخدامها شيئًا فشيئًا، كلَّما دعتِ الحاجة لذلك.

كذلك قامتْ بصناعة أقراص "الكشك" وتجفيفها؛ لاستخدامها عندما تدعو الحاجة، وصناعة بعضِ أنواع من "الشعرية" يدويًّا، بل وتشير بعض المصادر اللاتينية إلى أنَّ النساء في كثير من قرى بلاد الشام بوجه خاص وحولَ القُدس بوجه عامٍّ قد شاركنَ في إنتاج السُّكَّر، باستخراجه من قصَب السكر، فيقمنَ بتقطيع عِيدانه، وإدخالها إلى المعاصِر، حتى يتمَّ عصرها، ثم القيام بغَلْي هذا العصير لتركيزه، ثم صبه في قوالبَ من الخُوص، وتركه حتى يجف؛ ليخرجَ في أشكال مختلفة، على هيئة مربَّعات كبيرة، أو قوالب أو أقماع، وكذلك إنتاج الجبن والزُّبد والقِشدة، وربما ساعدنَ في صناعة بعضِ الأرائك من جريد النخل، والتي كانتْ تُستخدم للنوْم أو للجلوس عليها، وبعض الحبال والأجولة من الخيش[84].

وقامتِ المرأة بتربية الطيور الداجنة، وتوفيرها للاستهلاك المحلِّي، سواء لأسرتها أو لسكَّان المدينة الآخَرين، عن طريق بيْعها في أسواق المدينة المختلفة المستديمة والأسبوعيَّة.

كذلك كان مِن أوَّل واجبات المرأة التي تقوم بها في الصَّباح، أن تأخذَ كميةً من الحبوب التي لديها في المنزل، وربَّما نادتْ على إحدى جاراتها، وتطلب منها أن تساعدَها في طَحْن تلك الحبوب بالرحاة، ثم تقوم بعجن الطحين وخبزه في "الفرن"، التي غالبًا ما تكون في المنزل، وبينما تَنشغلُ الأمُّ بعملية الخبز في الفرن، فإنَّ البنات عادةً ما يقمن بجلْب الماء اللازم للشرب، زيادةً على قيامها بإعداد الطعام بألوانه المختلفة، والذي لا بدَّ وأن يختلف مِن أُسرة لأخرى باختلاف المستوى الاجتماعي والاقتصادي لها، إلى جانبِ دَورها في تربية الأطفال ورعايتهم، وإعداد ما يَلزمهم مِن كسوة وخياطة ملابس وإصلاحها، كلَّما احتاجتْ لذلك[85].

وشاركتِ المرأةُ في الإنتاج، فقد شاركتْ أيضًا في تصريف الكثيرِ مِن المنتجات في ذلك العصْر، وبخاصَّة نِساء القُرى التابعة للقُدس والمحيطة بها، فقد شاركتْ في جمْع المحاصيل الزِّراعية، وكان عليها أن تحمل الكثيرَ من الخُضر والفاكهة والبَيْض لبيعها في أسواق المدينة المختلفة، كما كان عليها أن تقطفَ الفاكهة، وتقوم ببيعها لِمَن يمرُّون على قريتها، كذلك تحمل الحطَبَ لبيعه في المدينة[86].

وتشير بعضُ كتب الرحَّالة الأجانب الذين زاروا القُدس في ذلك العصر إلى أنَّ المرأة الشامية بوجه عام، والمقدسيَّة بوجه خاص كانت تمارس عملياتِ البيع والشراء في أسواق المدينة بحريَّة تامَّة[87].

وفي المناسبات الاجتماعيَّة مِن ولادة، وزواج، ووفاة، قامتِ المرأة بدور كبير في إعداد الأطعمة المناسِبة التي تقدِّم للمدعوين والمعزِّين، وتشير بعضُ المراجع على سبيل المثال إلى أنَّ المرأة المسيحيَّة كانت تقوم بسلق القمح، ووضعه في أطباق مع الزبيب والحلوى، ويتمُّ حمْلُه إلى الكنيسة، فيصلي الكاهن عليه في القدَّاس في يوم الأربعين في الوفاة، وتُسمَّى "النياحة"، ويفرَّق على الناس فيترحَّمون على الميت[88].

كما جرتِ العادة أن تُعدَّ نساء الجيران الطعامَ لعددٍ من الأيام لأسرة مَن يُتوفَّى مِن جيرانهن، بل جرتِ العادة أن تُقام الولائم لإطعام المعزِّين على نفقة الجيران، بحيث يُرسلون الطعامَ لإطعام جماعةٍ منهم وهكذا[89].


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/1007/29254/#ixzz1mYYiOuXQ
رد مع اقتباس