عرض مشاركة واحدة
 
  #4  
قديم 08-04-2009
سليم سليم غير متواجد حالياً
عضو مرابط
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 554
افتراضي رد: السحر وعلاقته بالجن!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل الخوض في غمار بيان السحر وعلاقته بالجن..أستهل المقال بهذه المقدمة:
السحر ومشتقاته ورد في القرآن الكريم في سور متعددة وآيات متنوعة...فقد ورد بلفظة سحر,سحرة,ساحر ,مسحور,مسحورين,سحروا,تسحرنا,...وكل هذه الآيات جاءت بالسحر بمعنى اللطيف من الامور ودقيقها وخفيها...فالسحر كما عرفه العلماء وسبق أن ذكرته في معرض قولي عن الجن وحقيقة المس...وللفائدة سوف أعيد بيانه:
السحر لغة يطلق على كل ما لطف وخفي سببه ,والسحر بالفتح هو الغذاء لخفائه ولطف مجاريه، قال لبيد:
ونسحر بالطعام وبالشراب.
والسحر لغة أيضًا : هو الرئة، وما تعلق بالحلقوم وهذا أيضاً يرجع إلى معنى الخفاء ومنه قول عائشة رضي الله عنها: «توفي رسول الله بين سحري ونحري».
والسحر :الشعوذة وهي تمويه الحيل بإخفائها تحت حركات وأحوال يظن الرائي أنها هي المؤثرة مع أن المؤثر خفي .
ثم أطلق على ما علم ظاهره وخفي سببه وهو التمويه والتلبيس وتخييل غير الواقع واقعاً وترويج المحال، تقول العرب: عنز مسحورة إذا عظم ضرعها وقل لبنها وأرض مسحورة لا تنبت، قال أبو عطاء:فوالله ما أدري وإني لصادق أداء عراني من حبابك أم سحر
أي شيء لا يعرف سببه. والعرب تزعم أن الغيلان سحرة الجن لما تتشكل به من الأشكال وتعرضها للإنسان.
وقد قسم الامام الرازي السحر الى ثمانية أقسام ,واما إبن عاشور فقد لخصها وقسمها الى ثلاثة أقسام لتشابه اصولها وهي:
1.القسم الاول:زجر النفوس بمقدمات توهيمية وإرهابية بما يعتاده الساحر من التأثير النفساني في نفسه ومن الضعف في نفس المسحور ومن سوابقَ شاهدَها المسحور واعتقدها فإذا توجه إليه الساحر سُخر له وإلى هذا الأصل الإشارة بقوله تعالى في ذكر سحرة فرعون{ سَحَرُوا أَعْيُنَ الناسِ واسْتَرْهَبُوهُمْ }[الأعراف: 116].
2.القسم الثاني:استخدام مؤثرات من خصائص الأجسام من الحيوان والمعدن وهذا يرجع إلى خصائص طبيعية كخاصية الزئبق ومن ذلك العقاقير المؤثرة في العقول صلاحاً أو فساداً والمفترة للعزائم والمخدرات والمرقدات على تفاوت تأثيرها، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى في سحرة فرعون:{ إنَّ ما صنعوا كيدُ ساحر }(طه: 69].
3.القسم الثالث:الشعوذة واستخدام خفايا الحركة والسرعة والتموج حتى يخيل الجماد متحركاً وإليه الإشارة بقوله تعالى:{ يُخَيَّل إليه من سحرهم أنها تسعى }[طه: 66].
وهذه الأصول الثلاثة كلها أعمال مباشرة للمسحور ومتصلة به ولها تأثير عليه بمقدار قابلية نفسه الضعيفة وهو لا يتفطن لها، ومجموعها هو الذي أشارت إليه الآية، وهو الذي لا خلاف في إثباته على الجملة دون تفصيل، وما عداها من الأوهام والمزاعم هو شيء لا أثر له وذلك كل عمل لا مباشرة له بذات من يراد سحره ويكون غائباً عنه فيدعي أنه يؤثر فيه، وهذا مثل رسم أشكال يعبر عنها بالطلاسم، أو عقد خيوط والنفث عليها برقيات معينة تتضمن الاستنجاد بالكواكب أو بأسماء الشياطين والجن وآلهة الأقدمين، وكذا كتابة اسم المسحور في أشكال، أو وضع صورته أو بعض ثيابه وعلائقه وتوجيه كلام إليها بزعم أنه يؤثر ذلك في حقيقة ذات المسحور، أو يستعملون إشارات خاصة نحو جهته أونحو بلده وهوما يسمونه بالأرصاد وذكر أبو بكر ابن العربي في «القبس» أن قريشاً لما أشار النبي بأصبعه في التشهد قالوا: هذا محمد يسحر الناس، أو جمع أجزاء معينة وضم بعضها إلى بعض مع نية أن ذلك الرسم أو الجمع لتأثير شخص معين بضر أو خير أو محبة أو بغضة أو مرض أو سلامة، ولا سيما إذا قرن باسم المسحور وصورته أو بطالع ميلاده، فذلك كله من التوهمات وليس على تأثيرها دليل من العقل ولامن الطبع ولا ما يثبته من الشرع."
هذه هي أصول السحر وكما هو واضح أنه ليس للجن فيها دخل أو تأثير وما هو إلا وهم وخيال...ويبدو أن الناس قد أقحموا الجن لأسباب ولأغراض في نفس يعقوب منها:
1.اللبس الحاصل من كون السحر والجن فيهما خفية وإستتار...فالسحر هو الخيال والوهم وما لطف وخفي...والجن ايضًا ما حجب وخفي وإستتر عن الإنسان ...فربط الإنسان كل ما خفي وبالجن لإتحادهما في الخفية والحجب والإستتار.
2.إستغلال السحرة في تفعيل عامل الدهشة والإنبهار وربطهم السحر بالجن في تحقيق مآربهم وتسخير أقرانهم من بني آدم.
3.إستفراد السحرة والقائمين على الشعوذة ومحاولتهم لإبعاد الناس عن حقيقة السحر وأنه لا تأثير له إلا بعنصر الشر والشيطان وما شابه ذلك....أنتهت المقدمة...
وأما بالنسبة الى المسلمين فقد ربطوا السحر بالجن مستشهدين بآية هاروت وماروت من سورة البقرة في قوله تعالى:"وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ "...وقد تمسكوا بهذ الآية أكثر من غيرها في محاولتهم لربط السحر بالجن وعضوا عليها بالنواجذ...فهناك مثلاً سورة الفلق وذكر النفاثات في العقد والتعوذ منهن...ولكن هذا الآية أستحوذت على تفكير كل من ربط السحر بالجن...وقبل البدء في تفسيرها وبيان اللغط في الربط بين السحر والجن إنطلاقًا منها أود أن أذكر نفسي وإياكم بموضوع في غاية الأهمية لفهم هذه الآية والوقوف على معناها...
"التعدي في الأفعال":
الفعل اللازم هو الفعل، الذي يكتفي برفع الفاعل، ولا ينصب مفعولاً به أو أكثر؛ وإنما ينصبه بمعونة حرف جر، أو غيره مما يؤدي إلى التعدية. وأن الفعل المتعدي هو الفعل، الذي ينصب بنفسه مفعولاً به، أو اثنين، أو ثلاثة من غير أن يحتاج إلى مساعدة حرف جر، أو غيره مما يؤدي إلى تعدية الفعل اللازم.
وقد تنبه الى أسرار تعدي الفعل بحرف الجر الإمام الخطابي في قوله:”وأما( من ) و( عن ) فإنهما يفترقان في مواضع؛ كقولك: أخذت منه مالاً، وأخذت عنه علمًا. فإذا قلت: سمعت منه كلامًا، أردت سماعه من فيه. وإذا فلت: سمعت عنه حديثًا، كان ذلك عن بلاغ “.
وهذا يدل على إختلاف المعنى والمقصود إذا ما تعدى الفعل بحرف جر ..وبعبارة آخرى ينقلب المعنى رأساً على عقب وقد يدلل على نقيضه..وقد ألف الأستاذ يوسف الأنصاري كتابًا أسماه"من أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم " وذكر فيه أهمية هذه الدراسة قائلًا:" أنها تعود إلى أمرين:
أولهما: ارتباطه بفقه الدلالة..
وثانيهما:دقة مسلكه، وغموضه، وخفائه على بعض العلماء."اهـ
ومن ذلك ما نقله عن الراغب من قوله في الفرق بين تعدية الفعل( راغ ) بـ( إلى ) و( على )؛ كما في قوله تعالى:
﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾ (الذاريات: 26)
﴿ فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴾(الصافات: 91)
﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ﴾ (الصافات: 93)
ولنعد الآن الى آية البقرة وسوف أعتمد تفسير إبن عاشور _رحمه الله_ لأنه بيّن الفعل المتعدي بحرف جر في تفسيره والذي قد يزيل الوهم في تفسيرها...ففي الآية ورد فعل تلا متعديًا بحرف الجر (على) وهذا يجعل من معنى التلاوة غير معنى القراءة الصادقة...قال إبن عاشور:"
قوله: { واتبعوا } عطف على جملة الشرط وجوابه في قوله:
{ ولما جاءهم رسول من عند الله }
[البقرة: 101] الآية بذكر خصلة لهم عجيبة وهي أخذهم بالأباطيل بعد ذكر خصلة أخرى وهي نبذهم للكتاب الحق، فذلك هو مناسبة عطف هذا الخبر على الذي قبله. فإن كان المراد بكتاب الله في قوله:
{ كتاب الله وراء ظهورهم }
[البقرة: 101] القرآن فالمعنى أنهم لما جاءهم رسول الله مصدقاً لما معهم نبذوا كتابه بعلة أنهم متمسكون بالتوراة فلا يتبعون ما خالف أحكامها وقد اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وهو مخالف للتوراة لأنها تنهى عن السحر والشرك فكما قيل لهم فيما مضى
{ أفتؤمنون ببعض الكتاب }
[البقرة: 85] يقال لهم أفتؤمنون بالكتاب تارة وتكفرون به تارة أخرى. وإن كان المراد بكتاب الله التوراة فالمعنى لما جاءهم رسول الله نبذوا ما في التوراة من دلائل صدق هذا الرسول وهم مع ذلك قد نبذوها من قبل حين { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } مع أن ذلك مخالف لأحكام التوراة.
و { الشياطين } يحتمل أن يكونوا شياطين من الجن وهو الإطلاق المشهور، ويحتمل أن يراد به ناس تمردوا وكفروا وأتوا بالفظائع الخفية فأطلق عليهم الشياطين على وجه التشبيه كما في قوله تعالى:
{ وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن }
[الأنعام: 112] وقرينة ذلك قوله: { يعلمون الناس السحر } فإنه ظاهر في أنهم يدرسونه للناس وكذلك قوله بعده: { ولكن الشياطين كفروا } إذ هذا الاستدراك في الإخبار يدل على أنهم من الإنس لأن كفر الشياطين من الجن أمر مقرر لا يحتاج للإخبار عنه.""والتلاوة قراءة المكتوب والكتاب وعرض المحفوظ عن ظهر قلب وفعلها يتعدى بنفسه :"يتلون عليكم آيات "
[الزمر: 71] فتعديته بحرف الاستعلاء يدل على تضمنه معنى تكذب أي تتلو تلاوة كذب على ملك سليمان كما يقال تقوّل على فلان أي قال عليه ما لم يقله، وإنما فهم ذلك من حرف (على).
والشياطين قيل أريد بها شياطين الإنس أي المضللون وهو الظاهر. وقيل: أريدت شياطين الجن. وأل للجنس على الوجهين. وعندي أن المراد بالشياطين أهل الحيل والسحرة كما يقولون فلان من شياطين العَرب وقد عد من أولئك ناشب الأعور أحد رجال يوم الوقيط.
وقوله: { تتلوا } جاء بصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية على ما قاله الجماعة، أو هو مضارع على بابه على ما اخترناه من أن الشياطين هم أحبارهم فإنهم لم يزالوا يتلون ذلك فيكون المعنى أنهم اتبعوا اعتقدوا ما تلته الشياطين ولم تزل تتلوه.
وقوله: { وما كفر سليمان } جملة معترضة أثار اعتراضها ما أشعر به قوله: { ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } من معنى أنهم كذبوا على سليمان ونسبوه إلى الكفر فهي معترضة بين جملة { واتبعوا } وبين قوله: { وما أنزل على الملكين } إن كان { وما أنزل } معطوفاً على { ما تتلوا } وبين { اتبعوا } وبين { ولقد علموا لَمَن اشتراه } إلخ إن كان { وما أنزل } معطوفاً على السحر، ولك أن تجعله معطوفاً على { واتبعوا } إذا كان المراد من الشياطين أحبار اليهود لأن هذا الحكم حينئذ من جملة أحوال اليهود لأن مآله واتبعوا وكفروا وما كفر سليمان ولكنه قدم نفي كفر سليمان لأنه الأهم تعجيلاً بإثبات نزاهته وعصمته ولأن اعتقاد كفره كان سبب ضلال للذين اتبعوا ما كتبته الشياطين فلا شك أن حكم الأتباع وحكم المتبوعين واحد فكان خبراً عن اليهود كذلك.
----------يتبع------
__________________
رمضان أسم حروفه ناصعة=فالراء رحمة من الله واسعة
وميمه مغفرة منه جامعة=والضاد ضياء جنة رائعة
والألف احسان وألفة ماتعة=ونونه نُزل الصائمين ناعمة
رد مع اقتباس