عرض مشاركة واحدة
 
  #2  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي رد: مسائل سلطانية : للشيخ عبد الرحمن العقبي

المسألة الرابعة

هل كذب معاوية على أهل الشام؟


ورد في كتاب الإمامة والسياسة ما نصه:

"قال: وذكروا أن عبد الله بن الزبير قام إلى معاوية فقال: إن رسول الله ص قبض فترك الناس إلى كتاب الله، فرأى المسلمون أن يستخلفوا أبا بكر، ثم رأى أبو بكر أن يستخلف عمر وهو أقصى قريش منه نسبا، ورأى عمر أن يجعلها شورى بين ستة نفر اختارهم من المسلمين، وفي المسلمين ابنه عبد الله وهو خير من ابنك، فإن شئت أن تدع الناس على ما تركهم رسول الله فيختارون لأنفسهم وإن شئت أن تستخلف من قريش كما استخلف أبو بكر خير من يعلم وإن شئت أن تصنع مثل ما صنع عمر تختار رهطا من المسلمين وتزويها عن ابنك فافعل. فنزل معاوية عن المنبر وانصرف ذاهبا إلى منزله وأمر من حرسه وشرطته قوما أن يحضروا هؤلاء النفر الذين أبوا البيعة وهم الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أبي بكر وأوصاهم معاوية فقال: إني خارج العشية إلى أهل الشام فأخبرهم أن هؤلاء النفر قد بايعوا وسلموا فإن تكلم أحد منهم بكلام يصدقني أو يكذبني فيه فلا ينقضي كلامه حتى يطير رأسه. فحذر القوم ذلك، فلما كان العشي خرج معاوية وخرج معه هؤلاء النفر وهو يضاحكهم ويحدثهم وقد ألبسهم الحلل فألبس ابن عمر حلة حمراء وألبس الحسين حلة صفراء وألبس عبد الله بن عباس حلة خضراء وألبس ابن الزبير حلة يمانية. ثم خرج بينهم وأظهر لأهل الشام الرضا عنهم -أي القوم- وأنهم بايعوا، فقال: يا أهل الشام إن هؤلاء النفر دعاهم أمير المؤمنين فوجدهم واصلين مطيعين وقد بايعوا وسلموا، قال ذلك والقوم سكوت ولم يتكلموا شيئا حذر القتل، فوثب أناس من أهل الشام فقالوا: يا أمير المؤمنين إن كان رابك منهم ريب فخل بيننا وبينهم حتى نضرب أعناقهم. فقال معاوية: سبحان الله! ما أحل دماء قريش عندكم يا أهل الشام، لا أسمع لهم ذاكرا بسوء فإنهم قد بايعوا وسلموا وارتضوني فرضيت عنهم رضي الله عنهم. ثم ارتحل معاوية راجعا إلى مكة وقد أعطى الناس أعطياتهم وأجزل العطاء وأخرج إلى كل قبيلة جوائزها وأعطياتها ولم يخرج لبني هاشم جائزة ولا عطاء".

أقول:

هذه الرواية عن مجاهيل، فهو يقول: "قال: وذكروا" ومثل هذه الرواية لا يحتج بها لأنها ضعيفة بلا خلاف.
هذا إذا سلمنا أن كتاب الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة هو فعلا من تأليفه، وفي هذه النسبة مقال. والله أعلم.

المسألة الخامسة

هل صحيح أن معاوية مختلس؟

ورد في العقد الفريد ما نصه:

"زار أبو سفيان معاوية بالشام فلما رجع من عنده دخل على عمر فقال: أجزنا أبا سفيان. قال: ما أصبنا شيئا فنجيزك منه. فأخذ عمر خاتمه فبعث به إلى هند وقال للرسول: قل لها: يقول لك أبو سفيان: انظري إلى الخرجين اللذين جئت بهما فأحضريهما. فما لبث عمر أن أتي بخرجين فيهما عشرة آلاف درهم، فطرحهما عمر في بيت المال. فلما ولي عثمان ردّهما عليه. فقال أبو سفيان: ما كنت لآخذ مالا عابه عليّ عمر".

هذه الرواية بلا إسناد وهي ضعيفة بلا خلاف ولا يحل الاحتجاج بها. وأيضا فإنها تسيء إلى أربعة من الصحابة هم معاوية وأبوه وعمر وعثمان:

فإن كان المال من مال معاوية فقد غصبه عمر. وإن كان من بيت المال فقد اختلسه معاوية وأبوه، وسكت عمر على معاوية وأقره واليا على الشام وكذلك فعل عثمان وزاد على عمر أن رد المال إلى أبي سفيان.
وفي الحالتين كلتيهما فإن أبا سفيان كذب على عمر عندما قال: "ما أصبنا شيئا فنجيزك منه".

ومما صح عن أبي سفيان أنه لم يكذب على هرقل وهو كافر في رحلته إلى الشام. ورد في صحيح البخاري ما لفظه: " حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ الحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّأْمِ فِي المُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا. فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ. ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ...".

فهذا أبو سفيان منعه حياؤه في الجاهلية من الكذب على هرقل فهل يعقل أن يكذب بعد أن أسلم على أمير المؤمنين، مع العلم أنه غير معصوم.

والذي لا مراء فيه أن هذه الرواية ضعيفة دون إسناد فلا يحتج بها منصف يعرف للصحابة حقهم.

المسألة السادسة

يزيد ابن معاوية مغفور له وليس من الصبيان

روى البخاري في الصحيح عن أم حرام أنها سمعت النبي ص يقول: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا". قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: "أَنْتِ فِيهِمْ". ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ص: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ". فَقُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لَا".

قُلتُ: الجيش الذي غزا القسطنطينية أول مرة كان بإمرة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. قال الحافظ في فتح الباري: "فَإِنَّهُ كَانَ أَمِيرُ ذَلِكَ الْجَيْشِ بِالِاتِّفَاقِ". ونقل الحافظ في الفتح أيضا عن المهلب أنه قال: "فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَة لِمُعَاوِيَة لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ وَمَنْقَبَةٌ لِوَلَدِهِ يَزِيد لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا مَدِينَةَ قَيْصَرَ".
وقال خليفة في سنة خمسين: "وفيها غزا يزيد بن معاوية أرض الروم ومعه أبو أيوب الأنصاري... وأقام الحج يزيد بن معاوية بعد أن قفل من أرض الروم".

وقال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه: "قال سعيد بن عبد العزيز: فأغزى معاوية الصوائف، وشتاهم بأرض الروم ست عشرة صائفةً، تصيف بها وتشتو، ثم تقفل وتدخل معقبتها، ثم أغزاهم معاوية ابنه يزيد في سنة خمس وخمسين في جماعة من أصحاب رسول الله ص في البر والبحر حتى جاز بهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها، ثم قفل."
وذكر ابن كثير في البداية والنهاية الرواية السابقة بسندها فقال: "وقال أبو زرعة عن دحيم عن الوليد عن سعيد بن عبد العزيز قال...". وقال ابن كثير في آخر الرواية "ثم قفل بهم راجعا إلى الشام، وكان آخر ما أوصى به معاوية أن قال: شد خناق الروم". ثم قال ابن كثير بعد ذلك بقليل: "وقد كان يزيد أول من غزى مدينة قسطنطينية في سنة تسع وأربعين في قول يعقوب بن سفيان، وقال خليفة بن خياط: سنة خمسين".
قُلتُ: هناك خلاف في السنة التي غزا فيها يزيد مدينة قيصر ولكنهم متفقون كما قال الحافظ أن أمير ذلك الجيش كان يزيد بن معاوية. فنخلص من هذا إلى أن هذا الجيش مع أميره مغفور لهم كما ورد في حديث أم حرام عند البخاري. والمغفرة تكون للذنوب التي يرتكبها المسلم ما دام مسلما، فكل ذنب اقترفه أحد من هذا الجيش صغيرا كان أو كبيرا فهو مغفور, أما الشرك والارتداد فليس من هذا القبيل.

وأما ما رواه أحمد والبزار باسناد قال عنه الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير كامل بن العلاء وهو ثقة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ رَأْسِ السَّبْعِينَ وَمَنْ إِمَارَةِ الصِّبْيَانِ"، فإن إمارة الصبيان غير رأس السبعين، وليس المعنى أن إمارة الصبيان تكون على رأس السبعين، وذلك لأن الواو للمغايرة كقول القائل: أعوذ بالله من الاشتراكية والرأسمالية. وأيضا فإن إمارة الصبيان قد فسرها حديث جابر بن عبد الله عند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي أن النبي ص قال: "أعاذك الله يا كعب بن عجرة من إمارة السفهاء"، قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: "أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون علي حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون علي حوضي". فيزيد ليس صبيا على الحقيقة بل كان أميرا للمؤمنين بعد بلوغه مبلغ الرجال. ثم إنه كان يطبق الإسلام أي ليس من الصبيان الذين لا يستنون بسنته ص ولا يقتدون بهديه، وإن كان غير معصوم وخلافته ليست على منهاج النبوة بل هي من خلافة الملك العاض.

ومما يثبت هذا الفهم أيضا أن إمارة الصبيان هي ملك الصغار الكائن في هذا الزمان لا في زمن التابعين، روى أحمد باسناد صححه الزين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى نَدَعُ الِائْتِمَارَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: "إِذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذَا كَانَتْ الْفَاحِشَةُ فِي كِبَارِكُمْ، وَالْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ، وَالْعِلْمُ فِي رُذَالِكُمْ".
قُلتُ: هذه الصفات الثلاث لم تكن في عصر التابعين ولا تابعيهم، بل هي موجودة في زماننا نحن، فكيف تكون إمرة الصبيان في رأس السبعين؟ هذا مستحيل، وعليه فإن من الخطأ الفاضح أن يُقال ذلك. فعصر التابعين يستحيل أن يكون محلا لإمرة الصبيان السفهاء الصغار، وإمرة يزيد ليست من إمارة الصبيان. وأما الحرَّة التي كانت على رأس السبعين فليس هذا مكان بحثها، فقد أعاذنا الله سبحانه منها وابتلانا بإمرة الصبيان، أسأل الله أن ينجي منها كل مخلص.
رد مع اقتباس