عرض مشاركة واحدة
 
  #24  
قديم 09-10-2010
سليم سليم غير متواجد حالياً
عضو مرابط
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 554
افتراضي رد: النكات البلاغية في ايراد الصفات الثنائية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


وأهم الملاحظات على إيراد " الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ":
أولًا:جاءت معرفة كما جاءت نكرة,وكان الوجه الثاني أكثر ترددًا من الأول,فقد نيف على الستين آية,بينما الأول لم يتجاوز السبع آيات.
وهذا يفيد أن المقصود الأعظم من ذكر هذا الاسم في القرآن الكريم النفوذ إلى الصفة..أي إلى المغفرة، وجذب القلوب إليها أولاً ، ذلك لأن لام التعريف تدخل الأعلام للمدح والتعظيم.
ثانيًا:كان اسم الغفورفي الحالتين هو المقدم على الرحيم.
ثالثًا:في كل الآيات كان اسم "الرحيم" هو كلمة الفاصلة ,على نحو" الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" أو نكرة على نحو" غَفُورُ رَّحِيمُ", أو " غَفُورًا رَّحِيمًا",إلا في آية سبأ فقد جاء "الغفور" مقدمًا على "الرحيم" وكان "الرحيم هو كلمة الفاصلة,وسوف يأتي بيانه في موضعه إن شاء الله.
رابعًا:جاء هذا التعبير في مجمل الآيات بعد طلب المغفرة"الإستغفار" أو بعد إخبار الله خبرًا مؤكدًا على أنه "الغفورالرحيم",كما في قوله تعالى:" وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ", وقوله تعالى:" فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ",
خامسًا: جاءت كلها في حق المؤمنين عند وقوعهم في زلات وفلتات لا تصل حد الشرك,أو لبيان رخصة من الله كما هو الحال في آية البقرة وأكل الميتة أو لحم الخنزير,مصداقًا لقول الله تعالى:" إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ",فالله سبحانه وتعالى يستر ذنوب عباده المؤمنين ويرحمهم ما لم يشركوا به ويعبدوا من دونه.
سادسًا:تقديم "الغفور" على "الرحيم" وذلك للأسباب التالية:
1.المغفرة كما بيّن العلماء سلامة والرحمة غنيمة, فقدمت السلامة على الغنيمة تقديم أولوية.
2.المغفرة خاصة بالمؤمنين والرحمة عامة, فقدم الخاص على العام.
3.في كثير من الآيات جاءت المغفرة مباشرة بعد طلبها, فوافق تقديم المغفرة على الرحمة لطلبها,كما في قوله تعالى:" دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً".
4.المغفرة تعني ستر الذنوب, وقد يتبع الستر الرحمة,فالستر يكون بين العبد وربه, والرحمة تظهر آثارها في الآخرة. والدنيا مقدمة في الترتيب الزمني على الآخرة.
وأما تفصيل الآيات التي ذكرت " الْغَفُورُ الرَّحِيمُ":
1."." وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ",يونس107
الآية وإن كانت خطابًا للرسول عليه الصلاة والسلام_ لأنه أولى الناس بالخير ونفي الضر. فيعلم أن غيره أولى بهذا الحكم وهذا المقصود_ فهي لأمته أيضًا,وفيها بيان أن الضر إن يمس العبد فلا قدرة لأحد من خلقه في صرفه,غالأمر له وحده شبحانه,والخير إن أصاب فلا يستطيع أحد أن يرد فضل الله,وقال ابن عاشور:"والتذييل بجملة: "وهو الغفور الرحيم " يشير إلى أن إعطاء الخير فضل من الله ورحمة وتجاوز منه تعالى عن سيئات عباده الصالحين، وتقصيرهم وغفلاتهم، فلو شاء لما تجاوز لهم عن شيء من ذلك فتورطوا كلهم.
ولولا غفرانه لَما كانوا أهلاً لإصابة الخير، لأنهم مع تفاوتهم في الكمال لا يخلون من قصور عن الفضل الخالد الذي هو الكمال عند الله، كما أشار إليه النبي بقوله: " إني ليُغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة",والنكتة البلاغية في تقديم الغفور هنا على الرحيم هو أن الله سبجانه وتعالى ذكر أولًا مس الضر فيلجأ الإنسان لطلب المغفرة تبعًا لهذا,وذكر الخير وأنه يصيب من يشاء وهذا من واسع رحمته فجاء الرحيم تبعًا لهذا , فوافقت اسماؤه الحالتين_المغفرة والرحمة_.
2." قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ",يوسف98, في هذه الآية قال يعقوب عليه السلام لأبنائه سوف أطلب من الله أن يغفر لكم ذنبكم,فهو الغفور وهو أيضًا الرحيم فيرحمكم بعد المغفرة.
فجملة :" إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " في موضع التعليل لجملة " أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ "وأكد بضمير الفصل لتقوية الخبر.
3." ." نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ",الحجر49,هنا بيّن لنا الله عظيم الخبر فخاطب رسوله أمرًا أن ينبئ عباده المتقين كما دل السياق بأنه يغفر الذنوب ويرحم, ويدخلهم جناته, فيتمتَّعون بخيْراتها خالدين فيها.
4. ." َقالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ",القصص,16,قال الألوسي:"فَٱغْفِرْ لِى" فاستر على ذلك، وجعله من عمل الشيطان لما فيه من الوقوع في الوسوسة وترقب المحذور، ولا يخفى ما فيه، ويأبـى عنه قوله تعالى: "فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ " وترتيب { غفر } على ما قبله بالفاء يشعر بأن المراد غفر له لاستغفاره وجملة " إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " كالتعليل للعلية أي إنه تعالى هو المبالغ في مغفرة ذنوب عباده ورحمتهم، ولذا كان استغفاره سبباً للمغفرة له وتوسيط { قال } بين كلاميه عليه السلام لما بينهما من المخالفة من حيث إن الثاني مناجاة ودعاء بخلاف الأول.
5." ُقلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ",الزمر53,وفي هذه الآية نلاحظ أيضًا أن العباد الذين أسرفوا أي ارتكبوا ذنوبًا ذُكرت أولًا, وهذا مقام اعتراف بالذنب وطلب المغفرة,وأعقبها بجملة" لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ " فرحمة الله سبقت غضبه,وجاء بعدها بجملة مؤكدة :" إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ",فمن رحمته يغفر الذنوب فلا تيأسوا من افراطكم في المعاصي فهي بمثابة تعليل للنهي عن اليأس من رحمة الله ,وذيلها بجملة " إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " تعليل لجملة " إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً "أي لا يُعجزه أن يغفر جميع الذنوب ما بلغ جميعها من الكثرة لأنه شديد الغفران شديد الرحمة.
__________________
رمضان أسم حروفه ناصعة=فالراء رحمة من الله واسعة
وميمه مغفرة منه جامعة=والضاد ضياء جنة رائعة
والألف احسان وألفة ماتعة=ونونه نُزل الصائمين ناعمة
رد مع اقتباس