عرض مشاركة واحدة
 
  #30  
قديم 12-08-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) مصنف و مدقق 31-40 من 65

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) مصنف و مدقق 31-40 من 65





البحث الخامس: قال الشافعي: ترجمة القرآن لا تكفي في صحة الصلاة لا في حق من يحسن القراءة ولا في حق من لا يحسنها. وقال أبو حنيفة: إنها كافية في حق القادر والعاجز. وقال أبو يوسف ومحمد: كافية في حق العاجز لا القادر لنا أنه صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده وجميع الصحابة ما قرأوا في الصلاة إلا هذا القرآن العربي فوجب علينا اتباعهم، وكيف يجوّز عاقل قيام الترجمة بأي لغة كانت وهي كلام البشر مقام كلام خالق القوى والقدر؟ وقالوا: وروي عن عبدالله بن مسعود أنه كان يعلم رجلاً أن شجرة الزقوم طعام الأثيم والرجل لا يحسنه. فقال: قل طعام الفاجر، ثم قال عبدالله: ليس الخطأ في القرآن أن تقرأ مكان العليم الحكيم إنما الخطأ بأن تضع آية الرحمة مكان آية العذاب. قلنا: الظن بابن مسعود غير ذلك. قالوا

{ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ } [الشعراء26: 196]
{ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى } * {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى } [الأعلى87: 18 - 19]

ولا ريب أن القرآن بهذا اللفظ ما كان في زبر الأولين لكن بالعبرية والسريانية. قلنا إن القصص والمواعظ موجودة لا باللفظ بل بالمعنى، ولا يلزم من ذلك أن يكون الموجود فيها قرآناً، فإن النظم المعجز جزء من ماهية القرآن والكل بدون الجزء مستحيل.


البحث السادس: الشافعي في القول الجديد قال: تجب قراءة الفاتحة على المقتدي سواء أسر الإمام بالقراءة أو جهر بها. وفي القديم: تجب إذا أسر الإمام ولا تجب إذا جهر وهو قول مالك وأحمد أبو حنيفة: تكره القراءة خلف الإمام بكل حال لنا قوله تعالى

{ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ } [المزمل73: 20]

وقوله: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " يشمل المنفرد والمقتدي، وأيضاً روى الترمذي في جامعه بإسناده عن عبادة بن الصامت " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف صلى الله عليه وسلم قال: إني أراكم تقرأون خلف إمامكم قلنا: أي والله، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لا يقرأ بها ". قال: وهذا حديث حسن. وأيضاً قراءتها لا تبطل الصلاة عندهم ولكن يجوّزون تركها ويبطلها عدم القراءة عندنا، فالأحوط قراءتها. احتج المخالف بقوله تعالى

{ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا } [الأعراف7: 204]

وبأخبار بين ضعفها البيهقي في كتابه، ونحن نقول: أما القرآن فمخصوص بغير الفاتحة لما مر، وأما الأخبار فهب أنها صحيحة إلا أن الترجيح معنا لأن الاشتغال بقراءة القرآن من أعظم الطاعات ولأنه أحوط.

-31-
البحث السابع: مذهب الشافعي أن الفاتحة واجبة في كل ركعة فإن تركها في ركعة بطلت صلاته، وبه قال أبو بكر وعمر وعلي عليهم السلام وابن مسعود ومعظم الصحابة، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأوها في كل ركعة، ولأنه قال للأعرابي الذي علمه الصلاة وكذلك فأفعل في كل ركعة. " وعن أبي سعيد الخدري أنه قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقرأ فاتحة الكتاب في كل ركعة فريضة كانت أو نافلة ". وأيضاً القراءة في كل ركعة أحوط فيجب المصير إليها. وقيل: غير واجبة أصلاً، وقيل: تجب في كل صلاة في ركعة واحدة فقط وبه يحصل امتثال قوله " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " وعند أبي حنيفة القراءة تجب في الركعتين الأوليين لقول عائشة: فرضت الصلاة في الأصل ركعتين فأقرّت في السفر وزيدت في الحضر. فهما أصل والزائد تبع. قلنا: ما ذكرنا أحوط، وقيل: تجب الفاتحة في الأوليين وتكره في الآخرتين. وعند مالك تجب في أكثر الركعات، ففي الثنائية فيهما وفي الثلاثية في اثنتين وفي الرباعية في ثلاث.

البحث الثامن: إذا ثبت أن القراءة شرط في الصلاة فلو تركها أو حرفاً من حروفها عمداً بطلت صلاته وكذا سهواً على الجديد. وما روي أن عمر بن الخطاب صلى المغرب فترك القراءة فقيل له: تركت القراءة. قال: كيف كان الركوع والسجود؟ قالوا: حسناً. قال: فلا بأس، معارض بما روى الشعبي عنه أنه أعاد الصلاة. وأيضاً لعله ترك الجهر بالقراءة لا نفس القراءة.

البحث التاسع: يجب رعاية الترتيب في أجزاء الفاتحة وما وقع غير مرتب فغير محسوب.

البحث العاشر: إن لم يحفظ شيئاً من الفاتحة قرأ بقدرها من غيرها من القرآن، ثم من ذكر من الأذكار، ثم عليه مثل وقفة بقدرها فإن تعلم قرأ ما لم يفرغ منه.

البحث الحادي عشر: نقل عن ابن مسعود أنه كان ينكر أن تكون الفاتحة والمعوذتان من جملة القرآن والظن به أن هذا النقل عنه كذب وإلا فجحد المتواتر كيف يليق بحاله؟ الرابع فيما يختص بتفسير الحمد لله من الفوائد. الفائدة الأولى في الفرق بين الحمد والمدح والشكر. المدح للحي ولغير الحي كاللؤلؤة والياقوتة الثمينة، والحمد للحي فقط. والمدح قد يكون قبل الإحسان وقد يكون بعده، والحمد إنما يكون بعد الإحسان. والمدح قد يكون منهياً عنه قال صلى الله عليه وسلم: " احثوا التراب في وجوه المداحين " والحمد مأمور به مطلقاً قال صلى الله عليه وسلم: " من لم يحمد الناس لم يحمد الله " والمدح عبارة عن القول الدال على أنه مختص بنوع من أنواع الفضائل باختياره وبغير اختياره، والحمد قول دال على أنه مختص بفضيلة اختيارية معينة وهي فضيلة الإنعام إليك وإلى غيرك، ولا بد أن يكون على جهة التفضيل لا على سبيل التهكم والاستهزاء، والشكر على النعمة الواصلة إليك خاصة وهو باللسان، وقد يكون بالقلب والجوارح قال الشاعر:
-32-

أفادتكم النعماء مني ثلاثةيدي ولساني والضمير المحجبا


والحمد باللسان وحده فهو إحدى شعب الشكر ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لم يحمده " وإنما جعله رأس الشكر لأن ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها أشيع لها وأدل على مكانها من الاعتقاد وأداء الجوارح لخفاء عمل القلب، وما في عمل الجوارح من الاحتمال بخلاف عمل اللسان وهو النطق الذي يفصح عن كل خفي. والحمد نقيضه الذم ولهذا قيل: الشعير يؤكل ويذم. والمدح نقيضه الهجاء، والشكر نقيضه الكفران، إذا عرفت ذلك فنقول: إذا قال المدح لله لم يدل ذلك على كونه تعالى فاعلاً مختاراً لما مر أن المدح قد يكون لغير المختار. ولو قال: الشكر لله كان ثناء بسبب إنعام وصل إلى ذلك القائل. وإذا قال: الحمد لله فكأنه يقول سواء أعطيتني أو لم تعطني فإنعامك واصل إلى كل العالمين وأنت مستحق للحمد العظيم، ولا ريب أن هذا أولى. وقيل: الحمد لله على ما دفع من البلاء، فكأنه يقول: أنا شاكر لأدنى النعمتين فكيف بأعلاهما؟ ويمكن أن يقال: إن المنع غير متناه والإعطاء متناه، والابتداء بشكر دفع البلاء الذي لا نهاية له أولى، وأيضاً دفع الضرر أهم من جلب النفع فتقديمه أحرى.

الثانية: لو قال: أحمد الله أفاد كون ذلك القائل على حمده، وإذا قال: الحمد لله أفاد أنه كان محموداً قبل حمد الحامدين وقبل شكر الشاكرين. وأيضاً الحمد لله معناه أن مطلق الحمد والثناء حق لله وملكه كما ينبئ عنه اللام الجنسية واللام الجارة وذلك بسبب كثرة إيلائه أنواع آلائه على عبيده وإمائه. ولا يخفى أن هذا أولى من أن يحمده شخص واحد فقط، ولهذا لو سئلت هل حصل لفلان عليك نعمة؟ فإن قلت نعم فقد حمدته ولكن حمداً ضعيفاً، ولو قلت في الجواب بل نعمه على كل الخلائق كان أكمل. فإن قيل: أليس أن المنعم يستحق الحمد من المنعم عليه؟ فالأستاذ يستحق الحمد من التلميذ، والسلطان العادل يستحق الحمد من الرعية، وقال صلى الله عليه وسلم: " من لم يحمد الناس لم يحمد الله " قلنا: المنعم في الحقيقة هو الله لأنه خلق تلك الداعية في ذلك المنعم بعد أن خلق تلك النعمة وسلط المنعم عليها ومكن المنعم عليه من الانتفاع وأمنه من فوات الانقطاع، ولهذا قال عز من قائل

{ وَمَا بِكُم مِن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } [النحل16: 53]

وأيضاً كل مخلوق ينعم على غيره فإنه يطلب بذلك الإنعام عوضاً إما ثواباً أو ثناء، أو تحصيل خلق أو تخلصاً من رذيلة البخل.

-33-

وطالب العوض لا يكون منعماً ولا مستحقاً للحمد في الحقيقة، أما الله سبحانه فإنه كامل لذاته والكامل لذاته لا يطلب الكمال، لأن تحصيل الحاصل محال فكان عطاؤه جوداً محضاً، فثبت أن لا مستحق للحمد إلا الله تعالى.

الثالثة: إنما لم يقل " احمدوا الله " لأن الإنسان عاجز عن الإتيان بحمد الله وشكره فلم يحسن أن يكلف فوق ما يستطيعه، وذلك أن نعم الله على العباد غير محصورة

{ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } [إبراهيم14: 34]

وإذا امتنع الوقوف عليها امتنع اقتداره على الشكر والثناء اللائق بها. وأيضاً إنما يمكنه القيام بحمد الله وشكره إذا أقدره الله على ذلك الحمد والشكر وخلق في قلبه داعية ذلك وأزال عنه العوائق والصوارف، وكل ذلك إنعام من الله فيتسلسل. وأيضاً الاشتغال بالحمد والشكر معناه أن المنعم عليه يقابل إنعام المنعم بشكر نفسه، ومن اعتقد أن حمده وشكره يساوي نعمة الله فقد أشرك، وهذا معنى قول الواسطي " الشكر شرك " أما إذا قال: " الحمد لله " فالمعنى أن كمال الحمد حقه وملكه سواء قدر الخلق على الإتيان به أو لم يقدروا. ونقل أن داود عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك وشكري لك لا يتم إلا بإنعامك علي وهو أن توفقني لذلك الشكر؟ فقال: يا داود لما علمت عجزك عن شكري فقد شكرتني بحسب قدرتك وطاقتك.


الرابعة: عن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أنعم الله على عبد فقال: " الحمد لله " يقول الله تعالى: انظروا إلى عبدي أعطيته ما لا قدر له فأعطاني ما لا قيمة له " ومعناه أن ما أنعم الله على العبد شيء واحد، وإذا قال: الحمد لك فمعناه المحامد التي أتى بها الأولون والآخرون من الملائكة والثقلين لله تعالى، وكذا المحامد التي سيذكرونها إلى وقت قوله تعالى

{ دَعْوَاهُم فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُم فِيهَا سَلَامٌ وَءَاخِرُ دَعْوَاهُم أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [يونس10: 10]

وإلى أبد الآبدين ودهر الداهرين فالمنعم به متناه والحمد غير متناه، وإذا أسقط المتناهي من غير المتناهي بقي غير المتناهي. فالذي بقي للعبد طاعات غير متناهية فلا بد من مقابلتها بنعم غير متناهية، فلهذا يستحق العبد الثواب الأبدي والخير السرمدي.


الخامسة: لا شك أن الوجود خير من العدم، وأن وجود كل ما سوى الله فإنه حصل بإيجاد الله وجوده، فإنعام الله تعالى واصل إلى كل من سواه، فإذا قال العبد: " الحمد لله " فكأنه قال: الحمد لله على كل مخلوق خلقه، وعلى كل محدث أحدثه من نور وظلمة وسكون وحركة وعرش وكرسي وجني وإنسي وذات وصفة وجسم وعرض من أزل الآزال إلى أبد الآباد، وأنا أشهد أنها بأسرها لك لا شركة لأحد فيها معك.
-34-

السادسة: التسبيح مقدم على التحميد لأنه يقال: سبحان الله والحمد لله. فما السبب في وقع البداءة بالتحميد؟ والجواب أن التسبيح داخل في التحميد دون العكس، فإن التسبيح يدل على كونه مبرأ في ذاته وصفاته عن النقائص، والتحميد يدل على كونه محسناً إلى العباد، ولا يكون محسناً إليهم إلا إذا كان عالماً بجميع المعلومات ليعلم مواقع الحاجات وإلا إذا كان قادراً على المقدورات ليقدر على تحصيل ما يحتاجون إليه، وإلا إذا كان غنياً في نفسه وإلا شغله حاجة نفسه عن حاجة غيره، فثبت أن كونه محسناً لا يتم إلا بعد كونه منزهاً عن النقائص والآفات.

السابعة: الحمد له تعلق بالماضي وهو وقوعه شكراً على النعم السابقة، وتعلق بالمستقبل وهو اقتضاء تجدد النعم لقوله تعالى

{ لَئِن شَكَرْتُم لأَزِيدَنَّكُم } [إبراهيم14: 7]

فبالأول يغلق عنك أبواب النيران، وبالثاني يفتح لك أبواب الجنان، فإن الحمد لله ثمانية أحرف بعدد أبواب الجنة.


الثامنة: الحمد لله كلمة جليلة لكنه يجب أن تذكر في موضعها ليحصل المقصود. قال السري: منذ ثلاثين سنة أستغفر الله لقولي مرة واحدة الحمد لله. وذلك أنه وقع الحريق في بغداد وأحرقت دكاكين الناس فأخبرني واحد أن دكاني لم يحترق فقلت: الحمد لله. وكان من حق الدين والمروءة أن لا أفرح بذلك، فأنا في الاستغفار منذ ثلاثين سنة. فالحمد على نعم الدين أفضل من الحمد على نعم الدنيا، والحمد على أعمال القلوب أولى من الحمد على أعمال الجوارح، والحمد على النعم من حيث إنها عطية المنعم أولى من الحمد عليها من حيث هي نعم، فهذه مقامات يجب اعتبارها حتى يقع الحمد في موضعه اللائق به.

التاسعة: أول ما بلغ الروح إلى سرة آدم عطس فقال: { الحمد لله رب العالمين } وآخر دعوى أهل الجنة { الحمد لله رب العالمين }. ففاتحة العالم مبنية على الحمد وخاتمته مبنية على الحمد، فاجتهد أن يكون أول أعمالك وآخرك مقروناً بكلمة الحمد.

العاشرة: لا يحسن عندنا أن يقدّر قولوا: " الحمد لله " لأن الإضمار خلاف القياس، ولأن الوالد إذا قال لولده: أعمل كذا وكذا فلم يمتثل كان عاقاً، فالأولى أن يقول الأمر الفلاني ينبغي أن يفعل. ثم إن كان الولد باراً فإنه يجيبه ويطيعه وإن كان عاقاً كان إثمه أقل، فكذلك إذا قال: الحمد لله فمن كان مطيعاً حمده ومن كان عاصياً كان إثمه أقل، بخلاف ما لو قدر " قولوا الحمد لله ".

الحادية عشرة: شنعت الجبرية على المعتزلة ومن يجري مجراهم بأنكم تثبتون للعبد فعلاً واختياراً، واستحقاق الحمد إنما يكون على أشرف النعم وهو الإيمان، فلو كان الإيمان بفعل العبد لكان المستحق للحمد هو العبد.
-35-

والجواب أن الإيمان باختيار العبد لكن الاختيار أيضاً مستند إلى الله تعالى فاستحق الحمد لذلك. وشنعت المعتزلة على الجبرية بأن قوله " الحمد لله " لا يتم إلا على مذهبنا لأن المستحق للحمد على الإطلاق هو الذي لا قبح في فعله ولا جور في قضيته، وعندكم لا قبح إلا وهو فعله، ولا جور إلا وهو حكمه. والجواب أن القبح والجور إنما يثبتان لو أمكن تصور الفعل المخصوص في القابل المخصوص أحسن وأتم مما صدر لكنه محال، فإنه تعالى حكيم وكل ما يصدر عن الحكيم كان على أفضل ما يمكن بالنسبة إلى المحل المخصوص.

الثانية عشرة: اختلفوا في أن شكر المنعم واجب عقلاً أو شرعاً. فمنهم من قال عقلاً ومن جملة أدلتهم قوله " الحمد لله " فإنه يدل على ثبوت الاستحقاق على الإطلاق. وأيضاً عقبه بقوله " رب العالمين " وترتيب الحكم على الوصف المناسب يدل على كون ذلك الحكم معللاً بذلك الوصف، فدل ذلك على أن استحقاقه للحمد ثابت بكونه رباً للعالمين قبل مجيء الشرع وبعده. والجواب أن استحقاقه لمثل هذا الحمد عرفناه من قبل الشرع. واعلم أن الحمد سبيله سبيل سائر الأذكار والعبادات في أنها إنما يؤتى بها لا لأن الله تعالى مستكمل بها ولا لأنه تعالى مجازي بها، ولكنها لتحقيق نسبة العبودية وإضافة الإمكان الله حسبي

الخامس في فوائد قوله رب العالمين.

الأولى: الموجود إما واجب لذاته وهو الله سبحانه وتعالى فقط، وإما ممكن لذاته وهو كل ما سواه ويسمى العالم كما مر، وذلك إما متحيز أو صفة للمتحيز أو لا هذا ولا ذاك.

القسم الأوّل: إن كان قابلاً للقسمة فهو الجسم وإلا فالجوهر الفرد. فالجسم إما علوي أو سفلي، والعلوي كالسماويات ويندرج فيها العرش والكرسي وسدرة المنتهى واللوح والقلم والجنة والكواكب، والسفلي إما بسيط وهو العناصر الأربعة: الأرض بما عليها وفيها والماء وهو البحر المحيط وما يتشعب منه في القدر المكشوف من الأرض، والهواء ومنه كرة البخار وكرة النسيم ومنه الهواء الصافي والنار. وإما مركب وهو المعادن والنبات والحيوان على تباين أنواعها وأصنافها. القسم الثاني: الأعراض بأجناسها وأنواعها. القسم الثالث: الأرواح وهي إما سفلية خيرة كالجن، أو شريرة كالشياطين. وإما علوية متعلقة بالأجسام كملائكة السموات قال صلى الله عليه وسلم: " ما في السموات موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو قاعد " أو غير متعلقة وهي الملائكة المقربون

{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ } [المدثر74: 31]

ولأن كل موجود سوى الواجب يحتاج إلى الواجب في الوجود. وفي البقاء أيضاً فهو إله العالمين من حيث إنه أخرجها من العدم إلى الوجود، ورب العالمين من حيث إنه يبقيها حال استقرارها.

-36-

فكل من كان أكثر إحاطة بأحوال الموجودات وتفاصيلها كان أكثر وقوفاً على تفسير قوله { رب العالمين }.

الثانية: المربي قسمان: أحدهما أن يربي ليربح عليهم، والثاني أن يربي ليربحوا عليه. والأول شأن المخلوقين الذين غرضهم من التربية إما ثواب أو ثناء أو تعصب أو غير ذلك، والثاني دأب الحق سبحانه وتعالى كما قال: " خلقتكم لتربحوا عليّ لا لأربح عليكم " وكيف لا يربحون عليه وأنه متعال عن الاستكمال منزه عن أن يحدث في خزائنه بسبب التربية والإفادة والإفاضة اختلال يحب الملحين في الدعاء

{ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ } [فاطر35: 1]

يكفي علمه من المقال ويغني كرمه عن السؤال

{ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } [طه20: 98]

ويربي كل حي كرماً وحلماً

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِن طِينٍ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ } * { ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } [المؤمنون23: 12- 14]
{ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ } * {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً } * { ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً } * { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } * { وَعِنَباً وَقَضْباً } * { وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً } * { وَحَدَائِقَ غُلْباً } * { وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } * {مَتَاعاً لَكُم وَلِأَنْعَامِكُم } [عبس80: 24 - 32]
{ أَلَم نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً } * { وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً } * { وَخَلَقْنَاكُم أَزْوَاجاً } * { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُم سُبَاتاً } * { وَجَعَلْنَا الَّيْلَ لِبَاساً } * { وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً } * { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُم سَبْعاً شِدَاداً } * { وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } * { وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً } * { لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً } * {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً } [النبأ78: 6 - 16].


الثالثة: لما كان الله أحسن الأسماء عقبه بأكمل الصفات وهو { رب العالمين } إذ معناه أن وجود ما سواه فائض عن تربيته، وإحسانه وجوده وامتنانه، فالأول يدل على التمام والثاني على أنه فوق التمام.

الرابعة: رب العالمين ثم إنه يربيك كأنه ليس له عبد سواك وهو الله الواحد الأحد الصمد، وأنت تخدمه كأنّ لك أرباباً غيره فما إنصافك أيها الإنسان؟

{ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَـنِ } [الأنبياء21: 42]

خلقت لعبادة الرب فلا تهدم حقيقتك بمعصية الرب، الآدمي بنيان الرب ملعون من هدم بنيان الرب.


السادس: في فوائد قوله { الرحمن الرحيم }.

الأولى: الرحمن بما لا يتصور صدوره من العباد، والرحيم بما يقدر عليه العباد. أنا الرحمن لأنك تسلم إليّ نطفة مذرة فأسلمها إليك صورة حسنة، أنا الرحيم لأنك تسلم إليّ طاعة ناقصة فأسلم إليك جنة خالصة.

الثانية: ذهب بعضهم إلى ملك فقال: جئتك لمهم يسير. فقال: أطلب المهم اليسير من الرجل اليسير. فكأن الله تعالى يقول: لو اقتصرت على الرحمن لاحتشمت مني ولتعذر عليك سؤالي الأمور اليسيرة، فأنا الرحمن لتطلب مني الأمور العظيمة، وأنا الرحيم لتطلب مني شراك نعلك وملح قدرك.

الثالثة: الوالد إذا أهمل حال ولده ولم يؤدبه ظن أن ذلك رحمة وهو في الحقيقة عذاب. من لم يؤدبه الأبوان أدبه الملوان، وعكسه حال من تقطع يده لأكلة فيها، أو يضرب لتعليم حرفة، أو لتأدب بخصلة شريفة.
-37-

فكل ما في العالم من محنة وبلية فهو في الحقيقة رحمة ونعمة

{ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُم وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُم } [البقرة2: 216]

وقصة موسى مع الخضر كما تجيء في موضعها تؤيد ما ذكرناه، والحكيم المحقق هو الذي يبني الأمور على الحقائق لا على الظواهر، فإن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير.


الرابعة: أعطى مريم عليها السلام رحمة

{ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا } [مريم19: 21]

فصارت سبباً لنجاتها من توبيخ الكفار والفجار، وأعطانا رحمة

{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء21: 107]

فكيف لا ننجو بسببه من عذاب النار.


الخامسة: وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة فكان من حاله أنه لما كسرت أسنانه قال: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعملون، وأنه يوم القيامة يقول: أمتي أمتي. فلما وصف نفسه بكونه رحماناً رحيماً أيضاً فكأنه يقول: الرحمة الواحدة لا تكفي لصلاح المخلوقات فذرني وعبيدي فإني أنا الرحمن الرحيم، رحمتي غير متناهية ومعصيتهم متناهية والمتناهي لا يدرك غير المتناهي فستغرق معصيتهم في بحار رحمتي

{ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى } [الضحى93: 5].


السادسة: حكي عن إبراهيم بن أدهم أنه قال: كنت ضيفاً لبعض القوم، فقدم المائدة فنزل غراب وسلب رغيفاً فاتبعته تعجباً، فنزل في بعض التلال فإذا هو برجل مقيد مشدود اليدين، فألقى الغراب ذلك الرغيف على وجهه. وعن ذي النون أنه قال: كنت في البيت إذ وقعت في قلبي داعية أن أخرج من البيت، فانتهيت إلى شط النيل فرأيت عقرباً قوياً يعدو، فلما وصل إلى النيل فإذا هو بضفدع على طرف النهر، فقفز العقرب عليه وأخذ الضفدع يسبح، فركبت السفينة فاتبعته حتى إذا وصل الضفدع إلى الطرف الآخر نزل العقرب عن ظهره وأخذ يعدو، فتبعته فرأيت شاباً نائماً تحت شجرة وعنده أفعى يقصده، فلما قرب الأفعى من ذلك الشاب وصلت العقرب إلى الأفعى ولدغتها والأفعى أيضاً لدغتها وماتتا معاً. وفي أدعية العرب: يا رازق النعاب في عشه. وحكايته أن ولد الغراب لما يخرج من البيض يكون كأنه قطعة لحم فتهجره أمه تنفراً منه، حتى إذا خرج ريشه عادت إليه، فيبعث الله تعالى إليه في تلك المدة ذباباً يغتذي به. وروي " أن فتى قربت وفاته واعتقل لسانه عن شهادة أن لا إله إلا الله، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه، فقام فدخل عليه وكان يعرض عليه الشهادة ولا يعمل لسانه فقال صلى الله عليه وسلم: أما كان يصلي أما كان يزكي أما كان يصوم؟ فقالوا: بلى. فقال: فهل عق والدته؟ قالوا: نعم. فقال: هاتوا أمه. فأتي بعجوز عوراء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلا عفوت عنه؟ فقالت: لا أعفو عنه لأنه لطمني ففقأ عيني. فقال صلى الله عليه وسلم: هاتوا بالحطب والنار فقالت: وما تصنع بالنار؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أحرقه بالنار بين يديك جزاء بما عمل. فقالت: عفوت عفوت أللنار حملته تسعة أشهر أللنار أرضعته سنتين فأين رحمة الأم؟ فعند ذلك انطلق لسانه وذكر " أشهد أن لا إله إلا الله " "
-38-

والنكتة أنها كانت رحيمة فقط ولم تجوّز الإحراق، فالرحمن الرحيم كيف يجوز إحراق عبد واظب على ذكر الرحمن الرحيم سبعين سنة؟ قال صلى الله عليه وسلم: " إن لله تعالى مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الإنس والجن والطير والبهائم والهوام فيها يتعاطفون ويتراحمون، وأخر تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة " ولعل هذا على سبيل التفهيم والتمثيل وإلا فكرمه بلا غاية ورحمته بلا نهاية.

السابع: في فوائد قوله { مالك يوم الدين }.

الأولى: من قضية العدالة الفرق بين المحسن والمسيء، والمطبع والعاصي، والموافق والمخالف، ولا يظهر ذلك إلا في يوم الجزاء

{ إِنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى } [طه20: 15]
{ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُم } * { فَمَن يَعْمَل مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } * {وَمَن يَعْمَل مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [الزلزلة: 6 - 8]

روي أنه يجاء برجل يوم القيامة وينظر في أحوال نفسه فلا يرى لنفسه حسنة ألبتة، فيأتيه النداء يا فلان ادخل الجنة بعملك. فيقول: إلهي ماذا عملت؟ فيقول الله: ألست لما كنت نائماً تقلب من جنب إلى جنب ليلة كذا فقلت في خلال ذلك " الله " ، ثم غلبك النوم في الحال فنسيت؟ أما أنا فلا تأخذني سنة ولا نوم، فما نسيت ذلك. ويجاء برجل وتوزن حسناته بسيئاته فتخف حسناته فتأتيه بطاقة فتثقل ميزانه فإذا فيها شهادة " أن لا إله إلا الله " فلا يثقل مع ذكر الله غيره. واعلم أن حقوق الله تعالى على المسامحة لأنه غني عن العالمين، وأما حقوق العباد فهي أولى بالاحتراز عنها. روي عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال: إن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم يطرح في النار "


الثانية: من قرأ " مالك " احتج بوجوه: الأول أن فيه حرفاً زائداً فيكون ثوابه أكثر. الثاني: في القيامة ملوك ولا مالك إلا الله.
-39-

الثالث: المالكية سبب لإطلاق التصرف والملكية ليست كذلك. الرابع: العبد أدون حالاً من الرعية فيكون القهر في المالكية أكثر منه في الملكية. الخامس: الرعية يمكنهم إخراج أنفسهم عن كونهم رعية لذلك الملك بالاختيار بخلاف المملوك. السادس: الملك يجب عليه رعاية حال الرعية " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " ولا يجب على الرعية خدمة الملك، أما المملوك فيجب عليه خدمة مالكه وأن لا يستقل في الأمر إلا بإذنه حتى إنه لا يصح منه القضاء والإمامة والشهادة، ويصير مسافراً إذا نوى مولاه السفر، ومقيماً إذا نوى الإقامة. حجة من قرأ " ملك " أن كل واحد من أهل البلد يكون مالكاً، والملك لا يكون إلا أعلاهم شأناً. وأيضاً

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } * {مَلِكِ النَّاسِ } [الناس114: 1 - 2]

لم يقرأ فيه غير " ملك " فتعين. وأيضاً الملك أقصر ومالك يلزم منه تطويل الأمل فإنه يمكن أن يدركه الموت قبل تمام التلفظ به. وأجيب بأن العزم يقوم مقام الفعل لو مات قبل الإتمام، كما لو نوى بعد غروب الشمس صوم يوم يجب صومه بخلاف ما لو نوى في النهار عن الغد. ثم يتفرع على كل من القراءتين أحكام، أما المتفرعة على الأول فقراءة " مالك " أرجى من قراءة " ملك " لأن أقصى ما يرجى من الملك العدل والإنصاف وأن ينجو الإنسان منه رأساً برأس، والمالك يطلب العبد منه الكسوة والطعام والتربية والإنعام " يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم " والملك يطمع فيك والمالك أنت تطمع فيه، والملك لا يختار من العسكر إلا كل قوي سويّ ويترك من كان مريضاً عاجزاً، والمالك إن مرض عبده عالجه، وإن ضعف أعانه. الملك له هيبة وسياسة، والمالك له رأفة ورحمة واحتياجنا إلى الرأفة والرحمة أشد من احتياجنا إلى الهيبة والسياسة. وأما المتفرعة على الثانية فإنه في الدنيا ملك الملوك

{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ } [آل عمران3: 26]

وفي الآخرة لا ملك إلا هو
{ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [غافر40: 16]

وملكه لا يشبه ملك المخلوقين لأنهم إذ بذلوا قلَّت خزائنهم ونفدت ذخائرهم، وأنه سبحانه كلما كان أكثر عطاء كان أوسع ملكاً. فإن أعطاك عشرة أولاد زاد في ملكه عشرة أعبد. ومن لوازم ملكه كمال الرحمة فلهذا قرن بقوله " ملك يوم الدين " قوله " رب العالمين الرحمن الرحيم " ومثله

{ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَـنِ } [الفرقان25: 26]
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} * {مَلِكِ النَّاسِ }[الناس114: 1 - 2]

فمن اتصف بهذه الصفة من ملوك الدنيا صدق عليه أنه ظل الله في الأرض. الكفر سبب لخراب العالم

{ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً } * {أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـنِ وَلَداً } (مريم19: 91)
-40-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس