عرض مشاركة واحدة
 
  #12  
قديم 06-27-2009
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: كيف يجب علينا أن نفسر القرآن الكريم


سؤال 9 :
كيف يجب علينا أن نفسر القران الكريم ؟

الجواب :
أنزل الله تبارك وتعالى القران الكريم على قلب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم , ليخرج الناس من ظلمات الكفر والجـهل إلى نور الإسـلام , قال تعالى ( الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ )]ابراهيم1[ , وجعل رسوله صلى الله عليه وسلم مُبيناً لما في القران , ومُفسراً ومُوضحاً له , قال تعالى ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )]النحل44[ , فجاءتِ السنةُ مفسرةً ومبينةً لما في القران الكريم , وهي وحيٌ من عند الله , قال تعالى ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى )]النجم3و4[ , وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إلا إني أُوتيت القران ومِثلهُ معه , ألا يُوشِكُ رجلٌ شبعانُ على أَريكته يقول : عليكم بهذا القران , فما وجدتم فيه من حلال فأَلوه , وما وجدتم فيه من حرام فحرموهُ , وإن ما حرمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرمَ اللهُ )(25) .

فأولُ ما يُفسرُ به القران الكريمُ(26) هو القران مع السنة – وهي أقوال وأفعال وتقريرات رسول الله صلى الله عليه وسلم – ثم بعد ذلك بتفسير أهل العلم , وعلى رأسهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , وفي مقدمتهم : عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه , وذلك لقد صُحبته للنبي صلى الله عليه وسلم من جهة , ولعنايته بسؤاله عن القران وفهمه وتفسيره من جهة أخرى , ثم عبدالله بن عباس رضي الله عنهما فقد قال ابن مسعود فيه ( إنه تُرجمان القران ) , ثم أي صحابي من بعدهم ثبت عنه تفسير آية – ولك يكن هناك خلاف بين الصحابة – نتقلى حين ذلك التفسير بالرضا والتسليم والقبول , وإن لم يوجد وجب علينا أن نأخذ من التابعين الذين عُنوا بتلقي التفسير من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام كسعيد بن جبير , وطاووس ونحوهم ممن اشتهروا بتلقي تفسير القران عن بعض أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام , وبخاصة ابن عباس كما ذكرنا .

وهناك – للأسف- بعض الآيات تُفسر بالرأي والمذهب , ولم يأت في ذلك بيان عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة , فيستقل بعض المتأخرين في تفسيرها تطبيقاُ للآية على المذهب , وهذه مسألة خطيرة جداُ , حيث تُسفر الآيات تأييداُ للمذهب , وعلماء التفسير فسروها على غير ما فسرها أهل ذلك المذهب .

ويمكن أن نذكر مثالُ لذلك : قوله تبارك وتعالى ( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ )]المزمل20[ , فسرته بعض المذاهب بالتلاوة نفسها , أي : الواجب من القران في الصلوات إنما هو آية طويلة أو ثلاث آيات قصيرة ! قالوا هذا مع ورود الحديث الصـحيح عن الـنبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفـاتحة الكتــاب )(27) , وفي الحديث الاخر ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب , فهي خِداج , هي خِداج , هي خِداج غيرُ تَمام )(28) .

فقد رُدت دلالة هذين الحديثين – بالتفسير المذكور للاية السابقة - بدعوى أنها أطلقت القراءة , ولا يجوز عندهم تفسير القران إلا بالسنة المتواترة , أي لا يجوز تفسير المتواتر إلا بالمتواتر , فردوا الحديثين السابقين اعتماداً منهم على تفسيرهم للاية بالرأي أو المذهب .
ما أن العلماء – كل علماء التفسير , لا فرق بين من تقدم منهم أو تأخر – بينوا أن المقصود بالآية الكريمة ( فَاقْرَءُوا ) , أي : فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل , لأن الله عزوجل ذكر هذه الاية بمناسبة قوله تبارك وتعالى ( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) إلى أن قال ( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ )]المزمل20[ , أي : فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل بخاصة , وإنما يسر الله عزوجل للمسلمين أن يصلوا ما تيسر لهم من صلاة الليل , فلا يجب عليهم أن يُصلوا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي – كما تعلمون – إحدى عشرة ركعة .

هذا هو معنى الاية , وهذا في الأسلوب العربي من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل , فقوله ( فَاقْرَءُوا ) , أي فصلوا , فالصلاة هي الكل , والقراءة هي الجزء , وذلك لبيان أهمية هذا الجزء في ذلك الكل , وذلـك لقوله تبارك وتعالى في الاية الأخـرى ( أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ )]الإسراء78[ ومعنى (َّ قُرْآنَ الْفَجْرِ ) , أي : صلاة الفجر , فأطلق أيضاً هنا الجزء وأراد الكل , هذا أسلوب في اللغة العربية معروف .

ولذلك , فهذه الاية بعد أن ظهر تفسيرها من علماء التفسير دون خلاف بين سلفهم وخلفهم , لم يجُزْ رد الحديث الأول والثاني بدعوى أنه حديث آحاد , ولا يجوز تفسير القران بحديث الآحاد ! لأن الاية المذكورة فسرت بأقوال العلماء العارفين بلغة القران , هذا أولاً , ولأن حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف القران , بل يفسره ويوضحه , كما ذكرنا في مطلع هذه الكلمة , وهذا ثانياً , فكيف و الاية ليس لها علاقة بموضوع ما يجب أن يقرأه المسلم في الصلاة , سواءً كانت فريضة أو نافلة ؟!

أما الحديثان المذكوران آنفا , فموضوعهما صريح بأن صلاة المصلي لا تصحُ إلا بقراءة الفاتحة قال ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفـاتحة الكتــاب )(29) , وفي الحديث الاخر ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب , فهي خِداج , هي خِداج , هي خِداج غيرُ تَمام )(30) , أي : هي ناقصة , ومن انصرف من صلاته وهي ناقصة فما صلى , وتكون صلاته حينئذٍ باطلة , كما هو ظاهر الحديث الأول .

إذا تبينت لنا هذه الحقيقة , فحينئذُ نطمئن إلى الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم مروية في كتب السنة أولاُ , ثم بالأسانيد الصحيحة ثانياً و ولا نشك ولا نرتاب فيها بفلسفة الأحاديث التي نسمعها في هذا العصر الحاضر , وهي التي تقول : لا نعبأ بأحاديث الآحاد مادامت لم ترِدْ في الأحكام , وإنما هي في العقائد , والعقائد لا تقوم على أحاديث الآحاد .

هكذا زعموا ! وقد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل معاذاً يدعو أهل الكتاب إلى عقيدة التوحيد(31) , وهو شخص واحد .

وفي هذا القدر كفاية بهذه الكلمة التي أردتُ بيانها , وهي تتعلق بـ : كيف يجب علينا أن نفسر القران الكريم ؟

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد واله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين , والحمد لله رب العالمين .
رد مع اقتباس