عرض مشاركة واحدة
 
  #3  
قديم 06-11-2012
ابو عبد الله العقبي ابو عبد الله العقبي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2012
المشاركات: 12
افتراضي رد: الخلافة على المنهاج و كيف تقام : للشيخ عبد الرحمن العقبي

المسألة الخامسة

الوعد


نحن موعودون بخلافة من النوع الأول، التي على منهاج النبوة. أدلة ذلك الأحاديث التي تبلغ حد التواتر المعنوي، ومنها:
1. حديث جابر عند مسلم قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْيًا لَا يَعُدُّهُ عَدَدًا".
2. حديث أبي سعيد وجابر عند مسلم قالا: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَلِيفَةٌ يَقْسِمُ الْمَالَ وَلَا يَعُدُّهُ".
3. حديث حذيفة الصحيح عند أحمد قال: قال رسول الله ص: "تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا. ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ".
4. حديث المقداد الصحيح عند أحمد يقول: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ ذُلِّ ذَلِيلٍ، إِمَّا يُعِزُّهُمْ اللَّهُ ﻷ فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ يُذِلُّهُمْ فَيَدِينُونَ لَهَا". والمعنى يجعلهم من أهل كلمة الإسلام وهي لا إله إلا الله، أي يجعلهم مسلمين. أو يذلهم فيدينون لها أي يخضعون لها أي لأحكام الإسلام، فيكونون ذمة يؤدون الجزية. وهذا لم يأت بعد لأن هناك أجزاء من العالم لم تسلم ولم تخضع لأحكام الإسلام.
5. حديث تميم الداري الصحيح عند أحمد قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ". وهناك بيوت لم يدخلها دين الإسلام في كل من أوروبا وأمريكا وإفريقيا وآسيا وأستراليا.
6. حديث ثوبان عند مسلم قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا..." الحديث.
7. حديث عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ الْأَزْدِيُّ الصحيح عند أحمد وأبي داود قال: ... ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ (أي الرسول ص) عَلَى رَأْسِي -أَوْ قَالَ عَلَى هَامَتِي- ثُمَّ قَالَ: "يَا ابْنَ حَوَالَةَ، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ أَرْضَ الْمُقَدَّسَةِ فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ". وفي رواية أحمد "وَالْبَلَايَا".
قلتُ: قد دخلت الخلافة الأرض المقدسة زمن الشيخين فلم تكن هناك زلازل ولا بلايا ولا أمور عظام، فاقتضى صدق المُخبر أن يكون الخبر عن نزول ثانٍ. عجَّل الله به.
8. حديث عبد الله بن عمرو الصحيح عند أحمد قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "إِنَّهَا سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، يَنْحَازُ النَّاسُ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ"، ومُهَاجَرُ إبراهيم هو الشام.
9. حديث معقل بن يسار الحسن عند أحمد قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "لَا يَلْبَثُ الْجَوْرُ بَعْدِي إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يَطْلُعَ، فَكُلَّمَا طَلَعَ مِنْ الْجَوْرِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنْ الْعَدْلِ مِثْلُهُ، حَتَّى يُولَدَ فِي الْجَوْرِ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ. ثُمَّ يَأْتِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْعَدْلِ، فَكُلَّمَا جَاءَ مِنْ الْعَدْلِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنْ الْجَوْرِ مِثْلُهُ، حَتَّى يُولَدَ فِي الْعَدْلِ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ".
قلتُ: قد وُلدتُ في الجور ولم أعرف غيره، ولا أدري هل يمنُّ الله ـ عليَّ فأدرك أوائل العدل القادم أم أموت في الجور.
10. حديث النوَّاس بن سمعان عند ابن حبان في صحيحه قال: "... قال رسول الله ص:... وعقر دار المؤمنين الشام".
11. حديث سَلَمَةَ بْنَ نُفَيْلٍ الصحيح عند أحمد أن النبي ص قال: "... أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ".
قلتُ: عقر الدار أصلها، وقد كان عقر دار الإسلام الأولى يثرب فاقتضى صدق المُخبر أن يكون الشام عقر دار الإسلام الثانية.
12. حديث عبد الله بن مسعود الصحيح عند الحاكم ووافقه الذهبي، وللحديث حكم المرفوع: "... تفترقون أيها الناس لخروجه على ثلاث فرق: فرقة تتبعه، وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشيح، وفرقة تأخذ شط الفرات يقاتلهم ويقاتلونه حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام".
قلتُ: اجتماع المؤمنين معناه أن تكون لهم جماعة على إمام، وقرى الشام مدنه.
13. حديث أبي هريرة المتفق عليه قال: قال رسول الله ص: "كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ".
14. حديث جابر عند مسلم أنه ص قال: "فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ".
15. حديث عبد الله بن عمرو الصحيح عند الحاكم ووافقه الذهبي قال: كنا عند رسول الله ص، فسئل أي المدينتين تفتح أولا؟ -يعني القسطنطينية أو الرومية- فقال : "مدينة هرقل أولا".
قلتُ: وجه الاستدلال في هذا الحديث أن رومية لم تُفتح بعد، وفتحها لا يكون بدون دولة، وعليه فإن صدق المُخبر يقتضي وجود دولة الخلافة التي تتولى فتحها.
16. حديث جابر بن سمرة الصحيح عند أحمد: سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يقولُ: "يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ"، قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَتَتْهُ قُرَيْشٌ فَقَالُوا: ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا؟ قَالَ: "ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ".
قلتُ: الهرج يكون في آخر الزمان والأدلة على ذلك:
o حديث أبي هريرة عند البخاري عَنْ النَّبِيِّ ص قَالَ: "يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْهَرْجُ؟ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا كَأَنَّه يُرِيدُ الْقَتْلَ.
o حديث أبي هريرة عند البخاري قال: قَالَ النَّبِيُّ ص: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ".
o حديث عبد الله وأبي موسى عند البخاري قالا: قَالَ النَّبِيُّ ص: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ، وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ".
فالهرج وقبض العلم لا يكونان إلا في آخر الزمان، وذلك بعد قيام دولة الخلافة الثانية على المنهاج وزوالها. ويؤيد هذا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند البخاري قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا".
إذا صحَّ أَنَّ الهرج لا يكون إلا في آخر الزمان –وهو كذلك- ثبت أن الخلفاء الإثني عشر القرشيين يكونون من خلفاء دولة الخلافة الثانية التي على منهاج النبوة، ولا يُقصد بهم أحد ممن مضى والله أعلم.
17. حديث عبد الله بن عمر الصحيح عند أحمد قال: وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "لَئِنْ أَنْتُمْ اتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَتَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَيُلْزِمَنَّكُمْ اللَّهُ مَذَلَّةً فِي أَعْنَاقِكُمْ، ثُمَّ لَا تُنْزَعُ مِنْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُونَ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ وَتَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ".
قلتُ: قوله ص "حَتَّى تَرْجِعُونَ" مؤول بالحال، أي تكونون في حال راجعين فيها إلى ما كنتم عليه تائبين إلى الله. وهذه الجملة في إعرابها تشبه إعراب قوله تعالى: {حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ} (البقرة:214) برفع {يَقُولُ} حسب قراءة نافع، وقد أعربها حالا كلٌّ من المبرد وابن هشام.
فهذا الحديث فيه بُشرى للأمة بأنها سيأتي عليها زمان تكون فيه راجعةً إلى ما كانت عليه تائبةً إلى الله. وذلك بعد تركها الجهاد واتباعها أذناب البقر وتبايعها بالعينة، وهو هذا الزمان الذي نحن فيه، فالمذلة لازمة لأعناقنا وجهاد الطلب على الأقل مشطوب من حياتنا، فنحن نُغزى ولا نغزو، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
18. حديث ثوبان الصحيح عند البزار قال: قال رسول الله ص: "يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصل إلى واحد منهم، ثم تقبل الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم -ثم ذكر شيئا- فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوًا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي".
19. حديث أبي الدرداء الصحيح عند أحمد قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ".
20. حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الصحيح عند الحاكم ووافقه الذهبي قال: قال رسول الله ص: "إني رأيت كأن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام".
21. حديث أبي هريرة عند البخاري: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ وَرَاءَهُ الْيَهُودِيُّ: يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ".
22. حديث عبد الله بن عمر عند البخاري قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: "تُقَاتِلُكُمْ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَقُولُ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ".
23. حديث أبي هريرة عند مسلم أن رسول الله ص قال: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ. إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ".
قلتُ: منذ أكثر من ستين عاما كانت لليهود دولة في فلسطين ومنذ ذلك الحين وهم يقاتلون المسلمين ويقتلوننا أكثر مما نقتلهم، ومذابحهم في المسلمين محفورة في ذاكرة المخلصين. ولا يخطر ببال عاقل أن أمراء الفرقة السفهاء الصبيان يمكن أن يقتلوا اليهود، بل إنهم لا يفكرون بذلك. ولذلك يمكن القول بأن الذين سيقتلونهم هم جُند دولة الخلافة لا غير. أما الغرقد المذكور في الحديث فقد زرعه يهود في كثير من أنحاء فلسطين، فقد رأيته بأم عيني حول سور بيت المقدس، وفي الطريق من بيت المقدس إلى مشارف بيت لحم وعلى الطريق بين الخالصة وبانياس ودان، وربما رأيته في أماكن أخرى لا تحضرني الآن.
هذه الأحاديث الثلاثة والعشرون تواتر فيها معنى وجود الخلافة فيمكن القطع بأنها كائنة بإذن الله تعالى.

المسألة السادسة

شرط تحقق الوعد


قال ـ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55).
وعد الله ـ في هذه الآية بالاستخلاف والتمكين وتبديل الخوف أمنًا. ووعده ـ لا يُخلف، لكن بتوفر شرطه. فالله ـ لا يُخلف الميعاد قطعا، ومن شكَّ في هذا كفر، لقوله عزَّ من قائل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (الرعد:31)، وقوله: {أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} (يونس:55)، وقوله: {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} (الكهف:21)، وقوله: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} (الروم:60)، وقوله: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} (الروم:6)، وغير هذه من الآيات التي تدل دلالة قطعية على أن وعده ـ لا يتخلف.
والاستخلاف والتمكين وتبديل الخوف أمنًا كلها لا تكون إلا في الدنيا ولا يمكن أن تكون في الآخرة، إذ ليس فيها خلافة ولا تمكين دين ولا خوف بل هي دار ليس فيها عمل. وبهذا يكون موضوع الآية مختلفا عن موضوع النصر من هذه الناحية، إذ النصر أعم من الاستخلاف والتمكين وتبديل الخوف أمنًا، فالنصر يمكن أن يكون في الآخرة كما يكون في الدنيا بدليل قوله ـ: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (غافر:51)، فهذا نص في أن النصر للرسل والذين آمنوا يمكن أن يكون يوم يقوم الأشهاد، كما يكون في الدنيا. أما الوعد المذكور في الآية فلا يتصور وقوعه إلا في الدنيا.
وقد شرط ـ لتحقيق هذا الوعد شرطين هما الإيمان والعمل الصالح. فإذا تحقق هذان الشرطان تحقق وعد الله، وإذا حصل خلل في أحدهما لم يتحقق الوعد لعدم توفر من يستحقه.
ومن استقراء السيرة نجد أن الصحابة أو بعضهم أعجب بكثرتهم يوم حنين فقال: "لن نُغلب اليوم من قلة"، وهذا القول يتنافى مع عقيدة النصر من عند الله الواردة في قوله ﻷ: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (آل عمران:126) وقوله ـ: {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ} (آل عمران:13) وقوله ـ: {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (البقرة:107)، فهذه الآيات وغيرها تحصر النصر به سبحانه، فالصحابة أو بعضهم ظنُّوا أن كثرتهم تكفيهم فلا يُغلبون، وأُعجبوا بهذه الكثرة {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} (التوبة:25)، فكان أن هزمهم الله وولّوا مُدبرين. ثم كان من ثباته ص وأصحاب السمرة فنصرهم الله ـ على قلة عددهم في نفس المعركة التي هُزموا في أولها بسبب الإعجاب بالكثرة المتعلقة بعمل القلب أي بالتصديق أي بالإيمان.
ومن استقراء السيرة أيضا نجد أن المسلمين هُزموا في أُحُد لارتكاب بعضهم معصية هي عصيانهم لأمر رسول الله ص لهم بالبقاء على الجبل مهما كانت النتيجة، ولكنهم بعد ما رأوا ما يحبون -يعني الغنائم- نزلوا عن الجبل مخالفين أمر رسول الله ص. قال عزَّ من قائل: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران:152). هذه الحادثة ليست متعلقة بعمل القلب بل بعمل غيره من الجوارح فهي معصية من نوع آخر، يعني أنها عمل ليس صالحا.
فهاتان حادثتان الأولى تتنافى مع الإيمان والثانية ليست من العمل الصالح، فكانت النتيجة كما علمتم. وعليه يمكن القول إن أي خلل في الإيمان أو عمل القلب أو عمل غير صالح يكون سببا في عدم تحقيق الوعد. فالذين يعملون لإقامة الخلافة إذا لم يتحقق وعد الله على أيديهم وجب عليهم أن يُنقِّبوا في قلوبهم وفي أعمال سائر جوارحهم. يعني أن الإيمان يمكن أن يختل أو أن العمل الصالح قد يُسكت عنه ويُقام بعمل غير صالح. فالخلل في مسألة إيمانية يمنع تحقيق الوعد، وعمل المعصية ولو كان من البعض يمنع تحقيق الوعد.
وأي جماعة أو تكتل أو حزب يعمل لتحقيق الوعد الوارد في الآية لا يمكن أن ترقى قيادته إلى مستوى قيادة المسلمين في أحد وحنين. ولا نبالغ إذا قلنا أن المسلمين في أحد وحنين أفضل من أفراد كل حزب، أو على الأقل هذا رأي الجمهور، فهم خير القرون. ومع كل هذا فقد عرفنا ما حلَّ بهم عندما أعجبتهم كثرتهم وعندما عصوا. فليس غريبا على غيرهم أن يقعوا فيما وقعوا فيه. وإذن فلا بدَّ من استمرار التنقيب والبحث عن سبب تخلُّف تحقيق الوعد، وهذا لا يعتبر تنقصا لهم ولا إزراء عليهم خصوصا إذا أوصوا الخلف بدوام التنقيب والبحث في الأفكار والأحكام وسلوك الأفراد. فالمسألة دين لا مجاملة ولا مداهنة فيها.
ومما يمنع تحقيق الوعد:
1) الإعجاب بالكثرة وغيرها.
2) الكبر والعُجب الفرديين.
3) عدم إخلاص العمل لله.
4) مخالفة إجماع الصحابة القطعي الثبوت والدلالة.
5) مخالفة السنة المتواترة القطعية الدلالة.
6) الظلم.
7) الكذب.
8) المداهنة.
9) الجرأة على الافتاء دون علم.
10) إخلاف الوعد.
11) الرياء والتسميع.
وقال ـ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء:105) والصالحون هم المؤمنون الذين يعملون الصالحات.
وقال ﻷ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)} (إبراهيم) والخوف من المقام أمام الله سبحانه وخوف وعيده يقتضيان الإيمان والعمل الصالح.

رد مع اقتباس