عرض مشاركة واحدة
 
  #20  
قديم 10-01-2011
المحرر السياسي المحرر السياسي غير متواجد حالياً
عضو فعال
 
تاريخ التسجيل: Sep 2011
المشاركات: 106
افتراضي رد: اعوان الانظمة من ادعياء الفكر

حملة الدعوة وشخصنة الأهداف
ليس بممتنع، على التكتل العامل في حمل الدعوة الإسلامية، أن يلتحق به ابتداء مزيج غير متجانس يضم تداخلا للواعي بالغافل والجاد باللاهي والملتزم بالانتهازي رغم التأكيد على توجه الكسب النوعي لا الكمي.
من بديهيات العمل الحركي، أن توجد عناية فائقة في تثقيف المستجدين حتى تتبلور الأفكار لديهم و تتحول إلى مفاهيم مؤثرة في السلوك وهذه العملية تحتاج في، الوضع الطبيعي، إلى ثلاثة أعوام.
من الوارد، أن يكون من بين المنتسبين الجدد من لديه القدرة على حفظ الأفكار عن ظهر قلب، وحين تسأله عنها يسردها لك وكأنه يقرأ من كتاب. إن هذا ليس معيارا على النضوج وجودة التهيئة، إذ أن اقتران (الذين آمنوا ) مع (عملوا الصالحات) قد تكرر في القران الكريم ما يزيد عن الخمسين مرة أي يجب أن يصدق العمل تغلغل الفكرة في الأعماق ويشهد على ذلك.
ثم إن الفكر و العمل يجب أن يكونا من أجل أهداف محددة تتمثل في استئناف الحياة الإسلامية عن طريق إقامة دولة الخلافة الراشدة التي تطبق شرع الله في الداخل وتحمل الرسالة العظمى التي تخرج البشرية جمعاء من دياجير الظلمات إلى النور المبين. إن هذه المهمة الضخمة بحاجة إلى رجال في مثل مستواها يمتلكون آفاقا متسعة لإدراك سمو الفكرة الإسلامية ونبل أهدافها إدراكا حقيقيا. حين يتوفر هذا الإدراك فعلا، ترى رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه يلتزمون التزام الرجال مهما كانت الظروف و الأحوال ( و ما بدلوا تبديلا ). هؤلاء الرجال يتخذون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده أسوة حسنة ولا تكون رغبتهم الكامنة و المعلنة سوى إعلاء كلمة الله، بواطنهم كظواهرهم بل أجلى و همتهم عند الثريا بل أعلى، و لا يوجد لديهم أمنية أغلى من نوال رضوان رب العالمين.
لا تخلو مسيرة حمل الدعوة (وهي مسيرة بشرية لا ملائكية) من أولئك الذين يبحثون عن الغنائم و المكاسب و الاستبداد و لا ينتفي احتمال وجود من لا يعدو أن يكون سيره مجرد سعي وراء رغبة تافهة (كمهاجر أم قيس) أو مجد شخصي زائف، و لا يستبعد أن يتسلل إلى صفوف حملة الدعوة من تكون مهمته تفريغ الدعوة من مضمونها و هدم كيان الكتلة من داخلها. إن هؤلاء جميعا هم، في نهاية المطاف من أصحاب شخصنة الأهداف ستلفظهم الكتلة.
ذلك أنه في الوضع السليم؛ أي حين يكون التكتل في صراع فكري وكفاح سياسي حقيقيين، يكون طبيعياً أن يتعرض حملة الدعوة إلى محاربة شرسة من الكفار و أذنابهم مما يؤدي إلى تشكيلة من النصائح الجهولة بالابتعاد عن الدرب تصدر عن أقرب و أعز الناس. يقود هذا إلى غربلة تلقائية ينتج عنها بقاء نوعية ممتازة قليلة العدد على الأرجح لا تمارس شخصنة الأهداف.
تكون الأمور أشد تعقيداً حين تسير الدعوة في ظل ظروف مريحة نسبياً، ففي هذه الحالة يكون من الوارد أن ترى عضواً لا يبدي ألمعية إلا بقصد إبراز نفسه و جعلها بؤرة اهتمام. يتصيد هذا العضو المريض الفرص التي تتيح له إظهار المواهب ولذلك يحرص على أخذ التكاليف التي تحقق له أكبر قدر ممكن من استحسان الناس هادفا إلى المزيد من نفخ الذات.
و ما دامت الغاية الكبرى لدى المُشخصِن هي نيل التقريظ من الناس فلا مانع إذن أن تكون الوسيلة إلى الارتفاع نحو المسؤولية الحركية من جنسها أي من خلال اتصالات مع من بأيديهم الأمر حتى يحصل إعجاب يقود إلى تقليد منصب، و لربما شمل هذا السلوك الميكافيلي التحريف و الكذب و الإفساد بين حملة الدعوة بما يشبه من يصعد إلى أعلى فوق كومة من الجماجم. إذا أخطأ صناع القرار في التكتل و أسندوا إلى صاحب الشخصنة موقعا إداريا، اتجه اهتمامه صوب جعل الناس اتباع شخصه لا اتباع فكرة و بالتالي ينحرف المسار الحركي من منحى التفاعل مع الأمة إلى منحى التجميع السوقي حول شخص يتطلع إلى الزعامة. حين تتكرر هذه الظاهرة السلبية في عدة بلدان، يغدو في الحركة الواحدة مجموعات متنافرة فهذا أبو إسلام و شلته، و ذلك أبو الهمام و جماعته، و هنالك أبو ضرغام و عصابته. هذه الزعامات الحزبية و الشللية المصاحبة لها تعني تفريغ التكتل من مضمونه و تقويض غاياته، إذ الأصل أن تذوب الإرادة الخاصة في الإرادة العامة حين ينخرط الفرد في تكتل يريد توحيد نفسه و جعل الأمة تلتف حوله كتكتل واحد موحد لا كأشخاص طلاب زعامة و ظهور.
قد يتعرض التكتل البشري العامل للإسلام إلى هزة حتى ولو كان لا يقوم بالعمل الصحيح اللازم لتحقيق غايته، و هذه الهزة تعطي فرصة ذهبية لاكتشاف من تتحكم به عوامل الشخصنة. قبل الهزة، ربما كنت ترى فلاناً يتحدث بفصاحة عن ضرورة العمل للإسلام و يخوض في التحليلات السياسية و يتشدق بدقائق أصول الفقه و يتفيهق بخفايا اللغة العربية و يرسم الخطط لتعزيز الاتصالات و الكسب. هذا قد يجعلك تستنتج، إذا تسرعت و لم تمعن النظر، أن هذا الفلان نشيط في حمل الدعوة الإسلامية و لكن الحقيقة المريرة قد تكون مجرد نشاط في حمل الدعوة لنفسه لا لدين الإسلام. أثناء الهزة و بعدها، يظهر لكل ذي بصيرة الحجم الحقيقي لهذا الفلان فهو حتما لن يستطيع إدامة تمرير لعبة الخداع المظلمة حين تسطع شمس الوعي عليه و على أمثاله.
حين حصلت عملية التصحيح قال أحد قدماء التكتل ما معناه: لن أسير مع التصحيح و أتشبث بأميري و لو كان خشبة! و قال آخر: أسير مع ذلك الشطر الذي يدفع عني ديوني! في إحدى البلدان، قررت مجموعة الانتظار وعدم الحسم حتى يخرج (سين) من السجن و يقرر مع من يذهب حتى يتبعوه ! و بعبارة أخرى ألغوا عقولهم ليسيروا وراء عقل (سين) حتى ولو قادهم إلى التهلكة. بعض من اعتاد على العيش على راتب التفرغ لم يتبع التصحيح للإبقاء على الراتب لانه لا يتقن عملا آخر بكل بساطة !
كان بعضهم يذكر لك فساد الرابطة الوطنية و الرابطة القومية و الرابطة العائلية، و أن الله قد أبدلنا خيرا منهما (رابطة المبدأ الإسلامي). حين حصلت عملية التصحيح، و إذا بهذا البعض عنصري حتى النخاع جاهلي حتى الثمالة في انتمائه العائلي و الوطني حتى وكأنه لم توجد لديه مفاهيم أعماق إسلامية عبر سيره الطويل في الدعوة أو كأنه لم يسمع و لم يعقل ما ورد في الكتب أو الحلقات.
رغم أن كثرة اختارت البقاء في كهف الانحراف وراء من تقود ناصيته عوامل الشخصنة، إلا أنهم لا يستحقون أن تذرف عليهم دمعة واحدة فلقد تعهد الله بنصر الفئة المؤمنة المخلصة العاملة حتى ولو كانت قليلة العدد إلى حد إثارة التعجب.
مع ذلك، فالشخصنة أمر خطير ومسألة مصيرية يعتمد عليها الوجود من عدمه. حين كانت الوجهة لله وحده، انطلق المسلمون فاتحين للأندلس لا تقف أمامهم حدود أو سدود وتنهار أمامهم جحافل الكفر كبيوت القش في يوم عاصف. وعندما تفشت لديهم ظاهرة الشخصنة المقيتة، زالوا من الأندلس زوالاً تاماً و كأن القوم ما كانوا. هل في ذلك عبرة لمن يعتبر؟
رد مع اقتباس