[نائل أبو محمد]

مسك الختام
2012-01-26

يقول المرحوم مصطفى السباعي في كتابه "هكذا علمتني الحياة":
"العاقل يرى الله في كل شيء؛ في دقة التنظيم، وروعة الجمال، وإبداع الخلق، وعقوبة الظالمين".
ونقول: العقل بداية يعني الفهم والإدراك والوعي والاستيعاب والتفاعل ثم الفعل. فأنت كي تكون عاقلا يجب أن تفهم ما يقال، ثم تدرك أنه ما قيل عبثا، ثم تعي أنه إنما قيل من أجلك أنت، ثم تستوعبه حتى كأنه صار جزءًا منك، ثم تتفاعل معه تفاعلا كليا، فإن بلغت ذلك يصدر عنك الفعل المطلوب، الذي هو نتيجة العقل. ولا يعقل المرء إلا بهذا كله، وشرط العقل أن تعقل الأشياء بقلبك، لأن التفاعل الشعوري مع ما يتقبله العقل هو الذي يجعل للأشياء قيمة وأثرا.
وقد سئل أعرابي: كيف عرفت الله؟ قال: الأثر يدل على المسير، والبعر يدل على البعير، وهذا الكون العظيم يدل على اللطيف الخبير. فهذا قد عقل وفهم وأدرك ووعى واستوعب وتفاعل ففعل.
وإن العاقل الذي اكتملت له هذه الصفات يرى الله في كل شيء حوله، في هذا الكون المتناسق تناسقا عظيما المنتظم الرائع الجمال، لينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: أن تعبد الله كأنك تراه... أي ترى قدرته في الكون من حولك فتعبده حق العبادة...
على ذلك فإن العاقل الحقيقي ليس الذي له عقل يفكر به فحسب، بل الذي له عقل وقلب يصلان به إلى الحقيقة التي أصلها الإيمان. فالعاقل هو المؤمن. وإلا فإن الذين كفروا لهم عقول يفكرون بها لكنها لم توصلهم إلى الإيمان، بل أوردتهم التهلكة.
والمؤمن، أي العاقل، يرى الله في زهرة تتفتح، وفي سحابه تسوق الغيث إلى بلد ميت، وفي شمس وفي قمر وفي نجم وفي سهل وفي واد وفي جبل وفي حجر وفي شجر وفي طفل وفي شيخ، وفي الأنعام وفي الإصباح وفي الإمساء وفي الليل وفي الفجر، وفي الماء وفي الهواء وفي التراب وفي الفضاء وفي الطير وفي الوحش وفي النحل وفي النمل وفي الجسد وفي النفس وفي الشرق وفي الغرب وفي النوم وفي الصحو... في كل شيء. فكل شيء في الكون صنعة الخالق فيه من الإعجاز ما تخر له عقول العباقرة عجزا وإقرارا بالقدرة.
وإن المؤمن، أي العاقل يرى الله في عقوبة الظالمين... ومن حولنا في هذه الأيام خاصة صور تشهد على ذلك، من ظالمين كانوا في الأمس أباطرة قياصرة ملوكا فراعنة، فإذا هم كالهباء تساقطوا من فوق عروشهم كأوراق الخريف.. فسبحان الله الذي أودع الجسد قلبا يعقل فيرى الله في كل شيء حوله.
رئيس التحرير

http://www.sawt-alhaq.com/web/pages/....aspx?ID=12685

( * ) وهي صحيفة أسبوعية لي بالعادة أن اشتريها كل يوم جمعة بعد الصلاة من بائع الصحف المجاور لصيدلية الشعب أول مدخل البلدة القديمة بالقدس ، باب العمود .