عرض مشاركة واحدة
 
  #42  
قديم 05-26-2011
طالب عوض الله طالب عوض الله غير متواجد حالياً
عضو فعال
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 246
افتراضي رد: مجموعة طالب عوض الله *


من أساسيات قواعد التشريع الإسلامي



العقيدة الإسلامية هي أساس الدولة، بحيث لا يتأتى وجود شيء في كيانها أو جهازها أو محاسبتها أو كل ما يتعلق بها، إلاّ بجعل العقيدة الإسلامية أساساً له. وهي في نفس الوقت أساس الدستور والقوانين الشرعية بحيث لا يُسمح بوجود شيء مما له علاقة بأي منهما إلاّ إذا كان منبثقاً عن العقيدة الإسلامية.
بسم الله الرحمن الرحيم
تنشأ الدولة بنشوء أفكار جديدة تقوم عليها، ويتحول السلطان فيها بتحول هذه الأفكار، لأن الأفكار إذا أصبحت مفاهيم –أي إذا أُدرِك مدلولها وجرى التصديق بها- أثّرت على سلوك الإنسان، وجعلت سلوكه يسير بحسب هذه المفاهيم، فتتغير نظرته إلى الحياة، وتبعاً لتغيرها تتغير نظرته إلى المصالح. والسلطة إنّما هي رعاية هذه المصالح والإشراف على تسييرها. ولذلك كانت النظرة إلى الحياة هي الأساس الذي تقوم عليه الدولة وهي الأساس الذي يوجد عليه السلطان. إلاّ أن النظرة إلى الحياة إنّما توجِدها فكرة معينة عن الحياة، فتكون هذه الفكرة المعيّنة عن الحياة هي أساس الدولة وهي أساس السلطان. ولمّا كانت الفكرة المعيّنة عن الحياة تتمثل في مجموعة من المفاهيم والمقاييس والقناعات كانت هذه المجموعة من المفاهيم والمقاييس والقناعات هي التي تعتبر أساساً والسلطة إنّما تَرعي شؤون الناس وتشرف على تسيير مصالحهم بحسب هذه المجموعة، ولذلك كان الأساس مجموعة من الأفكار وليس فكرة واحدة، وهذه المجموعة من الأفكار قد أوجَدت بمجموعها النظرة إلى الحياة وتبعاً لها وُجدت النظرة إلى المصالح وقام السلطان بتسييرها حسب هذه النظرة. ومن هنا عُرفت الدولة بأنها كيان تنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تقبّلتها مجموعة من الناس.
هذا بالنسبة للدولة من حيث هي دولة، أي من حيث هي سلطان يتولى رعاية المصالح ويشرف على تسييرها. إلاّ أن هذه المجموعة من الأفكار التي تقوم عليه الدولة، أي مجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات، إما أن تكون مبنية على فكر أساسي أو ليست مبنية على فكر أساسي، فإن كانت مبنية على فكر أساسي فإنها تكون متينة البنيان وطيدة الأركان ثابتة الكيان، لأنها تستند إلى أساسٍ ما بعده أساس، لأن الفكر الأساسي هو الفكر الذي لا يوجد وراءه فكر ألا وهو العقيدة العقلية، فتكون الدولة حينئذ مبنية على عقيدة عقلية. وأمّا إن كانت الدولة غير مبنية على فكر أساسي فإن ذلك يسهّل أمر القضاء عليها، ويكون ليس من الصعب تحطيم كيانها وانتزاع سلطانها، لأنها لم تُبنَ على عقيدة واحدة ينبثق عنها وجودها، فيكون من غير الصعب إزالتها. ولهذا كان لا بد للدولة حتى تكون ثابتة الكيان من أن تكون مبنية على عقيدة عقلية تنبثق عنها الأفكار التي وُجدت الدولة على أساسها، أي عقيدة عقلية تنبثق عنها المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تمثل فكرة الدولة عن الحياة، وبالتالي نظرة هذه الدولة االى الحياة، تلك النظرة التي ينتج عنها نظرتها إلى المصالح.
والدولة الإسلامية إنّما تقوم على العقيدة الإسلامية، لأن مجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تقبّلتها الأمّة إنّما تنبثق عن عقيدة عقلية، وقد تقبّلت الأمّة أولاً هذه العقيدة واعتنقتها عقيدة يقينية عن دليل قطعي، فكانت هذه العقيدة هي فكرتها الكلية عن الحياة، وبحسبها كانت نظرتها إلى الحياة ونتجت عنها نظرتها إلى المصالح، وعنها أخذت الأمّة مجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات. ولذلك كانت العقيدة الإسلامية هي أساس الدولة الإسلامية. ثم إن الدولة الإسلامية أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم على أساس معيّن فيجب أن يكون هذا الأساس هو أساس الدولة الإسلامية في كل زمان ومكان، فإنه عليه السلام حين أقام السلطان في المدينة وتولى الحكم فيها أقامه على العقيدة الإسلامية من أول يوم ولم تكن آيات التشريع قد نزلت بعد، فجعل شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله أساس حياة المسلمين وأساس العلاقات بين الناس، وأساس دفع التظالم وفصل التخاصم، أي أساس الحياة كلها وأساس السلطان والحكم. ثم لم يكتف بذلك بل شرع الجهاد وفرضه على المسلمين لحمل هذه العقيدة للناس، قال صلى الله عليه وسلم: (أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، فإنْ قالوها عَصموا مني دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها)، ثم جعل المحافظة على استمرار وجود العقيدة أساساً للدولة فرضاً على المسلمين وأمر بحمل السيف والقتال إذا ظهر الكفر البواح، أي إذا لم تكن هذه العقيدة أساس السلطان والحكم، فقد سئل عن الحكام الظلمة أنُنابذُهم بالسيف؟ قال: (لا، ما أقاموا الصلاة) وجَعل بيعته أن لا ينازِع المسلمون أولي الأمر إلاّ أن يروا كفراً بواحاً، ففي حديث عوف بن مالك عن شرار الأئمة (قيل: يا رسول الله أفلا نُنابذُهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) وفي حديث عُبادة بن الصامت في البيعة (وأن لا ننازِع الأمر أهله إلاّ أن تروا كفراً بواحاً) ووقع عند الطبراني (كفراً صراحاً) ووقع في رواية (إلاّ أن تكون معصية الله بواحاً). فهذا كله يدل على أن أساس الدولة هو العقيدة الإسلامية، إذ أن الرسول أقام السلطان على أساسها وأمر بحمل السيف في سبيل بقائها أساساً للسلطان، وأمر بالجهاد من أجلها. وبناء على هذا وُضعت المادة الأولى من الدستور، ومنعت من أن يكون لدى الدولة أي مفهوم أو قناعة أو مقياس غير منبثق عن العقيدة الإسلامية، إذ لا يكفي أن يُجعل أساس الدولة اسماً هو العقيدة الإسلامية بل لا بد أن يكون وجود هذا الأساس فيها ممثَّلاً في كل شيء يتعلق بوجودها، وفي كل أمر دَقَّ أو جَلَّ من كافة أمورها، فلا يجوز أن يكون لدى الدولة أي مفهوم عن الحياة أو الحكم إلاّ إذا كان منبثقاً عن العقيدة الإسلامية ولا تسمح بمفهوم غير منبثق عنها، فلا يُسمح بمفهوم الديمقراطية أن يُتبنى في الدولة لأنه غير منبثق عن العقيدة الإسلامية فضلاً عن مخالفته للمفاهيم المنبثقة عنها. ولا يجوز أن يكون لمفهوم القومية أي اعتبار لأنه غير منبثق عن العقيدة الإسلامية فضلاً عن أن المفاهيم المنبثقة عنها جاءت تذمّه وتنهى عنه وتبين خطره. ولا يصح أن يكون لمفهوم الوطنية أي وجود لأنه غير منبثق عن هذه العقيدة فضلاً عن أنه يخالف ما انبثق عنها من مفاهيم. وكذلك لا يوجد في أجهزة الدولة وزارات بالمفهوم الديمقراطي، ولا في حكمها أي مفهوم امبراطوري أو ملكي أو جمهوري لأنها ليست منبثقة عن عقيدة الإسلام وهي تخالف المفاهيم المنبثقة عنها. وأيضاً يُمنع منعاً باتاً أن تجري محاسبتها على أساس غير العقيدة الإسلامية لا من أفراد ولا من حركات ولا من تكتلات، فتُمنع مثل هذه المحاسبة التي تقوم على أساس غير العقيدة الإسلامية، ويُمنع قيام حركات أو تكتلات على أساس غير العقيدة الإسلامية. فإنّ كون العقيدة الإسلامية أساس الدولة يحتم هذا كله منها ويوجبه على الرعية التي تحكمها، فإن حياتها بوصفها دولة وحياة كل أمر منبثق عنها بوصفها دولة وكل عمل متصل بها بوصفها دولة وكل علاقة توجَد معها بوصفها دولة يجب أن يكون أساسه هو عقيدة الدولة وهي العقيدة الإسلامية.
وأمّا الأمر الثاني في المادة فإن دليلها أن الدستور هو القانون الأساسي للدولة، فهو قانون، والقانون هو أمر السلطان، وقد أمر الله السلطان أن يحكم بما أنزل الله على رسول الله، وجعل مَن حكم بغير ما أنزل الله كافراً إن اعتقد به واعتقد بعدم صلاحية ما أنزل على رسوله، وجعله عاصياً إن حكم به ولم يعتقده، فدل ذلك على أن الإيمان بالله وبرسول الله يجب أن يكون أساس ما يأمر به السلطان أي أساس القانون وأساس الدستور. أمّا أمر الله السلطان بأن يحكم بما أنزل الله أي بالأحكام الشرعية فثابت في الكتاب والسنّة، قال الله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكِّموك فيما شجر بينهم) وقال: (وأنِ احكُم بينهم بما أنزل الله)، وحصر تشريع الدولة بما أنزل الله محذراً من الحكم بغيره، قال تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وقال صلى الله عليه وسلم: (كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رَد)، فهذا يدل على أن تشريعات الدولة محصورة بما ينبثق عن العقيدة الإسلامية، وهي الأحكام الشرعية التي نعتقد أن الله أنزلها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء أكان إنزالها صريحاً بأن قال هذا حُكم الله وهو ما تضمنه الكتاب والسنّة وما أجمع عليه الصحابة بأنه حكم الله، أم كان إنزالها غير صريح بأن قال هذه علامة حكم الله، وهو ما يؤخذ بالقياس الذي علّته شرعية. ولهذا وًضع الأمر الثاني من المادة.
ثم إنه لمّا كانت أفعال العباد قد جاء خطاب الشارع ملزِماً التقيد به، لذلك كان تنظيمها آتياً من الله، وجاءت الشريعة الإسلامية متعلقة بجميع أفعال الناس وجميع علاقاتهم سواء أكانت علاقتهم مع الله أم علاقتهم مع أنفسهم أم علاقتهم مع غيرهم. لذلك لا محل في الإسلام لسنّ قوانين من قِبل الناس لتنظيم علاقاتهم، فهم مقيَّدون بالأحكام الشرعية، قال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال: (ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيَرةُ من أمرهم) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله فرض فرائض فلا تُضيّعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحَدّ حدوداً فلا تعتدوها) وقال عليه الصلاة والسلام: (ومن أَحدَث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَد). فالله هو الذي شرع الأحكام وليس السلطان، وهو الذي أجبرهم وأجبر السلطان على اتّباعها في علاقاتهم وأعمالهم، وحصرهم بها، ومنعهم من اتّباع غيرها. ولهذا لا محل للبشر في وضع أحكام لتنظيم علاقات الناس، ولا مكان للسلطان في إجبار الناس أو تخييرهم على اتّباع قواعد وأحكام من وضع البشر في تنظيم علاقاتهم.
منقول عن : مقدمة الدستور أو الأسباب الموجبة له – من منشورات حزب التحرير
__________________
[
رد مع اقتباس