عرض مشاركة واحدة
 
  #2  
قديم 04-22-2011
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: الخلافة قضية الأمة المصيرية


والناس يتوهمون أنهم يعيشون في مجتمع إسلامي أليس الطيبون منهم يصلون ويصومون؟ أما أن تكون الحاكمية لله وحده أو تكون للأرباب المتفرقة فهذا ما قد خدعتهم عنه الصليبية والصهيونية والتبشير والاستعمار والاستشراق وأجهزة الإعلام الموجهة

وإمعاناً في الخداع والتضليل، وإمعاناً من الصهيونية العالمية والصليبية العالمية في التخفي، فإنها تثير حروباً مصطنعة ـ باردة أو ساخنة ـ وعداوات مصطنعة في شتى الصور، بينها وبين هذه الأنظمة والأوضاع التي أقامتها والتي تكفلها بالمساعدات المادية والأدبية وتحرسها بالقوى الظاهرة والخفية، وتجعل أقلام مخابراتها في خدمتها وحراستها المباشرة! تثير هذه الحروب المصطنعة والعداوات المصطنعة، لتزيد من عمق الخدعة، ولتبعد الشبهة عن العملاء، الذين يقومون لها بما عجزت هي عن إتمامه في خلال ثلاثة قرون أو تزيد، من تدمير القيم الإسلامية، وسحق العقائد والتصورات، وتجريد المسلمين في هذه الرقعة العريضة من مصدر قوتهم الأول، وهو قيام حياتهم على أساس دينهم وشريعتهم فإذا بقيت بقيةٌ من هذه الرقعة لم تجز عليها الخدعة ولم تستسلم للتخدير باسم الدين المزيف، وباسم الأجهزة الدينية المسخرة لتحريف الكلم عن مواضعه إذا بقيت بقية كهذه سُلِّطت عليها الحرب الساحقة الماحقة، وصُبَّتْ عليها التهم الكاذبة الفاجرة وسُحقت سحقاً، بينما وكالات الأنباء العالمية وأجهزة الإعلام العالمية خرساء صماء عمياء!!!
ذلك بينما الطيبون السذج من المسلمين يحسبون أنها معركة شخصية أو طائفية، لا علاقة لها بالمعركة المشبوبة مع هذا الدين؛ ويروحون يشتغلون في سذاجة بلهاء ـ من تأخذه الحمية للدين منهم وللأخلاق ـ بالتنبيه إلى مخالفات صغيرة، وإلى منكرات صغيرة، ويحسبون أنهم أدوا واجبهم كاملاً بهذه الصيحات الخافتة… بينما الدين كله يسحق سحقاً ويدمر من أساسه، وبينما سلطان الله يغتصبه المغتصبون وبينما الطاغوت ـ الذي أمروا أن يكفروا به ـ هو الذي يحكم حياة الناس جملة وتفصيلاً! [المجلد الثاني: ص 1033 ـ 1034].

يجب البدء من الخلافة وتغيير المجتمع والانتهاء بالفرد وليس العكس:

إنّالجهد الأصيل والتضحيات النبيلة يجب أن تتجه أولاً إلى إقامة المجتمع الخيِّر.. والمجتمع الخيِّر هو الذي يقوم على منهج الله.. قبل أن ينصرف الجهد والبذل والتضحية إلى إصلاحات جزئية، شخصية وفردية، عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إنه لا جدوى من المحاولات الجزئية حين يفسد المجتمع كله، وحين تطغى الجاهلية، وحين يقوم المجتمع على غير منهج الله، وحين يتخذ له شريعة غير شريعة الله. فينبغي عند ئذ أن تبدأ المحاولة من الأساس، وان تنبت من الجذور، وأن يكون الجهد والجهاد لتقرير سلطان الله في الأرض.. وحين يستقر هذا السلطان يصبح الأمر والمعروف والنهي عن المنكر شيئاً يرتكن إلى أساس.

هذا يحتاج إلى إيمان. وإلى إدراك الحقيقة هذا الإيمان ومجاله في نظام الحياة. فالإيمان على هذا المستوى هو الذي يجعل الاعتماد كله على الله، والثقة كلها بنصرته للخير ـ مهما طال الطريق ـ واحتساب الأجر عنده، فلا ينتظر من ينهض لهذه المهمة جزاء في هذه الأرض، ولا تقديراً من المجتمع الضال ولا نصرة من أهل الجاهلية في مكان.

إن كل النصوص القرآنية والنبوية التي ورد فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت تتحدث عن واجب المسلم في مجتمع مسلم، مجتمع يعترف ابتداء بسلطان الله ويتحاكم إلى شريعته

فأما المجتمعات الجاهلية التي لا تتحاكم إلى شريعة الله، فالمنكر الأكبر فيها والأهم، هو المنكر الذي تنبع منه كل المنكرات: هو رفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة.. وهذا المنكر الكبير الأساسي الجذري هو الذي يجب أن يتجه إليه الإنكار قبل الدخول في المنكرات الجزئية التي هي تبع لهذا المنكر الأكبر وفرع عنه وعرض له..

إنه لا جدوى من ضياع الجهد.. جهد الخيرين الصالحين من الناس.. في مقاومة المنكرات الجزئية، الناشئة بطبيعتها من المنكر الأول: منكر الجرأة على الله وادعاء خصائص الألوهية، ورفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة.. لا جدوى من ضياع الجهد في مقاومة منكرات هي مقتضيات ذلك المنكر الأول وثمراته النكده بلا جدال.
على أنه إلام نحاكم الناس في أمر ما يرتكبونه من منكرات؟ بأي ميزان نزن أعمالهم لنقول لهم: إن هذا منكر فاجتنبوه؟ أنت تقول: إن هذا منكر، فيطلع عليك عشرة من هنا ومن هناك يقولون لك: كلاً! ليس هذا منكراً، لقد كان منكراً في الزمان الخالي! والدنيا «تتطور» والمجتمع «يتقدم» وتختلف الاعتبارات .

إنه لا بد من الاتفاق مبدئياً على حكم وعلى ميزان وعلى سلطان وعلى وجهة يرجع إليها المختلفون في الآراء والأهواء.. لا بد من الأمر بالمعروف الأكبر هو الاعتراف بسلطان الله ومنهجه للحياة، والنهي عن المنكر الأكبر وهو رفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة.. وبعد إقامة الأساس الذي عليه وحده يقام البنيان‍ فلتوفر الجهود المبعثرة إذن، ولتحشد كلها في جبهة واحدة، لإقامة الأساس الذي عليه وحده يقام البنيان‍.

وإن الإنسان ليرثى أحياناً ويعجب لأناس طيبين، ينفقون جهدهم في «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في الفروع، بينما الأصل الذي تقوم عليه حياة المسلم، ويقوم عليه الأمر بالمعروف والنهي يعن المنكر مقطوع!

فما غناء أن ينتهي الناس أكل الحرام مثلاً في مجتمع يقوم اقتصاده كله على الربا، فيستحيل ماله كله حراماً، ولا يملك فرد فيه أن يأكل من حلال... لأن نظام الاجتماعي والاقتصادي كله لا يقوم على شريعة الله، لأنه ابتداء يرفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة؟!

وما غناء أن تنهي الناس عن الفسق مثلاً في مجتمع لا يعتبر الزنا جريمة ـ إلا في حالة الإكراه ـ ولا يعاقب حتى في حالة الإكراه بشريعة الله.. لأنه ابتداء يرفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة؟!

ما غناء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مثل هذه الأحوال؟ ما غناء النهي عن هذه الكبائر ـ فضلاً عن أن يكون النهي عن الصغائر ـ والكبيرة الكبرى لا نهي عنها: كبيرة الكفر بالله برفض منهجه للحياة؟!

إن الأمر أكبر وأوسع وأعمق مما ينفق فيه هؤلاء «الطيبون» جهدهم وطاقتهم واهتمامهم.. إنه ـ في هذه المرحلة ـ ليس أمر تتبع الفرعيات، مهما تكن ضخمة حتى لو كانت هي حدود الله. فحدود الله تقوم ابتداء على الاعتراف بحاكمية الله دون سواه. فإذا لم يصبح هذا الاعتراف حقيقة واقعه، تتمثل في اعتبار شريعة الله هي المصدر الوحيد للتشريع واعتبار ربوبيته لله وقوامته هي المصدر الوحيد للسلطة، فكل جهد في الفروع ضائع، وكل محاولة في الفروع عبث، والمنكر الأكبر أحق بالجهد والمحاولة من سائر المنكرات.. [المجلد الثاني ص 949 ـ 951].

نتائج الاستهتار بالقضايا المصيرية

المعاناة التي يواجهها المسلمون في أكثر من مكان مردّها إلى استهتارهم السابق والحالي بالقضايا المصيرية بدءاً من مشاركتهم في هدم دولتهم الإسلامية مع ما رافق ذلك من وقوف بعضهم موقف المتفرج خلال محاولات الكافرين هدم تلك الدولة، وانتهاءَ بموقف اللامبالاة الكاملة من كل ما يواجه الأمة من ويلات ونكبات على أيدي أعدائها محلياً وشرقاً وغرباً.

فالأخطاء القاتلة التي ارتكبها المسلمون في الماضي لا زالت آثارها تتفاعل حتى الآن، ولا زالت الأمة تحصد نتائج تقصيرها في مواجهة القضايا المصيرية في حينها، وكل تقصير في مواجهة قضية من القضايا جرّها إلى تقصير آخر وإلى هزيمة أخرى وتقهقر آخر أمام الأعداء المتكالبين عليها، بل أدى إلى مزيد من تداعي الأمم على هذه الأمة الخيّرة.

وتفصيل ذلك معناه أن تقصير المسلمين في الاعتناء باللغة العربية أدى إلى التقصير في الاجتهاد وأدى إلى فصل الطاقة العربية عن الطاقة الإسلامية، والأمر الذي أدى إلى استيراد قوانين الغرب وتطبيقها على المسلمين بحجة أنها لا تخالف الإسلام، وكان لهذا الخطأ إضافة إلى خطأ التقصير في مواجهة الغزو الفكري، ومواجهة إثارة الكافر المستعمر للنعرات القومية عن طريق الماسونية وجمعيات الاتحاد والترقي (وتركيا الفتاة) وعن طريق التهاون في معالجة خيانة مصطفى كمال أن انهارت الدولة الإسلامية.

ونتيجة عدم سعي المسلمين لتدارك ذلك الانهيار وإعادة بنائها من جديد تمزقت البلاد الإسلامية إلى عشرات الدويلات ووقعت تحت الاحتلال المباشر للكافر المستعمر.

ونتيجة للتقصير في مقارعة المستعمر وطرده من بلاد المسلمين استفحلت شروره فغرس اليهودَ الأنجاسَ في البلاد المقدسة، وغرس الأفكار المسمومة في كافة أنحاء العالم الإسلامية ولا زال يتعهد تلك الغراس مثل تمجيد الديمقراطية، والحريات، وتحرير المرأة، وفصل الدين عن الدولة وعن باقي شؤون الحياة، وتقديس الوطن والتراب والقوم والعشيرة بدل تمجيد العقيدة أو المبدأ، والتمسك بالأمة والسلطان والجماعة.

إذن إن مجمل التقصير المتلاحق والمترابط أدى إلى انخداع البعض والتهائهم بمعالجة ذيول الذيول للأزمات الفرعية التي انبثقت عن القضية المركزية الأولى، أي القضية المصيرية الأولى وهي أم القضايا، ألا وهي تغييب الراعي وتغييب الدولة الإسلامية، ذلك التغييب الذي تسلسل عنه وتفرع منه: تمزيق العالم الإسلامي إلى نيف وأربعين دولة تابعة كلياً للغرب، حروب بينية وحرائق متتالية، ديون وفوائد ديون تتراكم بالمليارات، تأخر عن ركب الأمم في التصنيع والتكنولوجيا والتسلح الذاتي والأمن الذاتي والأمن الغذائي، العجز عن مواجهة حفنة من اليهود أحفاد القردة والخنازير، العجز عن تصنيع ما نريد من السلاح أو شرائه، كما هو حاصل من تدخلات أميركا في منع تكنولوجيا السلاح عن المسلمين، في الوقت الذي تعلن فيه بكل صلف واستهتار أن القدس هي عاصمة (إسرائيل) إذن كل ما نعانيه هو من جراء استهتارنا بالقضايا المصيرية.
ـــــــــــــــــــ
* قرأت لك : من صندوق البريد الخاص .تم بحمد الله
رد مع اقتباس