عرض مشاركة واحدة
 
  #9  
قديم 06-18-2009
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي رد: كتاب - أعداء اللغة العربية - للإستاذ سليم الحشيم

العصر العباسي
ولما صار الأمر إلى العباسيين، والأعاجم قد تسلمت مناصبًا وأصبح لهم مكانةً ومقامًا فتفشى اللحن وشاع فساد اللسان، إلا أن هذا الأمر لم يصل إلى حد الكراهية والبغض للعربية، فهم وعلى لحنهم وفساد ألسنتهم كانوا يحبون العربية ويجتهدون في تعلمها لأنها لغة قرآنهم وسبيل معرفتهم لدينهم وسبب محبتهم لرسولهم عليه الصلاة والسلام، وقد صدق الثعالبي عندما قال في كتابه "فقه اللغة وأسرار العربية":"من أحب الله تعالى أحب رسوله ومن أحب رسوله العربي أحب العرب ومن أحب العرب أحب العربية ومن أحب العربية عني بها، وثابر عليها، وصرف همته إليها". وفي هذا العصر أشتد ساعد الحركات الشعوبية، والتي هي في الأساس قامت على كره العرب وامتداد سلطانهم وتمييز اللغة العربية وتفوقها على اللغات المحلية للشعوب والأقوام التي دخلت الإسلام إما حربًا أو سلمًا. وأصل كلمة الشعوبية مشتقة من كلمة شعب، وجمعها شعوب وهو الجيل من الناس وهو أوسع من كلمة القبيلة. وجاء في القاموس المحيط:"والشعوبي بالضم محتقر أمر العرب وهم الشعوب"، قال عنها القرطبي هي حركة "تبغض العرب وتفضل العجم" وقال الزمخشري في أساس البلاغة: "وهم الذين يصغرون شأن العرب ولا يرون لهم فضلاً على غيرهم". هذه الحركات الشعوبية وإن قامت فقد قامت بين فئتين من الناس:
1.فئة أظهرت الإسلام وأبطنت الكفر، وهذا حدث أيضًا في عهد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وسموا بالمنافقين، والسبب في ظهورها هو الحقد على الإسلام كدين جديد ونمط عيش متميز، وكون الإسلام قد قوّض دولهم، وهدم عقيدتهم، فالكراهية والعداء كان منبعه العرق والجنس والعقيدة وليس اللغة، وهؤلاء كان شأنهم أحقر من أن يؤثروا في اللغة العربية أو أن يدعوا لهدمها أو حتى إظهار العداء لها، وهم علاوة على هذا قلة حقيرة لا شأن لها في الحياة الأدبية أو العملية.وقد أعياني البحث عن حدث مسند يظهر فيه عداء هؤلاء للغة العربية أو التخفيف من شأنها، وللأمانة وجدت بعض الأمور التي قد توحي بذلك، ولكن بعد النظر يتضح أن العداء كان من أصله للدين والعقيدة وقد يلفه شئ من العزة و حب العرق، ومن هذه الحوادث ما ذكر أن السلطان محمود الغزنوي احد أمراء الحركة الشعوبية عندما حاول إن يؤجج مشاعر العداء الفارسي ضد الإسلام والعرب كلف الشاعر الشعوبي أبو القاسم الفردوسي(411-329هـ) بكتابة قصائد شعرية يمجد فيها تاريخ فارس وحضارتها ويشتم فيها العرب وحضارتهم الإسلامية ويحط من شأنهم وقد تعهد له بأن يعطيه وزن ما يكتبه ذهبا انه هو فعل ذلك. ومن شعره في ملحمته"الشاهنامة":
زشير شتر خور دن وسو سمار
عرب را بجايي ر سيده است كار
كه تاج كيانرا كند آرزو
تفو باد بر جرخ كردون تفو
وتعني ترجمتها: من شرب لبن الإبل وأكل الضب بلغ الأمر بالعرب مبلغا أن يطمحــــوا فـي تــاج الملك فتبا لك أيها الزمان وسحقا.
وكذلك الشاعر يعقوب ليث الصفارين وهو احد أمراء الشعوبية ومن المتمردين على الدولة العباسية أنشد أبياتاً مشابهة أرسلها للخليفة المعتمد العباسي يقول فيها:
أنا ابنُ الاكارمِ من نَسلِ جَموحائزٌ اِرثِ مُلوكِ العَجمِ
َومُحي الَـذي باد من عِزَهَـموكَفى عَليَه طُوالُ القِدَم
فَقل لِـبنَي هـاشِم أجمعينهَلُموا إلى الخَلع قبل الندَمِ
فَعُودوا إلى أرضِكُم بالحِجاِزلأكلِ الضٌبِ ورعي الغِنَمِ
فالملاحظ من خلال هذه الأبيات أن الحقد والكراهية كان إما للعرب كعرق أو للإسلام كدين، فالذي قال الشعر هذا بالعربية يدل على معرفة باللغة العربية والبحور والعروض وغيرها من علوم اللغة...وقد ذكر الباحث الإيراني ناصر بوربيرار أن الذي دفع الفردوسي لكتابة ملحمته هذه المصلحة الشخصية وحفنة من الدنانير والدراهم.وهناك ايضًا مسألة معارضة القرآن من قبل ابن المقفع حتى قيل أن كتابه"الدرة اليتيمة" جاء معارضًا للقرآن، الأمر الذي لم يبن من خلال كتابه، ويبدو أن المسألة طعنًا في أديب عُرف بالعلم وسعة الأدب، وغيره من الأدباء والشعراء وإن حاولوا، فكلها لا تعد عداءًا أو كرهًا للغة العربية بقدر ما فيها من إعتزار وفخر وقوة بلاغة القرآن الكريم الذي كان وما يزال محط أنظار العلماء والأدباء والشعراء على اختلاف مشاربهم اللغوية والعرقية والعقائدية، فهي شهادة أن القرآن مثال البلاغة والفصاحة وقوة الأسلوب وحسن النظم.وأما قصة أبي العلاء المعري وإلحاده وشعره الذي يعارض فيه القرآن قد فندها وبيّن زيفها ووقف على صدق نيته وسلامة عقيدته الصاحب كمال الدين ابن العديم المتوفي سنة 660 هـ وأحد أعلام عصره، فقد ألّف كتابا أسماه العدل والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري وفيه يقول عن حساد أبي العلاء " فمنهم من وضع على لسانه أقوال الملحدة، ومنهم من حمل كلامه على غير المعنى الذي قصده، فجعلوا محاسنه عيوبا وحسناته ذنوبا وعقله حمقا وزهده فسقا، ورشقوه بأليم السهام وأخرجوه عن الدين والإسلام، وحرفوا كلامه عن مواضعه وأوقعوه في غير مواقعه. و كان يحرم ايلام الحيوان ولذلك لم يأكل اللحم خمساً و أربعين سنة."اهـ، وأما ما وقع من مسيلمة الكذاب ومضاهاة القرآن فهي لا تعدو سخافات عديمة المعنى وإن تنمقت لفظًا جزلًا، وهو عربي حاول أن يقلد القرآن بلغته الممجوجة فما بلغ، ورغم عربية لسانه وفصاحة حرفه فما استطاع أن يوفي غرضه في المضاهاة، فتعس في الدنيا والآخرة.
2.فئة أسلمت وأخلصت لله ولرسوله وللمؤمنين وأصبحت جزءًا من الأمة الإسلامية، وتعلموا العربية ومنهم من أبدع، بل ومنهم من دافع عن العربية ولسانها أمثال الجاحظ ووقف بالمرصاد لكل متعنت بائس، وقسم من هذه الفئة بقيت في نفوسهم آثار العصبية والأنفة لقومهم وبني جلدتهم، إلا أن أمرهم كان يسيرًا ولم يصل الى حد العداء والكراهية للغة العربية، وبغض النظر عن طبيعة نشأة هذه الحركات الشعوبية فلم تستطع أي فئة أن تجهر بعدائها للغة العربية وللأسباب التالية:
1. قوة سلطان الدولة الإسلامية، فقوة اللغة من قوة دولتها، والدولة الإسلامية عُرفت بقوتها وصلادتها واتساع نفوذ سلطانها.
2.اهتمام المسلمين باللغة العربية كوسيلة أساسية في فهم القرآن الكريم، وإدراكهم أنه لا يمكن أداء الإسلام أداء كاملاً إلاّ بها، فاللغة العربية بالنسبة للإسلام هي بمثابة الروح للجسد.
3.بروز اللغة العربية لغة للعلم فإنه لم ينصرم القرن الثالث للهجرة إلا واللغة العربية أصبحت لغة كل العلوم الشرعية منها والطبيعية من طب وصيدلة وفلك وكيمياء وغيرها، وكل من يريد أن يغرف من مناهل العلوم ومصادرها عليه أن يعرف العربية، فكان محالًا لطالب العلم أن يحصّل شيئًا من العلوم إلا من الكتب والمراجع العربية ومعرفته اللغة العربية والخط العربي...فتميزت اللغة العربية أي تميّز وتفوقت أي تفوق. هذا ما كان من أمر اللغة العربية في المشرق، وأما في المغرب(الأندلس) فقد احتلت اللغة العربية مكانة عالية وتبوأت سورة ترى كل لغة غيرها تتذبدب...
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس