عرض مشاركة واحدة
 
  #1  
قديم 03-07-2011
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي قرأت لك : منقول .....

د. لانا مامكغ
التغيير ..
لمح جاره المتقاعد عند مدخل الحيّ في ذلك الصباح الباكر، فتأفف متوقّعاً دعوته اليومية إيّاها للعب الطاولة... لكن بدا له أنّ الرجل لم يلتفت إليه أصلاً، إذ كان يتحدّث إلى مجموعة من الرجال حوله بحماسة ليست مألوفة منه، فقاده الفضول للاقتراب والسؤال، ليعرف أنّهم جيران من الأحياء القريبة جاؤوا ليعملوا في قطعة الأرض الترابية الواسعة التي تفصل بين الوحدات السكنية بالمنطقة وتجهيزها لتصبح ملعباً للأطفال خلال العطلة الصيفية القادمة ... سأل بالفضول نفسه عن التكاليف، فقيل له إنّهم جمعوها من أهل الحيّ أنفسهم !
حيّاهم دون أن يتمكّن من إخفاء دهشته، ومضى متأبّطاً ملفّاً ضخماً كان قد أعدّه لإجراء معاملة في إحدى الدوائر الحكوميّة، استقلّ الحافلة، فلفت نظره أنّ عدد الركاب أقلّ من المعتاد، فالجميع جالس ... ومعظمهم يقرؤون في كتب جيبية صغيرة، اتّخذ مقعده قرب من تصادف أنّه يقرأ في صحيفة يوميّة، نظر حوله في حيرة، ثمّ وقعت عينه على خبر تصدّر الصفحة الأولى للصحيفة المفرودة أمام جاره، كان نصّ الخبر: « الانتهاء من محاكمة آخر الفاسدين ...» وتفاصيل مطوّلة عن مصادرة أمواله وممتلكاته، وإعادتها إلى خزينة الدولة !
فأخفى ابتسامته بالنظرعبر النافذة، ولم يكن الأمر يحتاج إلى دقّة ملاحظة ليدرك اختفاء رجال السير من الشوارع ... سأل صاحب الصحيفة بسرعة، فضحك وقال إنّ الوضع لم يعد يحتاج لوجودهم ... فلم تُسجّل حوادث تُذكر في السنوات الأخيرة، وأنّ الجهاز كلّه قد فُرغ للإشراف على تحريج المنطقة الشرقية من البلاد !
وصل إلى الدائرة أخيراً، وتوّجّه إلى الموظف المعني الذي استقبله بابتسامة عريضة، ودعاه إلى الجلوس في قاعة الانتظار... فانصاع للطلب، وانضمّ إلى بقية المراجعين في القاعة الأنيقة ... ولم تمض دقائق حتى أقبل عليه شابُ بهي الطلعة ليناوله المعاملة، موّقعة ومصدّقةً ومرّتبة ومنتهية !
ورأى نفسه في الشارع من جديد، ووجد أنّ الوقت يسمح له بالتسوّق وشراء لوازم للبيت، وفيما كان متوجّهاً نحو البقالة التي اعتاد التعامل معها، لاحظ اختفاء عمّال النظافة ... سأل أحد المارّة بلهفة، فضحك الأخيرليقول إنّه زمن ولّى، فلا أحد يُلقي أيّ نوع من القمامة في الشوارع، والعمّال يكتفون بجمعها خلال الليل من الحاويات، وأنّ العمال الآخرين فُرّغوا للعمل في مصانع إعادة التدوير !
وفيما كان ينتقي حاجيّاته من محل البقالة، لمح محلاً في الجهة المقابلة مغلقاً بالشمع الأحمر... فسأل البائع بفضول ليقول الأخير إنّ الجهات الرقابية كانت قد ضبطت عنده سلعة مرّ على انتهاء صلاحيّتها يومٌ واحد ... فكان ما كان !
في طريق عودته للبيت، رأى رجالاً تبدو عليهم سمات الوقار والهيبة، يبنون جداراً استنادياً في الشارع المقابل، سأل فقيل له إنهم يقضون فترة عقوبة بسبب تجاوزات معيّنة ... فأحدهم استخدم الزامور أمام مدرسة... وآخر ضُبط وهو يُدّخن في مكان عام ... أمّا الآخرون، فقد كانوا قد أوقفوا سياراتهم في الأمكنة المخصّصة لوقوف سيارات المسنّين !
وعاد إلى بيته سعيداً مذهولاً، فألقى بالأغراض جانباً، ونادى على زوجته ليخبرها بكلّ ما رأى وسمع، لكنّها لم تستجب لندائه، ثمّ سمعها بعد حين تناديه هي من مكان بعيد ... بعيدٍ جدّاً ... مكرّرةً النداء بصوتٍ عال ...
وأفاق أخيراً ... من يومها وأسرته تتنقّل به من طبيبٍ نفسيّ إلى آخر، عسى أن يشفى من الاكتئاب المزمن الذي أصابه مؤخّراً ... ومحاولات علاجه ما زالت جارية !
عن الرأي 6/3/2011م
الاثنين 2 ربيع الثاني 1432
رد مع اقتباس