عرض مشاركة واحدة
 
  #33  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي اقتطاع الديون والنفقات وتزكية الباقي

اقتطاع الديون والنفقات وتزكية الباقي


هل يدفع قدر الدَّيْن والنفقة من الخارج ويزكى الباقي؟
أما الدَّيْن الذي يكون على رب الزرع والثمر فهو نوعان:
منه ما يكون لأجل النفقة على الزرع، كما إذا استدان في ثمن البذر والسماد أو أجرة العمال، ونحو ذلك من النفقات.
ومنه ما يكون لأجل نفقة صاحب الزرع على نفسه وأهله.
فما الحكم في كلا الدَّيْنين؟
روى أبو عبيد في الأموال بسنده عن جابر بن زيد، قال في الرجل يستدين فينفق على أهله وأرضه، قال: قال ابن عباس: يقضى ما أنفق على أرضه، وقال ابن عمر: يقضى ما أنفق على أرضه وأهله .(الأموال ص509).
ورواه يحيى بن آدم في الخراج عنه قال: قال ابن عمر: يبدأ بما استقرض، فيقضيه ويزكِّي ما بقى، وقال: قال ابن عباس: يقضي ما أنفق على الثمرة ثم يزكِّي ما بقى (الخراج ص162، وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه عليه: إسناده صحيح).
فقد اتفق ابن عباس وابن عمر على قضاء الدّيْن الذي أنفقه على الأرض والثمرة، وزكاة الباقي فقط، واختلفا في الدّيْن إذا كان على نفسه وأهله.
وكذلك روى أبو عبيد عن مكحول أنه قال في صاحب الزرع المدين: لا تؤخذ منه الزكاة حتى يقضى دينه، وما فضل بعد ذلك زكّاه، إذا كان مما تجب فيه الزكاة .(الأموال ص 509).
وكذلك يرى عن عطاء وطاووس .(المرجع السابق).
وقالت طائفة من أهل العراق بمثل ما جاء عن ابن عمر وعطاء وطاووس ومكحول .(نفس المرجع).
ومن فقهاء العراق الذين ذهبوا هذا المذهب: سفيان الثوري:كما روى ذلك يحيى بن آدم .(الخراج ص 163).
وعن أحمد بن حنبل روايتان: قال في إحداهما: من استدان ما أنفق على زرعه، واستدان ما أنفق على أهله، احتسب ما أنفق على زرعه دون ما أنفق على أهله؛ لأنه من مؤونة الزرع والرواية الثانية: أن الدَّيْن كله يمنع الزكاة .(المغنى: 2/727).
فهو في الرواية الأولى وافق ابن عباس، وفي الثانية وافق ابن عمر.
قال في المغنى: فعلى هذه الرواية يحسب كل دَيْن عليه، ثم يُخرج العُشر مما بقى إن بلغ نصابًا، وإن لم يبلغ نصابًا فلا عُشر فيه، وذلك لأن الواجب زكاة، فيمنع الدَّيْن وجوبها، كزكاة الأموال الباطنة، ولأنه دَيْن فيمنع وجوب العُشر كالخراج وما أنفق على زرعه، والفرق بينهما على الرواية الأولى: أن ما كان من مؤونة الزرع فالحاصل في مقابلته يجب صرفه إلى غيره، فكأنه لم يحصل .(المغنى: 2/727).
وقد رجح أبو عبيد مذهب ابن عمر ومَن وافقه في رفع كل الديون من الخارج، وتزكية الباقي، بشرط أن تثبت صحة الدَّيْن، قال:" إذا كان الدَّيْن صحيحًا قد علم أنه على رب الأرض فإنه لا صدقة عليه فيها، ولكنها تسقط عنه لدَيْنه كما قال ابن عمر وطاووس وعطاء ومكحول، ومع قولهم أيضًا إنه موافق لاتباع السُنَّة، ألا ترى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما سنَّ أن تؤخذ الصدقة من الأغنياء، فتُردّ في الفقراء، وهذا الذي عليه دَيْن يحيط بماله ولا مال له، هو من أهل الصدقة، فكيف تؤخذ منه الصدقة وهو من أهلها؟، أم كيف يجوز أن يكون غنيًا فقيرًا، في حال واحدة؟ ومع هذا إنه من الغارمين -أحد الأصناف الثمانية- فقد استوجبها من جهتين " ا هـ .(الأموال ص510).
أما الخراج -وهو تلك الضريبة العقارية المفروضة على رقبة الأرض- فهل يطرح مقداره من الخارج ويزكى الباقي أم لا؟
روى يحيى بن آدم عن سفيان بن سعيد الثوري أنه قال فيما أخرجت الخراجية: "ارفع دَيْنك وخراجك، فإن بلغ خمسة أوسق بعد ذلك، فزكها" .(الخراج ص163).
وروى أبو عبيد عن إبراهيم بن أبى عبلة قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الله بن عوف -أو ابن أبى عوف- عامله على فلسطين، فيمن كانت في يده أرض بجزيتها من المسلمين: أن يقبض جزيتها، ثم يأخذ منها زكاة ما بقى بعد الجزية .(الأموال ص88) والمراد بجزية الأرض هنا "الخراج".
فعمر وسفيان يعفيان ما يقابل الخراج من الزكاة، ويزكيان الباقي فقط إن بلغ نصابًا، وكان عمر من أئمة الهدى.
وإلى نحو هذا ذهب أحمد، واستدل له في "المغنى" بأن الخراج من مؤونة الأرض، فيمنع وجوب الزكاة في قدره، كما ذهب إليه ابن عباس وابن عمر من قضاء ما أنفق على الزرع وتزكية الباقي .(المغنى: 2/727).
وينبغي أن يقاس على الخراج أجرة الأرض على الزارع المستأجر، فإن جمهور الفقهاء عدّوا الخراج بمنزلة أجرة الأرض، وقد روى عن شريك نحو ذلك، قال يحيى بن آدم: سألتُ شريكًا عن الرجل يسـتأجر أرضًا بيضاء من أرض العُشر، بطعام مسمى، فزرعها طعامًا، قال: يعزل ما عليه من الطعام ثم يزكِّى ما بقى: العُشر أو نصف العُشر، ثم قال: كما يعزل الرجل ما عليه من الدّيْن، ثم يزكِّى ما بقى من ماله .(الخراج ص161).
بقى أن نعرف حكم النفقة على الزرع والثمر إذا لم تكن دَيْنًا ولا خراجًا، مثل ما ينفقه من ماله هو على البذر والسماد والحرث والري والتنقية والحصاد وغير ذلك: هل ترفع هذه النفقات والتكاليف -أعنى القدر المقابل لها من المحصول ويزكِّى الباقي، كما اخترناه في رفع ما يقابل الدَّيْن والخراج؟ أم تجب الزكاة في جميع المحصول؟
قال ابن حزم: لا يجوز أن يعد الذي له الزرع والثمر ما أنفق في حرث أو حصاد أو جمع أو درس أو تزبيل -أو تسميد بالزبل- أو جذاذ أو حفر أو غير ذلك، فيسقطه من الزكاة، وسواء تداين في ذلك أم لم يتداين، أتت النفقة على جميع قيمة الزرع أو الثمر أو لم تأت، وهذا مكان قد اختلف السلف فيه.
ثم ذكر ابن حزم بسنده عن جابر بن زيد عن ابن عباس وابن عمر في الرجل ينفق على ثمرته، فقال أحدهما: يزكيها وقال الآخر: يرفع النفقة، ويزكى الباقي.
وعن عطاء: أنه يسقط مما أصاب النفقة، فإن بقى مقدار ما فيه الزكاة زكى، وإلا فلا، ورد ابن حزم على هذا القول بأنه لا يجوز إسقاط حق أوجبه الله تعالى بغير نص قرآن ولا سُنَّة ثابتة قال: وهذا قول مالك والشافعي وأبى حنيفة وأصحابنا أ.هـ .(المحلى: 5/258).
والأثر الذي رواه ابن حزم هنا عن ابن عباس وابن عمر يفيد أن أحدهما يقول برفع النفقة وتزكية الباقي، والآخر يخالفه في ذلك، وقد ذكرناه قريبًا، من رواية يحيى بن آدم وأبى عبيد: أنهما سئلا عما يستدينه الرجل فينفق على ثمرته وعلى أهله، وأن ابن عباس أفتى بأنه يقضى ما أنفق على الثمرة ثم يزكى ما بقى، وأن ابن عمر وافقه على ذلك، وزاد عليه قضاء ما أنفق على نفسه وأهله.
فهذه الفتوى من الصحابيين الجليلين فيما أنفقه الزارع على زرعه وثمرته استسلافًا واستدانة، أما ما أنفقه من ماله دون استسلاف، فقد سكتا عنه، إلا على رواية ابن حزم المذكورة هنا.
وأصرح وأشمل ما ورد عن السلف في رفع ما يقابل النفقة والمؤونة من الخارج، وتزكية الباقي، سواء أكانت النفقة دَيْنًا أم غير دَيْن هو مذهب عطاء الذي ذكره ابن حزم، ورواه يحيى بن آدم عن إسماعيل بن عبد الملك، قال قلتُ لعطاء: الأرض أزرعها، فقال: ارفع نفقتك، وزكِّ ما بقى .(الخراج ص161، ورواه ابن أبى شيبة: 4/23 - طبع ملتان بالهند).
وتعرض ابن العربى في شرح الترمذي لهذه المسألة فقال: اختلف قول علمائنا، هل تحط المؤونة من المال المزكى، وحينئذ تجب الزكاة -أي في الصافي- أو تكون مؤونة المال وخدمته -حتى يصير حاصلاً- في رب المال، وتؤخذ الزكاة من الرأس -أي من إجمالي الحاصل؟ فذهب إلى أنه الصحيح أن تحط وترفع من الحاصل، وأن الباقي هو الذي يؤخذ عُشره، واستدل لذلك بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "دعوا الثلث أو الربع"، وأن الثلث أو الربع يعادل قدر المؤونة تقريبًا، فإذا حسب ما يأكله رطبًا، وما ينفقه من المؤونة تخلص الباقي ثلاثة أرباع، أو ثلثين، قال: ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب .(شرح الترمذي: 3/143).
ومعنى كلام ابن العربى: أنه لا يجمع بين ترك الثلث أو الربع الذي جاء الحديث به، وبين حط المؤن والنفقات وطرح قدرها من الحاصل، فإنها داخلة في الثلث أو الربع المتروك غالبًا، ومقتضى كلامه: أنها إذا زادت عن الثلث تحط أيضًا، وأن ذلك يُعمل به في كل زرع وثمر، سواء أكان يخرص أم لا.
وردّ ابن الهمام على هذا الرأي: بأن الشارع حكم بتفاوت الواجب لتفاوت المؤونة، فلو رفعت المؤونة كان الواجب واحدًا، وهو العُشر دائمًا في الباقي؛ لأنه لم ينزل إلى نصفه إلا المؤونة، والفرض أن الباقي بعد رفع قدر المؤنة لا مؤنة فيه، فكان الواجب دائمًا العُشر، لكن الواجب قد تفاوت شرعًا، مرة العُشر ومرة نصفه، بسبب المؤونة، فعلمنا أنه لم يعتبر شرعًا عدم عُشر بعض الخارج -وهو القدر المساوي للمؤونة- أصلاً أ.هـ .(فتح القدير: 2/8).
الذي يلوح لنا أن الشارع حكم بتفاوت الواجب في الخارج بناء على تفاوت المشقة والجهد المبذول في سقي الأرض، فقد كان ذلك أبرز ما تتفاوت به الأراضي الزراعية، أما النفقات الأخرى فلم يأت نص باعتبارها ولا بإلغائها، ولكن الأشبه بروح الشريعة إسقاط الزكاة، عما يقابل المؤونة من الخارج، والذي يؤيد هذا أمران:
الأول: أن للكلفة والمؤونة تأثيرًا في نظر الشارع، فقد تقلل مقدار الواجب، كما في سقي بآلة، جعل الشارع فيه نصف العُشر فقط، وقد تمنع الوجوب أصلاً كما في الأنعام المعلوفة أكثر العام، فلا عجب أن تؤثر في إسقاط ما يقابلها من الخارج من الأرض.
الثاني: أن حقيقة النماء هو الزيادة، ولا يعد المال زيادة وكسبًا إذا كان أنفق مثله في الحصول عليه، ولهذا قال بعض الفقهاء: إن قدر المؤونة بمنزلة ما سلم له بعوض، فكأنه اشتراه، وهذا صحيح.
هذا على ألا تحسب في ذلك نفقات الري التي أنزل الشارع الواجب في مقابلها من العُشر إلى نصفه.
فمن كانت له أرض أخرجت عشرة قناطير من القطن تساوى مائتي جنيه، وقد أنفق عليها -في غير الري- مع الضريبة العقارية، مبلغ ستين جنيهًا (أي ما يعادل ثلاثة قناطير) فإنه يخرج الزكاة عن سبعة قناطير فقط، فإذا كانت سقيت سيحًا ففيها العُشر أو بآلة فنصف العُشر والله أعلم.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس