عرض مشاركة واحدة
 
  #32  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي ماذا يترك لأصحاب الزرع والثمر

ماذا يترك لأصحاب الزرع والثمر


1- تقدم في المبحث السابق حديث سهل بن أبى حثمة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع ".
2- وروى ابن عبد البر عن جابر مرفوعًا "خففوا في الخرص".(ذكره في نيل الأوطار: 2/144 - طبع العثمانية، وقال: في إسناده ابن لهيعة).
3- وروى أبو عبيد بإسناده عن مكحول قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا بعث الخراص قال: خففوا فإن في المال العرية والوطية" (الأموال ص487، وأخرجه أيضًا الطحاوي ص315 بإسناد جيد بلفظ: "خففوا في الصدقات، فإن في المال العرية والوطية " - انظر: فيض الباري: 3/47).
4- وروى أيضًا عن الأوزاعي قال: "بلغنا أن عمر بن الخطاب قال: خففوا عن الناس في الخرص! فإن في المال العرية والواطئة والآكلة " (الأموال، المرجع السابق).
والعرية -كما قال أبو عبيد-: هي النخلة يعريها صاحبها رجلاً محتاجًا، والإعراء: أن يجعل له ثمرة عامها.
والواطئة: السابلة، سموا بذلك لوطئهم بلاد الثمار مجتازين.
والوطية: الأرض التي تطؤها الأرجل.
والآكلة: هم أرباب الثمر وأهلوهم ومن لصق بهم، فكان معهم .(المرجع السابق).
5- وروى أيضًا عن بشير بن يسار: أن عمر بن الخطاب بعث أبا حثمة الأنصاري على خرص أموال المسلمين، فقال إذا وجدت القوم في نخلهم قد خرفوا، فدع لهم ما يأكلون، لا تخرصه عليهم .(ورواه أيضًا الحاكم مختصرًا (1/402، 403)، ورواه ابن حزم في المحلى: 5/359).
6- وعن سهل بن أبى حثمة أن مروان بعثه خارصًا للنخل، فخرص مال سعد بن أبى سعد سبعمائة وسق، وقال لولا أنى وجدت فيه أربعين عريشًا لخرصته تسعمائة وسق، ولكنى تركت لهم قدر ما يأكلون .(المحلى:5/260).
وكان تلك العرش مظال ومساكن لهؤلاء الأكلة أيام الثمار، كما قال أبو عبيد.
والحديث الأول قد صححه جماعة من الأئمة، وقد اعتضد بحديث جابر ومرسل مكحول، وبالآثار المذكورة عن الصحابة، وهم أعلم الناس بهدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحرصهم على اتباعه، قال ابن حزم: "هذا فعل عمر بن الخطاب وأبى حثمة وسهل: ثلاثة من الصحابة بحضرة الصحابة -رضى الله عنهم- لا مخالف لهم يُعرف منهم" .(المحلى:5/260)، وقد دلّت هذه الأحاديث والآثار على وجوب الرفق بأرباب الأموال والتخفيف عنهم، والترك لهم، تقديرًا لحاجتهم وظروفهم.
قال في المغنى: على الخارص أن يترك في الخرص الثلث أو الربع، توسعة على أرباب الأموال، لأنهم يحتاجون إلى الأكل هم وأضيافهم، ويطعمون جيرانهم وأهلهم وأصدقاءهم وسؤالهم ويكون في الثمرة السقاطة، وينتابها الطير، ويأكل منها المارة، فلو استوفى الكل منهم أضرَّ بهم، وبهذا قال إسحاق، ونحوه قال الليث وأبو عبيد والمرجع في تقدير المتروك إلى الساعي باجتهاده، فإن رأى الأكلة كثيرًا ترك الثلث، وإن كانوا قليلاً ترك الربع، فإن لم يترك لهم الخارص شيئًا، فلهم الأكل قدر ذلك، ولا يحتسب عليهم به، لأنه حق لهم.
فإن لم يخرج الإمام خارصًا، فاحتاج رب المال إلى التصرف في الثمرة، فأخرج خارصًا، جاز أن يأخذ بقدر ذلك وإن خرص هو وأخذ بقدر ذلك جاز، ويحتاط في ألا يأخذ أكثر مما له أخذه " ا هـ .(المغنى: 2/709، 710).
وما لم يخرص من الثمار والزروع، وترك لأمانة أهله، فقد قال فيه صاحب المغنى: "لا بأس أن يأكلوا منه ما جرت العادة بأكله، ولا يحتسب عليهم، وسئل أحمد عما يأكل أرباب الزروع من الفريك، قال: لا بأس به أن يأكل منه صاحبه ما يحتاج إليه، وذلك لأن العادة جارية به، فأشبه ما يأكله أرباب الثمار من ثمارهم" .(المغنى: 2/709، 710).
وقال أبو يوسف ومحمد: يراعى ما يأكل الرجل وصاحبه وجاره حتى لو أكل جميعه رطبًا لم يجب عليه شيء.
وخالف مالك وأبو حنيفة في ذلك، فلم يريا أن يترك لأرباب الزرع والثمر شيء، حتى حسبا عليهم ما أكلوه أو أطعموه، قبل الحصاد والجني .(انظر: بداية المجتهد 0جـ1، وبدائع الصنائع: 2/64).
قال ابن العربى: وساعدهما الثوري على أنه لا يُترك لهم شيء، وهذا يدل على أن مالكًا وسفيان لم يراعيا حديث سهل بن أبى حثمة في الرفق في الخرص وترك الثلث أو الربع، أو لم يرياه .(شرح الترمذي: 3/143).
وقال أبو محمد بن حزم في المحلى: لا يجوز أن يعد على صاحب الزرع في الزكاة ما أكل هو وأهله فريكًا أو سويقًا، قلّ أو كثر، ولا السنبل الذي يسقط فيأكله الطير أو الماشية أو يأخذه الضعفاء، ولا ما تصدَّق به حين الحصاد لكن ما صفى فزكاته عليه، برهان ذلك ما ذكرنا قبل، أن الزكاة لا تجب إلا حين إمكان الكيل، فما خرج عن يده قبل ذلك، فقد خرج قبل وجوب الصدقة فيه، وقال الشافعي والليث كذلك، وقال مالك وأبو حنيفة: يعدّ على كل ذلك.
قال أبو محمد: "هذا تكليف ما لا يُطاق، وقد يسقط من السنبل ما لو بقى لأتم خمسة أوسق، وهذا لا يمكن ضبطه، ولا منه المنع أصلاً، الله تعالى يقول: (لاَ يكلف اللهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا)(البقرة: 286).
قال: "وأما التمر ففُرِض على الخارص أن يترك له ما يأكل هو وأهله رطبًا على السعة، لا يُكلَّف عنه زكاة وهو قول الشافعي والليث بن سعد .(المحلى: 5/259) واستدل ابن حزم لذلك بحديث سهل بن أبى حثمة، والآثار التي ذكرناها عن عمر وأبى حثمة وسهل من الصحابة.
واختلف الذين تركوا العمل بحديث سهل هنا في الإجابة عنه.
فمنهم من قال: كان في حالة خاصة وهى أرض خيبر.
ومنهم من قال: معنى الحديث أن يترك لهم الثلث أو الربع من العُشر الواجب، ليفرقوه بأنفسهم على الفقراء من أقاربهم وجيرانهم، ومن يعرفهم ويطلب منهم، فلا يحتاج المالك أن يغرم ذلك مرة أخرى من ماله وهذا التفسير مروى عن الشافعي.
وله قول آخر قديم: أن يترك له نخلة أو نخلات يأكله أهله، ويختلف ذلك باختلاف حال الرجل في كثرة عياله وقلَّتهم .(قال النووي في الروضة (2/250): هذا القديم، نص عليه أيضًا في البويطي، ونقله البيهقي عن نصه في البويطى، والبيوع والقديم).
وأجاب بعضهم بأن المراد به مؤونة الزرع -أي نفقته- أو مؤونة الأرض، فيوضع ذلك ولا يُحسب في النصاب.
قال ابن العربى في شرح الترمذي: والمتحصل من صحيح النظر أن يُعمل بالحديث، وهو قدر المؤونة، ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب مما يؤكل رطبًا، وسيأتي ذلك في المبحث القادم.
والذي أختاره: هو الأخذ بما دلّ عليه حديث سهل وما عضده من أخبار وآثار، وهو الذي عمل به أمير المؤمنين عمر، وذهب إليه أحمد وإسحاق والليث والشافعي في القديم، وابن حزم.
والحق: أن هذا الحديث قد أعطانا مبدأ هامًا في باب الزكاة، وهو رعاية الحاجات المعقولة لصاحب المال وعائلته، وتقدير الظروف المخففة عنه ووضعها في الاعتبار، عند تقدير الواجب عليه.
وهذا يؤكد الشرط العام الذي شرحناه من قبل في فصل "المال الذي تجب فيه الزكاة" وهو شرط "الفضل عن الحوائج الأصلية".
ورعاية الظروف الشخصية والعائلية للمكلَّف التي حرص عليها الإسلام، أمر لم يعرفه التفكير والتشريع الضريبي إلا في وقت قريب، إذ كان المعروف هو فرض الضريبة على "عَيْن" المال دون التفات إلى ظروف صاحبه وحاجاته وديونه.
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس