عرض مشاركة واحدة
 
  #14  
قديم 02-28-2011
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي لماذا لم يوجب الإسلام الزكاة على غير المسلمين؟

لماذا لم يوجب الإسلام الزكاة على غيرالمسلمين؟

أجمع علماء الإسلام: على أن الزكاة تجب على المسلم البالغ العاقل الحر (يذكر الفقهاء هنا بحوثًا كثيرة حول وجوب الزكاة على العبد والمكاتب وما يتعلق بذلك، وقد تركناها لعدم الحاجة إليها في عصرنا، ومن أرادها فليرجع إليها في المجموع: 5/326، 327، والمغني مع الشرح الكبير: 2/494، ورد المحتار: 2/5، وبلغة السالك ص 206، وبداية المجتهد: 1/209 - ط. مصطفى الحلبي. وقد لخص فيها أقوال المذاهب في المسألة تلخيصًا جيدًا، مع بيان ما يستندون إليه من العلل). المالك لنصابها المخصوص بشرائطه.
وقد تبين لنا فيما سبق: أدلة هذا الوجوب، من آيات الكتاب الصريحة، وأحاديث الرسول الثابتة، التي أفاد مجموعها علمًا يقينيًا بفرضية الزكاة، وهذا مما تناقلته أجيال المسلمين، وتواترت به الأخبار، قولاً وعملاً، وعُلِمَ من دين الإسلام بالضرورة، فمن أنكر ذلك - ولم يكن حديث عهد بالإسلام - فقد كفر، وخلع رِبقة الإسلام من عنقه.
واتفق المسلمون على أن فريضة الزكاة؛ لا تجب على غير مسلم؛ لأنها فرع من الإسلام، وهو مفقود، فلا يطالب بها وهو كافر، كما لا تكون دَيْنًا في ذمته، يؤديها إذا أسلم، واستدل العلماء لذلك، بحديث ابن عباس في الصحيحين: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذًا إلى اليمن قال له:
"إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم .. (انظر فتح الباري: 3/229 وما بعدها)
.
فالحديث يدل - كما قال النووي وغيره - على أن المطالبة بالفرائض في الدنيا، لا تكون إلا بعد الإسلام، وهذا قدر متفق عليه
(هناك خلاف في الأصول: هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟ فيزداد عذابهم بسببها في الآخرة أم لا؟ قول الأكثرين: إنهم مخاطبون خلافًا للحنفية وهو بحث لا حاجة بنا إليه هنا)
.
قال العلماء: ولأن الزكاة أحد أركان الإسلام، فلم تجب على كافر، كالصلاة والصيام. وهناك تعليل آخر ذكره الشيرازي وأقره النووي من الشافعية. فقد ذكرا في عدم وجوبها على الكافر الأصلي: أنها حق لم يلتزمه فلا يلزمه
(هذا التعليل يفتح بابًا للتساؤل عن الحكم فيما إذا رضي أهل الذمة أداء الزكاة والتزموا أداءها كالمسلمين - كما يلتزمون الآن الخدمة العسكرية - هل يجوز أن تُقبل منهم الزكاة باعتبارها ضريبة لا عبادة، كما قُبِل منهم الخدمة في الجيش وهي عند المسلمين جهاد وقربة؟)
.
سواء أكان حربيًا أم ذميًا، فلا يطالب بها في كفره، وإن أسلم لم يطالب بها في مدة الكفر
(المجموع: 5/327 - 328)
.
وإذا كانت لا تجب على غير المسلم، فهي لا تصح منه أيضًا - بوصفها عبادة لو أداها - لانتفاء الشرط الأول للقبول، وهو الإسلام، قال تعالى:
(وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا)الفرقان: (23)
ولكن من المعروف أن أعمال الخير تخفف من العذاب في الآخرة، فالعذاب دركات، كما أن النعيم درجات.
وهذا كله في الكافر الأصلي، أما من فُتِنَ وارتد -والعياذ بالله- فإن كانت الزكاة قد وجبت عليه في حال إسلامه فلا تسقط عنه بالردة، لأنها حق ثبت وجوبه فلم يسقط بردته كغرامة المتلفات.
وهذا عند الشافعية خلافًا لأبي حنيفة
(المجموع: 5/327 - 328)
.
وأما زمن الردة فقد اختلف فيه فقهاء الشافعية، واختار بعضهم القطع بوجوب الزكاة -وهو ما أختار- لأنها حق للفقراء والمستحقين، فلا يسقط بالردة كالنفقات والغرامات.

لماذا لم يوجب الإسلام الزكاة على غير المسلمين؟
وقد يعنّ هنا سؤال لبعض الناس فيقول: إن الإسلام قد وسع أهل الكتاب ومن في حكمهم من غير المسلمين، فأعطاهم ذمة الله، وذمة رسوله، على أن يعيشوا في كنف دولة الإسلام، مصونة حرماتهم، مكفولة حرياتهم، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، فلماذا فرق الإسلام في الزكاة بين المسلمين وغيرهم من الأقليات، التي تستظل بظل دولتهم؟ هذا مع أن الزكاة: تكليف اجتماعي، وضريبة مالية، تُنفق حصيلتها في مساعدة الضعفاء، والمحتاجين، من رعايا الدولة؟
وللجواب عن هذا السؤال، أو التساؤل: ينبغي لنا أن نبيِّن، أن هنا اعتبارين يبدوان لمن يتأمل حقيقة فريضة الزكاة.
الاعتبار الأول:
أنها تكليف اجتماعي، وحق معلوم، للسائل والمحروم، وضريبة مالية، أوجب الله تعالى أن تؤخذ من أغنياء الأمة، لتُرَد على فقرائها، قيامًا بحق الأخوة، وحق المجتمع، وحق الله عَزَّ وجَلَّ.
الاعتبار الثاني:
أنها عبادة من عبادات الإسلام، ودُعامة من الدعائم الخمس، التي قام عليها بناؤه، شأنها شأن الشهادتين، وإقامة الصلاة، وصوم رمضان وحج البيت الحرام.
وقد بينا من قبل، كيف قرنها القرآن بالصلاة، في عشرات المواضع، وجعلها - مع التوبة من الشرك وإقامة الصلاة - مظهر الدخول في الإسلام، واستحقاق إخوة المسلمين، كما أن بعضًا من أسهم الزكاة، يُصرف في نُصرة الإسلام، وإعلاء كلمته، والمصالح العامة لدعوته، ودولته. وذلك هو سهم: "في سبيل الله" ومنها: ما يُصرف في تأليف القلوب، أو تثبيتها عليه. وذلك هو سهم "المؤلفة قلوبهم".
فإذا جاء في بعض الأحاديث: أنها تؤخذ من الأغنياء لترد على الفقراء فذلك على سبيل الاكتفاء بالمقصود الأول للزكاة، وهو إغناء الفقراء، ولكن القرآن فصَّل لنا مصارف ثمانية، منها ما ذكرناه: "المؤلَّفة قلوبهم" و" في سبيل الله".
ولهذا الاعتبار، أبت سماحة الإسلام وحساسيته - في معاملة غير المسلمين واحترام عقائدهم - أن يفرض عليهم ضريبة لها صبغة دينية واضحة، حتى إنها لتعد شعيرة من شعائره الكبرى، وعبادة من عباداته الأربع، وركنًا من أركانه الخمسة.

__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس