تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق 1-2
{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }
قوله تعالى: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } الآية
الصيب: المطر، وقد ضرب الله في هذه الآية مثلاً لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم بالمطر. لأن بالعلم والهدى حياة الأرواح، كما أن بالمطر حياة الأجسام.
وأشار إلى وجه ضرب هذا المثل بقوله جل وعلا:
وقد أوضح صلى الله عليه وسلم هذا المثل المشار إليه في الآيتين في حديث أبي موسى المتفق عليه، حيث قال صلى الله عليه وسلم: " إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب أرضاً. فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأَ والعشب الكثير، وكانت منها أَجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها، وسقوا وزرعوا، وأَصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً. فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني به، فعلم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أَرسلت به ".
قوله تعالى: { فِيهِ ظُلُمَاتٌ }.
ضرب الله تعالى في هذه الآية المثل لما يعتري الكفار والمنافقين من الشبه والشكوك في القرآن، بظلمات المطر المضروب مثلاً للقرآن، وبين بعض المواضع التي هي كالظلمة عليهم. لأنها تزيدهم عمى في آيات أخر لقوله:
وصرح تعالى بأن نسخ القبلة كبير على غير من هداه الله وقوى يقينه، بقوله:
-1-
{ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } [المدثر74: 30].
قال بعض رجال قريش: هذا عدد قليل فنحن قادرون على قتلهم، واحتلال الجنة بالقوة. لقلة القائمين على النار التي يزعم محمد صلى الله عليه وسلم أنا سندخلها.
والله تعالى إنما يفعل ذلك اختباراً وابتلاء، وله الحكمة البالغة في ذلك كله سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.
قوله تعالى: { وَرَعْدٌ }.
ضرب الله المثل بالرعد لما في القرآن من الزواجر التي تقرع الآذان وتزعج القلوب. وذكر بعضاً منها في آيات أخر كقوله:
وقد ثبت في صحيح البخاري في تفسير سورة الطور من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور. فلما بلغ هذه الآية
قوله تعالى: { وَبَرْقٌ }.
ضرب تعالى المثل بالبرق لما في القرآن من نور الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة. وقد صرح بأن القرآن نور يكشف الله به ظلمات الجهل والشك والشرك. كما تكشف بالنور الحسي ظلمات الدجى كقوله:
قوله تعالى: { وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكافِرِينَ }.
قال بعض العلماء: محيط بالكافرين: أي مهلكهم، ويشهد لهذا القول قوله تعالى:
-2-