عرض مشاركة واحدة
 
  #62  
قديم 12-09-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق 11-12 من 26

تفسير جواهر التفسير/ الخليلي (مـ 1942م- ) مصنف و مدقق 11-2- من 26

{ وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ } [سورة التكوير81: 24]

فإنه كتب بالضاد وقٌرىء بها وبالظاء، وأطال السيد محمد رشيد رضا في الرّد عليه وتفنيد كلامه ومما قاله " إن الإِشكال الذي نظر إليه المفسر بعيني التقليد العمياوين فرآه كالجبل العظيم هو في نفسه صغير حقير، ضئيل قميء، خفي كالذرة من الهباء، أو كالجزء لا يتجزأ من حيث كونه لا يُرى ولا يثبت إلا بطريقة الفرض أو كالعدم المحض، ثم أخذ يجيب عن الإِشكال الذي فرضه الألوسي وملخص جوابه أنه لم ينفِ أحد من القرّاء كون البسملة من الفاتحة نفيا صريحا تعضده رواية متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كل ما يتعلق به النافون شبهة عدم رواية بعض القرّاء لها وشبهة تعارض الروايات الآحادية السالفة الذكر، وثبوتها قطعي بالروايات المتواترة تواتر سائر آيات الفاتحة، وعدم نقل الإِثبات للشيء ليس نفيا له رواية ولا دراية، وقد فرق العلماء بين عدم إثبات الشيء وبين إثبات عدمه كما هو معلوم بالضرورة، ولو فُرض أنه رُوى التصريح بالنفي لكان الواجب الجزم ببطلان هذه الرّواية، ومنشؤه التباس نفي الإِثبات بإثبات النفي لاستحالة كون المتناقضين قطعيين معاً، ورواية الإِثبات لا يمكن فيها الطعن، كيف وقد عززت بخط المصحف الذي هو بتواتره خطا وتلقينا أقوى من الروايات القولية، وأعصى على التأويل والاحتمال، ثم ردّ السيد محمد رشيد رضا على القائلين بأنها آية مستقلة بين كل سورتين للفصل بينهما ما عدا الفصل بين سورتي الأنفال وبراءة، وملخص رده أنه مجرد رأي أريد به الجمع بين الروايات الآحادية الظنية المتعارضة، والجمع بغيره مما لا إشكال فيه ممكن، فلو كان المراد بها الفصل بين السور لم توضع في أول الفاتحة وهي أول القرآن ترتيبا، ولم تحذف من أول براءة لوجود العلة المقتضية للإِثبات، ثم تعقب الجواب الذي نقله الألوسي وقال: لا يستغرب صدوره ولا إقراره ممن يثبت الجمع بين النقيضين المنطقيين، ويفتخر بأنه يمكنه توجيه ما يعتقد بطلانه على أنه جواب عن إشكال غير وارد، وبعبارة أخرى ليس جوابا عن إشكال إذ لا إشكال، ثم قال عن الخلاف بين القرّاء في مثل السراط والصراط ومسيطر ومصيطر وضنين وظنين إنه ليس خلافا بين النفي والإثبات كمسألة البسملة بل هي قراءات ثابتة بالتواتر فأما ضنين وظنين فهما قراءتان متواترتان - كمالك وملك في الفاتحة - كتبت قراءة الضاد في مصحف أُبَى وهو الذي وُزع في الأمصار وقرأ بها الجمهور، وقراءة الظاء في مصحف عبد الله بن مسعود وقرأ بها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي، ولكل منهما معنى، وليستا من قبيل تسهيل القراءة لقرب المخرج ثم قال عن السراط والصراط ومسيطر ومصيطر لا فرق بينهما إلا تفخيم السين وترقيقه وبكل منهما نطق بعض العرب، وثبت به النص فهو من قبيل ما صح من تحقيق الهمزة وتسهيلها، ومن الإِمالة وعدمها فلا تنافي بين هذه القراءات فيعد إثبات إحداهما نفيا لمقابلتها كما هو بديهي على أن خط المصحف أقوى الحجج، فلو فرضنا تعارض هذه القراءات لكان هو المرجح ولكن لا تعارض ولله الحمد.
-11-
هذا ما قاله السيد رشيد رضا في هذه المسألة وهو ناتج عن عمق فهمه وتوقد ذكائه ولعل الذين يقولون أن البسملة أنزلت للفصل بين السور يستدلون بما أخرجه أبو داود والحاكم وصححه على شرط الشيخين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة - وفي رواية انتهاء السورة - حتى ينزل عليه { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ }.

ولكن ليس في الحديث ما يدل على أنها تنزل استقلالا للفصل وإنما غاية ما فيه أن كل سورة تنزل كانت تصدر بالبسملة فيستدل بذلك النبي صلى الله عليه وسلم على انتهاء السورة التي قبلها واستقباله سورة جديدة تنزل بعدها، ولو كانت لمجرد الفصل لما أثبتت في أول الفاتحة - كما ذكرناه عن صاحب المنارْ - لعدم تقدمها بسورة قبلها.

هذا ويرى جماعة من العلماء الجمع بين روايات الجهر والإِخفاء بما رواه الطبراني في الكبير والأوسط عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وكان المشركون يهزأون بمكاء وتصدية ويقولون محمد يذكر إله اليمامة - وكان مسيلمة الكذاب يسمى " رحمن " - فأنزل الله تعالى: { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } فتسمع المشركين فيهزءوا بك { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } عن أصحابك فلا تسمعهم.. وقد قال في مجمع الزوائد إن رجاله موثقون، وقال الحكيم الترمذي: فبقي ذلك إلى يومنا هذا على ذكر الرسم وإن زالت العلة، واعتمده القرطبي والنيسابوري في الجمع بين الروايات، ويرى السيد محمد رشيد رضا أن ترك الجهر كان في أول الإسلام بمكة وأوائل الهجرة، والجهر فيما بعده، وفي نفسي من هذه الرواية ما يجعلني غير واثق من صحتها وذلك لأمرين:

أولهما أن مسيلمة الكذاب لم يشتهر قبل الهجرة ولا فى أوائلها، وإنما اشتهر بالتنبؤ بعد ذلك، وعندئذ لقب برحمن اليمامة فيبعد أن يستخف المشركون بمكة المكرمة بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم عندما يسمعونه يذكر الرحمن، معلقين عليه بأنه يقصد مسيلمة.

ثانيهما: لو كان صنيع المشركين هذا داعيا إلى إخفاء البسملة لئلا يسمعوا اسم " الرحمن " فيهزأوا به لكان ذلك يستدعى إخفاء هذا الاسم في كل آية من الكتاب بما في ذلك قول الحق تعالى في الفاتحة { الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } ولم يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتجنب إعلان اسم الرحمن خشية استخفاف المشركين على أن هذا الاسم الكريم كثيرا ما كان يرد في القرآن المكي كقوله تعالى في سورة الإسراء:
-12-

{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } (الإسراء17: 110) وقوله في " طه "
{ ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } (طه20: 5) وقوله في الفرقان
{ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيرا *وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } [الفرقان25: 59 - 60] وقوله في سورة الرحمن
{ ٱلرَّحْمَـٰنُ *عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } [الرحمن55: 1- 2].


وإذا اتضح لك أن الراجح كون البسملة آية من الفاتحة ومن سائر السور إلا براءة، ووجوب تلاوتها في الصلاة مع الجهر بها في القراءة الجهرية فاعلم أنه لم يقل أحد من أصحابنا ولا من غيرهم بتكفير أو تفسيق المخالف في هذه المسألة، والذين يقولون بخلاف قولنا يتفقون معنا على عدم تكفير أو تفسيق من يخالفهم اللّهم إلا ما يذكر عن أبي بكر الرازي من أن أقل ما في المسألة تفسيق المخالف وقد رد عليه العلامة أبو مسلم رحمه الله في (نثاره) بما يكفي حجة للمستبصر.

من فوائد افتتاح الأعمال باسم الله

والافتتاح ببسم الله الرحمن الرحيم فيه تعليم للناس بأن يفتتحوا أعمالهم ببسم الله، وهذا يعني أن تكون أفعالهم في حدود شرع الله لا تتجاوزه فتبقى دائرة في حدود الواجب والمندوب والمباح، كما أن في ذلك تعليما للناس بأن أعمالهم كلها لازنة لها في كفة الدين ما لم يقصد بها وجه الله سبحانه، والعبد عندما يفتتح أي عمل باسم الله يشعر أن عمله محكوم بشرع الله فليس له أن يتصرف كما يملى عليه هواه، وقد شهر عند الناس الافتتاح بأسماء الأشخاص والمؤسسات لقصد التنويه بها والإِشادة بذكرها والإِشعار بأن العَمل المفتتح ذو صلة بالمؤسسات أو الأشخاص المذكورة أسماؤهم، والمسلم عندما يفتتح باسم الله يعلن شرعيه عمله وهذا يتضح في مشروعية ذكر اسم الله عند الذبح، لأن ذبح الحيوان إيلام له وهو قبيح في العقل، لولا أن الله سبحانه خالق الحيوان ومالكه أباح في شرعه ذبح بعض الحيوانات والانتفاع بلحومها، فالذابح عندما يذكر اسم الله يعلن أن ذبحه تعديا من قبل نفسه وإنما هو بمقتضى الإِباحة الشرعية ممن خلقه وخلق ذلك الحيوان.

مباحث العلماء في البسملة

وفي قول الحق سبحانه { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } مباحث كثيرة عني بها المفسرون في تفاسيرهم بحسب اختلافهم في العلوم التي يعنون بها، فالنحويون تهمهم المباحث الإِعرابية، والبلاغيون يعتنون بالمباحث البيانية، والفقهاء يعتنون بمسائل الفقه، وأول ما بدىء به " الباء " وهي تأتي لمعان ليست كلها سائغة هنا وإنما يسوغ منها معنيان وهما الاستعانة والمصاحبة.. أما الاستعانة فقد رجحها طائفة من المفسرين والنحويين منهم الزمخشري وعولوا على مجموعة من الحجج منها حديث
-13-

" باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء " ، وتكلف الألوسي رد جميع حجج هؤلاء حجة حجة والانتصار لقول الفريق الأول ولست أجد كبير فائدة في هذا الاختلاف حتى أبحث ما هو الراجح من الرأيين؟ وإنما أتعجب من القرطبي في زعمه أن الباء للقسم، وأن المقسم عليه أن كل ما جاءت به السورة التي تلى البسملة هو حق من عند الله، وأعجب منه نسبة القرطبي هذا القول إلى العلماء مع أنه نفسه حكى الاختلاف في متعلق الباء هل هو خاص أو عام وهو مما ينافي كونها للقسم على أنه يتبادر للإِنسان حالما يتلو بسم الله الرحمن الرحيم أن المراد بها غير القسم، وحاصل الاختلاف في متعلق الباء أن بعض العلماء يراه خاصا توحى به قرائن الأحوال فالقارىء عنما يتلو { بسم الله } يقصد أقرأ بسم الله، والذابح يقصد كذلك أذبح باسم الله، والداخل يقصد أدخل باسمه، والخارج يقصد أخرج باسمه، وهكذا في الكتاب، والمسافر، وكل من يعمل عملا يبتدئه باسم الله تعالى، وبعضهم يراه عامًّا ويقدره " أبتدىء " سواء في القراءة أو الكتابة أو الذبح أو أي شىء آخر، والذين يقدرونه خاصًّا يستدلون له بالتصريح به في قول الله تعالى:

{ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } [العلق96: 1- 2]

وأنت ترى أن كلا الوجهين ينافيان ما ذكره القرطبي أن الباء للقسم، ولو كانت للقسم لقُدر المتعلق إما أُقسم أو أحلف، ولم يذكر شيئا من ذلك القرطبي، ولم ينسبه إلى أحد، ومن العلماء من يرى أن المتعلق فعل أمر تقديره اقرأ وهو خطاب موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى كل قارىء، والظاهر من كلام الإمام ابن جرير أنه يميل إلى هذا الرأى، فقد ذكر بعد إيراده عن ابن عباس رضى الله عنهما أن أول ما نزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم الاستعاذة والبسملة، وهذا يُفهم منه أن مراده اقرأ باسم الله، والاختلاف في جعل المتعلق خاصا أو عاما يرجع إلى الاختلاف في وجهات نظر العلماء المختلفين، فالذين قدروه خاصا راعوا ضرورة استحضار العمل الذي يقترن البدء فيه بالبسملة، ويقول ابن جرير:- " إن ذلك يجري مجرى الأشياء التي تعرف من غير أن تذكر، كقول القائل:- خبزا في جواب ماذا أكلت؟ فإنه يُعْلم بالضرورة أنّ مراده أكلت خبزا، وكقول المهنئين بالزواج: " بالرفاء والبنين " فإن المراد واضح وهو تزوجت أو اقترنت بالرفاء والبنين، وكذلك عندما يقرأ القارىء ويتلو { بسم الله } يعرف بالضرورة أن مراده باسم الله أقرأ، وعندما يصنع الصانع ويتلو { بسم الله } يعلم بالضرورة أن مراده باسم الله أصنع.. وهكذا، والذين قدروه عامٌّا نظروا إلى مجيء البسملة في أول الأقوال والأفعال وجعلوه دليلا على أن المراد التبرك بها في الافتتاح، وللفريقين نقاش طويل وبحوث واسعة لا نجد جدوى في إيرادها هنا.

-14-

ومما كثر الخلاف فيه الاسم والمسمى، هل هما شىء واحد أو شيئان؟ وقبل التعرض لخلافهم يجدر بنا أن نحدد معنى الاسم.

يرى ابن سيده أن الاسم هو اللفظ الموضوع على الجواهر أو العرض، ويقول الراغب: هو ما يعرف به ذات الشيء وأصله، ويرى أبو حيان أن الاسم هو اللفظ الذي يدل بمقتضى الوضع على موجود في العيان إن كان محسوسا وفي الأذهان إن كان معقولا من غير أن يقترن جوهره بزمان، ويرى السيد رشيد رضا أن الاسم هو اللفظ الذى يدل على ذات من الذوات كحجر وخشب وزيد أو معنى من المعاني كالعلم والفرح، وتخصيص ابن سيده للإسم بما وُضع على الجواهر والأعراض يمنع من شمول تعريفه لأسماء الله الحسنى لأن ذات الله تعالى ليست جوهرا ولا عرضا، وكذلك تعريف الراغب له بأنه ما يعرف به ذات الشيء وأصله لا يصح اعتباره منطبقا على أسماء الله، فإن ذات الله - وهي حقيقته الخاصة - لا يعرفها أحد من خلقه كما هي، وإنما غاية ما يمكن التوصل إليه معرفة صفاتها، أما تعريف أبي حيان والسيد رشيد رضا فهما خاليان من الاعتراض، ومن خلال تأملنا لجميع هذه التعريفات يمكننا أن ندرك أن الاسم هو غير المسمى ذلك لأن الاسم لفظ يدل نطقا أو كتابة على المسمى، والمسمى حقيقة سواءا أكانت محسوسة أو معقولة، ومما يؤسف له أن كثيرا من العلماء أضاعوا جهودهم في بحث هذه المسالة ورد بعضهم على بعض بما لا طائل تحته، وقد تعجب الإِمام أبو حيان من هذا الاختلاف وهو جدير بأن يُتعجب منه، ولولا خشية اللّبس لضربت صفحا عن بحث هذه المسألة من أصلها، وإليك من تلخيصها وتحريرها ما يكفيك دليلا لتستبصر في مثل هذه المقامات التي كثيرا ما تنزلق فيها الأفهام.

لا ريب أنك تدرك إذا أدرت لسانك على ذكر اسم شيء لا يحضر ذلك الشيء بعينه فلو ذكرت زيدا أو محمدا أو عامرا أو سعيدا لحصل لك ذكر الإسم دون المسمى وإلا للزم أن تروى غلتك إذا ذكرت اسم ماء بلسانك وأنت ظمآن، وأن تحترق لسانك بمجرد ذكرك لاسم النّار، ومع ظهور ذلك بداهة فإن جماعة من العلماء أصروا على أن الاسم هو عين المسمى ومن هؤلاء ابن الحصار والقرطبي والألوسي ونسبه الرازي إلى الأشعرية والكرامية والحشوية ولم يكتفوا بالوقوف عند هذا الحد، بل أخذوا يشنعون على مخالفيهم، فالقرطبي ينسب قولهم إلى أهل الحق ومفهومه أن قول مخالفيهم هو قول أهل الباطل، بل صرح ابن الحصّار بأن القول الآخر هو قول أهل البدعة، ولم يأُل الألوسي جهدا في الانتصار لقولهم هذا مستندا إلى فلسفات متنوعة ليست من القرآن ولا من السنة في شيء، وفي مقابل هؤلاء نجد الإمام ابن جرير الطبري والفخر الرازي وابن القيم والسيد محمد رشيد رضا يخالفونهم تمام المخالفة ويعدون القول بأن الاسم هو عين المسمى من الأخطاء التي أوقع أصحابها فيها قلة فهمهم لمقاصد النصوص، ولقطب الأئمة رحمه الله كلام في (هيميانه) يفيد تعذر كون الإسم هو المسمى، وحمل كلام أصحابنا بأن أسماء الله هي ذاته على أن مرادهم بذلك مدلول أسمائه، ونحوه مَا أفاده نور الدين السالمي رحمه الله في مشارقه، ومنشأ اللبس الذي سبب الخلاف أن القائلين بأن الإِسم هو عين المسمى رأوا أن الله تعالى أمر بذكره وتسبيحه في آيات من الكتاب وبذكر اسمه وتسبيح اسمه في آيات أخرى فقد قال عز من قائل:
-15-

{ وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } [المزمل73: 8]
{ وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [الإنسان76: 25]
{ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً } [الحج22: 40]
{ فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } [الأنعام6: 118]
{ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } [الأنعام6: 119]
{ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ } [الحج22: 36] وقال سبحانه:
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً *وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً.. } [الأحزاب33: 41- 42]
{ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } [البقرة2: 198]
{ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً } [البقرة2: 200]
{ ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ.. } [آل عمران3: 191]
{ فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلاَةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ } [النساء4: 103] ونحوه قوله في التسبيح:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ } [الأعراف7: 206] وقوله:
{ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } [الأعلى87: 1]
{ فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [الواقعة56: 74] وقال تعالى:
{ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [المؤمنون23: 14]
{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ } [الفرقان25: 1]
{ تَبَارَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِي ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } [الرحمن55: 78]


وقد دعاهم هذا إلى الجمع بين هذه الآيات بأن يجعلوا الاسم عين المسمى، وأن يجعلوا ذكر الله وتسبيحه وذكر اسمه وتسبيح اسمه واحدا لأن اسمه عين ذاته، والصواب - كما يقول صاحب المنار - أن الذكر في اللغة ضد النسيان وهو ذكر القلب ولذلك قرنه الله بالتفكر في سورة آل عمران حيث قال:

{ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ... } (آل عمران3: 191) وقال:
{ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } (الكهف18: 24)

كما يطلق الذكر على النطق باللسان لأنه دليل على ذكر القلب وعنوان له، وذكر اللسان للاسم دون المسمى كما هو الشأن في سائر الأسماء فإذا قال قائل نار، لا تقع النار على لسانه فتحرقه، وإذا قال الظمآن ماء لا يجري الماء على فيه فيروي ظمأه - كما ذكرنا من قبل، فالمراد من ذكر الله بالقلب تذكر جلاله وعظمته وكبريائه ونعمه والمراد من ذكره باللسان ذكر أسمائه الحسنى وإسناد الحمد والشكر والثناء إليها، وهكذا يقال في التسبيح فالقلب واللسان يشتركان في التسبيح وإنما تسبيح القلب اعتقاد كما له وتنزهه عن كل ما لا يليق بعظمته وكبريائه، وتسبيح اللسان إضافة التسبيح إلى أسمائه، ولو لم ينطق بكلمة اسم، ويدل على ذلك ما أخرجه الإِمام الربيع رحمه الله عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهم أنه لما نزل قول الله تعالى

-16-

{ فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [الواقعة56: 74]

قال النبي صلى الله عليه وسلم: " اجعلوها في ركوعكم " ولما نزل قوله:

{ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } (الأعلى 87: 1)

قال: " اجعلوها في سجودكم " ورواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حيان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، وروى أحمد وأصحاب السنن الأربعة وصححه الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول في ركوعه " سبحان ربي العظيم " وفي سجوده " سبحان ربي الأعلى " فظهر من هذا كله أن الاسم غير المسمى وأن ذكر كل منهما مشروع والفرق بينهما ظاهر وكذلك يقال في التسبيح والتبارك فكما يعظم الحق سبحانه يعظم اسمه الكريم فلا يذكر إلا مقرونا بالحمد والشكر والثناء والتقديس، وقد صرحوا أن تعمد إهانة أسماء الله تعالى في اللفظ والكتابة كفر، لأنه لا يمكن أن يصدر ذلك من مؤمن.


وهذا ملخص تحرير صاحب المنار لهذه المسألة وهو منتهى الوضوح وفي غاية التحقيق.

ومما تعلق به القائلون بأن الاسم عين المسمى قول لبيد:

إلى الحق ثم اسم السلام عليكماومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر


فقد قال القرطبي: استدل علماؤنا بقول لبيد هذا على أن الاسم هو المسمى، واستدل أبو عبيدة معمر بن مثنى بالبيت على أن اسم صلة زائدة أقحمت في بسم الله الرحمن الرحيم، وأن الأصل بالله الرحمن الرحيم، وهو كلام مردود، فإن اعتبار شيء من كلمات القرآن مقحما أمر لا يخلو من سوء أدب مع كلام الله تعالى، أما البيت فقد أجاب عنه ابن جرير بجوابين:

أولهما أن مراد لبيد به: عليكما اسم الله أي ألزمناه فقدم المفعول على اسم الفعل فرفعه كما هي القاعدة ألا ينصب اسم الفعل المفعول به إن تقدمه.

ثانيهما أن مراده بقوله: ثم اسم السلام عليكما ثم بركة اسم السلام عليكما، كما يقال في ما يقصد تعويذه اسم الله عليه، والقول باتحاد الاسم والمسمى نسبه غير واحد إلي سيبويه من أئمة اللغة العربية وخطَّأ صاحب صاحب المنار هذه النسبة معولا على ما قاله ابن القيم في (بدائع الفوائد) ما قال نحوي قط ولا عربي أن الاسم عين المسمى، وللفخر الرازي في تفسيره نقاش طويل يدحض به شبه القائلين باتحادهما نرى الاستغناء عنه بما ذكرناه.
-17-

وكلمة اسم على وزن فعل حسب أصلها وأصلها عند البصريين سمُوٌ مأخوذة من السمو لأن الاسم يعلو مسماه بكونه عنوانا له ودليلا عليه، وقيل لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به، وقيل بأن الاسم يسمو بالمسمى فيرفعه عن غيره، وأصله عند الكوفيين وسِمٌ، مأخوذ من السَّمة وهي العلامة، لأن الاسم علامة لمن وضع له، وعلى الرأي الأول هو محذوف اللام على وزن إفعٌ سكنت فاؤه فاجتلبت له همزة الوصل في ابتداء الكلام، وعلى الثاني هو واوى الفاء حذفت فاؤه فاجتلبت له همزة الوصل ووزنه إعلٌ، ويدل للأول تصريفه فإنه يصغر على سُمي لا على وُسيم ويجمع على أسماء لا على أوسام، والتصريف يرد الكلمات إلى أصولها، وإنما كانت نظرة الكوفيين مبنية على أن المراد من وضع الأسماء للمُسميات أن تكون علامة ودليلا عليها، ولم ينظروا إلى تصريف الكلمة بينما البصريون عولوا على التصريف مع نظرهم إلى أن الاسم يظهر بمسماه والظهور في حقيقته سمو وارتفاع.

وفي إضافة اسم إلى لفظ الجلالة خلاف، هل هي للعهد أو للجنس الذي يُحمل على الاستغراق؟ وهو مبني على أن الإِضافة تأتي لما تأتي له أل من المعاني، وعلى الأول فالمقصود اسم معهود من أسماء الله، والأجدر أن يكون اسم الجلالة لشيوعه وذيوعه، وعلى الثاني فالمراد الافتتاح بجميع أسماء الله الحسنى، والأولى أن تكون الإِضافة هنا البيان، ووصف اسم الجلالة هنا بالرحمن الرحيم يؤكد ذلك، وإنما كان الافتتاح باسم الجلالة دون غيره لأن جميع الأسماء تابعة له فلذلك يوصف بها ولا توصف به، وفي افتتاح الكلام باسمه تعالى تفخيم له وتعظيم من شأنه، وهذا مما جرت به العادة عند الناس كما أشرنا من قبل، فهم عندما يريدون أن يفتتحوا مشروعا جديرًا بالعناية يفتتحونه باسم شخص مشهور كسلطان أو أمير أو باسم مؤسسة ذات شأن..

ويعني ذلك أنه لولا صاحب الاسم لم يفتتح المشروع، وبما أن القرآن الكريم جاء لتطهير العقيدة من جميع أدران الشرك ولوثات الزيغ فإنه علمنا كيف نخص اسم الله الرحمن الرحيم في افتتاح الأقوال والأعمال، وهذا لأن العبد عندما يقول { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } يعلن براءته من الحول والطول وعدم قدرته على أى عمل إلا بعون الله كما يعلن أن قيمة العمل تكون يقدر الإِخلاص لله سبحانه، وفي الافتتاح باسمه تعالى إضفاء صفة شرعية على العمل المفتتح، ومن ثم قال العلماء " إن الأعمال غير المشروعة لا تفتتح باسم الله، ولأجل ذلك كرهوا افتتاح دواوين الأشعار بالبسملة لما يكون فيها من المجون والأقوال المجانبة للحق، فالشعراء هم كما وصفهم الله بقوله:

-18-

{ ٱلله } اسم خاص لا يُطلق إلا على رب العالمين، وقالوا في تعريفه: هو علم على ذات واجب المستحق لجميع المحامد لذاته، واختلف في أصله، فالجمهور يرون أن أصله إله، فحذفت الهمزة وعُوض عنها الألف واللام وأُدغمت اللام في اللام ثم فُخمت، ولأجل أن الألف واللام للتعويض اجتمعتا مع حرف النداء ولا تجتمع أداة التعريف في غير هذا الاسم مع يا إلا مقرونة بأي، وأصل إله ألَه بمعنى عبد عند ابن جرير وجماعة من علماء العربية والتفسير وعضده ابن جرير بما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ

{ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } [الأعراف7: 127]

وفسره بمعنى عبادتك، وذكر علماء العربية أن ألَه كعبد وزنا ومعنى، يقال ألَهَ إلهَةً وألوهةّ وأُلوهية كعبد عبادة وعبودية وعبودة، وقيل أصله ألِه على وزن سمع بمعنى تحير لأن العقول تتحير في معرفته سبحانه، ويرد على هذا أن الأصل في الاشتقاق أن يكون لمعنى في المشتق والحيرة إنما هي في العباد، وقبل أصله من ألِهَ بمعنى فزع لأن الخلق يفزعون إلى الله سبحانه

{ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ } [المؤمنون23: 88]

وقيل من ألِهَ بمعنى سكن لأن النفوس تسكن إليه تعالى

{ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [الرعد13: 28]

وقيل هو مأخوذ من وَلِهَ بمعنى تجبر فيكون على هذا أصل إله ولاه وإنما أُبدلت الهمزة واواً كما قيل في وشاح إشاح، وقيل غير ذلك، وهذه الأقوال كلها مبنية على التخمين الذي لا يشفي غليلا، والظاهر أن اسم الجلالة غير مشتق والألف واللام فيه ليستا للتعريف فإن هذا الاسم الكريم هو أعرف المعارف فليس بحاجة إلى أن تجتلب له أدّاه تعريف والقول بعدم اشتقاقه محكي عن الخليل بن أحمد الفراهيدي مع حكاية القول الآخر عنه وذكر بعض المؤلفين أن الخليل رؤي في المنام بعد موته فقيل له ما فعل الله بك فقال رحمني بقولي إن اسم الجلالة غير مشتق، ولابن مالك النحوي الشهير في المقام تحرير " ما أظن أنَّ شبهة تبقى معه لمدعى اشتقاق هذا الاسم الكريم وأن أصله إله، وحاصل ما يقوله أنه يكفي في رد دعوى القائلين بالاشتقاق أنهم ادعوا ما لا دليل عليه، لأن الله والإِله مختلفان لفظا ومعنى أما لفظا فلأن الله عينه حرف علة والإِله صحيح العين واللام وإنما فاؤه همزة فهما من مادتين، وردهما إلى أصل واحد تحكم من سوء التصريف، وأما معنى فلأن الله لم يطلق في جاهلية ولا إسلام على غير الحق تبارك وتعالى وأما الإِله فأصل وضعه لمطلق المعبود ولكنه خص بالمعبود بحق، ومن قال أصله الإِله لا يخلو من أمرين، إما أن يقول أن حذف الهمزة كان ابتداء ثم اُدغمت اللام، أو يقول إن حركتها أُزيلت وأُلقيت إلى اللام قبلها ثم حذفت على القياس، والأمران باطلان أما الأول فبطلانه لأجل دعوى حذف الفاء بلا سبب ولا مشابهة ذي سبب من اسم ثلاثي ولا يصح أن يقاس هذا الحذف على الحذف في يد وما شابهه لأن الحذف في باب يد في الأواخر، ويترخص فيها ما لا يترخص في فاء الكلمة ثم لا يقاس على الحذف في باب عدة لأن الحذف فيه محمول على الحذف في المضارع من بابه وهو يعد، ولا على رِقة بمعنى ورق لمشابهته عدة وزنا وإعلالاً، ولولا أنه بمعناه لأُلحق بباب لثه وهو الثنائي المحذوف اللام، وأما (ناس) فأصله أُناس، فالناس من نَوسْ والأناس من الأنس، ولو سُلِّمَ أن أصلهما واحد فالحمل عليه زيادة في الشذوذ وكثرة مخالفة الأصل بلا داعٍ.

-19-

وأما الثاني فبطلانه لاستلزامه مخالفة الأصل من وجوه، أحدها نقل حركة بين كلمتين على سبيل اللزوم ولا نظير له، (الثاني) نقل حركة همزة إلى مثل ما بعدها وهو يوجب اجتماع مثلين متحركين وهو أثقل من تحقيق الهمزة بعد ساكن، (الثالث) الرجوع إلى تسكين المنقول إليه الحركة وهو يبطل النقل لأنه يعود عملاً كلا عمل، وهو مستقبح في كلمة فكيف بالكلمتين، (الرابع) إدغام المنقول إليه في ما بعد الهمزة وهو مجانب للقياس لأن الهمزة المنقولة الحركة في تقدير الثبوت، فإدغام ما قبلها في ما بعدها كإدغام أحد المنفصلين، وقد اعتبر أبو عمرو في الإِدغام الكبير الفصل بواجب الحذف كالياء في نحو (يَبْتَغِ غَيْرَ) فلم يدغم.

فاعتبار غير واجب الحذف أولى والذين يزعمون أن أصله إله يقولون: إن الألف واللام عوض من الهمزة، ويرده أن المعوض والمعوض عنه لا يحذفان معا وقد حذفت الألف في قول الشاعر:

لاه ابن عمك لا أفضلت في حسبعنى ولا أنت ديّاني فتخزوني


وقالوا: (لهي أبوك) فحذفوا لام الجر والألف واللام وقدموا الهاء وسكنوها فصارت الألف ياء، وهذا يدل أن الألف كانت منقلبة لتحركها وانفتاح ما قبلها فلما وليت ساكنا عادت إلى أصلها وفتحتها فتحة بناء وسبب البناء تضمن معنى التعريف عند أبي علي، ومعنى حرف التعجب إذ لم يقع في غيره وإن لم يوضع له حرف عند ابن مالك، هذا ملخص كلامه وهو منتهى الجودة ولكن لعل خصومه يجدون في قول الله تعالى:

{ لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } [الكهف18: 38]

حجة يستندون إليها في الرد عليه في إنكاره إدغام ما قبل الهمزة فيما بعدها، اعتبارا للمحذوف في حكم الثابت سواء كان واجب الحذف أو جائزه فإن كثيرا من أئمة التفسير والعربية نصوا على أن الأصل { لَكِنَّ انا هو الله ربي } فحذفت ألف أنا وأدغمت نون لكن في نونها، وممن نص على ذلك ابن جرير والزمخشري غير أن لابن مالك أن يقول كما يقول أبو حيان في (البحر المحيط) بأن ذلك غير متعين لإِمكان أن تكون (لَكنَّ) مشددة هنا وحذف اسمها وهو ضمير وهو ضمير المتكلم أي (لكنني أنا هو الله ربي) كما حذف اسمها ضميرا في قول الشاعر: -

-20-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس