عرض مشاركة واحدة
 
  #59  
قديم 12-09-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق 41-45 من 45

تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق 41-45 من 45




الكسبية تزكية النفس وتحليتها المذكورتان. وتزيين البدن بالهيئات المطبوعة والحلى المستحسنة والمال والجاه، ويجوز أن يراد فى الآية جميع النعم المذكورة لاستثناء المغضوب عليهم والضالين بعد، كما يأتى.

{ غَيْرَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولاَ الضَالِينَ }: أخرج أحمد والترمذى وحسنه وابن حيان فى صحيحه عن عدى بن حاتم عنه - صلى الله عليه وسلم - أن المغضوب عليهم هم اليهود، وأن الضالين هم النصارى، وأخرج ابن مردويه عن أبى ذر: " سألت النبى - صلى الله عليه وسلم - عن المغضوب عليهم قال: " اليهود " ، وعن الضالين قال: " النصارى " وكذلك فسر ابن مسعود وابن عباس ومجاهد والسدى وابن زيد والحسن، وذلك واضح من كتاب الله، لأن ذكر غضب الله على اليهود متكرر فى كتاب الله كقوله عز وعلا:

{ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ } (آل عمران3: 112) وقوله:
{ قُلْ هَل أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ } (المائدة5: 60) الآية،

وأما النصارى فمذكورون فى الضلال كقوله تعالى:

{ َلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَد ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ } (المائدة5: 77)

وكان محققوهم على هدى حتى ورد شرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنكروه وضلوا وأضلوا، وأما غير محققيهم فضلالتهم متقررة منذ تفرقت أقوالهم فى عيسى عليه السلام، والمشركون كلهم مغضوب عليهم وكلهم ضالون، لكن اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل، ويزعمون أنهم يدينون بهما وقد حرفوهما وهم على غير هدى، قيل ذكر كلا بما يغلب عليه، وقيل المعنى غير المغضوب عليهم بالبدعة ولا الضالين عن السنة وذلك أعم، فالنبى صلى الله عليه وسلم ينوى التحرز عن البدعة عما أمر الله وعن سنن الأنبياء من قبله التى لم تنسخ، والصحابة ينوون ذلك، والتحرز عن الخروج عما فى القرآن وعما سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وحى وغيره، وغير الصحابة ينوون ذلك كله، والتحرز عن الخروج عما عليه الصحابة، ويجوز أن يقال المغضوب عليهم العصاة والضالون الجاهلون، لأن المنعم عليه من وفق للجمع بين معرفة الحق تعالى لذاته والخير للعمل به، فكان المقابل له من اختلت معرفته أو عمله، والمخل بالمعرفة جاهل ضال وهو مشرك أيضا. قال الله تعالى:

{ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ } (يونس10: 32)

والمخل بالعمل فاسق مغضوب عليه منافق أيضاً. قال تعالى فى القاتل عمداً:

{ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ } (النساء4: 93)

وغير هو بدل من الذين بدل مطابق نظراً إلى معنى أن المغضوب عليهم هم الذين سلموا من الغضب والضلال، وذكر ابن هشام أن البدل بالمشتق ضعيف، ولكن لفظة غير ليست مشتقة، وتأويلها بالمشتق مثل المخالف ومغاير لا يمنع إبدالها ولا يضعفه، فإن الإسمية غالبة عليه وتأويلها فرع ويجوز أن تكون نعتاً للذين مبيناً إن أريد بالذين المؤمنون فقط، ومقيداً إن أريد به كل من أنعم الله عليه بنعمته، ودنيوية أو أخروية، أو بمطلق الإيمان، وعلى كل من الإبدال والنعت بوجهيه يكون المعنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة، وهى نعمة الإيمان، وبين السلامة من غضب الله والضلال، وإن قلت الذين معرفة وغير لا يتعرف بإضافة، فكيف تنعت المعرفة بالنكرة؟ قلت: التحقيق أنها تتعرف بالإضافة إذا وقعت بين المتضادين، كما هنا، وذلك إن كان الضد له ضد واحد كما هنا، فإنه ليس فى المكلفين إلا المغضوب عليهم والمنعم عليهم، وكما فى قولك الحركة غير السكون، وأما الضدان اللذان لهما أجزاء وأكثر، فلا تتعرف بالوقوع بينهما، نحو البياض غير السواد، فإن هناك صفرة وحمرة وغير ذلك، والتعريف فى ذلك والتعريف فى الآية للجنس، فإن المنعم عليه ليس شخصاً واحداً وكذا المغضوب عليه كما نصت عليه الآية بصيغ الجمع، وأيضاً إذا تقرر أن المراد بالذين الجنس جاز نعته بغير، ولو قلنا إن غير أهو نكرة لجواز نعت المعرفة بأل الجنسية والموصول الجنسى بالنكرة نحو قوله: * فى أنيابها السم ناقع * فنعت السم بناقع ومقتضى الظاهر أن يقوم سم ناقع أو السم ناقع، وبسطت الكلام على هذه النحو، وقد أجازوا فى الجملة بعد ذلك أن يكون نعتاً حالا.


-41-

وعن ابن كثير فى رواية شاذة عنه { غَيْرَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } بنصب غير وهى قيل قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر، فيكون حالا من هاء أنعمت عليهم وعامله هو فعل أنعمت، لأن العامل فى الهاء النصب، ولو توصل إليها بالجار أو مفعولا لمحذوف، أى أعنى غير المغضوب عليهم، قيل أو منصوباً على الاستثناء إن فسرنا النعم بما يعم المؤمنين والكافرين، فيكون الاستثناء متصلا، وإن فسرناه بما يخص المؤمنين فمنقطع، ويبحث فى جعل النصب على الاستثناء قسما على حدة بأن غيراً إذا نصب على الاستثناء فقد اختلفوا فيه، فقيل نصبه على الحال، وقيل على التشبيه بظرف المكان، ويجاب بأن ذلك بناء على قول ضعيف، وهو أنه منصوب على الاستثناء انتصاب الاسم بعد إلا، فيكون ناصبه ما قبلها من فعل أو شبهه على الاستثناء، وعليهم نائب عن فاعل المغضوب، وقرأ حمزة عليهم وإليهم ولديهم بضم الهاء فى موضعى الفاتحة، وجميع القرآن، والباقون بكسرها، وابن كثير وقالون بخلاف عنه يضمان ميم الجمع ويصلانها بواو مع الهمزة وغيرها، وورش يضمها ويصلها مع الهمزة فقط، والباقون يسكنونها وحمزة والكسائى يضمان الهاء والميم، اذا كان قبل الهاء كسرة أو ياء ساكنة، أو أتى بعد الميم ألف وصل نحو: يهديهم الله، وإذا وقفا كسرا الهاء وسكنا الميم، وحمزة على أصله فى الكلم الثلاث المتقدمة يضم الهاء منهن على كل حال، وأبو عمرو يكسر الهاء والميم فى ذلك كله وصلا أيضاً، والباقون يكسرون الهاء ويضمون الميم فيه، أو اتفقوا على إسكانها فى الوقف، لكن بعضهم يخلصه، وبعض يشير إلى الضمة والنصب هيجان النفس إرادة الانتقام، وعبارة بعضهم تغير يحصل عند غليان دم القلب لإرادة الانتقام، وقيل هيجان دم القلب لإرادة الانتقام، وذلك كله فى حق المخلوق، وإذا كان مسنداً إلى الله تعالى كما هو المراد فى الآية، فالمقصود لازم ذلك ومسببه وهما الانتقام، وإن شئت فقل العقاب، هذا ما ظهر لى ولا صلة للتأكيد، لأن النفى قد أفادته غير، فمجيئها بعد غير كمجيئها بعد حرف نفى آخر، مثل ما قام عمرو ولا هند، فكأنه قيل لا المغضوب عليهم ولا الضالين.

-42-

ولكون غير بمعنى لا، جاز تقديم مفعول اسم الفاعل الذى أضيفت إليه غير على غير تشبيهاً بلا، وامتنع ذلك فيما أضيف إليه مثل، قال السعد: يجوز تقديم ما فى حيز ما بعد غير ولا ولم ولن دون ما وإن، لأن ما وإن يدخلان على الاسم والفعل فأشبهتا الاستفهام ولم ولن يختصان بالفعل، ويكونان كالجزء منه، فكأنه لم يكن هناك إلا الفعل فجاز تقديم معموله، ولا حرف متصرف فيه بإعمال ما قبله فيما بعده نحو: أريد أن لا تقصد، وجاء عمرو بلا زاد، فجاز عمل ما بعدها فيما قبلها، انتهى بزيادة منى وإيضاح.

وقرأ بعضهم { غير الضَّالِينَ } بجر غير والضلال العدول عن الطريق السوى عمداً أو خطأ، والجهل فى الدين عمد، فمن خرج عنه جهلا وتقصيرا فقد ضل، فقرأ بضعهم ولا الضالين بهمزة مفتوحة بعد الضاد على لغة من جد فى الهرب من التقاء الساكنين، ولو كان الأول حرف مد والثانى مدغم فيقول دابة ودواب ومضار ونحو ذلك، بهمزة فى موضع الألف، وهى قراءة أيوب السجستانى.

وليس آمين من الفاتحة بعد قوله { وَلاَ الضَّآلِّينَ } بالإجماع، ثم إن أهل الصواب منعوا التكلم به فى الصلاة وغيرها بعد الفاتحة، لأنه يوهم اعتقاد أنه منها، ولأنه من كلام الآدميين، وكلامهم فى الصلاة يفسدها، ولا يخفى أنه يجوز التكلم به بعد الفاتحة فى غير الصلاة من غير اعتقاد أنه مها، حيث لا يتوهم السامع أنه منها ولا يسئ الظن بالمتكلم، وقد قيل يسئ ختم الفاتحة به، وإن قلت فقد روى البيهقى وغيره أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " علمنى جبريل آمين عند فراغى من قراءة الفاتحة " وروى أبو داود فى سننه أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كالختم على الكتاب، أى يمنع الدعاء من فساد الخيبة، كما يمنع الطابع على الكتاب فساد ظهور ما فيه، كما قال على آمين خاتم رب العالمين ختم به دعاء عنده، وروى الدارقطنى وابن حبان وصححاه عن وائل بن حجر أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ ولا الضالين قال آمين ورفع بها صوته، قلت ذلك فى غير الصلاة لحديث:

-43-

" إن الله حرم الكلام فى الصلاة " ، وحديث: " صلاتنا هذه لا يصلح فيها شىء من كلام الآدميين " ، وحيث لا يتوهم أنه من القرآن لحديث: " لعن الله من زاد فى القرآن " ، وإذا كانت الزيادة فيه محرمة كان إبهام ما ليس منه أنه منه محرماً، وإن قلت: فقد روى عنه صلى الله عليه وسلم: " إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين، ورفع بها صوته، فإن الملائكة تقول آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه البخارى ومسلم عن أبى هريرة يعنى الصغائر، زاد الجرجانى فى أماليه وما تأخر. قال عبد الرزاق عن عكرمة: صفوف أهل الأرض تلى صفوف أهل السماء، فإذا وافق آمين فى الأرض آمين فى السماء غفر للعبد، وقيل وافقه فى الخشوع والإخلاص، وقيل فى الإجابة، والصحيح الأول عندهم، أعنى فى الوقت، وقيل الموافقة فى أن يدعو لنفسه وللمؤمنين كما تفعل الملائكة، وقيل فى أن يدعو لأخراه فقط لا للدنيا، كما لا تدعو الملائكة للدنيا، وقيل هؤلاء الملائكة، وقيل الحاضرون للصلاة، ويجمع بأنه يقول الحفظة، فالحاضرون فمن فوقهم على مراتب مقاعدهم إلى أن تسمع ملائكة السماء ويقولوه، وخرج مسلم وأبو داود والنسائى عن أبى موسى عنه صلى الله عليه وسلم. " إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يجبكم الله " قلت ذلك قبل تحريم الكلام فى الصلاة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إن لله أن يحدث ما شاء وإن مما أحدث ألا يتكلموا فى الصلاة " ، وأيضاً لا نسلم صحة سند تلك الأحاديث الدالة على ثبوته، وإذا ثبت على التأويل المذكور قالوا صح أنه كان يقوله قبل نسخ الكلام فى الصلاة سراً كما رواه عبد الله بن معقل وأنس، وقد كان أبو حنيفة لا يقوله، وروى أنه كان يخفيه، وعلة إخفائه صلى الله عليه وسلم الحذر من إيهام أنه من الفاتحة، روى الطبرانى فى كبيره عن أبى وائل: أن علياً وابن مسعود لا يجهران به، ولم يصح عنهما ذلك بعد نسخ الكلام فيها، وأخطأ من زعم عدم نسخ آمين فيها، وزعم بعض أن الراجح أنه - صلى الله عليه وسلم - يجهر به لرواية الدارقطنى وابن حيان عن وائل بن حجر السابقة، إذ قال فيها ورفع بها صوته، ولا دليل فيه لجواز أن يكون رفع صوته غير داخل فى الأمر، فإن كثيراً من الأمور المسرور بها يأمرهم بها جهراً برفع صوت.
والله أعلم.

-44-

وإذا ختمت السورة فلك وصل آخرها بالبسملة، والبسملة بأول السورة الأخرى المتصلة بها أو المنفصلة عنها، أو الأولى بنفسها إن أردت العود فيها، ولك أن تقف على آخرها وعلى البسملة، ولك أن تقف على آخرها وتصل البسملة، وليس لك أن تصل آخرها بالبسملة وتقف على البسملة، ويجوز فى مذهب ورش أن تصل السورة بسورة من غير قطع، ويتبين الإعراب، وأن تسكت بين السورتين سكتة خفيفة تمييزاً بين السورتين، لأنه لا يبسمل بين السورتين فى جميع القرآن، وإنما يبسمل إذا ابتدأ بسورة فقط غير براءة، وهو خطأ لا يتابعه عليه إلا جاهل مقلد. والله أعلم.

وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

-45-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم
رد مع اقتباس