عرض مشاركة واحدة
 
  #56  
قديم 12-09-2010
الصورة الرمزية admin
admin admin غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 14,425
افتراضي تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق 11-20 من 45

تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق 11-20 من 45



مع أنه اعترف بأنه إذا صدر منه التحقير لم يعد حمداً، فيلزم اشتراط التعظيم الظاهرى بالمعنى المراد فى المقام. والله أعلم.

وخرج بالثناء الحمد النفسى، وهو اعتقادك أن المحمود متصف بصفات الكمال، وخرج به أيضاً الذكر بغير الجميل، بناء على الصحيح من أن الثناء الذكر باللسان بالجميل لا غير، واستعماله فى غير اللسان وفى غير الجميل مجاز، ولذلك لم أذكر قولك باللسان ولا قولك بالجميل، وأما قولنا على الجميل فلا يغنى عنه لفظ الثناء، لأن الثناء إنما يغنى عن الجميل المحمود به لا الجميل المحمود عليه. وقال الجوهرى: الثناء حقيقة فى الخير والشر، وعليه فلا بد من ذكر قولك بالجميل، إلا أن يقال ذكر قولك على الجميل يغنى عنه، لأن الذكر على الجميل لا يتصور إلا بالجميل فى العادة الجارية فى لغة العرب وغيرهم. وإن قلت فما بال بعضهم يذكر قولك باللسان؟ قلت: يذكره بناء على أن الثناء قد يكون بغير اللسان كالاعتقاد، وقد تكلمت عليه فى حاشية أبى مسألة أو بيانا للواقع والحد، ولو كان يصان عن الحشو والتطويل، وما كان لبيان الواقع ليس حشوا وتطويلا، وإنما الحشو والتطويل ما جئ به للإدخال ولا للإخراج ولا لبيان الواقع، لكن يجب فى المأتى به لبيان الواقع فى الحد أن يكون له نوع تعلق بنفس الحد، كما فى ذكر قولك باللسان ولا سيما أنه قد قيل إن الثناء يكون أيضاً بغير اللسان، فيدفع بذكر اللسان، ثم إن القيود لا يجب أن يقصد بها الإخراج، بل القصد الأصلى بها شرح الحقيقة، إذا كانت تلك القيود من أجزاء الحقيقة، وأما ما كان من عوارضها كما هنا، فإن المقصود بها الانتقال منها إلى الحقيقة وإذا كفى بالبعض فى الانتقال إليها، كان الباقى زائداً وإن لم يكن لبيان الواقع وإيضاحه. ويجوز أيضا أن يكون ذكر باللسان دفعاً لتوهم الجمع بين الحقيقة والمجاز عند مجيزه كالشافعى، فإن إطلاق الثناء على غير اللسان مجاز على القول بأنه حقيقة فى اللسان. ووجه من منع الجمع بينهما أنه يكون جمعاً بين المتنافيين، حيث أريد باللفظ الموضوع له وغير الموضوع له، ويجاب بأنه لا منافاة فى ذلك. وإن قلت: توهم الجمع المذكور غير ممكن، فلا يجوز عنه لأنه إذا أريد المجاز مع الحقيقة فلا بد من قرينة للمجاز. قلت: قد تكون القر ينة خفية أو حالية، لم يطلع عليها المخاطب أو غيره، وأيضا عدم القرينة يوجب عدم الإرادة، لا عدم احتمال الإرادة وصلاحيتها. وخرج بالاختيارى المدح، فإن المدح يعم الثناء الذى على الجميل الاختيارى وغير الاختيارى، فالثناء عل الجميل الاختيارى كما يسمى حمداً يسمى مدحا، والذى على غير الاختيارى لا يسمى حمداً، بل مدحا، فيمتنع أن تقول حمدت اللؤلؤة على حسنها، وحمدت زيدا على رشاقة قده، إذا أردت الحمد على الحسن والرشاقة، لأنهما غير اختياريين.

-11-

ويجوز مدحهما على ذلك. وقال بعض: المدح مرادف للحمد فلا يقال إلا على الاختيارى، وإن قولك مدحت اللؤلؤة على حسنها لم تتكلم به العرب. ومدحت زيدا على رشاقة قده باطل غير صواب. فان صح عن العرب فانما يكون مدحا بسبب أنه يدل على فعل اختيارى، كما يقال حسن الصورة يدل على حسن السيرة، لا من حيث كونه رشيق القد. وهذا القول ظاهر قول علمائنا - رحمهم الله - لو صح مذهب المجبرة لبطل المدح والذم والثواب والعقاب. وعلى هذا فذكر الاختيارى البيان الماهية لا للاحتراز عن المدح، لأنه مراد دخوله. وقيل: إن الاختيارى لا يشترط فى الحمد ولا فى المدح، بدليل قوله تعالى:

{ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً } (الإسراء17: 79)

وفى الحديث المأثور عنه صلى الله عليه وسلم: " وابعثه المقام المحمود " وقول الشاعر:

أرى الصبر محمودا وعنه مذاهب


وقول الآخر:

والصبر يحمد فى المواطن كلها


وقيل: الجود فى ذلك بمعنى الرضا، فإنه يأتى فى اللغة كذلك، وإن قلت: الحمد فى ذلك إنما هو على الوصف المجازى وصفا له بوصف صاحبه، كالكتاب الكريم، والأسلوب الحكيم، قلت: ذلك صرف عن الظاهر، بل لفظ الكريم يطلق لغة على كل حسن فى صنعه، حتى الشجاعة، تقول: زيد كريم فى الحرب والعلم، تريد أنه شجاع. علامة على أن من يقول: يكون الجميل مأخوذا فى الحمد، إنما ينزل بكونه مأخوذا فيه بحسب العقل. ولا فرق فى ذلك بين الحمد والمدح. وإن قلت: قد اعتبر فى الحمد فعل الجنان والجوارح فينا فى ما مر من اعتبار كونه باللسان، وما تقرر من كون مورده اللسان، قلت: ما تقدم من تناول الظاهر والباطن، ومن أنه إذا تجرد الثناء على الجميل عن مطابقة الاعتقاد، أو خالفه أفعال الجوارح لم يكن حمدا بل استهزاء أو تمليحا، لا يستلزم دخول الجوارح والجنان فى التعريف، لأنهما اعتبرا فيه شرطا، وهو خارج عن الماهية لا شطراً وهو داخل فيها وأيضا لنا جواب آخر سلمنا أنه جزء الحمد لاعتباره جزءا من المعرفة، فتعريفه يتوقف عليه وإن لم يكن جزءا من حقيقته، وهذا كما فى تعريف العمى بأنه عدم البصر عما من شأنه البصر، فقد وقع البصر جزءا من مفهوم العمى لاعتباره جزءا من معرفة، إذ العمى ليس العدم مطلقا، ولا بد من البصر فى تعريفه، وإن لم يكن جزءا من حقيقة العمى وذاته، وكما فى تعريف الضحاك بأنه ذات له الضحك. فان الضحك قد وقع جزءا من المفهوم، مع أنه ليس جزءا من حقيقة الضاحك وذاته، وهو الحيوان الناطق.



-12-
وحاصل الجوابين أنه إذا كان شرطاً للحقيقة خارجاً عنها فهو جزء من المفهوم.


قال السيد: المضاف إذا أخذ من حيث إنه مضاف، كانت الإضافة داخلة فيه، والمضاف إليه خارجا عنه، وإذا أخذ من حيث ذاته كانت الإضافة خارجة عنه أيضا. ومفهوم العمى هو العدم المضاف إلى البصر، من حيث هو مضاف، فتكون الإضافة إلى البصر داخلة فى مفهوم العمى، ويكون البصر خارجا عنه. والله أعلم. ثم إن المحمود به يكون اختياريا وغير اختيارى، بخلاف المحمود عليه فإنه يكون اختياريا على ما مر وتقدم الكلام على الحمد على صفات الذات، وتفسير الاختيار فى حقها. وذكر زكريا والشنوانى أن صفات الذات واردة على من اشترط الاختيار فإنها غير اختيارية، أما ما تتوقف الإرادة عليه كالعلم والحياة فظاهر، وأما ما لا تتوقف عليه فلأن المسبوق الإرادة حادث، والحادث لا يقوم بذاته، والصفات السلبية كعدم الشريك، يمتنع أن تكون حاصلة بالإرادة والاختيار، فيلزم ألا يكون الثناء على صفات الذات حمدا مع أنه حمد، وأجيب بأنا لا نسلم ثبوت الحمد عليها، وإنما الثابت الحمد بها. ورد بأن الثعلبى وغيره صرحوا بثبوت الحمد عليها. والأظهر أنه يجوز أن يعظم الله ويثنى عليه ثناء على الذاتيات، ولا جهة لإخراجه من الحمد بحسب ولا نص بحسب النقل فلعله ليس حمدا لغة، فيكون حمده منحصرا فى صفات الأفعال، ولا مانع عقلا من الحمد على الصفة الذاتية. ويرده أن المنع إنما أخذوه من منع حمد اللؤلؤة ونحوها، وليس منصوصا عليه مع أن بين اللؤلؤة وبين ذات الله تعالى فى الصفات، ولو كان ممنوعاً لزم ألا يكون ثناء الله بإزاء الذات الكاملة، مع قطع النظر عن الصفات حمداً وهو بعيد، فإنه كما يجوز أن تعبد الله - جل وعلا - لذاته لا لجهة يتبادر أن يجوز أن نحمده لذاته بل الحمد من جملة العبادة وهو عبادة لسانية، ويدل له قول السعد فى المطول: تعرض - يعنى القزوينى - للإنعام بعد الدلالة على استحقاق الذات، تنبيها على تحقيق الاستحقاقين. وإن قلت: لا معنى لكمال الذات إلا أنه إن له صفات كاملة قلت: لا شك أن صفات الكمال فى حد ذاتها كالعلم شريعة كاملة، بخلاف صفات النقص كالجهل لا لصفة لها. وإلا لزم التسلسل، وصفات الذات اقتضاؤها كمال الذات، وليست شيئاً زائدا على الذات حالا فيها، سبحانه عن ذلك. هذا ما عند الموفقين الإباضية الوهبية، وذكر الفخر: أن ذاته لم تحتج إلى شيء من صفاته الذاتية الموجودة وإنما اقتضاؤها كمال الذات، وتحقيقه أن كمال الصفات الكاملة دون الأخرى وإذا كنت الصفات دليلا على كمال الذات ولولا أن للذات كمالا فى ذاتها، دون الذات المتصفة بصفات النقص، لاتصفت تلك بالصفات الكاملة دون الأخرى.

-13-

وإذا كانت الصفات مقتضى الذات فالأمر أجلى. فلولا أن ذاته منحث هى أكمل من غيره لما اقتضت تلك الصفات. واقتضتها الذوات الناقصة، وليس اقتضاء الكمال عين كمال الذات، وإن كان ذلك من كمالها فهو دليل على كمالها، وذكر بعض الروم - أعنى الترك - أنه اعتبر فى مفهوم الحمد مقابلة الجميل لم يستقم ما اشتهر من أنه تعالى يستحق الحمد لذاته وأجاب ذلك الرومى: بأن معنى استحقاقه لذاته استحقاقه لصفاته الذاتية، فإنها لكونها ليست غير الذات. ويبحث فى ذلك بأن الجميل إن ترك على الظاهر شمل الذات أيضا، لأنها من حيث هى فى غاية الجمال وقد نص اللغويون على أنه يطلق على الذوات، وإن أريد به الفعل الجميل أو قيد بالاختيارى، فعما تخرج منه الذات تخرج الصفات الذاتية، وإذا عمم بالحقيقة والحكم، فكما تدخل فيه الصفات تدخل فيه الذات، وإن أراد بالحكم معنى لا يشمل إلا الصفات فهو حكم لا سند له، وكلام غير مقبول ولا منقول، ويبحث أيضاً بأن معنى الاستحقاق ليس ما ذكره عند المحققين، وإنما يناسب لو لم يكن للكمال الذاتى معنى صحيح غير كمال الصفات. وأما إذا ثبت له معنى صحيح فلا جهة لما ذكره، إذ هو كما يستحق الحمد لكمال الصفات يستحق لكمال الذات. وإن قلت: ينفصل بجعل الثناء على الذات، والصفات الذاتيات غير حمد، قلت: قيل لا سند لذلك ولا دليل إلا القياس على اللؤلؤة، ورشاقة القد، وصباحة الخد، والفرق واضح. وعلى اشتراط الاختيار أجاب بعض أيضا: بأن الاختيارى يتناول الصفات الذاتية تبعا، ويبحث فيه بأن الصفات الذاتية إذا وقع الوصف عليها تبعا، هل الوصف عليها من الإفراد حقيقة أو لا، وهل يشملها لفظ الاختيارى أو لا؟. فإن قال من الإفراد حقيقة ولا يشملها لفظ الاختيارى، فالحمد عليها وارد على التعريف. وإن قال يشملها، فهو ممنوع. وإن قال ليس الوصف عليها من أفراد الحمد، فلا ورود. وقضية ذلك الجواب امتناع الحمد عليها استدلالا، وأجيب كما مر أيضا بأن الصفات الذاتية مختارة له تعالى حكما، لا بمعنى إيجاده لها، لأن المراد بالاختيارى ما يكون حاصلا بالاختيار حقيقة، أو يكون فى حكمه. وعلى هذا فكل منهما حمد حقيقة، لأن مفهومه الحقيقى يشملهما. وليس كما قيل إن الثناء على الاختيارى حكما حمد حكما. ومعنى كونه مختارة له أن ذاته اقتضت وجودها، ولا أول لذلك ولا سابق للذات عليها، ولا حلول ولا زيادة لها فى الذات - تعالى الله - بل بمعنى أن ذاته يستحيل عليه عدم تلك الصفة الموجودة، على ما هى عليه فى الواقع. ومعنى قولى فى كتبى: فى الواقع، أو فى نفس الأمر، واحد، وهو علم الله. وإن شئت ذكرته، وعنيت به اللوح المحفوظ، أو المبادىء أو ما يجده العقل لضرورة أو دليل أو نفس الشىء.

-14-

وعليه اقتصر السيد إذ قال: وأما نفس الأمر فهو نفس الشىء ومعنى كون الشىء موجودا فى نفس الأمر أنه موجود فى حد ذاته ليس وجوده وتحققه وثبوته بفرض فارض أو اعتبار معتبر. وأجيب أيضا بأن الصفات الذاتية مبدأ أفعال اختيارية، بمعنى أنه يترتب عليها أفعال اختيارية، فالشىء إذا حصل منه آثار اختيارية، جعل فى حكم الاختيارى، وذكر بعضهم: أن المراد فى كلامهم بالاختيارى أن يكون منسوباً إلى من يفعل فى الحملة باختياره وإن لم يكن المحمود عليه مما حصل بالاختيارى، ويبحث فيه بأن الأمر الاختيارى بهذا المعنى غير مستعمل، ومع كونه فى كمال البعد عن الفهم لم تقم عليه قرينة تدل عليه، فلا يجوز استعماله فى التعريف.

وقد علم أن المراد للفعل ولو جعل الاختيارى أعم من الحكمى، وأراد بالحكمى ما كان الموصوف مختارا فى الجملة لكان له وجه قريب، وإن كان هو أيضا بعيدا، ويبحث أيضا بأنهم اختلفوا فى أن المحمود به يجب أن يكون اختياريا أولا كما مر، ولو أريد بالاختيارى ما ذكره لم يبق للخلاف معنى أو فائدة معتد بها، فان المحمود عليه إذا كان صفة لمن له اختيار، فالمحمود به أيضا كذلك ضرورة أنهما متعلقان بشىء واحد، فمع اختياره المحمود عليه لا يمكن ان يكون المحمود به غير اختيارى بالمعنى المذكور. ويبحث أيضا بأنه إن أراد حمل كلام القوم الذين قيدوا الجميل بالاختيارى على ذلك فقد مر عن الفخر والسيد التصريح بخلافه.

وإن أراد حمل كلام اللغوين وتخطئة من خالفه، فلا يخفى أن العدول فى النقليات عما ذكره الثقات المحققون بمجرد احتمال عقلى لا يعبأ به، ويبحث أيضا بأن السعد صرح فى حاشية الكشاف بأن منهم من قيد المحمود عليه بالاختيارى، لأنه يقال: مدحته على صباحه خدمة، ولا يقال حمدته، وفى تفسير القاضى تقول حمدت زيدا على كرمه، ولا تقول حمدته على حسنه، ولو كفى ما ذكره لصح المثالان فافهم.

وإذا ثبت أنه صح الحمد على الصفات الذاتية لأنها مبدأ أفعال اختيارية، فالمحمود عليه اختيارى فى المآل، وأجيب أيضا بأنه تعريف بالأخص بناء على صحة التعريف به على ما صوبه السيد، إذ قال: والصواب أن المعتبر فى العرف كونه موصلا إلى تصور الشئ، إما باللكنة أو بوجه ما، سواء كان مع التصور الذى يميزه عن جميع ما عداه أو عن بعض ما عداه. انتهى.

ثم إنه لا يقال: الجمع بين لام الحمد وتعريفه يستلزم تعريف المعرف واللازم باطل، فكذا الملزوم لأنا نقول: اللام تدل على تعيينه فى ذهن المتكلم والتعريف يصور ماهيته فى ذلك السامع فأيها أحدهما من الآخر. ولا يقال: بل اللام للدلالة على تعينها الحاصل فى ذهن السامع، معناه أن اللام لا يجوز إدخالها إلا على لفظ حصل معناه فى ذهن السامع، لأنا نقول على تسليم هذا لا يلزم المحذور لجواز كونه معلوما له من وجه، مجهولا من آخر، فاللام للأول والتعريف للثانى، بل ذلك فى لام العهد وهذه للجنس، ولئن سلمنا أنها للعهد لنمنعن أن إدخالها لا يجوز إلا على الحاصل فى ذهن السامع، لجواز إدخالها على المظنون حصول معناه فى ذهنه، ولا يكون ذلك الظن مطابقاً للواقع، ولئن سلمناه لنقولن لا يجوز أن يكون دخول اللام عليه لتعيين اللفظ فقط، ويكون معناه هذا اللفظ معناه ذلك الشىء، فإن قيل المراد اللام فى الحمد إما للاستغراق فالمعنى كل فرد ولا شئ من كل فرد صادق على فرد، فلا شىء من الحمد صادقا على فرد، وتعريفه صادق على فرد، فتبطل المساواة بينهما، وإما للجنس فهى لتعيين الماهية فى ذهن المتكلم، وقد ضاع لأن كل حال فيه معين او لتعيينها فى ذهن السامع، وقد حصلت فيه، فيضيع أو لم تحصل فيكون معينا فى ذهنه ما لا حصول له وهو محال، لا يقال لم لا يجوز أن يكون هو المحصل والمعين وهو محال؟ لأنا نقول ما لم يحصل فى ذهن السامع لو أدخل فى لفظ أل لم يحصل وهو بين، ولأنه يبطل تعريفه إذا لصدقه على غير المعرف، لأن كل فرد مغاير للجنس من حيث هو، وإما للعهد فهو للإشارة إلى فرد ذهنى أو خارجى، ولا يجوز أن يكون المراد من الحمد الفرد وإن ذهبت إلى أن المعهود نفس الماهية، يرجعك ما ذكرناه آنفاً قهقرا، فالجواب أنها للجنس، ونقول لام الجنس دال على تعيين الماهية الحاصلة فى ذهن المتكلم مطابقة، والثناء على الماهية والثناء إن دل على ذلك دل بالالتزام، ونقول صدق التعريف على غير المعرف، إنما يضر لو لم يصدق على ذلك الغير وهو ممنوع، لأنه تعريف للماهية لا بشرط شئ إلا للماهية بشرط لا شىء، فلا يرد ما ذكرنا من أنه بطل تعريفه لصدقه على غير المعرف، وإن قلت الحمد مبتدأ والثناء خبر فهى قضية مهملة فى قوة الجزية، والمراد الكلية لأن المهملة حمل ثناء باللسان إلى آخره وإلا لم يكن التعريف جامعاً.

-15-

قلت لا نسلم أنها مهملة فان المهملة على ما هو الحق هى التى حكم فيها على أفراد موضوعها بدون أن يتعرض لكميتها، وهى ليست كذلك فان التعريف للحقيقة لا للأفراد سلمناه، لكن لا نسلم أنها لو لم تكن كلية لم يكن التعريف جامعاً لجواز كونها طبيعية مستلزمة للكلية، فان قيل الحمد محكوم عليه، والثناء باللسان محكوم به، فلا شئ من الحمد بثناء باللسان آخره وهذا باطل، فالجواب: أن مغايرة الشىء للشىء باعتبار ما، ووضع ما غير مناف لكونه إياه من حيث الحقيقة، فإن الحيوان الناطق يغاير الإنسان من حيث الإجمال والتفصيل، وليس غيره من حيث الحقيقة.

-16-

وقولك الإنسان حيوان ناطق لا يقتضى مغايرة الثانى للأول من حيث الحقيقة مع تغايرهما من حيث الوضع والحمل. والله أعلم.

والمدح لغة الثناء على الجميل اختياريا أو غير اختيارى على جهة التعظيم، وعرفاً ما يدل على اختصاص الممدوح بنوع من الفضائل، والشكر لغة فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لكونه منعما على الشكر وغيره سواء باللسان أم بالجنان أم بالأركان، وذلك هو الحمد عرفاً، وقيل هما مقابلة النعمة قولا أو عملا أو اعتقادا، والشكر عرفاً صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من سمع وبصر، إلى ما خلق لأجله، وقد أطلت الكلام على ذلك فى حاشية أبى مسألة، وذكرت بحثا فى استدلالهم أو تمثيلهم بقوله:

أفادتكم النعماء منى ثلاثةيدى ولسانى والضمير المحجبا

وعنه صلى الله عليه وسلم: " الحمد رأس الشكر " يعنى الحمد اللفظى، لأن حقيقة الشكر إشاعة النعمة وإظهارها، وفى إشاعتها وإظهارها دعاء إلى المشكور وجلب إليه، فيعرف ويذعن لأحكامه وهو المقصود، فمن لم يثن بلسانه فليس بشاكر شكراً حقيقيا، ولو أتى بالعمل والاعتقاد، وذلك أن الحمد أظهر إشاعة للنعمة وأدل على مكانها، لخفاء الاعتقاد واحتمال إتعاب الجوارج أن يكون شكرا وأن يكون حظا من حظوظ النفس أو غير ذلك.

والحمد مبتدأ والله متعلق بمحذوف خبر لا بالحمد، والأصل نصب الحمد على المفعولية المطلقة واللفظ بعده معمول له، أو للفعل الناصب المحذوف، وقد قرئ بالنصب على ذلك فى غير السبع، بل فى غير العشر، أى أحمد لله الحمد، أو حمدت لله الحمد، حذف العامل وأخر لله واللام فيه للتبيين، وإنما أخر بعد أن أصله التقديم، لأنه لما حذف العامل قام الحمد مقامه، فكأنه العامل فى الله فأخر عنه، بل قال بعض: إنه محمول للحمد واللام للتقوية، وإنما قدرنا الفعل لأن المصدر نسبة تتعلق بمحل، والأصل فى بيان النسب والتعلقات الأفعال، وإنما عدل عن النصب إلى الرفع فى قراءة الجمهور ليدل بالجملة الاسمية على الثبوت، بخلاف الفعلية فإنها للتجدد والحدوث، وأما عموم الحمد أو عهده أو حقيقته فتفيده أل، سواء فى المبتدأ وفى المفعول المطلق، ولا مانع من إدخالها في المفعول المطلق كما رأيت فى قراءة النصب، وقد قيل الأصل حمدت أو أحمد حمداً لله، فحذف الفعل اكتفاء بدلالة المصدر عليه، ثم عدل إلى الرفع لقصد الدلالة على الدوام والثبوت، فصار حمد لله ثم أدخلت أل لقصد الاستغراق.

وظاهر كلام كثير أن الجملة الاسمية مطلقا تفيد الثبوت وليس كذلك عندى، ولو كان محتملا بتكلف كما مر، بل إذا كان الخبر فعليا متصرف الفعل، أو وصفا يدل على المضى، أو الاستقبال أو على الحدوث فى الحال لا تدل على الثبوت، وإذا كان ظرفا احتمل تقدير الفعل والوصف، وأصالة الإفراد فى الخبر لا تقاولها أصالة الفعل فى العمل عندى، فتقدير الوصف أولى، وقد عينه السعد إذا قال فى أواخر باب المسند: إن الاتصاف أن المفهوم من قولنا زيد فى الدار ثابت أو مستقر لا ثبت أو استقر، وأما الوصف الذى لا يدل على الحدوث وهو الصفة المشبهة واسم التفضيل فالجملة التى هو خبرها دالة على الثبوت.

-17-

وقال السيد: اسم الفاعل إنما يدل على الثبوت دون التجدد، وأطلق، وعن السكاكى: أن زيداً فى الدار يحتمل التجدد والثبوت بحسب تقدير حصل أو حاصل، فينضم إلى الثبوت الدوام بحسب معونة المقام، وليس دال على الثبوت فى الجملة الاسمية بمعونة المقام، ثم اعلم أن الذى يدل على التجدد هو المضارع بمعونة المقام لا مطلقا ولا بنفسه استقلالا، وأما الماضى والأمر فيدلان على الحدوث، ومرادى بالثبوت هو الدوام، وأما السعد فأراد به فى كلامه المذكور وغيره، ومعنى دلالة الاسمية على الثبوت عدم دلالتها وعلى الدوام بالعقل، إذ الأصل فى كل ثابت دوامه، ويبحث فى هذه العلة بأنه يلزم دلالة الفعل على الدوام، لأنه ثابت والأصل فى الثابت الدوام، ومرادهم بالثبوت وجود الإيجاب أو السلب، وقرأ الحسن البصرى الحمد لله بكسر الدال توفيقاً بينه وبين اللام بعده، وإن شئت فقل إتباعاً بمعنى توفيقاً وتجنساً لها، وقرأ إبراهيم ابن أبى عبلة: الحمد لله بضم اللام إتباعا للدال، وهى أولى من التى قبلها لأن الإعراب أشرف فهو أحق أن يتبعه غيره، وضمة الدال إعراب فاتبعت لها حركة اللام، ولأن الدال سابقة فحق لها أن تأخذ ما لها، فإن شاء المتكلم اتبع لها بعدها ولام لله للاختصاص، وليس معنى الاختصاص الذى تفيده اللام حصرا، فان اللام ليست أداة حصر، بل معناه التعلق الخاص، هذا ما ظهر لى، ثم رأيته للدوانى والحمد لله، ومرادى هنا بالاختصاص الملك، قال ولو كان قولك المال لزيد والمفتاح للدار إلا على قصر المال والمفتاح لكان قولك ما المال إلا لزيد وما المفتاح إلا للدار مفيداً لحصر المال والمفتاح فى صفة الانحصار لا لحصر المال فى زيد والمفتاح فى الدار، ولكان قولك لله الحمد مفيداً لقصر الحمد على الاختصاص بالله عز وجل لا لقصره على الله، وقد صرح جار الله بأن تقديم الحمد فى له الحمد للحصر وهو مفيد أن الحصر لم يكن فيه بدون التقديم، وإلا لم يكون التقديم مفيداً له، وإن قلت إن قولنا ما المال إلا لزيد وإنما كان لحصر المال فى زيد أيضا، لأن حصر الشىء فى الشىء يقتضى ثبوته له، ولو وجد المال لغير زيد لم يكن للمال صفة الاختصاص فلا يصح قولكم لا لحصر المال فى زيد، قلت لا يصح هذا لأن المراد أنه لو كان معناه الاختصاص الحصرى لكان معناه المطابقى ومفهومه الصريح المبادر منه ذلك الذى ذكرناه لا الآخر، وهو فاسد قطعاً، وذلك فى غاية الصحة والظهور، ولسنا نريد أنه لا يفيد ذلك ولو التزاماً فضلا عن أن يرد علينا ذلك مع أنه كلام على السند، وقد كان ظاهر كلام الدوانى دعوى واستدلالا، فتعرض بعض للجواب بالمنع وأنت تعمل أنه يمكن أن يكون مراده منعاً فى صورة الدعوى مبالغة، فإنه طريقة معروفة بين المحققين، وما ذكره فى صورة الدليل فهو سند المنع فلا يفيد المنع ولا الإيراد على السند، فإن إبطال السند غير المساوى لا يفيد دفع المنع على ما حقق فى محله من الكتب الموضوعة فى أدب المناظرة، ثم إن هذا البعث منعاً كان أو دعوى قد يقال فيه، وإنما يتجه لو كان المراد أن اللام إنما تدل على الاختصاص الحصرى بالوضع وهو غير متعين ولا ظاهر، بل يجوز أن يكون مرادهم أن اللام وإن وضعت للتعلق الخاص لكن الاختصاص والتعلق الذى على وجه الحصر هو الكامل، فحمل عليه اللام فى مقام الثناء والمبالغة، كما صرح بعضهم من أن اللام هنا للاختصاص، بمعنى أنه لا محمود إلا هو تحقيقاً أو مبالغة، وأن أل للجنس أو الاستغراق وتفيد بمعونة لام الاختصاص اختصاص جميع المحامد به تعالى، فإن اختصاص الجنس يستلزم اختصاص الأفراد، أو المراد اتحاد الجنس مع الثابت لله تعالى فتفيد الحصر بلا معونة لام الاختصاص، كأنه قال جنس الحمد هو الثابت لله تعالى، وفيه بعد ومن وادى الوجه الذى قبله حمل الباء على الملابسة على وجه التبرك لمناسبة التبرك للمقام، وقد ذكر السيد أنه دل بلامى الجنس والملكية على الاختصاص، فتراه أخذ الاختصاص من اللام الموضوعة للملك، ولم يجعل اللام موضوعة له، وأما نحو المال لزيد والمفتاح للدار فليبحث فيه بأن اللام فيه محمولة على مجرد معناها الوضعى، غاية الأمر أنه يجوز حملها على الاختصاص الحصرى عند مساعدة المقام، ولما كان التقديم أظهر إفادة للحصر إذ لم يحتج إلى تكلف، حمل الزمخشرى اللام على الأصل، وجعل التقديم للحصر، ولا يقال لو كان المعنى حصر المحامد فلا معنى لقولهم الحمد لله على ما أنعم أو على التصنيف أو نحوه، إذ ليس جميع الأفراد أو الجنس المختص، لأنا نقول هو مختص بالمحمد المفهوم الحاصل من الحصر، كأنه قال حمدى هذا على ذلك، وأما اختصاص المحامد بالله تعالى فقد يقال إنه ادعائى وعلى سبيل المبالغة لصحة الحمد ووقوعه على أفعال الخلق من حيث كسبهم واتصافهم بها، ويكفى فيه انتسابها إليهم بالاختيار والإرادة وإن لم تكن مؤثرة، لكن جعل كالعدم فى جنب محامده تعالى، والذى كنت أقول به إن اختصاص المحامد به تعالى حقيق، لأن كل نعمة أو جميل، ولو جرى لك أو لغيرك على يد مخلوق فالله تعالى هو المجرى إياه إليك، والخالق له لك والميسر له والاختيار الحقيقى لله تعالى لقوله عز وعلا: { ما كان لهم الخيَرَة } وإن اكتفيت بالانتساب فالاختصاص ادعائى.
والله أعلم.

-18-


ثم إن الوصف فى مفهوم الحمد، هو الحمد وهو ذكر ما يدل على اتصاف المحمود بالمحمودية وهو قسمان:

الأول: ذكر يفهم منه جميل مخصوص بخصوصه أو عمومه أو إطلاقه.

الثانى: ذكر يفهم منه الجميل المطلق من غير تعيين، كما إذا قيل أنت متصف بالجميل. وكل منهما إما أن يفهم منه صريحاً أو التزاماً لزوماً قطعيا أو عرفياً أو ظنيا، كما إذا قيل كثير الرماد مراد به كثير الضيف، وهل يعتبر يزوم ظاهر وأعم منه ومن الخفى غاية الخفاء، والضعيف كل ضعف أو أعم منه، ومن الوسط فيه تردد.

وبهذا التعميم السابق صار قولنا: أحمد الله والحمد لله ونحوهما حمداً للدلالة على الاتصاف بالمحمودية المفهوم من ثبوت الحمد، ولما كان ذلك مجملا لم يعلم منه أن الله تعالى متصف بأى صفة من المطلق أو العام أو المخصوص، سموها دلالة إجمالية باعتبار أن المدلول مجمل، فالدلالة أعم من أن تكون إجمالية أو تفصيلية، ولك أن تقول حمد إجمالى فهو بمنزلة أنت متصف بالجميل المطلق لا يفيد الإطلاق فيساوى أحمد الله، وقد عرفت أن قولك الحمد لله وأحمد الله حمداً للدلالة على الاتصاف بالكمال، وقد يبحث بأنا لا نسلم دلالته على الاتصاف فلا يكون وصفاً بالجميل، إذ الوصف لا يدل على الاتصاف، لأنه فعل الواصف، والواصف قد يصف الشئ بما ليس متصفاً به، بخلاف الاتصاف فإنه قبول الوصف والمطاوعة بأن توجد الصفة، فقولك أنت متصف بالكمال لا يصدق إلا بوجود الصفة، فإن قولك الحمد لله أو أحمد الله إن ثبت مضمونه تلزم منه دعوى الاتصاف وذكره لا نفسه، وقولك أنت متصفاً يلزم الاتصاف من ثبوت مضمونه، وقد يجاب بأن الحمد لا بد فيه من قصد التعظيم، فكأنه قيل أعظمك ذا كمال، وهو يدل عرفاً على أن أنت متصف بالكمال، فإن الشخص لا يكذب نفسه، فكأنه قيل أنت متصف فيصدق المخاطب بمعونة الثقة بالمتكلم، فإنه إنما يصدق بمضمون أنت متصف بمعونة الثقة بالمتكلم، فإن اللفظ إنما يفيد تصوير المعنى والتصديق أمر حادث بمعونة القرائن كما صرح به أئمة الحكمة، وقد يجاب أيضاً بأن هذه العبارة تطلق عرفاً بمعنى أنه متصف، وقد يجاب أيضاً بأن قولك نصفك يدل على صدور القول الدال على الاتصاف، وذلك القول يدل على الاتصاف فيكون دالا عليه، بالواسطة فتحصل أن الدلالة ليست وضعية صرفية ولا عقلية قطعية، بل إنما يفهم من ثبوت الحمد ثبوت الجميل بمعونة الوضع ومقدمات عقلية، أو العرف فإنه إذا قيل إنه محمود، فقد فهم الوصف بالجميل الذى كان أو يكون، ويلزم من صحته ثبوت المحمودية للمحمود، وإذا فهم الوصف فهم الاتصاف لأنه دعوى الاتصاف، فثبت أن الحمد لله لفظ دال على الاتصاف فى الجملة، فيكون حمداً، وما قيل من أن الوصف إنما يدل على مطلق القول الشامل للصادق والكاذب، وذلك لا يدل على الاتصاف ليس بشئ، لأن جنس الكلام أعنى الماهية من حيث هى دال على ثبوت مضمونه فى الواقع، فإذا سمعه المخاطب فهم منه الاتصاف، وأما التصديق بمضمونه فمن القرائن بل الخبر الكاذب أيضاً دال بالوضع على ثبوت مضمونه، والكذب احتمال عقلى، وذكر الدوانى تلك الأجوبة وسمى الثانى جواباً بطى المسافة، فيحتمل أن يريد بالطى أن قولك الحمد لله بمنزلة أنت متصف، وبمعناه وحينئذ يلزم أن يكون الحمد لله مجازاً، مع أنه لا يجرى فى أحمد الله إلا بالتكلف التام، والأظهر أن المراد إن اعتقدك متصفاً مستعمل فى دعوى الاتصاف، فالطى بمعنى ترك دعوى أن الأول دال على الاتصاف، والدليل عليه متنقل إلى دعوى نقلى وهو أنه مستعمل بمعنى أنت متصف عرفا.

-19-

ثم إنه لا يخفى أن ما ذكره من أن الشخص لا يكذب نفسه، إنما يجرى فى حمدت أو أحمد لا فيما إذا قيل أنت محمود أو لك الحمد مما لا يتضمن دعوى، اعتقاداً لمتكلم وحمده إياه حتى يقال إن المرء لا يكذب نفسه، فلا يكون الجواب حاسماً لمادة الشبهة، وإن أراد أن دعوى الحامد اعتقاد الكال بمنزلة دعوى كماله، فغاية ما يلزم من ذلك أن يكون القائل ناقلا دعوى الاتصاف وهو لا يدل على الاتصال، فتأمل جدا وإلا فى ثبوت دعوى ظهر الاعتقاد أن الحمد إنما يتحقق إذا تحقق المحمود عليه وهو الكمال الاختيارى للمحمود، فإذا قال أحمدك أو أنت محمود فكأنه قال أنت متصف بكمال الاختيارى، وصار منشئاً للوصف، وإذا اكتفى فى المحمود عليه باعتقاد الحامد بثبوته له فقد تضمن دعوى اعتقاد ثبوت الجميل الاختيارى، والاختيارى كمال ولا يحتاج إلى دعوى أن التعظيم فرع اعتقاد الكمال، ثم قول اعتقاد العاقل ثبوت كمال الشخص بالاختيار فرع كمال فيه عرفاً أو حقيقة، أقله صلوحة لأن يعتقد فيه جميل باختياره، وهذا نوع كمال أو مستلزم لكمال مفقود فى من لم يكن صالحا لأن يعتقد فيه كمال، بأن تكون الكمالات وصلاحية اتصافه بما منفية عنه، ولك أن تقول وصف المرء بالجميل وتعظيمه واعتقاده ثبوت الجميل له أمور جميلة عرفاً بذاتها ولو فى الجملة. فإذا ادعى ثبوت جميل غير المحمود وبالجملة كون المرء محمودا أمر حسن بالنسبة إلى كونه محقرا غير معتقد فيه الكمال، فإثبات الحمد إثبات لكمالات ثلاثة، فتتم الدلالة من غير احتياج إلى كثرة دقة، ثم السؤال إنما يتوجه فى الحمد لله ونحوه إذا لم يلاحظ معنى اللامين، وأما إذا لوحظ اختصاص الجنس والإفراد أو الفرد الكامل وإلا كمل، فدلالته على الاتصاف بالكمال التام غير خفى، لأن اختصاص ذلك فرع غاية الكمال.

-20-
__________________
اللهم علمنا ما ينفعنا - وإنفعنا بما علمتنا
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه - وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا إجتنابه
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم إجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم

آخر تعديل بواسطة admin ، 12-09-2010 الساعة 01:08 PM
رد مع اقتباس