عرض مشاركة واحدة
 
  #3  
قديم 08-30-2010
نائل أبو محمد نائل أبو محمد غير متواجد حالياً
عضو بناء
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 6,651
افتراضي رد: نشرات : أنصار العمل الإسلامي الموحد في شهر رمضان 1431هـ .

بسم الله الرحمن الرحيم


(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداًً)
ففي الوقت الذي تُذبح فيه الأمة في كل مكان ويستبدُ بها عدوها ويتربص بها الدوائر، تخرج علينا وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بأفكار وآراء لا تقدم شيئاً في حياة الأُمة وخصوصاً في مثل هذه الأحوال التي تعيشها، بل تؤخرها، وإن دلت فإنما تدل على تفاهة عقول قائلها والمروج لها مهما كان مبلغه من العلم، وقد تكون سبباً للطعن في نزاهته وتقواه. فتارة يخرجون علينا بجواز صلاة المرأة بالرجال إماماً، وتارة بجواز أن تتزوج المسلمة من الكافر، وتارة بإنكار ظهور المهدي والدجال والمسيح، وتارة بإنكار عقوبة الردة، وتارة بأن الإسلام فيه حل وسط أو وسطية وحريات وديمقراطيات، وتارة بأن الجهاد في سبيل الله يكون بالحب والقبل، وأخيراً طلعوا علينا بحكاية رضاع الكبير حتى صار الناس مسلمهم وكافرهم يتهكم علينا وعلى ديننا الحنيف.
ولقد أكرمنا الله ووفقنا ببيان الأفكار الأُولى في إصداراتنا، وفي هذه العجالة سنبين بحول الله وقوته حكم رضاع الكبير بالأدلة والبراهـين القاطعة التي تقطع ألسنة وعقول المروجـين لها وتقطع دابر الكافرين والمنافقين، فنقول مستعينين بالله تعالـى:
إن ما أتوا به دليلاً على زعمهم هو حكاية إرضاع سالم من زوجة أبي حذيفة سهلة بنت سهيل وقد كان شاباً بالغاً، غير أن هذه الحكاية لا تقوم بها حجة لغير سالم رضي الله عنه، أي إنها خاصة به وحده لا تتعدى إلى غيره، والدليل على ذلك من وجوه:
أولاً: قال الله تعالى في سورة البقرة آية (233): (والوالدات يُرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يُتم الرضاعة)، فمنطوق هذه الآية الكريمة وصريحها يقول إن تمام الرضاعة إنما يكون بالحولين ولا عبره بعدهما، فإن عارضها دليل ظني كحادثة سالم، فإما أن يرد دراية وإما أن يحمل على الخصوص لسالم وحده، لأن العبرة بعموم اللفظ، وهذا أكثر ما يمكن أن يقال فيه.
ثانياً: انه جاء في عموم السنّة القولية ما يعارض حكاية رضاع سالم من زوجة أبي حذيفة، فمن ذلك ما رواه أبو داوود وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم) وفي رواية ابن ماجة عن عبد الله بن الزبير، والترمذي عن أم سلمة واللفظ له مرفوعاً (لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام) وروي الدار قطني في سننه والبيهقي في السنن الكبرى كلاهما مرفوعاً وموقوفاً عن ابن عباس رضي الله عنه: (لا رضاع بعد حولين كاملين)، وروى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الرضاعة من المجاعة)، وروي البيهقي عن علي رضي الله عنه مرفوعاً وموقوفاً: (لا رضاع بعد الفصال)، وعند الطبراني عنه رضي الله عنه ( ولا يتم بعد حلم)، وعند أبي داود الطيالسي عن جابر مرفوعاً (ولا يتم بعد احتلام)، وعن عمر وابن عمر رضي الله عنهما ( إنما الرضاعة رضاعة الصغير)، فهذا العموم من السنّة في عدم اعتبار الرضاع إلا في الصغر وقبل الفطام يتعارض مع إرضاع سالم وهو رجل بالغ، فإما أن يكون فعل سالم منسوخاً على رأي المحب الطبري، لأن حكاية رضاعة سالم كانت في بداية الهجرة، وأدلة عدم اعتبار الرضاعة إلا في الصغر جاء بعد ذلك، وإما أن تكون حادثة سالم مخصصة لعموم السنّة، وإلا حصل التضارب والتناقض في الشريعة، وهذا ينافي حكمة الحكيم سبحانه، فالقول بالتخصيص أفصح وأقوى في الدلالة وابعد للخلاف وأجمع للأدلة، ففي أُصول الفقه انه متى تعارض فعل مع قول، فان الفعل يحمل على الخصوص ويبقى القول على عمومه لكل الناس.
ثالثاً: لقد جاء على لسان أُمهات المؤمنين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رضاعة سالم من زوجة أبي حذيفة حالة خاصة له، فقد روي الإمام مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تقول: (أبى سائر أزواج النبي صلي الله عليه وسلم أن يُدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة) ومعلوم أُصولا أنّ الكثرة مقدم على القلة سواء في الرأي أوفي الرواية، ففي الرواية آنفاً في عدم اعتبار الرضاع إلا في الصغر عن ثمانية من الصحابة، ورضاعة الكبير عن صحابي واحد هو عائشة رضي الله عنها، وقد خالفها في ذلك جميع الصحابة بما فيهم سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون القول بخصوصية فعل سالم عن دون الناس مقدم على تعميمه لكل الناس.
رابعا: إن حكاية رضاعة سالم من زوجة أبي حذيفة تعتبر واقعة عين لا عموم فيها تبقى خاصة به كما هو مقرر في الأُصول لأنها لم تتكرر من قبل صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم، بل جاءت على خلاف الأصل كما علمت من السنّة القولية ومن الآية الكريمة آنفاً.
خامساً: إن حكاية رضاعة سالم وهو كبير من الأفعال، والأفعال لا عموم فيها إنما العموم في الألفاظ كما هو مقرر في الأصول أيضاً فتبقى خاصة بسالم وحده لا تتعدى لغيره إلا بدليل.
سادساً: إن سالماً رضي الله عنه كان مولى لحذيفة وزوجته رضي الله عنهما ومتبنى لهما في الجاهلية على ما كان من عادة التبني آنذاك، أي كان ناشئاً في حِجر أبي حذيفة وزوجته، وليس مجرد بَقّال للحارة أو سائق للمحلة أو ابن جيران أو غير ذلك، ولمـّا نزل حكم إبطال التبني في الإسلام بقي سالم على دخوله على مولاته زوجة أبي حذيفة، فثقل عليهما أن يمنعاه من الدخول عليهما فسألا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال : (أرضعيه تحَرُمي عليه) هذه هي أصل الحكاية، فكيف تُعمم على السائق والبقال والحمال وابن الجيران والموظف وما شاكلهم يا من يزعم أنه عالم؟!!، أم أنكم تريدون تمييع الإسلام وأحكامه لخدمة الكفار المستعمرين، أم تحسبون أنكم أتيتم بجديد بمثل هذه الأفكار تحت شعار (خالف تُعرف) لا نقول لكم إلا ما قاله الحق تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
سابعاً: وحيث أن رأي عائشة رضي الله عنها في تعميم رضاع الكبير قد خالف منطوق الآية والأحاديث، وليس عندها سوى فهمها من حادثة رضاع سالم وقد خالفها في ذلك جميع الصحابة، وأنكر رأيها سائر أُمهات المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فإن رأيها بذلك يُعتبر رأياً مرجوحاً، وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على تحريم العمل بالرأي المرجوح ووجوب العمل بالرأي الراجح، فإذا كان هذا في حق الصحابة، فماذا يمكن أن يقال في حق من هم دونهم بمئات الدرجات، فانه بلا شك لا يجوز الالتفاف لما يقولون أو يروجون إلا على سبيل النبذ والرد على أقوالهم وعقولهم التافهة.

أنصار العمل الاسلامي الموحد
بيت المقدس هـ1427/2007م

رد مع اقتباس