منتدى المسجد الأقصى المبارك

منتدى المسجد الأقصى المبارك (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/index.php)
-   منتدى الدراسات والأبحاث والإصدارات (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/forumdisplay.php?f=34)
-   -   كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=16416)

نائل أبو محمد 01-10-2014 11:50 PM

كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
رأيت وسأعمل على نشره ( * ) إن شاء الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب :
الفرية الكبرى
صفين والجمل

محمد الشويكي

الطبعة الأولى

بيت المقدس
1435هـ 2013م

إصدار

أنصار العمل الإسلامي الموحد

عدد الصفحات 125

( * ) سأعمل على نشره إن شاء الله لاحقاً من خلال رابط .
الجمعة 10 ـ 1ـ 2014.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:15 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
الأحد 16 ربيع الثاني 1435
الفريـــة الــكبرى
صفين والجمل

محمد الشويكي

الطبعة الأولى
بيت المقدس
1435هـ - 2013م



إصدار
أنصار العمل الإسلامي الموحد




نائل أبو محمد 02-16-2014 08:16 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الفريـــــة الــكبرى
صفيــــن والجمـــــــل
تذكر كتب التاريخ فتنة اقتتال حصلت بين أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيما يُسمى وقعتي الجمل وصفين وذلك بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأقل من ثلاثة عقود، أما وقعة الجمل فقالوا بأنها كانت بين عائشة وطلحة والزبير ومن معهم من الصحابة من جهة، وبين علي بن أبي طالب ومن معه من الصحابة من جهة، وأما صِفّين فقالوا بأنها كانت بين معاوية بن أبي سفيان ومن معه من الصحابة من جهة، وبين علي بن أبي طالب ومن معه من الصحابة من جهة، زاعمين أن تلكما المعركتين كانتا بسبب صراع على الخلافة، وليس كذلك بل كانتا بسبب قتلة عثمان، أو قل هم الخصوم فيهما، كما ستعرفه في موضعه، كما وذكرت كتب التاريخ أيضاً بأن آلافاً مؤلفة من الصحابة قتلوا في تلكما الوقعتين زوراً وبهتاناً كما سنذكره عنهم في ثنايا هذا الكتاب مفصلاً ومحققاً، ورُوج لهذا الأمر كأنه دين، بل صار معتقداً عند كثير من أهل السنة والشيعة جهلاً من بعضهم وخُبثاً من الآخرين، لأن الأمر ليس كما قيل وذُكر، بل يمكنك أن تقول بأنه لم يقع مطلقاً، وأن فتنة الاقتتال بين الصحابة كذبة من كذبات المؤرخين رَوَجَ لها أعداء الملة والدين ليتسنى لهم الطعن في عدالة الصحابة وبالتالي الطعن في الدين الذي نقلوه لنا عن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:16 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ولبيان زيف هذا الموضوع وكذبه لابد من توضيح عدة أُمور مهمة كمقدمةٍ وأساسٍ لمعرفته والوقوف على حقيقته:
الأمر الأول: في معنى الصحبة، لنعرف من هم الذين اقتتلوا في صفين والجمل، هل هم صحابة أم غير صحابة؟.

الأمر الثاني: الصحابة كلهم عدول، ويدخل فيه مكانة الصحابة في ديننا.

الأمر الثالث: الإسناد من الدين.

الأمر الرابع: كل ما خالف القطعي فهو مردود، ومن ذلك فكرة الاقتتال بين الصحابة، وفكرة فسوقهم وردتهم.



نائل أبو محمد 02-16-2014 08:17 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
أما الأمر الأول: معنى الصحبة: وإنما نقصد بها أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذين ورد ذكرهم صراحة ودلالة في القرآن والسنة لا أي أصحاب، قال الله تعالى في سورة التوبة آية (40) {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} وقد تواترت الأخبار أن الصاحب في هذه الآية هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وقال الله تعالى في سورة الفتح آية (29) {محمد رسول الله والذين معه} وقوله في سورة التوبة آية (117) {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} كما وقد تواترت الأخبار عن وجود أصحاب له صلى الله عليه وسلم يأتمرون بأمره ويقولون بقوله، فمن ذلك حديث {وأصحابي أمنة لأُمتي} ، وحديث {لا تسبوا أصحابي} ، وحديث {إن الله اختارني واختار لي أصحاباً} ، إلى غير ذلك مما يدفع ادعاء عدم وجود صحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اختلف العلماء قديماً وحديثاً فيمن هو الصحابي على عدة آراء ، فبعض أهل الحديث يقولون إن كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم أو لقيه ومات على الإسلام فهو صحابي ولو لم يرو عنه شيئاً، وبعضهم اعتبر الصحبة بمجرد المعاصرة دون الرؤية والرواية، وبعضهم اشترط البلوغ عند الرؤية، إلى غير ذلك:

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:18 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ففي صحيح البخاري: "من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه"
وقال علي بن المديني: "من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من الصحابة"
وقال أحمد بن حنبل: "كل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه"
وقال ابن الصلاح: "فالمعروف من طريقة أهل الحديث أن كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من الصحابة"
وقال ابن حجر العسقلاني: "أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا ومات على الإسلام روى عنه أو لم يرو"
وفي شرح صحيح مسلم للنووي: "كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لحظة"
وقال يحيى بن عثمان بن صالح المصري: "أن الصحابي هو كل من عاصر النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يسمعه أو لم يره" وهو عمل ابن عبد البر في الاستيعاب.
وقال الواقدي: "إن كل من رآه بالغاً فهو من أصحابه"

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:19 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وفرَّق عاصم الأحول وأبو زرعة العراقي وأبو داوود - وهم من أهل الحديث- بين مجرد الرؤية وبين الصحبة كما سيأتي بيانه .
فالمدقق لأقوال أهل الحديث في تعريفهم للصحابي فوق تباينهم واختلافهم فيه، أنه لم يأت أحد منهم على تعريفه بأي دليل ولا شبهة دليل، كما واختلفوا فيمن ارتد بعد الرؤية ثم عاد للإسلام هل هو من الصحابة أم لا؟ واختلفوا فيمن رآه بعد موته صلى الله عليه وسلم هل يُعد في الصحابة أم لا ؟ .
وأما أهل الفقه والأُصول فعندهم أن الصحابي هو كل من طالت صحبته ومجالسته للنبي صلى الله عليه وسلم على وجه التبع له والأخذ عنه لا مجرد الرؤية والسماع.
قال ابن السمعاني في تعريفه للصحابي: "إن معنى الصحبة من حيث اللغة والظاهر يقع على من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وكثرت مجالسته له على طريق التبع له والأخذ عنه، قال: وهذا طريق الأُصوليين" .
وقال النووي في التقريب: "وعن أصحاب الأُصول أو بعضهم هو من طالت صحبته ومجالسته على طريق التبع" .
وقال في شرح مسلم: "وذهب أكثر أصحاب الفقه والأُصول إلى أنه من طالت صحبته له صلى الله عليه وسلم" .

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:20 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وقال المازري في شرح البرهان: "لسنا نعني بقولنا الصحابة كلهم عدول كل من رآه صلى الله عليه وسلم يوماً أو زاره لماماً أو اجتمع به لغرض وانصرف، وإنما نعني به الذين لازموه وعزروه ونصروه" .
وقال ابن الصباغ: "الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأقام معه واتبعه دون من وفد عليه خاصة وانصرف من غير مصاحبة ولا متابعة" .
وقال ابن الباقلاني: "فقد تقرر للأئمة عرف في أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن كثرت صحبته واتصل لقاؤه، ولا يجرون ذلك على من لقي المرء ساعة ومشى معه خطى وسمع منه حديثاً، فوجب لذلك ألا يجري هذا الاسم في عرف الاستعمال إلا على من هذه حاله" .
وقال الراغب الأصفهاني: "الصاحب: الملازم" وقال " ولا يقال في العرف إلا لمن كثرت ملازمته" .
وقال الإسفراييني: "إن الصحبة في العرف عبارة عمن صحب غيره فطالت صحبته له ومجالسته معه" .
وقال الغزالي: "ولكن العرف يخصص الإسم بمن كثرت صحبته" .
وفي فتح الباري: "ومنهم من بالغ فكان لا يعد في الصحابة إلا من صحب الصحبة العرفية، كما جاء عن عاصم الأحول قال: رأى عبد الله ابن سرجس رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن له صحبة" .
وأما أهل اللغة واللسان فإن الصحابي عندهم مشتق من الصحبة والمعاشرة والملازمة، ويمكن القول أنهم متفقون على ذلك.
جاء في لسان العرب: "صحِبَهُ يَصحبه صُحبة وصحابة، وصاحَبَهُ عاشره، والصاحبُ المعاشر" .
وقال ابن فارس: "وكل شيء لازم شيئاً فقد استصحبه" .
وقال صاحب العين: "الصحبة المعاشرة صَحبه صُحبة وصحابة وصاحَبَهُ، والصاحبُ المعاشر" .
وقال ابن سيدة: "وصاحَبَهُ عاشره والصاحب المعاشر" .
وفي القاموس المحيط: " صَحِبهُ صحابة وصُحبة، وصَحِبَهُ عاشره، واستصحَبَهُ دعاه إلى الصحبة ولازمه" .
وقال صاحب المصباح المنير:"والأصل في إطلاق إسم الصحبة من حيث اللغة لمن حصل له رؤية ومجالسة، ووراء ذلك شروط للأُصوليين" .
وفي تاج العروس: "صَحِبَهُ يصحبه صحابة وهم أصحاب وأصاحيب وصحبان، والصاحب المعاشر، واستصحبه دعاه إلى الصحبة ولازمه، وكل ما لازم شيئاً فقد استصحبه" .

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:21 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وفي الإفصاح في فقه اللغة: "الصُحبَةُ المعاشرة" .
وفي مختار الصحاح: "وكل شيء لازم شيئا فقد استصحبه" .
وفي المعجم الوسيط: "صاحبه رافقه واستصحب الشيء لازمه" .
وعلى ما تقدم ذكره من الاختلاف بين العلماء في تعريف الصحبة، وبما أنه لا حجة لأحد منهم على أحد إلا بدليل، فإنه بعد النظر والتدقيق والبحث تبين أن تعريف الفقهاء والأُصوليين يتفق مع اللغة والعرف ومع الشرع مرفوعاً وموقوفاً وهو خير دليل.
أما موافقته للغة: فإن المدقق في هذه التعاريف على اختلافها بين أهل اللغة والفقه والحديث يجد أن أهل الفقه والأُصول أقرب إلى أهل اللغة من أهل الحديث في تعريفهم لمعنى الصحبة، فالقاسم المشترك بينهم هو الملازمة وكثرة المجالسة، كما قاله ابن السمعاني آنفاً، مما يجعل اللغة أساساً ودليلاً لتعريفهم.
وأما ما نقل عن ابن الباقلاني قوله: {لا خلاف بين أهل اللغة أن الصحابي مشتق من الصحبة، جار على من صحب غيره قليلاً أو كثيراً يقال صَحِبَهُ شهراً يوماً ساعة} يفيد بأن المعنى اللغوي للصحبة يتفق مع أهل الحديث لا مع أهل الفقه والأُصول.
الجواب عليه: إن قوله: {بأن الصحابي مشتق من الصحبة} فصحيح، أما قوله {جار على من صحب غيره قليلاً أو كثيراً} فلم أجد أحداً من أهل اللغة ذكر ذلك في تعريفه للصحبة، بل ركزوا فيه على الملازمة والمعاشرة كما قد علمت آنفاً، فيبدو أن كلامه هذا هو إدراج أو فهم منه وليس من تعريف أهل اللغة، وإلا فكيف تكون صحبة اليوم والساعة معاشرة وملازمة؟!.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:21 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وأما موافقته للعرف: فهو موافق لما نقله ابن الباقلاني والاسفراييني والغزالي والراغب الأصفهاني عن أهل العرف آنفاً، وفيه رد على من ظن أن المعنى العرفي للصحبة يتفق مع معنى أهل الحديث لها لا مع أهل الفقه والأصول.
وأما موافقته للشرع مرفوعاً: فقد روى ابن أبي شيبة وابن أبي عاصم والطبراني وغيرهم بسند صحيح عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخير مادام فيكم من رأى من رآني وصاحب من صاحبني} .
وروى أبو نعيم في معرفة الصحابة والطبراني في الكبير بإسناد رجاله ثقات عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {اللهم اغفر للصحابة ولمن رآني} ، فواضح وضوح الشمس في رائعة النهار أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فرق في هذين الحديثين بين الرؤية والصحبة، فالواو العاطفة بينهما للمغايرة لا للتخيير ، وهذا دليل كاف في الرد على من يجعل مجرد الرؤية دليلا على الصحبة، ونظير ذلك في كتاب الله العزيز كما في سورة الحج آية(52) {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي} وكما في سورة غافر آية(3) {غافر الذنب وقابل التوب} وكما في سورة التوبة آية (60) {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل} وكقوله من سورة الأنفال آية (1) {وأطيعوا الله ورسوله} إلى غير ذلك، وقال عليه الصلاة والسلام {فلا رسول بعدي ولا نبي} ، وقال {لا يدخل النار من رآني وآمن بي} ، وقوله {طوبى لمن رآني وآمن بي} ، إلى غير ذلك، فكلها تدل على أن المعطوف غير المعطوف عليه.
وأما موقوفاً: قال ابن الصلاح في مقدمته : "وروينا عن شعبة عن موسى السيلاني _ وأثنى عليه خيراً _ قال: أتيت أنس بن مالك فقلت : هل بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم احد غيرك؟ قال: بقي ناس من الأعراب وقد رأوه، فأما من صحبه فلا" قال ابن الصلاح: إسناده جيد حدث به مسلم بحضرة أبي زرعة .
ورواه ابن عساكر بلفظ " قد بقي قوم من الأعراب، فأما من أصحابه فأنا آخر من بقي" .

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:22 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
فواضح من هذه الرواية أيضاً أن مجرد الرؤية لا تعني صحبة، وهي بمثابة نص في المسألة وتتفق تماماً مع حديث واثلة وحديث سهل آنفاً، ولا تحتاج إلى كبير عناء لفهمها، وهما يدلان على أن الصحبة أخص من الرؤية، فتقول كل صحابي رأى النبي صلى الله عليه وسلم واجتمع به، وليس كل من رآه صحابياً، كما تقول كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا، وهذا بسبب أن للصحبة فضيلة على الرؤية.
غير أن ناساً من المقلدة حاولوا الطعن في هذه الرواية لإسقاط الاحتجاج بها ولكن من غير بينة سوى زعمهم أن في رواتها من لا يُعرف وهو موسى السيلاني، علما أن ابن أبي حاتم قد ترجم له في الجرح والتعديل ونقل عن يحيى بن معين أنه ثقة ، وأن شعبة راوي الحديث أثنى عليه كما أورده ابن الصلاح في الرواية عنه، وقول ابن الصلاح إسناده جيد، فإن كان تجهيلهم لهذا الراوي إخفاء لكونه ثقة؟ فهي من إفرازات التعصب المذهبي المقيت، وإن كان ذلك عن جهل فكفى به مصيبة في تزييف الحقائق.
ثم استماتوا في إسقاط هذه الرواية عن الاعتبار فقالوا بأن موسى السيلاني قد انفرد بهذه الرواية عن أنس بن مالك مما يوهنها ويضعفها، في حين أن من المعلوم عند أئمة الحديث أن انفراد الثقة مقبول، ونقل الخطيب البغدادي الإجماع على ذلك ، ثم هنالك المئات من الأحاديث التي انفرد بها الرواة من الثقات وكانت حجة في الحلال والحرام عند الأئمة، فكيف لا يقبل انفراد موسى السيلاني بهذه الرواية وهو ثقة؟!! إلا لأنها تبطل مذهبهم.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:23 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وأما ما قيل من أن هذه الرواية عن أنس تعارض ما رواه من هو أوثق من موسى السيلاني كما جاء في الصحيح عن سليمان التيمي عن أنس قال: {لم يبق ممن صلى القبلتين غيري} .
الجواب عليه: أولاً: إنها فيمن صلى القبلتين لا في إثبات الصحبة أو نفيها، ولذلك أوردها البخاري في باب التفسير لا في موضوع الصحابة، ثانياً: ليس لها مفهوم يفيد أن هنالك صحابة غير أنس ممن له مجرد رؤية، وأكثر ما تفيده أنه بقي غيره ممن لم يصل القبلتين، فمن هم يا ترى؟ فهل هم من حاز على مجرد الرؤية؟ أم هم من أسلم بعد الحديبية والفتح؟ وهذا كله محتمل، أو لعل مراده أنه آخر من بقي ممن صلى القبلتين في البصرة، سيما وأنه لم يرد في الرواية أنها سؤال عن الصحابة، إذ لو كان الكلام عن الصحابة لضيق أنس واسعاً، أي لاحتمل كلامه أن كل من لم يصل القبلتين ليس بصحابي، وهذا ليس صحيحاً، فهنالك الكثير ممن أسلم وصحب بعد تحويل القبلة بل وحضر المعارك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك كله يثبت أن استدلالهم بهذه الرواية استدلال مبهم لا يقوى على معارضة رواية موسى السيلاني المفسَّرة، حيث من المعلوم أُصولاً أنه إذا تعارض المبهم مع المفسَّر فيقدم المفسَّر على المبهم ، ناهيك عن موافقته للمرفوع آنفاً.
وأما ما قيل ويقال تأويلاً لهذه الرواية بأن أنس بن مالك أراد الصحبة الخاصة لا الصحبة العامة، فكلام لا دليل عليه ولا واقع له سوى التعصب لمذهب بعض علماء الحديث المتباين والعاري عن الدليل والمخالف للمعنى الشرعي واللغوي والعرفي لمعنى الصحبة كما قد عرفت آنفاً.
ومن غريب استدلالهم وعدم انطباقه على دعواهم سوى أن يقال أنهم أتوا بدليل، وذلك قصة كلام خالد بن الوليد في عبد الرحمن بن عوف وقول النبي صلى الله عليه وسلم له: {لا تسبوا أصحابي} فزعموا أن نهي خالد بن الوليد عن سب عبد الرحمن بن عوف فيه دليل على أن عبد الرحمن من أصحاب الصحبة الخاصة بخلاف ابن الوليد.
الجواب عليه: أولاً: لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لخالد: {لا تسب أصحابي} وإنما قال: { لا تسبوا} بصيغة الجمع والعموم، ومعلوم أُصولاً أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، أي لا يسب غير الصحابي أصحابي ولا يسب بعضهم بعضاً، فلا يستلزم أن يكون المنهي عن السب غير صحابي أو أنه من أصحاب الصحبة العامة لا الخاصة كما يزعمون، ونظير ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب في قصة مشابهة لها حين رفض عمر اعتذار أبي بكر له عن كلام قاله في حقه فقال:{فهل أنتم تاركو لي أصحابي} وفي رواية {لا تؤذوني في صاحبي} فمن يقول أنه يستلزم أن يكون المنهي عن السب غير صحابي فقد أخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الصحابة أو من الصحبة الخاصة فيما يزعمون تقسيمها، فيثبت بذلك جهلهم ويكونون قد أتوا بكبيرة، لأن عمر رضي الله عنه ممن ثبتت صحبته بالتواتر.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:24 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ثم لا فائدة من هذا التقسيم طالما أن الصحابة كلهم عدول نأخذ عنهم ديننا، بل يفتح باباً للحاقدين والمنافقين لإسقاط صحبة من ثبتت صحبته والنيل منه بحجة أن له صحبة عامة لا خاصة، بل وجد منهم في هذا العصر من قفز على هذا الاصطلاح واعتبر الصحبة الخاصة بأنها الصحبة الشرعية وأن الصحبة العامة هي الصحبة اللغوية والعرفية، وأن أصحاب الصحبة الخاصة الشرعية هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار وحسب، وأن أصحاب الصحبة العامة اللغوية والعرفية هم مسلمة ما بعد الحديبية ومسلمة الفتح وما بعده، لإسقاط صحبة خالد بن الوليد وابن عباس وأبيه وأبي هريرة وعمرو بن العاص وغيرهم ممن أسلم وصحب عام الحديبية وخصوصاً إسقاط صحبة معاوية بن أبي سفيان وأبيه، وليتسنى لهم التطاول عليهم، هذا هو سبب التقسيم المذكور، إذ لا فائدة منه البتة، وسيأتي بيانه والرد عليه في باب عدالة الصحابة.
ثم إن كون الصحبة أخص من مجرد الرؤية، هو مذهب الكثيرين من أهل الحديث ومنذ عصر التابعين أيضاً:
فهذا سعيد بن المسيب من التابعين: فيما يرويه عنه ابن سعد في الطبقات يُعرّف الصحبة بكل من صاحب النبي صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين أو غزا معه غزوة أو غزوتين ، لكن المتعصبين لمذهب بعض أهل الحديث رَدّوا هذه الرواية وضعفوها لأنها من طريق الواقدي، مع أنه مختلف فيه، فضعفه البخاري ويحيى بن معين وغيرهما وكذبه أحمد وغيره ، ووثقه أبو عبيد القاسم بن سلام ومصعب الزبيري وإبراهيم الحربي والصاغاني وغيرهم ، ومع تضعيفهم له فإنهم يعتمدون عليه في أخبار الناس في مغازيهم ووفياتهم، وأحياناً يعتمدونه في الجرح والتعديل، وفي معرفة الصحابة، وهذا ليس إنصافاً، ثم أضف إلى ذلك كله أن هذه الرواية عن سعيد بن المسيب أقرب إلى أخبار الناس منها إلى المرفوع أو الموقوف.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:25 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ومن التابعين أيضاً عاصم الأحول: فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عاصم الأحول قال: " رأى عبد الله بن سرجس رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن له صحبة " .
وقال غير واحد من علماء الحديث ومن أهل الجرح والتعديل كأبي حاتم الرازي وأبي داوود والخطابي والعجلي وأبي زرعة الرازي أن طارق ابن شهاب الأحمسي: " له رؤية وليس له صحبة " ، قال الآمدي: وفي كلامهم ما يقتضي أن الصحبة أخص من الرؤية .
وقال أبو حاتم الرازي في محمود بن الربيع: "له رؤية وليست له صحبة" .
وفي الجرح والتعديل للرازي: يوسف بن عبد الله بن سلام رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست له صحبة" .
وقال العسكري في مسلمة بن مخلد الأنصاري: "له رؤية وليست له صحبة" .
وقال ابن عبد البر في معبد بن زهير: " له رؤية وإدراك ولا صحبة له " .
وقال في عبد الله بن هدير التيمي: " له رؤية وليس له صحبة " .
وقال ابن حجر العسقلاني في أبي قيس بشير بن عمر: "له رؤية ولا صحبة له" .
وقال في عبد الرحمن بن سهل: لا يبعد أن يكون له رؤية وإن لم يكن له صحبة" .
وقال ابن معين في محمد بن حاطب بن الحارث: "له رؤية ولا يُذكر له صحبة" .
وقال ابن مندة في عبد الرحمن بن حاطب: "له رؤية ولا يصح له صحبة" .

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:26 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وقال عنه ابن حجر: "له رؤية وعدوه من كبار التابعين" .
وقال ابن الجوزي مفرقاً بين الصحبة وبين مجرد الرؤية: {وأنس هو آخر من مات من الصحابة بالبصرة، وآخر من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم موتاً أبو الطفيل} ، وذلك أن أبا الطفيــــل له رؤيـــــــــة ولا سماع له.
وقال الحاكم في ابن المعتمر بن عبد الله: "قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم عداده في التابعين" .
وقال ابن سعد في جبير بن الحويرث: "أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ورآه ولم يرو عنه، وقال عنه أبو عمر بن عبد البر: في صحبته نظر، وعده ابن حبان في التابعين" .
واعتبر البخاري وأبو حاتم وابن حبان وخليفة بن خياط حجر بن عدي الكندي من التابعين لا من الصحابة ، مع أنه روي أنه كان ممن وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، غير أنه لم يثبت له رواية عنه.
وقال أبو حاتم الرازي في الحسين بن علي بن أبي طالب: ليست له صحبة .
وقال الإمام أحمد والعجلي في الحسن بن علي بن أبي طالب: إنه تابعي ثقة .
إلى غير ذلك ممن يَعتمد من أهل الحديث على قاعدة - الصحبة أخص من الرؤية- وما على المرء إلا أن يفتش في كتب الرواية والتراجم فسيجدهم.
فإن قيل بأن قصد عاصم الأحول وغيره ممن ذكر من قولهم {ليست له صحبة} أو {لا صحبة له} أي الصحبة الخاصة لا الصحبة العامة، كما زعموه في قول أنس بن مالك آنفاً.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:29 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
الجواب عليه: لا أظن أن عاصم الأحول وابن أبي حاتم والخطابي وابن عبد البر وغيرهم ممن قال {له رؤية ولا صحبة له} لا يعي ولا يدري أن النكرات في سياق النفي تفيد العموم ، أي كل صحبة عامة كانت أو خاصة، سيما وأنهم من عصر التدوين والنهضة وعصر الاقحاح، فافهم هذه العبارة تكن من المبصرين، ودع عنك قيل وقال ما دام من غير دليل ولو كان قائله علماء، فالعصمة للأنبياء وحدهم.
ومن الدلائل على أنهم لا يقصدون هذا التفريق المزعوم أنهم صرحوا في أكثر من واحد أنه من التابعين مع أنه ممن ثبتت رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم كما قد علمت آنفاً فيُرد هذا التأويل.
ومن القرائن أيضاً على أن الرؤية لا تعني صحبة، أنه صلى الله عليه وسلم حين طلب اتّباع الصحابة لم يأت على ذكر الرؤية، فقال في الفرقة الناجية مثلا {هي ما أنا عليه وأصحابي} وقال {وأصحابي أمنة لأُمتي} وقال {وأصحابي كلهم خير} وقال {إحفظوني في أصحابي} إلى غير ذلك، كما وأنه حينما يُذكر فضائل الصحابة لا يُكتفى بمجرد الرؤية بل يُذكر جهادهم ونصرتهم وخدمتهم وسائر أعمالهم لا مجرد الرؤية، فمن ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام {لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه} ، وقال عبد الله ابن عمر رضي الله عنه {لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره} ، وقال سعيد بن زيد أحد المبشرين العشرة {لمشهد شهده رجل يغبر فيه وجهه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمل أحدكم ولو عمّر عمر نوح عليه السلام} .
إلى غير ذلك من الأحاديث التي تمدح المهاجرين والأنصار وأهل بدر والحديبية على جهادهم ونصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم لا لمجرد الرؤية، ولسنا بصدد حصرها في هذه العجالة وهي موجودة لمن طلبها من مظانّها، وسنأتي على ذكر بعضها في باب عدالة الصحابة إن شاء الله تعالى.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:30 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
فإن قيل بأن هذا يعني إسقاط العديد ممن قيل أنهم صحابة لأنهم لم يحصلوا إلا على مجرد الرؤية.
الجواب عليه: أولاً: لا يضُرنا ولا يضُر الدين أنهم ليسوا صحابة طالما أنهم لم يرووا لنا شيئاً نتبعه ونحتاجه في ديننا، ثانياً: لا يضرهم أن لا يكونوا صحابة، إلا أنهم لم يحصلوا على زيادة الفضل، فهو بيد الله يؤتيه من يشاء، ثالثاً: إنهم ممن اختلف عليهم أصلاً بين العلماء تبعاً لاختلافهم في معنى الصحبة كما قد علمت، فليست سابقة أن لا يُعتبروا من الصحابة، رابعاً: يضُرنا ويضُر الدين أن نجعلهم من الصحابة لأن معظم أو جميع ما نسبه الحاقدون والمنافقون من هنات ومخالفات للصحابة إنما هو عن مثلهم لا عن من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك، ومن أُولئك الحكم بن العاص والوليد بن عقبة وحرقوص بن زهير ومروان بن الحكم وبسر بن أبي أرطأة وعمرو بن الحمق، وغيرهم سنأتي على ذكرهم في باب عدالة الصحابة. خامساً: لقد زعم بعض أهل الحديث والطبقات أن عدد الصحابة يصل إلى قرابة مائة ألف معتمدين على تقدير عدد من حج مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، ومنهم من قدرهم بثلاثين ألف صحابي معتمداً على تقدير عددهم يوم تبوك، غير أنهم حينما جاءوا لإحصائهم وتدوين أسمائهم لم يستطيعوا إثبات إلا قرابة اثني عشر ألفاً مع المختلف فيهم، ومن ضمنهم النساء، وهذا يتفق مع ما رواه الخطيب بسند صحيح عن سفيان الثوري قال: "من قدم علياً على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفاً مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض" ، وفي رواية أبي بكر الخلال "من قدم على أبي بكر وعمر أحداً فقد أزرى على اثني عشر ألفاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض" ، ويتفق أيضاً مع ما ثبت من أن عدد الصحابة في غزوة حنين كان اثني عشر ألفا وهي من آخر غزواة النبي صلى الله عليه وسلم التي حصل فيها قتال، ليدلك قطعاً على أنه ليس كل من رآه يعتبر صحابياً، أضف إلى ذلك أن آلافاً رأوه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ولكن عن بعد، بل وربما لم يسمعوا منه شيئاً، ولذلك لم يدوَّنوا لا في دواوين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولا في دواوين الإسلام.
ثم ومن عجيب حال أهل الحديث بعد اختلافهم وتباينهم مع أهل الفقه والأُصول في معرفة من هو الصحابي أنهم اتفقوا معهم على وضع طريقة في معرفة الصحابي، فقالوا: ويعرف كون الصحابي صحابياً تارة بالتواتر، كأبي بكر وعمر وبقية المبشرين العشرة وغيرهم، وتارة بالاستفاضة كضمام بن ثعلبة وعكاشة بن محصن وغيرهما، وتارة بشهادة آحاد الصحابة له أنه صحابي كشهادة أبي موسى الأشعري لحممة بن أبي حممة بالصحبة .

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:30 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
فهذه الطريقة المتفق عليها تنسف مذهب أكثر أهل الحديث في معرفة الصحابة، وتنسف قول من قال "صحبة عامة وصحبة خاصة"، وتنسف كل اعتراضاتهم على أهل الفقه والأُصول آنفاً، حيث لو طُلب منهم أن يثبتوا بهذه الطريقة صحبة من له رؤية وليست له رواية ولا سماع لعازهم أن يثبتوها عن آحاد الصحابة له فضلاً عن عدد التواتر والاستفاضة، لأنها تعتمد على الرواية المسندة لا على مجرد قيل وقال، أما من انطبق عليه معنى الصحبة عند الغالبية العظمى من علماء الاسلام بشتى علومهم، كما تقدم بيانه، فستجد المئات منهم ثبت كونه صحابياً بالتواتر والاستفاضة وأقله بالآحاد، فكتب الرواية تنبئك بذلك فهي مليئة بذكرهم رضي الله عنهم، وهؤلاء هم المعنيون بقولنا: الصحابة كلهم عدول ليس فيهم فاسق، وبقولنا: الصحابة لم يقتتلوا، وبقولنا: الصحابة هم نقلة هذا الدين وهم شهودنا عليه، وبقولنا: الصحابة لا يخضعون لقانون الجرح والتعديل، إلى غير ذلك كما ستراه بعد قليل.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:31 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 

الأمر الثاني من أُسس هذا البحث:عدالة الصحابة
فالعدالة لغة: ضد الجور، يقال عدل عليه في القضية فهو عادل، ورجل عدل: أي رضا ومقنع في الشهادة، ويقال عدلته فاعتدل أي قومته فاستقام ، وعرفت العدالة عند أهل الاصطلاح بأنها صفة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة ، وعرف عندهم أيضاً أن من كانت محاسنه أكثر من مساويه فهو عدل ، وقد اتصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بهذه المعاني للعدالة أكثر من غيرهم.
فالصحابة كلهم عدول عند أهل الحق ما عدا الشيعة والخوارج وبعض المعتزلة ومن لف لفيفهم من أهل الجهل والبدع، وستعرف الرد عليهم وعلى هرطقاتهم بعد هذا الباب، وخلافهم هذا في عدالة الصحابة إنما للنيل من الإسلام الذي جاءونا به عن صاحب الشريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا ديدنهم على مر العصور، ففي تاريخ بغداد عن أبي داود السجستاني قال: (لما جاء الرشيد بشاكر- رأس الزنادقة- ليضرب عنقه قال له: أخبرني لم تعلمون المتعلم منكم أول ما تعلمونه الرفض- أي الطعن على الصحابة- قال: إنا نريد الطعن على الناقلة، فإذا بطلت الناقلة أوشَكَ أن نُبطل المنقول) .

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:32 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وليس معنى كلهم عدول ما قيل أنه صحابي بصيغة التمريض والتجهيل، بل من ثبت أنه صحابي بالطرق المتفق عليها كما تقدم ذكرها، كما وليس معنى كونهم عدولاً أنهم معصومون عن المعصية أو الخطأ والنسيان فهم في ذلك كبقية البشر، حتى إن الأنبياء ليسوا معصومين عن الخطأ والنسيان في الأُمور الدنيوية وصغائر الذنوب عند جمهور العلماء، فكيف بالصحابة؟! ، بل معناه أنهم لا يخضعون لقانون الجرح والتعديل الذي يخضع له غيرهم، وهذا ما دلت عليه الأدلة كما ستعرفها بعد قليل.
والأدلة على عدالتهم إنما بمدح الله ورسوله لهم والثناء عليهم، وقد بلغت مبلغ القطع من الكتاب والسنة لا ينكرها إلا جاهل أو كافر أو زنديق.
أما من كتاب الله تعالى: فقوله في سورة التوبة آية(100) {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} وقوله في سورة الفتح آية (18) {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} وقوله في سورة الحشر آية(8) {للفقراء المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أُولئك هم الصادقون} وقوله في حق الأنصار كما في سورة الحشر آية (9) {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} وقوله في عموم الصحابة كما في سورة الحديد آية (10) {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أُولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} وقوله في سورة الفتح آية (29) {وعد الله الذين آمنوا منهم مغفرة وأجراً عظيما}.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:33 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 

وأما ما جاء من السنة في مدحهم والثناء عليهم فقد بلغ مبلغ التواتر:

فمن ذلك: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب} ، فلولا أنهم جميعهم ثقات عدول ما أمرهم على الإجمال بتبليغ ما يسمعونه منه صلى الله عليه وسلم، وهذا يعتبر نصاً في المسألة لا يجوز خلافه.
ومن ذلك: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {خير الناس قرني} ، وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً {خير أُمتي القرن الذي بعثت فيهم} .
ومعلوم أن أُمته في قرنه هم أصحابه قولاً واحداً، ولا يُعطي الشرع الخيرية لأحد إلا إذا كان ثقةً عدلا.ً
ومن ذلك: ما رواه مسلم وغيره عن أبي موسى الأشعري مرفوعاً {وأصحابي أمنة لاُمتي} ، فلا يكونون أمنة إلا وهم ثقات عدول.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:34 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ومن ذلك: ما رواه البزار بإسناد رجاله موثقون على ما ذكره ابن حجر والسخاوي والهيثمي والقرطبي والزرقاني عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {إن الله اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين} ، فلا يُقدّمون على سائر الناس إلا وهم خيارهم.
ومن ذلك: ما رواه البزار وغيره من حديث جابر رضي الله عنه يرفعه {وفي أصحابي كلهم خير} .
ومن ذلك: ما رواه النسائي وعبد بن حميد والطيالسي والبيهقي وغيرهم بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {أكرموا أصحابي فإنهم خياركم} .
ومن ذلك: ما رواه أبو نعيم في الإمامة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خير الناس، قال: {أنا ومن معي، قيل ثم من؟ قال: الذين على الأثر} ، فالخيرية لا يُعطيها الله ورسوله إلا للثقات العدول، لا ينكر ذلك إلا جاحد أو جاهل.
ومن ذلك: ما رواه أحمد والبزار والطبراني بإسناد رجاله ثقات عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً قال: {إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحاب محمد خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون عن دينه} فاختيار الله لا يكون لمن ليس بثقة وعدل.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:34 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ومن ذلك: ما رواه الإمام مسلم وأحمد وابن حبان وغيرهم عن عائذ بن عمرو أنه دخل على عبيد الله بن زياد فقال أي بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {إن شر الرعاء الحطمة فإياك أن تكون منهم، فقال له اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد، فقال وهل كانت لهم نخالة؟! إنما النخالة بعدهم وفي غيرهم} .
ورواه الطبراني وابن عساكر عن عبد الله بن مغفل المزني بلفظ {إنما أنت من حثالة أصحاب محمد، فقال وهل كانت فيهم حثالة لا أُم لك؟! بل كانوا أهل بيوتات وشرف} .
ورواه ابن الجعد وابن عساكر عن أبي برزة الأسلمي بلفظ {يا للمسلمين وهل كان لأصحاب محمد نخالة؟! بل كانوا لباباً كلهم} .
ففي هذا أيضاً خير دليل على أنهم كانوا كلهم ثقات عدول أولهم عن آخرهم لا يخضعون لقانون الجرح والتعديل.
إلى غير ذلك من الأحاديث التي تمدح المهاجرين والأنصار وأهل بدر وأُحد والحديبية وصحابة أهل البيت وأُمهات المؤمنين وتثني عليهم خيرا على ما سنذكره بعد قليل.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:35 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ومن الأدلة على عدالتهم أيضاً: ما ورد أن أعمالهم وإن كانت قليلة فهي أعظم عند الله من أعمالنا وإن كانت كثيرة، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة مرفوعاً {والذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه} ، وروى ابن ماجة وابن أبي شيبة وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: {فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره} .
وروى أحمد واللفظ له وأبو داوود وغيرهما عن سعيد بن زيد أحد المبشرين العشرة رضي الله عنه وعنهم أنه قال: {والله لمشهد شهده رجل يغبر فيه وجهه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمل أحدكم ولو عمّر عمر نوح عليه السلام} ، فلا تكون أعمالهم أفضل من أعمال غيرهم إلا لأنهم أفضل عند الله تعالى منهم.
فإن قيل بأنه ورد في حديث أبي ثعلبة الخشني أنه سيكون في آخر الزمان أقوام عمل أحدهم بخمسين من أعمال الصحابة، جاء فيه {إن من ورائكم أيام الصبر للصابر فيهن أجر خمسين منكم، قالوا منا أم منهم قال بل منكم} .
الجواب عليه: إن هذا حديث آحاد فلا يقاوم المتواتر والقطعي من {أن أحدكم لو أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه} ثم لو سلمنا عدم تعارضه مع القطعي، فلأنه في حالة خاصة في فتن آخر الزمان فلا عموم فيه، فلا تعارض، أضف إليه أن عمل أحدهم بخمسين من حيث الأجر لا من حيث الفضل عند الله تعالى، وبذلك يرد الاعتراض لعدم التعارض.
ومن الأدلة على عدالتهم غير ما تقدم: أنه يحرم جرحهم، وذلك بفرض حبهم، وحرمة سبهم والتعرض لهم والطعن فيهم وإيذائهم، وفيها دليل على عدم خضوعهم لقانون الجرح والتعديل.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:35 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
فقد روى الترمذي وأحمد وابن حبان وغيرهم عن عبد الله المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه} .
وروى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم وغيرهم بسند صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إحفظوني في أصحابي} .
وروى الإمام أحمد والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح عن عمر مرفوعاً أيضاً {أحسنوا إلى أصحابي} .
وروى الملا في سيرته عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{من أحب أصحابي وأزواجي وأهل بيتي ولم يطعن في أحد منهم وخرج من الدنيا على محبتهم كان معي في درجتي يوم القيامة} .
وروى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه} .
وروى الحاكم وصححه والطبراني والشيباني وغيرهم عن عويم بن ساعدة مرفوعاً {إن الله اختارني واختار لي أصحاباً وجعل لي منهم وزراء وأنصاراً وأصهارا فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً} .
وروى الطبراني في الكبير بإسناد صحيح عن عائشة أُم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {لا تسبوا أصحابي لعن الله من سب أصحابي} .
وروى الطبراني في الكبير بإسناد صحيح عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {إذا ذكر أصحابي فأمسكوا} ، وفي هذا دليل صريح على أنهم لا يخضعون لقانون الجرح والتعديل.
إلى غير ذلك من الأحاديث المرفوعة والموقوفة في فرض حب الصحابة وتحريم التعرض لهم وإيذائهم، فالقول إن فيهم فساق أو فجار أو ظلمة أو كذبة هو تعرض وجرح وسب لهم، حيث أن السب في اللغة: هو الشتم والقطع والهجاء وذكر المعايب .
ثم إن سبهم أو الطعن فيهم فوق كونه جرحاً لعدالتهم الثابتة قطعاً كما قد علمت، هو اعتراض على الله ورسوله في مدحهم والثناء عليهم وتعديلهم، وكفى بها خطيئة وكبيرة.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:36 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ومن الأدلة على عدالتهم أيضاً: أنهم مبشرون بالجنة بآحادهم ومجملهم دون غيرهم من الناس.
فمن ذلك: المبشرون العشرة: فقد روى أبو داوود والنسائي والترمذي وأحمد وابن حبان وغيرهم عن عدة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {عشرة في الجنة أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة} .
ومن ذلك: أهل بدر: فقد روى البخاري ومسلم وأبو داوود وأحمد وابن حبان وغيرهم عن عدة من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم} .

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:37 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وروى أحمد وابن ماجة والبزار وأبو يعلى وغيرهم بأسانيد صحيحة عن غير واحد من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يدخل النار أحد شهد بدراً والحديبية} .
ومن ذلك: أهل بيعة الرضوان والشجرة: فقد روى الإمام مسلم وأحمد والنسائي وأبو داوود والترمذي وغيرهم عن غير واحد من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة } .
وروى الترمذي والبزار وغيرهما عن غير واحد من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ليدخلن الجنة من بايع تحت الشجرة} .
وروى الإمام مسلم وأبو يعلى والحاكم وغيرهم عن جابر رضي الله عنه في أهل الحديبية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر} ، وصاحب الجمل الأحمر هو أعرابي رفض البيعة لأجل البحث عن جمله الذي ضل عنه.
ومن ذلك: الذين أسلموا بعد الحديبية وقبل فتح مكة وبعدها:
قال الله عز وجل في سورة الحديد آية (10) {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى} أي وكلهم لهم الجنة، وسواء كان الفتح في الآية فتح مكة أو الحديبية على ما جاء في بعض الروايات، فإن الذين أسلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبوه ولازموه واتبعوه بعد الحديبية وبعد فتح مكة داخلون تحت قوله تعالى {من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا} لعموم النص، وسيما أنه حصل قتال بعد الفتح وشاركوا فيه كما في معركة حنين ومؤتة وتبوك والطائف، وأكبر دليل على ذلك قوله تعالى في سورة التوبة آية (88-89) يوم غزوة تبوك { لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم}.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:37 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
أما ما يقوله بعض المنافقين والحاقدين ممن تأثر بالشيعة والمعتزلة وممن تأثر باليهود والنصارى وبمبادئهم العلمانية والديمقراطية، من أن الصحابة هم فقط السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، فهو كلام لا دليل عليه البتة بل ترده الأدلة والبراهين، ولا ينم إلا عن جهل بالنصوص وحقد في النفوس، وكل هذا اللف والدوران منهم إنما لإخراج مجموعة من الصحابة ممن ثبتت صحبتهم باتفاق من أهل العصور الممدوحة، كعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وأبي هريرة وابن عباس وأبيه وخصوصاً معاوية بن أبي سفيان وأبيه، وجل اعتمادهم في ذلك على مصطلح ابتدعوه من غير دليل "الصحبة الخاصة والصحبة العامة" أو "الصحبة الشرعية والصحبة اللغوية" كما تقدم الكلام عليه.
وللرد على هذه الفذلكة وهذا التنطع والجواب عليه: أقول:
أولاً: إن الهجرة استمرت إلى فتح مكة، فكل من أسلم قبل الحديبية وبعدها وقبل فتح مكة وهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُعد من المهاجرين، والأدلة على ذلك مستفيضة، فمن ذلك: قول الله تعالى في سورة الأنفال آية (75) {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأُولئك منكم} قال ابن عباس رضي الله عنه أي بعد الحديبية ، وسواء كان بعدها أو قبلها فإن الآية تعني وجود مهاجرين غير السابقين الأولين، وقوله (فأُولئك منكم) أي من الصحابة، وقال الله تعالى أيضاً في سورة الممتحنة آية (10) {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} وسورة الممتحنة نزلت بعد الحديبية مما يدل على استمرارية الهجرة ووجود مهاجرين إلى ما بعد الحديبية، وروى البخاري والنسائي وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{لا هجرة بعد فتح مكة} ، وهذا يعني بدلالة قاطعة أن الهجرة استمرت إلى فتح مكة، وإن الذين أسلموا بعد الهجرة الأُولى إلى المدينة ثم هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسواء كان قبل الحديبية أو بعدها هم مهاجرون وصحابة، وإن كان فضلهم أقل من فضل السابقين الأولين.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:38 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ومن الأدلة على استمرارية الهجرة إلى فتح مكة أيضاً: قول الله تعالى في آخر سورة الأنفال {والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا} أي أن باب الهجرة ظل مفتوحاً وجوباً إلى أن فتحت مكة.
ومنها أيضاً: قبول النبي صلى الله عليه وسلم لمن هاجر إليه حتى فتحت مكة، كالعباس بن عبد المطلب حيث من المتفق عليه أنه كان آخر المهاجرين إلى المدينة وذلك قبل فتح مكة بأشهر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم {أنت آخر المهاجرين كما أنني آخر الأنبياء} ، وفي رواية أخرى {يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة} .
ومن الأدلة على استمرارية الهجرة ووجود مهاجرين آخرين غير السابقين ما رواه الإمام مسلم وأبو داود وغيرهما عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يؤمكم أقرأكم لكتاب الله فإن كانت قراءتكم سواء فأقدمكم هجرة} ، فيه دليل على وجود هجرة متأخرة وهجرة متقدمة.
ومن الأدلة أيضاً على وجود مهاجرين متأخرين كالمتقدمين وإن كانوا أقل سابقة وفضلاً، ما رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين وضع الديوان فضل الناس بالسابقة {ففرض لكل من شهد بدراً من المهاجرين الأولين خمسة ألاف درهم في كل سنة، وفرض لكل من شهد بدراً من الأنصار أربعة ألاف درهم، وفرض لكل من هاجر قبل الفتح ثلاثة ألاف درهم، ولمن أسلم بعد الفتح ألفي درهم} .

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:39 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ومن الأدلة أيضاً على استمرارية الهجرة ووجود صحابة غير المهاجرين الأولين وغير الأنصار، أولئك الذين هاجروا إلى الحبشة وقد أسلموا قديماً في مكة، ولم يهاجروا إلى المدينة إلا بعد هجرة السابقين الأولين، فمنهم من هاجر قبيل معركة بدر وحضرها، ومنهم من هاجر بعد ذلك، ومنهم من لم يهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد فتح خيبر أي بعد الهجرة الأولى بسبع سنوات، ولا يحق لأحد نفي الصحبة عنهم، ولا أن يقول عن صحبتهم أنها عامة لا خاصة أو لغوية لا شرعية، حسب مصطلحهم المزعوم، ومن هؤلاء الصحابة أبو موسى الأشعري، وجعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بنت عميس، وشرحبيل بن حسنة وأُمه، وعتبة بن مسعود، وخالد بن سعيد بن العاص وأخوه عمرو بن سعيد بن العاص، وعامر بن مالك بن أُهيب، وآخرون إلى قرابة ثمانين رجلاً وبضع عشرة إمرأة.
ومن الأدلة على وجود صحابة غير السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار: وجود المئات من غيرهم ممن حضر معهم معركة بدر وأُحد والخندق وبيعة الرضوان، بل قد وصل عددهم يوم فتح مكة عشرة آلاف صحابي، ويوم حنين إلى إثني عشر ألفاً، لا ينكر ذلك إلا جاهل أو مكابر.
ومن الأدلة أيضاً على وجود صحابة غير السابقين وأنهم مثلهم في المكانة والعدالة عندنا: ما رواه أحمد وغيره أن أعرابياً تطاول على بعض الأنصار فأُتي به إلى عمر، فقال عمر:"لولا أن له صحبة لكفيتكموه" ، فجعل صحبة الأعرابي كصحبة الأنصاري لا يجوز المس به ولو سب صحابياً آخر، له ما لجميع الصحابة من المكانة دون اعتبار لما يُسمى صحبة عامة وصحبة خاصة، وإلا لعاقبه كما عاقب ابنه عبيد الله لما سب المقداد بن الأسود ، مفرقاً رضي الله عنه بين الصحابة وبين ابنه عبيد الله، حيث لم يكن من الصحابة، فلم تثبت له رواية ولا سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أدركه .

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:40 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وعلى ما تقدم كله لم يبق مجال لنفي وجود صحابة غير السابقين الأولين إلا عند المنافقين المكابرين الحاقدين أصحاب الأهواء والبدع.
أما احتجاجهم على أن من أسلم بعد الحديبية وبعد فتح مكة لا يُعد من الصحابة بحديث {أنا وأصحابي حيز والناس حيز} وحديث {المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض، والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض} .
أما الحديث الأول: فأولاً: هو حديث ضعيف لانقطاعه، فلا أعلم له رواية إلا من طريق أبي البختري الطائي عن أبي سعيد الخدري، ولم يدرك أبو البختري أبا سعيد الخدري ، وكفى الله المؤمنين القتال، وثانياً: إنه يتعارض مع القطعي من أن كل من أسلم بعد الحديبية وبعد فتح مكة هم صحابة كما أسلفنا ذكره من قوله تعالى في سورة الأنفال آية(75) {والذين أمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأُولئك منكم} وقوله في سورة الحديد آية (10) {من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى} فهذان نصان قاطعان على أنهم منهم، وكذلك ما أوردناه من الأحاديث، وثالثاً: لو صح هذا الحديث ففيه دليل على أن كل من كان معه يوم الفتح هو من أصحابه سواء صحبه قبل الحديبية أو بعدها، سيما وأنه جاء في روايته أنه قاله يوم فتح مكة، وبذلك كله يبطل احتجاجهم به.


نائل أبو محمد 02-16-2014 08:41 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وأما الحديث الثاني: فأولاً: ليس مذمة أن يكونوا طلقاء فهو عفو لهم من الله ورسوله حينما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: {ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا خيراً، أخٌ كريم وابن أخ كريم، قال: إذهبوا فأنتم الطلقاء} ، وفي رواية أقول لكم كما قال يوسف لإخوته {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين} ، وقد كانوا نحوا من ألفي رجل، وفيهم من صار من خيار المسلمين كالحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وصفوان بن أُمية وعكرمة بن أبي جهل ويزيد بن أبي سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وحويطب بن عبد العزى وعتاب بن أسيد الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم مكة لما فتحها وأبي سفيان بن حرب الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم نجران لما فتحها وغيرهم.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:41 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ثانياً: لقد ثبت بالنص القطعي أنهم مؤمنون قال الله تعالى في سورة التوبة آية (26) {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين} فكان الطلقاء بهذه الآية من المؤمنين لأنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في تلك المعركة.
ثالثاً: معروف على ظاهر الكف أن الطلقاء والعتقاء ليسوا من المهاجرين والأنصار ولا بفضلهم، لكن القرآن جعلهم معهم في الأجر سواء، وجعلهم منهم في الولاية، قال الله عز وجل في سورة الحديد آية(10){لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى} وقال في سورة الأنفال آية (75) {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأُولئك منكم}.
رابعاً: إن كان قصدهم من وراء ذلك إخراج معاوية بن أبي سفيان من الصحابة ظانين أنه أسلم بعد الفتح، فهو ظن لا يغني من الحق شيئاً، لأنه رضي الله عنه أسلم عام القضية أي عام الحديبية قبل فتح مكة، وأخفى إسلامه عن أبيه على ما ذكره أهل السير كابن سعد وابن عساكر والطبري والبغدادي والذهبي وغيرهم بأسانيد متعددة .
ومما يؤكد أنه ليس من الطلقاء مع أنها ليست تهمة كما قد علمت، فقد كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بعد الفتح، في حين كان الطلقاء ممنوعين من الهجرة إليها، كصفوان بن أُمية، فإنه لما قدم مهاجراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالرجوع قائلاً له: {إرجع أبا وهب إلى أباطح مكة فقروا على سكنتكم فقد انقطعت الهجرة ولكن جهاد ونية} .

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:44 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
أما الدليل على أنه كان في المدينة، أنه قام ببعض الأعمال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها: أنه كُلف بالذهاب مع وائل الكندي لتسليمه أرضاً أقطعها إياه، وكان ذلك في المدينة ، ومنها: أنه آخى بينه وبين الحتات المجاشعي وكان ذلك يوم وفد عليه في المدينة ، ومنها: أنه كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه كان في المدينة ، ومنها: أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مئة وستين حديثاً لم يحفظ عددها أحد من الطلقاء ، ومنها: أنه أشهده على ما أقطعه للداريين ، كل ذلك يدل قطعاً على أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، كما وأنه ممن اتفق على صحبته عند الصحابة والتابعين وتابعيهم منذ العصور الأُولى الممدوحة، والحمد لله الذي تتم بنعمه الصالحات.

نائل أبو محمد 02-16-2014 08:51 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
الأحد 16 ربيع الثاني 1435

وصلنا الى صفحة رقم 42 من الكتاب وهي تحت عنوان

الصحابة كلهم عدول:

يتبع النشر بالغد إن شاء الله

وما هذا إلا تذكير وبيان لمكان الوصول .

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:12 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
الاثنين 17 ربيع الثاني 1435

الصحابة كلهم عدول:
بعد أن عرفت من هم الصحابة وعرفت أدلة عدالتهم، ينبغي أن تعرف أيضاً أن كل من ثبت كونه صحابياً على طريقة جمهور أهل الفقه والأصول والحديث واللغة، فهو عدل ثقة بإجماع أهل الإسلام على مر العصور ، ما عدا الخوارج والشيعة ومن لف لفيفهم من منافقين وأهل أهواء وبدع، فهم يُفسقون ويُكفرون جميع الصحابة ما عدا نفر قليل، وقصدهم من ذلك الطعن في المنقول إلينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قد علمته عن أحد زنادقتهم قبل أن يقتله الرشيد، وليس لهم على مذهبهم هذا سوى تأويلات سخيفة وادعاءات باطلة لا يصح منها شيء، وما صح سنده فهو إما آحاد لا يقاوم القطعي، وإما ضعيف المتن أو مُتأوَّل لا يصلح في الأحكام فضلاً عن المغيبات، كما ستعرفه لاحقاً.
ومن أهم ما يدّعونه دليلاً على عدم عدالة كل الصحابة:
أولاً: قوله عليه الصلاة والسلام في حديث الحوض {وإنه سيجاء برجال من أُمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقاً سحقاً} وفي لفظ {فيقول: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم} .
ثانياً: ادّعاؤهم أن في الصحابة فساقاً وفجاراً، كالحكم بن أبي العاص ومروان بن الحكم والوليد بن عقبة وحرقوص بن زهير وبسر بن أبي أرطأة وأبي الأعور السلمي وعمرو بن الحمق وكركرة غلام النبي والرجل الذي تزوج زوجة أبيه.
ثالثاً: ادّعاؤهم أن الصحابة اقتتلوا وقتل بعضهم بعضاً فيما يُسمى الجمل وصفين، وقالوا من كانت هذه حاله فليس بعدل بل هو فاسق عاص لله تعالى، لا تُقبل روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بغية إلغاء السنة النبوية.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:13 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
أما بالنسبة لحديث الحوض فإنه مردود رواية ودراية فلا تقوم به حجة على ادّعائهم.
أما رده رواية: فإنه حديث مضطرب المتن، فمرة روي بلفظ {رب أصحابي} ، على الكثرة، ومرة بلفظ {رب أُصيحابي} ، على القلة والتصغير، ومرة بلفظ {رب أُمتي} ، على العموم، ومرة بلفظ {رب قومي} ، على الخصوص، ومرة بلفظ {رب رهطي} ، على أخص الخصوص، ومرة يدعو عليهم بلفظ {سحقاً سحقاً} ، ومرة يدعو ويتوسل لهم بلفظ : فأقول كما قال العبد الصالح {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} ، فكما ترى فإن الحديث ورد بألفاظ مختلفة مضطربة لا يمكن الجمع بينها، وما كان هذا حاله من الاضطراب فإنه موجب للضعف كما هو مقرر في أُصول ومصطلح الحديث ولو كان صحيح الإسناد، فلا تقوم به حجة في الأحكام فضلاً عن الأُمور الغيبية .

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:13 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وأما رده دراية فمن وجوه:
أحدها: أنه يتعارض مع القرآن والسنة في أن كل من صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة لا من أهل النار، كما تقدمت الأدلة عليه في حق المبشرين العشرة، وفي حق المهاجرين والأنصار، وفي حق أهل بدر وأُحد والرضوان، وفي حق الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، هؤلاء هم أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذين أخبر القرآن والسنة بالأدلة القاطعة أنهم من أهل الجنة، ولم يثبت عن أحد منهم ارتد أو حتى فسق ومات دون توبة، فلا يستقيم البتة أن يُلغي ذلك حديث ولو كان صحيحاً، فكيف بحديث مضطرب المتن يخضع للظن والاحتمالات، فمن باب أولى أن لا تقوم به حجة في ذلك.
ثانيها: إن هذا الحديث يصطدم مع القرآن والسنة أيضاً في أن الصحابة لن ولم يرتدوا، قال الله تعالى من سورة التحريم آية(8) {يوم لا يُخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} ومعلوم أنه لا يأمن من الخزي في ذلك اليوم إلا الذين ماتوا والله ورسوله عنهم راض، وهذا خاص بأصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى {والذين آمنوا معه} ولم يقل {آمنوا به} وهذا ما عليه أئمة المسلمين وفقهاؤهم على مر العصور .
وكذلك يصطدم مع حديث عقبة بن عامر الثابت المتفق على صحته {وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها} ، فهو صريح في أنهم لن يشركوا ولن يرتدوا فهو قَسَمٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
فهذان النصان من الكتاب والسنة كفيلان برد حديث ردة الصحابة ولو كان صحيحاً غير معتل، فكيف وهو مضطرب المتن؟!!! فمن باب أولى أنه يُرد ولا تقوم به حجة في هذا الموضوع.
ثالثها: على فرض سلامته من العلل والمعارضة، فإنه يحتمل أكثر من معنى، فقوله صلى الله عليه وسلم {رب أصحابي} يحتمل معنى مجازياً غير ما زعموه، أي الذين على ديني، لا في خصوص الصحابة، كما تقول أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة، أي الذين على مذهبهما ورأيهما ولو لم يلتقوا بهما، ويدل عليه ما جاء في بعض الروايات {رب أُمتي}.
وأما قوله {رب أصيحابي} على التصغير والقلة، فيحتمل أنه أراد المنافقين الإثني عشر بقوله صلى الله عليه وسلم {في أصحابي إثنا عشر منافقاً لا يدخلون الجنة} ، فيحتمل أنهم دخلاء بين الصحابة لقلتهم لا أنهم من صحابته، لأنه قال {في أصحابي} ولم يقل {من أصحابي} ثم إن هؤلاء الإثني عشر قد انكشفوا حين همّوا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق عودته من غزوة تبوك، وأخبر حذيفة عنهم وعن أسمائهم ، وفيهم نزل قول الله تعالى {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا} ، وقيل هم أهل مسجد الضرار ، وسواء عرفناهم أم لم نعرفهم، فإنه لم يثبت لأحد منهم رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يكونون من الصحابة إلا على سبيل الانتساب لهم ادعاءً وكذباً، سيما وأن الله تعالى قد أخبر عن كفرهم في الآية آنفاً.
أما ما يقال بأنهم لما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث من يقتل أولئك المنافقين، قال: {أكْرَهُ أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه} ، فهو على اعتبار الظاهر من أحوالهم عند الناس، لا على اعتبار أنهم صحابة لا شرعاً ولا لغةً ولا عرفاً، وهذه المقولة قالها أيضاً في حق ابن أُبي بن سلول حينما طلب عمر قتله ، ولم يقل عنه أحد أنه من الصحابة ومن أهل الرضا، وبهذه الاحتمالات يسقط الإستدلال بحديث الحوض على ما أرادوه من هذا الوجه أيضاً.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:14 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
رابعها: إنه يخالف الواقع حيث الثابت على ظاهر الكف أن الصحابة رضي الله عنهم قاموا بمحاربة المرتدين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل قطعاً على أنهم ليسوا منهم، إلا أن يقال بأن مسيلمة والعنسي ومن ارتد معهما عن الإسلام هم أهل حق وأن الصحابة أهل باطل، ولا يقول هذا من كان في قلبه ذرة إيمان أو مسكة عقل.
خامسها: لقد أورد الزاعمون بردة الصحابة ما يناقض ادّعاءهم ويسقطه، فقد أوردوا في كتبهم أن قرابة ثلاثة آلاف صحابي من المهاجرين والأنصار قاتلوا مع علي في صفين والجمل كما ستعرفه في موضعه، مما يعني حسب هذا الادعاء أن آلافاً من الصحابة لم يرتدوا، لا كما يزعمون من أنهم بضعة نفر لا يتجاوزون الثلاثة أو الخمسة.
أما بالنسبة لادعائهم أن في الصحابة فساقاً وفجاراً، كالوليد بن عقبة، وحرقوص بن زهير، وبسر بن أبي أرطأة، ومروان بن الحكم، والحكم بن أبي العاص، وأبي الأعور السلمي، وكركرة الغلام، وعمرو بن الحمق، والرجل الذي تزوج زوجة أبيه وغيرهم.
فهؤلاء ومن كان على شاكلتهم ممن لهم هنات، حتى ولو كانوا ثقات فليسوا صحابة، بمعنى أنه لم تثبت صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولو رأوه، فإن الصحبة هي المعاشرة والملازمة لا مجرد الرؤية، وهذا مذهب الغالبية العظمى من أهل الحديث والفقه والأُصول والعرف واللغة كما تقدم بيانه في صدر هذا البحث، ولا حاجة لإعادته هنا، وأكثر ما يمكن أن يقال إنه اختلف في صحبتهم كما هو في كتب التراجم، فلا يمكن الجزم لهم بها، بل يمكن الجزم بأنهم ليسوا صحابة، فإضافة إلى عدم انطباق تعريف الصحبة عليهم، فإنه لا ينطبق عليهم أي طريقة من الطرق في معرفة كونهم صحابة، لا بالتواتر ولا بالاستفاضة ولا بالآحاد، على ما اتفق عليه بين العلماء آنفاً.
ثم أضف إليه أيضاً أنه لم يثبت على أي صحابي ثبتت صحبته بالطرق المتفق عليها أنه صدر منه ما يخرم المروءة والعدالة، وبذلك كله تسقط مقولتهم صحابي محسن وصحابي مسيء، بل كل من ثبتت صحبته فإنه محسن مرضي، وما ظُن أنه أساء فقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم منا أن نتجاوز عنه، بقوله {أهل بيتي والأنصار كرشي وعيبتي فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم} ، وكفى الله المؤمنين القتال.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:14 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وأما بالنسبة لادّعائهم وزعمهم أن الصحابة اقتتلوا في صفين والجمل وقتل بعضهم بعضاً، فهو عماد دعوة الشيعة ومن لف لفيفهم من معتزلة ومنافقين وحاقدين على الإسلام ونقلته، وهو ادّعاءٌ وزعم باطل مردود رواية ودراية:
أما رده رواية:
أولاً: ليس لهم عليه إسناد يثبت سوى أقاويل وروايات تاريخية تالفة، أو أخبار آحاد ضعيفة، وفي أحسن أحوالها مضعفة مختلف عليها لا تقوم بها حجة في موضوع الإيمان والكفر ولا في موضوع العدالة والفسق كما ستعرفه لاحقاً.
ثانياً: أن رواياته مضطربة المتن متباينة.
ثالثاً: أنها نقلت نقلاً آحادياً يتعارض مع مفهوم قاعدة عموم البلوى.


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:39 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.