من فقه القرآن : (القوامة)
من فقه القرآن الشيخ الدكتور محمد سليم محمد علي خطيب المسجد الأقصى المبارك عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قال الله تعالى : ( الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) سورة النساء : 24 فقه الآية الكريمة فيما يلي: لأن القوامة واجب غائب عن الأسرة المسلمة في هذا الزمان ، رأيت أن أضع بين يدي الزوجين بعض معالمها وأسسها ، كي يصلح حال الأسرة ، وتنهض بواجباتها في إصلاح المجتمع المسلم وصلاحه ، فأقول : أولا : القوامة هي : رئاسة الزوج للأسرة للقيام بتدبير شؤونها ،وتأديب من هم تحت يده من زوجة وذريّة ، و سياستهم بما شرع الله تعالى أمرا بالمعروف ، ونهيا عن المنكر ، وذوذا لهم عن كل أذى. ثانيا : والقوامة التي أوجبها الله على الرجل، لا تعني الاستبداد أو الاستعباد للزوجة وللأولاد ، بل تعني الشورى بين الزوجين فيما يخصّ شؤون الأسرة والذريّة ، وإشراك الأولاد ذكورا وإناثا إذا بلغوا فيها بقدر الحاجة . ثالثا : ولا تعني قوامة الرجل على الزوجة أن تترك أمره بالمعروف ، ونهيه عن المنكر ، ولو كان مستبدا ، بل يجب عليها ذلك بما أمكنها ، وأن تحوطه بنصحها بكل أسلوب يصلح ، حتى تظل الأسرة صالحة ، ومصنعا للأجيال النافعة لدينها وأمّتها ،وقد ورد في هذا الشأن نصوص شرعية عديدة تأمر به منها قوله صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ... ) رواه مسلم . والأمر بواجب الأمر والنهي يشمل الرجل والمرأة على السواء. رابعا : وقوامة الرجل على الأسرة توجب عليه النفقة عليها، وبعض الأزواج يترك هذا الواجب ، ويعتمد على الزوجة في النفقة عليه وعلى أولاده من غير سبب ، وهذا من ضعف الايمان ، وسوء الأخلاق ، وانعدام المروءة عنده . وهذا سبب من أسباب انهيار الأسرة ،وانفلاتها الاجتماعي ،وتساقط بعض أفرادها أخلاقا وسلوكا . خامسا : وليعلم الزوج أنه إذا ترك النفقة على زوجته من غير عذر مقبول شرعا ، فإن قوامته عليها تسقط ، فلا يكون قواما عليها ، وفي هذه الحالة يحق للزوجة طلب فسخ عقد الزواج ، لأن النفقة من مقصود عقد الزواج ، ولأن الجوع لا صبر عليه ، ولأن الزوجة تقول لزوجها ( إمّا ان تطعمني، وإمّا أن تطلقني ) صحيح البخاري، وهذا أمر على الأزواج فقهه جيدا ، خصوصا الذين يسمحون لزوجاتهم طرق أبواب الأماكن التي تؤدي إلى التهلكة من أجل الحصول على المال، وهي أماكن شبهة ، لا ينبغي للمسلم أن يلجها ، أو يسمح لأهله بذلك . سادسا : وترك بعض الأزواج النفقة على الزوجات والأولاد من غير عذر مقبول ، ظاهرة عند بعضهم في مجتمعنا الفلسطيني ، ممّا يؤدي الى الشقاق والنزاع بين الزوجين ، وإلى تحويل حياة الأولاد إلى تشرد وضياع ، وإلى بحث عن القوت بأي سبب من الأسباب ، وهذا يوجب على العلماء ، ومن بأيديهم زمام الأمور أن ينهضوا له ، وأن يعملوا على إنهاء هذه الظاهرة المدمّرة للأسرة ثمّ للمجتمع . سابعا : ومن معاني القوامة الرئيسة ، أن يذبّ الرجل عن أسرته بكل الأسباب المشروعة ، فيعمل على حمايتها من الفساد العقائدي ، والانحراف الأخلاقي من خلال التربية السليمة ، القائمة على حبّ الله وطاعته ، وعلى حبّ رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعته ، واتباع هديه وسيرته ، والتربية عل حبّ القرآن الكريم ، والتزام أمره ، واجتناب نهيه ، وإشغال أوقات من تحت يده بكل نافع ومفيد من علم وعمل ، وأن يبعدهم عن مواطن الزلل ويحرص على ذلك ، كحرصه على وقايتهم من كل مرض عضوي ، فإن قصّر في ذلك كله كما نرى من بعض الرجال في هذا الزمان ، فقد باء بغضب من الله وسخط ، واستحقّ الوعيد بعذاب النار ، الذي حذّر الله تعالى الآباء منه ، فقال ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ...) سورة التحريم :6 ، وسيتعرض إلى عذاب الخزي يوم القيامة حين يهرب من لقياهم في المحشر لئلا يطالبوه بما لهم عليه من تبعات ، كما قال الله تعالى ( يوم يفرّ المرء من أخيه وأمّه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرىْ منهم يومئذ شأن يغنيه) سورة عبس : 34-37 ثامنا : ولا يجوز للزوجة أن تكون عامل هدم للأسرة برفضها قوامة الرجل عليها كما تفعل بعض النساء المضبوعات بالفكر العلماني الكافر ، فتحسب أنها إن أنفقت على البيت ، أو شاركت بالنفقة عليه ، فقد سقط حق الزوج بالقوامة عليها ، وهذا قول متهافت ، لأن الرجل استحقّ القوامة بأمر الله تعالى ، وأمر الله يجب طاعته والعمل به ، ولأن قوامة الرجل على المرأة ليست بسبب النفقة عليها فقط وإنما لأن الله ميزّ الرجل عن المرأة في الخلق ، فوهبه ميزات جعلته مؤهلا للقوامة ، وهي غير موجودة في المرأة ، قال الله تعالى ( الرجال قوّامون على النساء بما فضلّ الله بعضهم على بعض ، وبما أنفقوا من أموالهم ) سورة النساء :34 تاسعا : ويمكن إجمال أهم مظاهر القوامة بما يلي : الأول : قيام الزوج بواجب النفقة ، وعدم إهماله، أو التقصير فيه . الثاني : السمع والطاعة من الزوجة والأولاد للزوج والأب فيما ليس فيه معصية لله تعالى . الثالث : قيام الزوجة والأولاد بواجب النصح ، وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للزوج والأب ، بما يتناسب من الأساليب والوسائل . الرابع : أن يعمل الرجل بكل ما أوتي من علم وجهد ومال ، للقيام بواجب التربية السليمة للزوجة والذريّة . الخامس : ومن مظاهر القوامة أن يجلس الرجل مع زوجته وأبنائه أثناء النهار ، وألاّ ينشغل عنهم بأقرانه ، أو بإضاعة وقته في المقاهي ، أو المنتديات العامة والخاصة على حساب أسرته ، فوجود الزوج في البيت جزء مهم من القوامة ، وعملية التربية . السادس : أن يحرص الزوج على أن يكون قدوة حسنة لزوجته وذريّته بالأقوال والأعمال . عاشرا : وليس من القوامة : أولا : الاستبداد بالرأي ، فقد يكون رأي الزوجة ، أو بعض الأولاد أصوب من رأي الزوج . ثانيا : علاج أخطاء الزوجة والأولاد بالضرب ، فأساليب التربية عديدة لا حصر لها ، ولكل خطأ أسلوبه ، والضرب هو آخر الأساليب ، وإذا حصل فله ضوابطه وشروطه ، وقد جعله الله تعالى آخر العلاج عند نشوز الزوجة ، فقال تعالى (واللاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ ) سورة النساء :34 ثالثا : إهمال الزوج تربية الأولاد ، والانشغال عنهم بالدنيا الفانية . رابعا : رفض الزوج النصح والأمر والنهي ، وهذا لجهله ، وضعف إيمانه . خامسا : اعتماد الزوج على الزوجة بتحصيل النفقة ، وهو قادر على الكسب . سادسا : سماح الزوج لزوجته وبناته الخروج من البيت متبرجات ، وهذا من الدياثة التي لا تليق بالرجال ، ولا تدل على كمال الايمان . سابعا : قلة صبر الزوج على أذى الزوجة ، فإن من المروءة وأخلاق المسلم الصبر واحتمال الأذى وبخاصة من أقرب الناس إليه، أعني زوجته ، التي هي حبيبته وصاحبته ، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا يفرك مؤمن مؤمنة ،إن كره منها خلقا رضي منا خلقا آخر ) رواه مسلم و أخيرا فإن القوامة أهم المرتكزات التي يقوم عليها بنيان الأسرة المسلمة ، فإذا فقدت انهار بنيانها ، وإذا وجدت ظلت الأسرة لبنة قوية في بنيان المجتمع المسلم ، وأساسا من أسس قوته وبقائه ، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ... والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته ) متفق عليه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم |
جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 07:44 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.