رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
ثانياً: لم يثبت أن الذي قتله ممن اتفق على صحبته، بل اختلف فيمن قتله أيضاً، فقيل أبو الغادية، وقيل عقبة بن عامر الجهني وقيل عمرو بن الحارث الخولاني وقيل شريك بن سلمة ، وقيل جوى بن ماتع السكسكي، وقيل غيرهم ، وهذا مما يشكك أيضاً فيما زعم أن الصحابة اقتتلوا وأنه قتل بعضهم بعضاً.
ثالثاً: أنه اختلف أيضاً فيمن هي الفئة الباغية في الحديث هل هم فئة معاوية أم هم قتلة عثمان أم غيرهم، ففي تاريخ بغداد وتاريخ دمشق عن دحيم وهو عبد الرحمن بن ابراهيم الدمشقي "يرفض أن تكون الفئة الباغية أهل الشام" ، ويعتبرها محب الدين الخطيب قتلة عثمان لأنهم سبب كل الفتن بعد قتلهم عثمان ، ويقول ابن تيمية: إن عماراً تقتله الفئة الباغية ليس نصاً في أن هذا اللفظ لمعاوية وأصحابه، بل يمكن أنه أُريد به تلك العصابة التي حملت عليه حتى قتلته وهي طائفة من العسكر، ومن رضي بقتل عمار كان حكمه حكمها، ومن المعلوم أنه كان في معسكر معاوية من لم يرض بقتله . أقول: لا خلاف أن قتلة عثمان فئة باغية بغوا عليه، وأن فتنة الجمل وصفين كانتا بسبب ذلك، حيث من المعروف على ظاهر الكف أن طلب طلحة والزبير وعائشة يوم الجمل هو إقامة الحد على قتلة عثمان لا قتال علي بن أبي طالب والصحابة كما تقدم ذكره، وكذلك كان طلب معاوية، فطلب منهم علي أن يتريثوا ويدخلوا في الطاعة حتى تستقر الأمور، فاستغل قتلة عثمان الذين كانوا يُسمون بالثوار هذا الخلاف وقاموا بتحريض كل الأطراف على القتال فكان ما كان يوم الجمل كما تقدم بيانه ، وكذلك كانوا يوم صفين من ضمن جيش علي بن أبي طالب عنوة، كما كانوا يوم الجمل، فكان عددهم يوم صفين أضعاف عددهم يوم الجمل، بل وكان منهم قادة في جيش علي في الوقعتين، كالأشتر النخعي وحكيم بن جبلة وشبث بن ربعي وشريح بن أبي أوفى وعمرو بن الحمق وحرقوص بن زهير وغيرهم، بل وصور لنا كذبة المؤرخين كأن جيش علي لم يكن فيه أحد سواهم، وقد انكشفت نواياهم يوم صفين أيضاً حين وافق علي على الصلح مع معاوية رضي الله عنهم أجمعين ووافق على التحكيم، فرفضوا ذلك وأصروا على الحرب، ولما لم يجبهم علي لذلك، اخترعوا مقولة "حكمت الرجال لا حكم إلا لله" ثم انخزلوا عنه وتحصنوا بعيدا وسُموا بالخوارج، فانكشفوا وكان ذلك سبباً في هلاكهم وحربهم في معركة النهروان على يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولم يعرف عن أحد من الصحابة خلاف له في ذلك ، وقُدّر عددهم حينها بإثني عشر ألف مقاتل، رجع منهم ثمانية آلاف وقتل الباقي، وهذا من أكبر الأدلة على أن صفين والجمل كانتا بأمر قتلة عثمان وبتصرفهم عنوة، فكانوا بحق فئة باغية، فقد بغوا على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في موقعة الجمل كما تقدم بيانه، وبغوا على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في صفين كما قد علمت من تحريضهم علياً على القتال والقيام بأعمال كثيرة دون الرجوع إلى علي، ورفضهم الصلح والتحكيم، وأخيراً بغوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما انحازوا إلى النهروان، بل وبغوا عليه حينما قتلوه رضي الله عنه. |
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
ثم هنالك شروط لمن يعتبر فئة باغية إضافة إلى عدم قتالهم قتال إبادة: أن لا يُبادأوا بالقتال إلا بعد رفض الصلح قال الله تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأُخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} ولم يحصل قتال بين معاوية وعلي رضي الله عنهما بعد الصلح، فكيف يكون معاوية باغياً؟!!.
ثم هنالك أمارات وشواهد تدل على أن ما وقع في صفين والجمل إنما هو قتال فتنة لا قتال بغاة، أنه جاء عن الصحابة والتابعين لهم صراحة أن ما حصل في الجمل وصفين إنما هو فتنة، ففي مسند الإمام أحمد عن مطرف بن الشخير قال: "قلنا للزبير رضي الله عنه يا ابا عبد الله ما جاء بكم ؟ ضيعتم الخليفة حتى قتل-يعني عثمان- ثم جئتم تطلبون بدمه، قال الزبير: إنا قرأنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} لم نكن نحسب إنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت" ، وفي مسند الإمام أحمد " أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتى أهبان بن صيفي فقال: ما يمنعك من اتباعي، قال: أوصاني خليلي وابن عمك صلى الله عليه وسلم أنه ستكون فتنة وفُرقة، فإذا كان ذلك فاكسر سيفك واتخذ سيفاً من خشب، فقد وقعت الفتنة والفرقة وكسرت سيفي واتخذت سيفاً من خشب" ، وقال سعيد بن المسيب: "وقعت الفتنة ولم يبق من المهاجرين أحد" ، وعن ابن سيرين قال: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف فلم يشارك منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين" ، وعن الشعبي قال: "لم ينهض في تلك الفتنة غير ستة بدريين" ، وقال الزهري: "وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله متوافرون، فأجمعوا على أن كل مال أو دم أُصيب بتأويل القرآن فإنه هدر" . |
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
ومن هذه الأمارات أيضاً أن كل طرف كان يدعي على الطرف الآخر أنه الباغي، ففي تاريخ دمشق وبغية الطلب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أهل صفين قال: "زعموا أنا بغينا عليهم، وزعمنا أنهم بغوا علينا" ، وهذا يعني اشتباههم فيمن هو الباغي، وهذا هو عين الفتنة كما أخبر عنها حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل، فلم تدر أيهما تتبع فتلك الفتنة" ، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لعبد الله بن بديل وقد رأى رؤيا فقصها على أبي بكر، فقال له أبو بكر: "إن صدقت رؤياك فإنك ستُقتل في أمر ذي لبس، فقُتل في صفين" .
ومن الأمارات أيضاً: أن أهل الجمل وصفين مأجورون على اجتهاداتهم، الطالب منهم والمطلوب مع التفاوت في الأجر والفضل، وذلك أن أبا سلام الدالاني سأل علياً: هل لهؤلاء القوم حجة فيما طلبوا من هذا الدم إن كانوا أرادوا الله في ذلك؟ قال: نعم، قال: فهل لك من حجة في تأخير ذلك؟ قال: نعم، قال: فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غداً؟ قال: إني لأرجو أن لا يقتل منا ومنهم أحد نقى قلبه لله إلا أدخله الجنة" ، وقال في أهل صفين: "من كان يريد وجه الله منا ومنهم نجا" ، وقال: "قتلاي وقتلى معاوية في الجنة" ، فلو كانوا بغاة فلا أجر لهم، ومن هذا المنطلق اعتبر المجتهد المصيب والمجتهد المخطئ في هاتين الفتنتين مأجوراً، لاشتباهها عليهم، لا على اجتهادهم في البغي كما يظنه البعض، لأن البغي في اللغة هو الظلم: فالبغاة جمع باغ، فمن بغى على الناس ظلم واعتدى، وبغى سعى بالفساد . |
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
ومن الأمارات الدالة على أن قتالهم كان قتال فتنة لا قتال بغي، تخلف الغالبية العظمى من الصحابة عنه، فلو أن أهل الجمل وصفين كانوا بغاة حقاً وقطعاً لما صح أن يتخلف أحد من الصحابة عن قتالهم من غير عذر، ولكنها حرب فتنة اشتبهت عليهم، فلم يشاركوا فيها بخلاف مشاركتهم لعلي في قتاله للخوارج لأن بغيهم كان واضحاً لا لبس فيه، فيتضح بذلك الفرق بين قتال الفتنة وقتال البغاة.
ومن الأمارات التي تدل على أن تلك الحروب إنما هي حروب الفتنة لا حروباً ضد بغاة أيضاً إضافة إلى عدم مشاركة جمهور الصحابة فيها، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ندم ندماً شديداً على قتاله لهم، فقال يوم الجمل: "وددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة" ، وقال يوم صفين: ليت أني مت قبل هذا بثلاثين سنة" ، وفي رواية قال وهو عاض على شفته "لو علمت أن الأمر يكون هكذا ما خرجت" ، وقال أيضاً: "لله در مقام عبد الله بن عمر وسعد بن مالك -وهما ممن اعتزلا الفتنة- إن كان براً إن أجره عظيم وإن كان إثما إن خطره ليسير" ، وفي رواية "لله منزل نزله سعد بن مالك وعبد الله بن عمر، والله لئن كان ذنباً إنه لصغير مغفور، ولئن كان حسناً إنه لعظيم مشكور" ، في حين لم يندم على حربه للخوارج ولم ينكر عليه أحد من الصحابة حربه لهم ، مما يدلل على أن حربه لأهل صفين والجمل لم يكن فرضاً، وإلا لم يصح منه الندم على القيام بما فرضه الله عليه. فإن قيل بأنه روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه وصفهم بالبغاة حين قال "إخوة لنا بغوا علينا". |
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
الجواب عليه: أن هذا القول قد قاله مرة في الخوارج ، ومرة قاله في أهل الجمل، ولم أر من أثبته عنه أنه قاله في أهل صفين، ثم أصح الروايتين عنه ما قاله في الخوارج، لأن إسناد الرواية عنه أنهم أهل الجمل ضعيفة كما في مصنف ابن أبي شيبة وسنن البيهقي ، فمرة رويت منقطعة من طريق أبي البختري الطائي ولم يدرك علياً ولا رآه ، وفيه تشيع أيضاً ، ومرة رويت بإسناد فيه أحمد بن عبد الجبار: ضعفه جميع أهل العراق . فإن قيل يمكن حمل قوله على الجميع!!.
|
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
الجواب: لم يساوي علي رضي الله عنه ولا أحد من الصحابة ولا من بعدهم بين الخوارج وبين أهل صفين والجمل، لا في فروع ولا في أُصول ولا في معاملة ولا في حرب ولا في أخذ ولا في رد ولا في تأويل ولا في أجر وثواب، أضف إليه أنه لم يكن أحد من الصحابة معهم كما قد علمت، لذا فوصفهم بالبغاة أدق وأصوب من وصف أهل الجمل وصفين، إضافة إلى افتعالهم للحروب بين المسلمين في هاتين الوقعتين كما تقدم ذكره.
ثم إن الذي يقول عن طلحة والزبير أنهم بغاة وهم من أهل الجنة قطعاً، يلزمه أن يقول بأن الحسين بن علي بن أبي طالب باغ على يزيد بن معاوية الخليفة المبايع من معظم الأُمة، علما أن الحسين من أهل الجنة أيضاً مع أن طلحة والزبير أفضل منه قطعاً، فإذا لم يلزم سقط اللزوم عن الجميع. فإن قيل هذا قياس مع الفارق، حيث أن الحسين أفضل من يزيد، الجواب: هذا صحيح، لكن الفضيلة وعدمها لا يؤثران في تطبيق الأحكام، قال عليه الصلاة والسلام "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" ، ثم الصحيح أيضاً أن طلحة والزبير أفضل من الحسين، وقد وصفوهم بالبغاة، وأن عبد الله بن الزبير أفضل من يزيد ومن مروان بن الحكم وأولاده، وقد وُصف بالباغي، ثم إن الحسن بن علي وهو أفضل من معاوية بن أبي سفيان قد تنازل لمعاوية عن الخلافة، وهذا دليل مجمع عليه قاطع على أن إمامة المفضول مع وجود الأفضل سائغ شرعاً شريطة أن يكونوا من قريش. |
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
فإن قيل بأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قد وصف أهل صفين بالبغاة بقوله: " لم أجدني آسى على شيء إلا أني لم أُقاتل الفئة الباغية مع علي" .
الجواب عليه: ليس فيه صراحة أنهم أهل صفين، بل جاء عنه تصريح بغيرهم مما يعني حمل عموم هذه الرواية على خصوص ما جاء في غيرها، ففي سنن البيهقي الكبرى أنه رضي الله عنه سئل عن الفئة الباغية فقال: "ابن الزبير بغى على هؤلاء القوم فأخرجهم من ديارهم ونكث عهدهم" ، وفي رواية ثانية من طريق ابن عساكر "أنها الحجاج بن يوسف الثقفي" ، فيسقط بذلك اعتراضهم. ورابع الأجوبة: أنه لم يثبت عن عمار رضي الله عنه أنه قُتل في نِزال أو مبارزة مع أحد ممن اتفق على صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، بل قُتل غيلة كما قُتل طلحة والزبير يوم الجمل، فلم يثبت عن أحد من الصحابة ممن كان مع معاوية على قِلِّتهم أنهم أمروا بقتل عمار أو حرضوا على قتله. فهذا الاختلاف في صحة حديث "تقتل عماراً الفئة الباغية" وفي دلالاته يزيد في عدم صراحته اقتتال الصحابة فيما بينهم، فلا يصلح في اتهام وجرح من ثبتت عدالته بالقطع واليقين، بل إن إنكار العلماء لصحته أسلم لديننا، كإنكار أي رواية تتعارض مع القطعي، أو فيها ضعف ونكارة ولو رواها البخاري ومسلم وغيرهما فلا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو المعهود عند أئمة العلم منذ العصور الممدوحة، ولذلك استدرك أبو علي الغساني وأبو مسعود الدمشقي وغيرهما عدة أحاديث على الصحيحين، بل أعل الدارقطني أكثر من مائة حديث في الصحيحين ، وضعف أحمد بن حنبل حديث الاستخارة وقد رواه البخاري ، وضعف حديث {أيما إهاب دبغ فقد طهر} وقد رواه مسلم، وضعف الباجي حديث {إن إبني هذا سيد} وقد رواه البخاري، وضعف ابن معين والدارقطني حديث {كان للنبي فرس يقال له اللحيف} وقد رواه البخاري ، إلى غير ذلك. |
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
فإن قيل: إن بإنكاره تُنكر إمامة علي بن أبي طالب!!.
الجواب: إن إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثابتة ببيعة جمهور الصحابة له من أهل المدينة، وليس من هذا الحديث، كما وأنه وحده خليفة المسلمين في عصره لم ينازعه أحد على ذلك لا طلحة ولا الزبير ولا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين، وما قيل أن معاوية نازعه الخلافة فمن تأليف كذبة المؤرخين، ويكفي للرد عليه أنه ورد عنه رضي الله عنه بأسانيد رجالها ثقات ما يبطل دعواهم ويكشف كذبهم، فعن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية: أنت تنازع علياً في الخلافة أو أنت مثله؟ قال: لا، وإني أعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً وأنا ابن عمه ووليه أطلب بدمه وأمره إلي؟ فقولوا له: فليسلم إلي قتلة عثمان وأنا أُسلم له الأمر" ، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن أبي بردة قال: "قال معاوية ما قاتلت عليا إلا في أمر عثمان" ، وفي تاريخ دمشق وأنساب الاشراف وغيرهما عن ابن شهاب الزهري قال: "لما بلغ معاوية هزيمة يوم الجمل وظهور علي، دعا أهل الشام للقتال معه على الشورى والطلب بدم عثمان، فبايعوه على ذلك أميراً غير خليفة" ، وفي البداية والنهاية لابن كثير من طريق ابن ديزيل أن أبا الدرداء وأبا أُمامة دخلا على معاوية، فقالا له: يا معاوية، علام تقاتل هذا الرجل؟ فوا الله إنه أقدم منك ومن أبيك إسلاماً، وأقرب منك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحق بهذا الأمر منك، فقال: أُقاتله على دم عثمان، وأنه آوى قتلته، فاذهبا إليه فقولا له: فليقدنا من قتلة عثمان، ثم أنا أول من يبايعه من أهل الشام" ، وفي هذه الآثار دليل أيضاً أن معاوية لم يتطاول على علي بن أبي طالب لا كما زعم كذبة المؤرخين من شيعة وغير شيعة، وأنه يعترف بفضله وحقه، وقد تقدم ذكره بالتفصيل آنفاً والحمد لله الذي تتم بنعمه الصالحات. |
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
ومن الأحاديث التي توهموا أن فيها دليل على اقتتال الصحابة فيما بينهم وهي كفيلة بإسقاط عدالتهم، حديث الصحيحين: "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة" .
الجواب عليه: أولاً: فوق كون هذا الحديث خبر آحاد لا يفيد إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً، فالحق المقطوع به أن كل من ثبت كونه صحابياً فهو عدل، وهم من أهل الجنة ومرضيون ورحماء بينهم كما تقدمت الأدلة عليه آنفاً، فلا يقاومه ظن أنهم فسقوا أو فجروا بقتال بعضهم لبعض. |
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
ثانياً: هذا حديث مبهم، فلم يبين هل هم أهل الجمل؟ أم أهل صفين؟ أم أهل النهروان؟ فليست فئة منهم بأولى بالمعنى من الأُخرى إلا بدليل، وليس هنالك دليل سوى أقاويل، بل ليس فيه تصريح أنه في حق عموم المسلمين فضلاً عن خصوص الصحابة، إنما فيه تصريح أن ذلك قرب الساعة، فإن سٌلم أنه في عموم المسلمين، فيحتمل أنه في المقتلة على كنز الفرات قرب الساعة ، ومعلوم أن الاحتمال لا يقوم به استدلال في الفروع، فكيف بالمغيبات؟!!، فيسقط بذلك اعتراضهم.
فإن قيل بأنه قد ورد عند عبد الرزاق وأحمد والحميدي وغيرهم في بعض روايات الحديث ما يدلل أنه في المسلمين وأن الصحابة هم المقصودون منه، جاء فيه "لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان من المسلمين دعواهما واحدة، تمرق بينهما مارقة يقتلها أولى الطائفتين بالحق" . الجواب عليه: هذا حديث ضعيف لا تقوم به حجة، ففي إسناده عندهم جميعاً علي بن زيد بن جدعان، ضعفه الجمهور واتهم بالرفض والتشيع ، ويخالف حديث مسلم وغيره في الفئة المارقة حيث لم يُذكر فيه قتال ولا اقتتال وإنما اقتصر فيه على ذكر الفُرقة، جاء فيه "تمرق مارقة على حين فُرقة بين المسلمين، يقتلهم أولى الطائفتين بالحق" ، ومن المعلوم أنه ليس كل فُرقة اقتتال، وأكثر ما يمكن حمله إن جاز لنا ذلك، وسُلم أنه في المسلمين، هو على غير الصحابة من تابعين ورعاع وسوقة ومرتزقة وقتلة عثمان وخوارج ومنافقين من الطرفين، لأنه ثبت أن الصحابة لم يشاركوا في هذه الفتن ولا ذِكر لهم فيها سوى عشرة أشخاص أو أقل ممن ثبتت صحبته من بين قرابة ثلاثمائة ألف مقاتل حسب زعم كذبة المؤرخين آنفاً. |
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
ومن الروايات التي توهموا أن فيها دليلاً على اقتتال الصحابة فيما بينهم وأنها كافية لإسقاط عدالتهم، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير "تقاتل علياً وأنت ظالم له" .
الجواب عليه: أولاً: هذا حديث فوق كونه خبر آحاد فهو ضعيف لا تقوم به حجة في موارد القطع، فرواه الحاكم والبيهقي وأبو يعلى من طريق أبي جروة المازني وهو مجهول ، وفي سنده أيضاً عبد الملك بن مسلم الرقاشي، قال عنه البخاري: لم يصح حديثه ، وقال ابن حجر، لين الحديث ، ورواه ابن ابي شيبة وعبد الرزاق من طريق عبد السلام رجل من بني حية بسند منقطع، لأن عبد السلام لم يثبت له إدراك ولا سماع من علي والزبير ، ورواه عبد الرزاق عن قتادة منقطعاً، فقتادة فوق كونه اتهم بالتدليس فهو أيضاً لم يدرك علياً ولا الزبير، بل ولد بعدهما بأكثر من ثلاثين عاماً ، فمن أين له الرواية عنهما؟!! هذا بالنسبة لضعفه بالتفصيل، وأما بالجملة: فقد قال عنه العقيلي: ولا يُروى هذا المتن من وجه يثبت ، وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح ، وقال ابن كثير: هذا حديث غريب ، وقال العجلوني: لم يثبت ولم يصححه أهل الحديث ، وقال التويجري: رواه أبو يعلى والبيهقي بسند ضعيف . ثانياً: وزيادة في ضعفه ونكارته أنه خالف الواقع، فطلحة والزبير رضي الله عنهما لم يثبت أنهما قاتلا علياً بل الثابت أنهما قُتلا غيلة، فقُتل طلحة قبل البدء بالمعركة بسهم غرب وقيل أطلقه عليه مروان بن الحكم وكان من أصحابه وقيل غيره . وأما الزبير فانسحب حينما وجد الناس قد اختلفوا فتبعه عمرو ابن جرموز فقتله غيلة وغدراً وهو يصلي وقيل وهو نائم، وكان ذلك بواد السباع لا في المعركة المزعومة . |
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
ثالثاً: لو سلمنا جدلاً بصحة هذا الحديث وهو لم يصح، فإنه في حق شخص واحد من الصحابة ولم يوافقه عليه جماهيرهم كما قد علمت، فليس من الإنصاف تعميم ذلك على كل الصحابة، بل هو من الإجحاف لإثبات مذهبهم الباطل في أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن الروايات التي توهموا فيها أن الصحابة قتل بعضهم بعضاً وأنها كافية في إسقاط عدالتهم، بحديث عن علي رضي الله عنه قال: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فالناكثون أصحاب الجمل، والقاسطون أصحاب صفين، والمارقون الخوارج" . |
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
الجواب عليه: إضافة إلى كونه خبر آحاد لا يصلح في موارد القطع التي أثبتت عدالة الصحابة، فهو حديث كذب موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكره ابن الجوزي والذهبي وابن كثير والسيوطي وغيرهم ، وقال العقيلي: والأسانيد في هذا الحديث عن علي لينة الطرق ، وقال في موضع آخر: ولا يثبت في هذا الباب شيء ، وكفى الله المؤمنين القتال.
ومما توهموه دليلاً أيضاً على سوء مذهبهم في أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وليس بدليل، ما رواه البزار وغيره عن أبي بكرة يرفعه "يخرج قوم هلكى لا يفلحون قائدهم إمرأة قائدهم في الجنة" . الجواب عليه: هذا أيضاً حديث منكر موضوع، على ما ذكره ابن الجوزي والسيوطي وابن كثير، وأورده العقيلي في ضعفائه، وآفته من قبل إسناده، ففيه عمر بن الهجنع وعبد الجبار بن عباس كذابان متروكان ، فالحمد لله على نعمة الإسناد. |
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
|
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
|
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
|
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
|
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
|
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
في هذا الكتاب
يعتبر هذا الكتاب بحق بمثابة إعادة نظر فيما كتبه التاريخ عن موقعة صفين والجمل بطريقة تحقيقية علمية، وقد تناول الكتاب عدة جوانب مهمة في هذا الموضوع: معرفة من هم الصحابة، فليس كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر صحابياً ولو مات على الإسلام. كل من ثبت كونه صحابياً فهو عدل ثقة لا يخضع لقانون الجرح والتعديل ولا يصدر منه ما يخالف ذلك. فكما أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار صحابة فكذلك كل من صاحب في الرضوان وفي فتح مكة وبعد الفتح، فلم ينته وجود صحابة إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم. مناقشة أحاديث يتوهم منها أن في الصحابة فساق وفجار ومرتدون. كل رواية تخالف القطعي من القرآن أو السنة أو تخالف الواقع الثابت فمردودة، ومن ذلك كل ما ورد في شأن صفين والجمل. إبطال وتكذيب كل ما روي في عدد الجيش والقتلى في تلكما الوقعتين. إبطال وتكذيب كل ما دار حول الحكمين في صفين. تضعيف حديث الحوأب. تضعيف حديث" تقتل عماراً الفئة الباغية". الحرب التي وقعت على صغرها هي حرب فتنة لا حرب بغاة، وإنها ليست نزاعا على الخلافة ولا ضد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وإنما كانت بسبب المطالبة بدم عثمان. إن الفئة الباغية هي الخوارج قتلة عثمان رضي الله عنه. لم يشارك في هاتين الفتنتين إلا بضعة صحابة لا كما يصوره أهل الكذب من أنهم يعدون بالآلاف. |
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
الثلاثاء 18 ربيع الثاني 1435
عدد الصفحات 127. |
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
الثلاثاء 18 ربيع الثاني 1435
رسالة من منتدى ضفاف لعلوم اللغة العربية . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ بخصوص الفرية الكبرى. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بارك الله فيك أخي الكريم وأجزل لك المثوبة والجزاء بخصوص موضوعكم: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل ترى الإدارة أن الموضوع حساس وقد يجُرُّ إلى خلافات طائفية وهو من المواضيع المتخصصة في التاريخ الإسلامي، التي توترت حولها الأجواء، وكثر فيها الجدال والنقاش، ونحن أهل السنة والجماعة نلتزم موقفنا منها موقف السلف الصالح وهو السكوت عمَّا جرى بين أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنَّ كلًا منهم مجتهد، إما مصيب فله أجران أو مخطئ فله أجر اجتهاده، وأنَّا نحبهم ولا نبغضهم ولا نسيء إلى أحدٍ منهم ولا نطعن فيه، وأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم عدول. ومن اتباعنا مذهب السلف الصالح سكوتنا عمَّا شجر بينهم إلا لحاجة تقتضي. وهنا لا تقتضي الحاجة لذكر هذا، فليس هذا صرح نقاش ولا حوار، ومن أراد العلم والمعرفة طلبها من مصادرها ومظانِّها، فلا يطلب علم التاريخ من منتدى للغة العربية. ثم إن هذا الموضوع مخالف لما تنص عليه قوانين المنتدى: - الإلتزام بأدب الحديث والحوار ، وعدم التعرض للدين الإسلامي بالإساءة ، وجعل شبكة ضفاف مسرحا للخلافات المذهبية ..ونذكر بأن منهج شبكتنا هو منهج أهل السنة والجماعة . لذلك وجبت الإشارة إلى ذلك أخي الكريم وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه. |
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
الأربعاء 19 ربيع الثاني 1435
بوركت أخي، ترى الإدارة حذف الموضوع للأسباب المذكورة. ولم نذكر أنَّ المحتوى عارض مذهب أهل السنة والجماعة إلا أنه لا ينبغي التحدث به إلا لحاجة، وإذ لم تدعُ الحاجة إلى ذلك فلا ينبغي الحديث عنها، وأنت تعلم أخي والكاتب الكريم يعلم أن مثل هذه الأمور تُعرَضُ على الباحثين والمحققين والمتخصصين، لا على عامة الناس، وهناك منتديات خاصة كما رأيتكم نشرتم الكتاب فيها، فنحن نتابعها هناك، عمومًا نحنُ هنا مستأمنون وهذه مسؤوليتنا ونحن ندين الله تعالى بعدم الخوض في هذه الأمور أمام العامَّة، ومن أراد البحث والفائدة فلذلك مواطن خاصة. بوركت وبورك صاحب الكتاب، أبلغه سلامي. |
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
الأربعاء 19 ربيع الثاني 1435
حذف موضوع السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأستاذ : نائل سيد أحمد تم حذف موضوعك كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل وذلك لمخالفته القانون التالي لشبكة ضفاف لعلوم اللغة العربية : - الإلتزام بأدب الحديث والحوار ، وعدم التعرض للدين الإسلامي بالإساءة ، وجعل شبكة ضفاف مسرحا للخلافات المذهبية ..ونذكر بأن منهج شبكتنا هو منهج أهل السنة والجماعة . وافر التقدير والإحترام لمقامك . |
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
السبت 12 جمادى الثانية 1435
|
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
|
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
الاثنين 29 محرم 1443
|
رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
|
جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 09:39 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.