منتدى المسجد الأقصى المبارك

منتدى المسجد الأقصى المبارك (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/index.php)
-   منتدى الدراسات والأبحاث والإصدارات (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/forumdisplay.php?f=34)
-   -   كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل (http://al-msjd-alaqsa.com:81/vb/showthread.php?t=16416)

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:15 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
أما ضعفها سنداً: وهنا يأتي الكلام على الأمر الثالث من أُسس هذا البحث: وهو: أن الإسناد من الدين:
الإسناد من الدين:
إن صحة أي رأي أو أي دعوى إنما تكون بصحة دليلها، وصدقها بصدق ناقلها وانطباقها وموافقتها، هذا أصل لا يختلف عليه اثنان من ذوي الحجا، قال الله تعالى في سورة الحجرات آية (6) {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} معناه أن الفاسق لا تقبل روايته، وقال الله تعالى أيضاً في سورة محمد آية (14) {أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله} وقال عليه الصلاة والسلام {بئس مطية الرجل زعموا} ، وقال أيضاً {اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم} ، وقال {حدثوا عني ولا تكذبوا علي} ، وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال {كان عمر يأمرنا أن لا نأخذ إلا عن ثقة} ، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما {ما جاءكم عن من تأمنونه على نفسه ودينه فخذوا به} ، وقال ابن سيرين {إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم} ، وقال عبد الله بن المبارك {الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء} .

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:16 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
بهذا الأصل حوكمت الروايات الحديثية على مر العصور، وبه تحاكم الروايات التاريخية عموماً وحادثة صفين والجمل خصوصاً:
فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: إن موضوعاً بهذه الأهمية في حياة أُمة الإسلام ولا ذكر له في دواوين الإسلام المعتبرة حسب ما يصوره المؤرخون في كتب التاريخ، ليدل دلالة واضحة على عدم وجوده، وأنه لا يرقى للتصديق والاعتبار، سيما وأن التاريخ لم يُكتب إلا في القرن الثالث أي بعد عصر فتنة الجمل وصفين بأكثر من مائتي عام، وهذا كاف لإسقاط كل ما روي فيه عن اقتتال الصحابة فيما بينهم، إضافة إلى نكارته وضعف أسانيده كما ستراه بعد قليل.
ثانياً: لقد فتشت في أخبار وروايات هذه الفتنة فلم أجد رواية اتفق على صحتها بين الأئمة والمحدثين أن الصحابة اقتتلوا فيما بينهم، أو سَلّ أحدهم سيفاً في وجه صاحبه مطلقاً، لا عن أحد من الصحابة ولا عن أحد من التابعين، بل وجدتها إما مكذوبة ملفقة، وإما ضعيفة الإسناد، وإما منكرة، وإما مضطربة، وأحسنها مختلف عليها.
وأكبر دليل على ذلك بالجملة، أنه لم يرد في دواوين الإسلام الصحيحة ذكر اقتتال بين الصحابة، ولا أنهم شاركوا في موقعة صفين والجمل، بل وجدنا روايات صحيحة تدلل على أنهم رضي الله عنهم لم يشاركوا فيهما كما ستعرفه بعد قليل.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:16 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
أما الروايات المكذوبة والملفقة والضعيفة على الجملة في هذا الموضوع من حيث الإسناد فهي عند كذبة المؤرخين: كمروج الذهب للمسعودي، وكتاب الأغاني للأصفهاني، والعقد الفريد لابن عبد ربه، ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزي، وكتاب التاريخ لليعقوبي، وكتاب وقعة الجمل لسيف بن عمرو الضبي، وكتاب صفين للغلابي، وكتب صفين لابن مزاحم المنقري، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب البدء والتاريخ لابن المطهر، وكتاب الوافدين لابن بكار، وكتاب الخوارج للهيثم بن عدي، وكتاب الإمامة والسياسة المنسوب زوراً وبهتاناً لابن قتيبة الدينوري وهذا الكتاب هو شرٌ مكاناً وأضل سبيلا، فهو مليءٌ بالأكاذيب والطعن على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك كتاب نهج البلاغة المنسوب لعلي بن أبي طالب زوراً وبهتاناً أيضاً، فهاذان الكتابان ليس لهما إسناد يصح إليهما، كما وأن معظم الحكايات والروايات فيهما وردت بقيل وذكر لا بحدثنا، وكتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.
فكل ما ورد في هذه الكتب بشأن اقتتال الصحابة فيما بينهم هو مشكوك فيه أو قل مكذوب مفترى، وذلك لعدة أسباب:
أولاً: لجرح عدالة مؤلفيها كما هو مقرر في تراجمهم عند أهل الجرح والتعديل يجده من يطلبه، ثانياً: إنها في الأغلب الأعم من غير إسناد، وإن ورد بإسناد فهو ضعيف من طريقهم ومن طريق من حدثهم من الضعفاء والمتروكين كما ستعرفهم بأسمائهم بعد قليل، ثالثاً: إضافة إلى كون ما ورد فيها في الغالب من غير إسناد ولا معزواً إلى كتاب صحيح، فإن من أصحاب هذه الكتب من ليس له علاقة لا بالحديث ولا بالرواية كابن عبد ربه والمبرد والجاحظ، فتسقط مروياتهم لهذا السبب أيضاً، رابعاً: إنها لم تُدون إلا بعد أكثر من مائتي عام من تاريخها أي في عصر خصومهم، ولا يُعرف لها إنكار من أحد، ولذلك كانت مكذوبة وفيها حيد عن الحقيقة، خامساً: إن قتل المسلم لأخيه المسلم بغير وجه حق هو من الكبائر ويعتبر جرحاً للعدالة، ولا يمكن جرح من عدلهم الله ورسوله بروايات مكذوبة أو ضعيفة، فإذا كان جرح غير الصحابة لا يثبت إلا بدليل صحيح، فكيف بمن ثبتت عدالتهم باليقين كما قد عرفت آنفاً، فإن جرحهم لا يثبت إلا بيقين مثله، وهيهات هيهات لذلك، والحمد لله الذي تتم بنعمه الصالحات.
أما ما ورد من الروايات بشأن تلك الفتنة في الكتب المعتبرة عند المسلمين كتاريخ خليفة بن خياط وتاريخ المدينة لعمر بن شبة وتاريخ الفسوي وتاريخ الطبري وتاريخ بغداد وتاريخ دمشق وغيرها مما كتب بحدثنا، فلا يشفع لها أن رواها هؤلاء الثقات، فإنك لو فتشت فيها ستجد أن كل رواية ورد فيها طعن أو تحريض على الصحابة بخصوص صفين والجمل أو غيرهما هي من طريق الوضاعين الأفاكين، والضعفاء والمتروكين، كأبي مخنف لوط بن يحيى، وجابر الجعفي، وعمرو بن شمر، ومحمد بن السائب الكلبي وابنه هشام، ومحمد بن مروان السدي الصغير، ويونس بن خباب، ومحمد بن عمرو الواقدي، وأبي بكر الهذلي، وابن أبي الأزهر البوشنجي، وعبد الله بن شبيب، ورشيد الهجري، وثابت بن دينار الثمالي، والحارث بن حصيرة، ومسلم بن نذير السعدي، ومحمد بن القاسم المحاربي، وأبي حريز الأزدي، وعثمان بن عمير، وشعيب الجبائي، وهشام جعيط، وأصبغ بن نباتة، وابن الكوا، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، وعلي بن محمد المدائني، وأبي شيبة الكوفي قاضي واسط، وأبي قدامة حبة بن جوين العرني، وسعيد بن المرزبان، وضرار ابن صرد، ومحمد بن عبيد الله بن أبي رافع، وغيرهم لو فتشت في تراجمهم لوجدت صدق ما نقول، وخصوصاً أول ثمانية منهم، فإن مدار معظم ما روي عن هذه الفتنة إن لم يكن جميعها هو من طريقهم، وستجد أحسن الرواة لهذه الفتنة حالاً مختلف في عدالته كالواقدي والمدائني ويعقوب القمي وجعفر بن أبي المغيرة ومجالد بن سعيد، كما وستجد أحسن الروايات حالاً في هذه الكتب المشار إليها آنفاً إنما بأسانيد منقطعة ليست عن أحد ممن شارك فيها أو عاصرها، أو روايات عن مجاهيل كشعيب بن ابراهيم الكوفي، ونمير بن وعلة الهمداني، وقد نأتي على ذكر بعضها في ثنايا البحث.
ولا يفوتنا أن نذكر ونحذر أيضاً مما كُتب عن التاريخ في القرن الماضي متأثرين بما أورده كذبة المؤرخين دون تمحيص أو تحقيق، بل كانوا كحاطب ليل، كجورجي زيدان في تاريخه، وطه حسين في كتابه الفتنة الكبرى، والعقاد في عبقرياته، ومحمد رشيد رضا في كتابه مناقب علي ابن أبي طالب، وعبد الوهاب النجار في كتابه الخلفاء الراشدون، وحسن ابراهيم في كتابه عمرو بن العاص وفي كتابه تاريخ الإسلام، وغيرهم ممن كتب دون تحقيق في سند الروايات.
لذا فإن موضوعاً يتعلق بجرح من بشرهم الله ورسوله بالجنة جملة وتفصيلاً كما قد علمت، فإنه لا يصلح فيه روايات آحاد ولو كانت صحيحة الإسناد، فكيف بالضعيفة فإنها لا تصلح من باب أولى.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:17 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
هذا بالنسبة لرد روايات هذه الفتنة وإبطالها من حيث الإسناد، وأما ضعف رواياتها من حيث المتن لاضطرابها فحدث ولا حرج، وهو كفيل أيضاً بردها وإبطال حجيتها، فقد أطبق علماء المصطلح على ضعف المضطرب ولو كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو صح إسناده ما دام قد اضطرب متنه ولم يمكن الجمع بين رواياته .
وإليك مثالاً واحداً من هذا النوع من الروايات في هذه الفتنة وهو أساس فيها، يكمن في عدد من قاتل وعدد من قًتل في هذه الفتن من الصحابة وغير الصحابة، ولنبدأ بوقعة الجمل:

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:18 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وقعـة الجمل:
أما وقعة الجمل: فإنه حينما رفض علي بن أبي طالب رضي الله عنه طلب طلحة والزبير إقامة الحد على قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه بسبب عدم قدرته على ذلك حسبما جاء في بعض الروايات ، فذهبوا إلى مكة وجاؤوا بأُم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعنهم، ومعهم الكثير من أهل البصرة ممن أيدهم ليصطلحوا سوياً لإقامة الحد على أولئك القتلة، كما سنبينه بالتفصيل في موضعه بعد قليل، وهذا أيضاً كان سبب وقعة صفين كما ستعرفه في موضعه أيضاً، ولما علم قتلة عثمان بذلك وقد أوشك الصلح أن ينجح، أشعلوا نار الفتنة بين الطرفين وأضرموا نار الحرب بينهما ليلاً فهذا ما كان ، لا كما يصوره كذبة المؤرخين ممن يتمذهب بمذهب الخوارج والشيعة والزنادقة والمنافقين، من أنّ صراعهم كان على الخلافة والملك لتشويه تلك الحقيقة، كما وشوهوا أيضاً حقيقة من اشترك ومن قتل في تلك الفتن، غير أن الله تعالى أراد كشف زيفهم فاختلفوا في ذلك وتباينوا فيه تبايناً لا يمكن الجمع فيه مطلقاً.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:18 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
أما اختلافهم في عدد من شارك فيها عموماً:
ففي فتح الباري "أن عدد جيش علي يوم الجمل تسعماية راكب" ، ومن طريق سيف بن عمر الضبي "عشرون ألفاً " وفي البداية والنهاية من غير إسناد "عدد جيش علي عشرون ألفاً وجيش عائشة ثلاثون الفاً " وفي مصنف عبد الرزاق" اثني عشر ألف رجل " وفي المناقب المزيدية: " أصحاب علي عشرة آلاف أو نحوها وأصحاب الجمل أربعة وعشرون ألفاً "، وفي شذرات الذهب من غير إسناد "ثلاثة وثلاثون ألفاً" .

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:19 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وأما اختلافهم واضطرابهم في عدد من حضرها من الصحابة خصوصاً فحدث ولا حرج أيضاً:
ففي تاريخ خليفة بن خياط: "كان مع علي يوم الجمل ثمانماية من الأنصار وأربع ماية ممن شهد بيعة الرضوان" ، وفي إسناده يعقوب القمي وجعفر بن أبي المغيرة مختلف في عدالتهما ، ومنه أيضاً " شهد مع علي ثمانماية ممن بايع بيعة الرضوان" ، وفي سنده يزيد بن عبد الرحمن وجعفر بن أبي المغيرة وفيهما مقال ، وفي مروج الذهب للمسعودي من غير إسناد: وكان جميع من شهد مع علي من الصحابة ألفين وثمانماية" ، ويكفي لضعفها أنها من طريق المسعودي ، إضافة لعدم إسنادها، وفي تاريخ الإسلام للذهبي عن السدي قال: شهد مع علي يوم الجمل ماية وثلاثون بدرياً وسبعماية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" ، فالسدي: إثنان، فإن كان الصغير فهو أحد الكذابين عند علماء الجرح والتعديل ، وإن كان السدي الكبير فمختلف في عدالته ، كما ولم يدرك علياً، فتكون روايته منقطعة لا حجة فيها، ومن طريق ابن مزاحم عن علي قال: "ليس بدري إلا قد بايعني وهو معي" ، وفي السُّنة للخلال بإسناد صحيح عن التابعي الكبير سعيد بن المسيب قال: "وقعت الفتنة ولم يبق من أهل بدر أحد " وفي مصنف ابن أبي شيبة والسُّنة للخلال وغيرهما بإسناد صحيح عن التابعي الكبير عامر الشعبي قال: "لم يشهد الجمل من أصحاب النبي من المهاجرين والأنصار إلا علي وعمار وطلحة والزبير" .
فهذا الإضطراب في عدد من شارك في هذه الوقعة عموماً وخصوصاً، يوجب ضعف رواياته واسقاطها عن الاعتبار كأنه لا وجود لها، لأنه لا يمكن الجمع بينها.
أما الترجيح فيمكن: وذلك بترجيح الصحيح على الضعيف والمتفق على صحته على المختلف فيه، ورواية من شارك على من لم يشارك، ومن عاصر على من لم يعاصر وهكذا، فنظرنا فوجدنا أن أصح ما ورد في ذلك هو رواية الشعبي وابن المسيب ففي روايتهما من الدلالة على قلة من شارك من الصحابة في موقعة الجمل أو قل لا وجود لهم فيها، فأربعة أو خمسة أو عشرة من بين عشرين ألفاً أو خمسين ألفاً على ما زعمه كذبة المؤرخين آنفاً، فإنه يعني واحداً لكل خمسة آلاف أو عشرة آلاف، لذا فلا يقول بأنها معركة بين الصحابة إلا كل منافق أو حاقد أو مغرض أو جاهل، لأن الحكم للغالب لا للنادر كما هو مقرر عند أهل العلم قاطبة .
أضف إلى ذلك ترجيح آخر يُبين قلة أو عدم اشتراك الصحابة في هذه الفتنة، ألا وهو أن كل من كتب من المؤرخين ثقات وغير ثقات عن هذه الفتنة لم يذكروا واحداً من المهاجرين أو الأنصار أو من أهل بدر أو من غيرهم ممن ثبتت صحبته أنه كان من قادة علي أو من قادة أهل الجمل غير الذين ذكرهم الشعبي، كما ولم يذكروا عن أحد منهم نِزالاً أو مشاركة في هذه المعارك المزعومة ولو كذباً، بل قل أن المعركة كانت بين قتلة عثمان وبين عموم المسلمين كما ستعرفه بعد قليل، والحمد لله الذي تتم بنعمه الصالحات.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:20 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 

أما اضطراب الروايات في عدد من قتل في موقعة الجمل فهي تزيد من اليقين أيضاً بأن الصحابة لم يشاركوا فيها:
ففي تاريخ خليفة "عدد قتلى الجمل عشرون ألفاً" وفي رواية "سبعة آلاف" وفي رواية "ثلاثة عشر ألفاً" ، وفي تاريخ الإسلام للذهبي "انفرجت وقعة الجمل عن ثلاثة عشر ألف قتيل" ، ومنه أيضاً من طريق السدي وهو ضعيف: "أنه قتل بينهما ثلاثون ألفاً" ، وفي أنساب الأشراف "قتل من الناس من أهل البصرة عشرين ألفاً" وفي تاريخ الطبري والبداية والنهاية والاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى: عدد من قتل يوم الجمل عشرة آلاف من الطرفين، خمسة من هؤلاء وخمسة من هؤلاء ، وفي شذرات الذهب "ثلاثة وثلاثون ألفاً" ، وفي المناقب المزيدية "عدد قتلى أصحاب علي دون الألف والباقون من أصحاب الجمل" .
فاضطراب هذه الروايات في عدد القتلى يوجب ضعفها وإسقاطها عن الاعتبار أيضاً ولو زعموا صحة إسنادها عناداً ومكابرة، فهذا التهويل في عدد القتلى لا يقبله إلا من كان في قلبه دغل أو جهل، ليس فقط لسقوط هذه الروايات عن الاعتبار رواية، بل لأنه ثبت أن موقعة الجمل لم تستغرق أكثر من نصف نهار ، فلا يصدق إلا جاهل أنه قتل في هذه المدة القصيرة هذا العدد الهائل من الجيش حتى ولو كان السلاح اتوماتيكياً وكيميائياً، كما ولا يصدق إلا جاهل ما يصوره كذبة المؤرخين من وقوع أكثر من عشرين ألف قتيل حول الجمل، وكأنه جبل أو نصب تذكاري لا يهيج ولا يجفل من قعقعة السلاح!!، ثم لو أراد أن يصطف هذا العدد من الجيش بخيله ورجله للزمه مساحة لا تقل عن كيلو متر مربع، في حين يصور لنا كذبة المؤرخين وكأنها لا تتجاوز مئتي متر مربع كما في روايتهم: فصرخ صارخ في الجيش وقيل إنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه "اعقروا الجمل فإنه إن عقر تفرقوا عنه" ، كل ذلك يدلل على كذب مزاعمهم.
ثم ويدلل على كذبهم وافترائهم أيضاً أن القتلى يوم الجمل هم قلة قليلة كقتلى شجار بين عائلتين أو على الأكثر بين قبيلتين صغيرتين، أن أهل الطبقات والتراجم بمجموعهم حينما جاءوا ليذكروا عدد القتلى ويدونوا أسماءهم في التاريخ لم يستطيعوا أن يحصوا مائتين بل لم يبلغوا المئة ، فأين ذهب ذلك العدد الهائل من القتلى الذي يصوره لنا كذبة المؤرخين؟!! إلا أن يكون مختلقاً للطعن في المسلمين وخصوصاً في أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.


نائل أبو محمد 02-17-2014 09:20 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
فإن قيل بأنه ثبت بالدليل الصحيح وقوع قتلى كثيرون، وهو ما رواه البزار وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسائه: "أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تخرج فينبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير ثم تنجو بعد ما كادت" .
الجواب عليه: أولا: هذا خبر آحاد والآحاد لا يفيد إلا الظن عند جمهور علماء الحديث والفقه والأصول ، فلا يقاوم القطعي في عدالة الصحابة وأنهم من أهل الجنة كما تقرر في بحث عدالة الصحابة آنفاً، ثانياً: هذا الحديث مما اختلف في صحته، فأنكره القاضي أبو بكر بن العربي ، وقال ابن أبي حاتم وأبو زرعة: حديث منكر، لم يُرو إلا من طريق عصام بن قدامة ، وفي الإسناد أيضاً عكرمة مولى ابن عباس، مختلف عليه، فكذبه مجاهد وابن سيرين ويحيى بن سعيد ومالك بن أنس وغيرهم، ووثقه آخرون ، وهذا يجعله أقل من الظن إلى مستوى الشك في موضوع لا يصلح له إلا الأدلة المتواترة، وكفى الله المؤمنين القتال، ثالثاً: إن أحق من يروي هذه الرواية هو أُمهات المؤمنين رضي الله عنهن، لأنها تبين أن الخطاب لهن وفيهن، وربما لم يكن ابن عباس معهن أيضاً، فلمّا لم يروها أحد منهن دل ذلك على غرابة هذه الرواية، فإن قيل قد وردت رواية في كلاب الحوأب عن عائشة رضي الله عنها تعضد رواية ابن عباس كما في مسند أحمد وغيره: "أنها رضي الله عنها لما بلغت بعض مياه بني عامر ليلاً نبحت الكلاب عليها، فقالت: أي ماء هذه؟ قالوا: هذا ماء الحوأب، فوقفت وقالت: ما أظنني إلا راجعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا ذات يوم: {كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب} ، فهذه الرواية فوق كونها ليست في موضوع عدد القتلى الهائل الذي زعمه كذبة المؤرخين، فهي أيضاً مما اختلف عليه، فهي من طريق قيس بن أبي حازم، قال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد القطان: قيس بن أبي حازم: منكر الحديث، ثم ذكر له حديث كلاب الحوأب ، وقال عنه يعقوب بن شيبة السدوسي: وكان يحمل على علي وعلى جميع الصحابة ، ومن المعلوم عند أهل الجرح والتعديل أن المتطاول على الصحابة ليس بثقة ولا تقبل روايته ، ثم إن تفرده بها عن بقية عدد الجيش الهائل حسب رواياتهم المزعومة، يخالف قاعدة "عموم البلوى" المعمول بها عند أئمة المسلمين ، لأن الدواعي متوفرة أن يروي هذه الرواية عدد التواتر، فلما لم يكن، دل ذلك على كذبها ولو كان الراوي ثقة، هذا هو مفهوم تلك القاعدة، ولعل هذا هو سبب قول القطان عنه: منكر الحديث، ومما يؤكد نكارته أيضاً، أن قيس ابن أبي حازم لم يشارك في موقعة الجمل ولا هو من الرواة عن عائشة رضي الله عنها، فكيف حصلت له هذه الرواية عنها؟!!.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:21 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
فإن قيل بأن لها شاهد عند ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك ، يقال بأن التواتر لا يحصل بإثنين على الراجح من الأقوال فلم يحصل الغرض منه لقاعدة عموم البلوى، ثم فتشت عن هذه الرواية فلم أجدها في مصنف ابن أبي شيبة، ووجدتها في اتحاف الخيرة المهرة للبوصيري ، وهي أيضاً من طريق قيس بن أبي حازم، وهذا يعني اضطراباً في السند، فمرة يرويها عن عائشة مباشرة ومرة بواسطة أنس بن مالك وهذا كاف لإسقاط الرواية عن الاعتبار، ثم أيضاً لم يثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان ممن شارك في فتنة الجمل مما يعني وجود جهالة وانقطاع في السند أيضاً، ثانياً: إنه فوق نكارة حديث الحوأب وغرابته فليس فيه تصريح بأن القتلى هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وليس فيه تصريح بأن المعني فيه أُم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، بل يمكن أن لا تكون المعنية بذلك، سيما وأنه ورد في بعض الروايات أن عبد الله بن الزبير نفى لها أن يكون هذا هو الحوأب فصدقته ، كما وقد وردت بعض الروايات تقول بأن المعنية به سلمى بنت مالك الفزارية وكانت سبية وهبت لعائشة فأعتقتها، ثم ارتدت وقادت المرتدين مع طليحة بن خويلد وكانت على جمل وقتل حولها مائة رجل، هذا ما ذكره غير واحد من المحدثين والمؤرخين ، فإن قيل بأنها رواية ضعيفة، يقال بأن رواياتكم التهويلية في عدد الجيش والقتلى ليست بأحسن حال من هذه الرواية، ثالثا: لو سلمنا جدلاً بصحة هذا الحديث وخُلُوه من العلل وأن المعني بذلك هو أُم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فإن الألف قتيل والخمسمائة بل المائة قتيل كثير في فتنة بين المسلمين، ولا يعني بالضرورة أنهم عشرون أو ثلاثون ألف قتيل كما زعم كذبة المؤرخين.
وعلى ما تقدم فإنه يتبين أن حديث الحوأب مضطرب السند والمتن فلا تقوم به حجة في موضوع لا يصلح له إلا الأدلة القطعية، والحمد لله الذي تتم بنعمه الصالحات.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:21 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ثم هنالك أمر هام لابد من الإشارة إليه يفهم منه أيضاً عدم مشاركة الصحابة في هذه الفتنة، وهو أنها قد نشأت عن غير إرادة من علي وعائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين، بل كانوا كارهين لها راغبين في الصلح ليتسنى إقامة الحد على قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه، يدلك على ذلك قول ابن الزبير لأبيه حينما أراد الرجوع "أو للقتال جئت! إنما جئت لتصلح بين الناس" ، وقول الزبير لعائشة حينما أرادت الرجوع "عسى الله أن يصلح بك بين الناس" ، وفي رواية ثانية "تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله بك" ، وسأل القعقاع عائشة رضي الله عنها: ما أقدمك؟ قالت: "للإصلاح بين الناس" كما ولم يثبت عن أحد من الصحابة أي دور في نشوب تلك الوقعة ولا سعى في إثارتها، وإنما الذي سعى لها وأضرمها بعد أن كادت لا تنشب بحدوث الصلح، هم قتلة عثمان رضي الله عنه، المعروفون بالثوار، والمقدر عددهم بألفين وخمسمائة شخص ، وكانوا ثلاثة مجموعات من مصر والكوفة والبصرة، وإنهم لما رأوا علياً يصطلح مع طلحة والزبير وعائشة، اجتمع من رؤوسهم جماعة كالأشتر النخعي وشريح بن أبي أوفى وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء وغلاب بن الهيثم وسالم ابن ثعلبة وغيرهم، وقالوا قولتهم المشهورة: "إن كانوا قد اصطلحوا فإنما اصطلحوا على دمائنا" ، ثم أضرموا نار الحرب بين الفريقين بأن أرسلوا فئة منهم ليلاً تقتل من أصحاب علي، ويصيحون: إن عائشة ومن معها يقاتلونكم فخذوا حذركم، وفئة تقتل من أصحاب طلحة والزبير، ويصيحون: إن علياً ومن معه يقاتلونكم فخذوا حذركم، فظن كل فريق أن صاحبه قد غدر به فكانت الوقعة، ثم انخرطوا في جيش علي يقتلون المسلمين ويحرضون على قتلهم ، وهذا من أكبر الأدلة على أن هذه الوقعة إنما كانت بين قتلة عثمان وبين سائر المسلمين، لا بين الصحابة أنفسهم كما يدعيها كذبة المؤرخين، ويدلك على ذلك أيضاً أن كعب بن سور قاضي البصرة لما قام بين الفريقين يحمل مصحفاً يدعوهم إلى الصلح ويناشدهم الله في دمائهم، فما زال حتى رشقه قتلة عثمان بالنبل فقتلوه رحمه الله تعالى ، ويدلك على ذلك أيضاً ما فعله حكيم بن جبلة من الاستفزاز وإنشاب الحرب واضرام نارها وكان أميراً على قومه في موقعة الجمل وهو أحد المشاركين في قتل عثمان رضي الله عنه، فقُتل في تلك الوقعة، وقُتل معه سبعون من قتلة عثمان من أهل البصرة ، فكان أول من أدرك ذلك عائشة أُم المؤمنين رضي الله عنها حين نشبت المعركة، فصارت تدعو وبصوت عال: "اللهم العن قتلة عثمان" فصار معسكرها يدعو بدعائها، ولما سمعها علي رضي الله عنه صار هو الآخر يدعو بدعائها ، كما وأدرك معسكرها ذلك فكانوا ينادون: "من لم يكن من قتلة عثمان فليكفف عنا، فإنا لا نريد إلا قتلة عثمان ولا نبدأ أحداً" .
أما ما يقال من أن عائشة أُم المؤمنين كانت تكره علياً بن أبي طالب بسبب موقفه منها يوم حادثة الإفك بتحريضه النبي صلى الله عليه وسلم على طلاقها، فخرجت لذلك يوم الجمل لقتاله متهمة إياه بقتل عثمان!.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:22 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
الجواب عليه: أولاً: يظن أصحاب هذه المقولة أنهم يتكلمون عن رعاع الناس وأوباشهم، ولا يعلمون أنهم يتكلمون عن أصحاب رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وعن نقلة دينه للناس جميعاً، الذين رضي الله عنهم ورسوله، والذين ليس في قلوبهم غلاً للذين آمنوا، والذين جعلهم الله أمنة لأُمة الإسلام، والذين اختارهم الله على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين!!!.
إن مقولتهم هذه لا أصل لها إنما هي من وحي كذبهم وافترائهم وحقدهم، فلم تثبت عن أحد من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم، بل لم تثبت عن علي بن أبي طالب صاحب الشأن، بل الثابت عنهم أن عائشة وطلحة والزبير إنما خرجوا للطلب بدم عثمان من قتلته وليس علياً منهم كما قد علمت آنفاً بالأدلة الصحيحة.
ثانياً: إنه صدر عن علي وعائشة رضي الله عنهما ما ينافي ذلك ويضحده، ففي كتاب الشريعة للآجري ودلائل النبوة للبيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت "إنه والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه لمن الأخيار، فقال علي: صدقت، والله ما كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها لزوج نبيكم في الدنيا والآخرة" ، وقيل إن قولهما هذا كان عقب موقعة الجمل .
ثالثا: أما الحكاية التي اتكئوا عليها في زعمهم فهي قول علي رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم "لم يضيق الله عليك، النساء سواها كثير" فقوله رضي الله عنه هذا إنما كان جواباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين استشاره فيما جرى لعائشة رضي الله عنها وفي فراقها، وليس تبرعاً منه بذلك، فإنه لما رآه مهموماً يستشيره في فراقها قال له ما قال مُسلياً له، وليس فيه لا صراحة ولا دلالة أنه أمره بطلاقها أو أشار عليه بذلك، سيما وأنه أردف ذلك بجملة أُخرى حذفها المفترون والمشككون من كلامهم كي يثبتوا مذهبهم الفاسد، وهي قوله رضي الله عنه "وإن تسأل الجارية تصدقك" ، أي اسأل جارية عائشة فهي التي تعرف بحالها أكثر مني، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل الجارية قائلاً " أي بريرة هل رأيت شيئاً يريبك، قالت: لا والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتاكله" ، فاطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولها وسكن روعه، ثم ذهب وصعد المنبر خطيباً في الناس فقال: "من يعذرني في رجل آذاني في أهلي وما علمت عليهم إلا خيراً" ، يقصد عبد الله بن أُبي بن سلول رأس المنافقين.
هذا هو أصل الحكاية ولكن الحاقدين دوماً يختلقون الأكاذيب لإثبات مذاهبهم الفاسدة.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:22 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
فإن قيل: كيف تطالب عائشة بدم عثمان وتحرض الناس على ذلك وهي قد أمرت وحضت على قتله بقولها: "اقتلوا نعثلاً فإن نعثلاً قد كفر" وبقولها "إنما نقمنا على عثمان خصالاً ثلاثاً إمرة الفتى وضربة السوط وموقع الغمامة".

الجواب عليه: أولاً: هذه كذبات أخرى من كذبات المؤرخين، حيث لم تثبت في أي كتاب من الكتب المعتمدة الصحيحة سوى في كتب المؤرخين، فالرواية الأُولى في كتاب سيف وهو متفق على ضعفه ، ورواها الطبري في تاريخه من طريق سيف أيضاً وفي سنده مجاهيل، ورواها ابن الأثير من غير إسناد ، وأما الرواية الثانية ففي كتاب تاريخ بغداد وتاريخ دمشق وفي سندها عكرمة بن إبراهيم الأزدي ضعفه النسائي ويعقوب بن سفيان وغيرهما، وقال ابن معين وأبو داود: ليس بشيء ، وما كانت هذه حاله لا يصلح للاستدلال في مواضع الظنون فكيف فيما لا يصلح له إلا القطع واليقين، فمن باب أولى أنه لا يصلح للاستدلال، ثانياً: لقد ثبت عنها رضي الله عنها ما ينافي ذلك، كما قد علمت من مطالبتها بدم عثمان وإقامة الحد على قتلته، وثبت عنها أيضاً أنها حينما سئلت فيم قتل عثمان؟ فقالت "قتل مظلوماً، لعن الله قتلته" ، وحينما سُئلت أيضاً: أكتبتِ إلى الناس تأمرينهم بالخروج على عثمان؟ فقالت "والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت إليهم سواداً في بياض" قال الأعمش رحمه الله: فكانوا يرون أنه كتب على لسانها بدون علمها ، أضف إلى ذلك كله أن كذبة المؤرخين أوردوا في كتبهم أن علياً وعماراً وطلحة والزبير قد ألبوا على عثمان وحرضوا على قتله وليس عائشة وحسب، ولم يثبت شيء من ذلك والحمد لله الذي تتم بنعمه الصالحات.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:23 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وقعـة صفين:
أما بالنسبة لوقعة صفين فهي كذلك كانت بسبب الثأر من قتلة عثمان أو قل كانت مع قتلة عثمان كما في وقعة الجمل، لا كما يصوره كذبة المؤرخين من أنها كانت نزاعاً بين علي ومعاوية على الخلافة، وذلك منهم لتشويه الحقائق للنيل من أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما وقد خضعت جميع أحداثها للتشويه من قبل هؤلاء الكذبة كما ستعرف ذلك كله بالتفصيل بعد قليل.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:24 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وأول أمر نتناوله: إخبارهم عن عدد من حضر هذه الوقعة، فهو كذلك مضطرب المتن لا تقوم به حجة على أن الصحابة اقتتلوا فيما بينهم أو قتل بعضهم بعضاً، فقد روى البيهقي في الدلائل بإسناد منقطع عن صفوان بن عمر قال " كان عدد أهل الشام ستين ألفاً، قُتل منهم عشرون ألفاً، وكان أهل العراق ماية وعشرين ألفاً قُتل منهم أربعون ألفاً" ، وفي كتاب صفين لابن مزاحم "عدد جيش علي ماية وخمسون ألفاً من أهل العراق، وعدد جيش معاوية نحو ذلك" ، وفي تاريخ خليفة "كان علي في مائة ألف يوم صفين وكان معاوية في سبعين ألف" ، ومنه أيضاً "جيش علي خمسون ألفاً" ، وفي مروج الذهب للمسعودي "عدد جيش علي يوم صفين تسعين ألفاً" ، وفي البداية والنهاية "كان عدد جيش علي خمسة وستين ألفاً وكمل في ثمانية وستين ألف فارس" ، وفي نفس المصدر" عدد كل فريق أكثر من مائة ألف" .
فهذا الاختلاف والاضطراب في عدد من شارك عموماً، أما اضطرابهم فيمن شارك في هذه الفتنة من الصحابة خصوصاً وهو ما يعنينا أكثر في هذه العجالة، فحدث ولا حرج أيضاً، وستجد فيه استماتة كذبة المؤرخين من شيعة وغير شيعة على إدخال ذكر الصحابة في هذه الفتن كما ستراه، للنيل من عدالتهم، لكنّ الحمد كله لله على نعمة الإسناد الذي كشف كذبهم وافتراءهم.
ففي تاريخ خليفة بن خياط من طريق يزيد بن عبد الرحمن وجعفر ابن أبي المغيرة وفيهما مقال ، عن عبد الرحمن بن أبزي قال "شهدنا مع علي ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان" ، وفي بغية الطلب بتاريخ حلب بسند ضعيف من طريق أبي إسرائيل العبسي عن الحكم بن عتيبة "شهد صفين مع علي رضي الله عنه ثمانون بدرياً وخمسون ومائة ممن بايع تحت الشجرة" ، فأبو إسرائيل العبسي تركوه لأنه رافضي يشتم أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والحكم بن عتيبة لم يدرك علياً ولا صفين، لأنه ولد سنة خمسين للهجرة أي بعد الفتنة بأربعة عشر عاماً ، كما وقد اتهم بالتدليس والتشيع ، ورواه الحاكم في المستدرك وسكت عنه من طريق الحكم أيضاً بلفظ " ومائتان وخمسون ممن بايع تحت الشجرة" ، وهذا يعني أضافة إلى انقطاعه أنه مضطرب المتن، وفي مستدرك الحاكم عن ابن سيرين قال: " ثارت الفتنة والصحابة عشرة آلاف لم يخفّ فيها منهم إلا أربعون رجلاً، ووقف مع علي بن أبي طالب مئتان وبضع وأربعون رجلاً من أهل بدر منهم أبو أيوب وسهل بن حنيف وعمار" ، فهذا خبر لا يصح سنداً ولا متناً، فأما سنداً: ففيه اسحق بن ابراهيم بن عباد الديري وهو ضعيف ، وأما متناً: ففيه اضطراب بين كونهم أربعين أو مائتين وأربعين، وأيضاً فإن في اشتراك أبي أيوب في هذه الفتنة اختلاف ، وفي تاريخ دمشق وبغية الطلب بتاريخ حلب أيضاً عن محمد بن علي وزيد بن حسن "شهد مع علي من أصحاب بدر سبعون رجلاً، وشهد معه ممن بايع تحت الشجرة سبعماية رجل فيما لا يحصى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" ، وفي إسناد هذه الرواية: عمرو بن شمر وجابر الجعفي كذابان ، إضافة إلى انقطاع سندها بين الرواة وبين علي بن أبي طالب، فلم يعاصروا الوقعتين، وفي بغية الطلب عن خباب بن يونس قال" شهد مع علي بن أبي طالب يوم صفين ثمانون بدرياً" ، خباب بن يونس هذا كذبه أهل الجرح والتعديل ، وفي كتاب صفين لابن مزاحم من طريق عمرو بن شمر وجابر الجعفي وهما كذابان: أن الأشتر النخعي قام يخطب ويحرض الناس على قتال أهل الشام، وكان مما قال: "واعلموا أنكم على الحق وأن القوم على الباطل يقاتلون مع معاوية، وأنتم مع البدريين قريب من مائة بدري ومن سوى ذلك من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" ، وفي تاريخ اليعقوبي من غير إسناد "وكان مع علي يوم صفين من أهل بدر سبعون رجلاً وممن بايع تحت الشجرة سبعماية رجل ومن المهاجرين والانصار أربعماية رجل" ، وفي الإمامة والسياسة من غير إسناد أيضاً "شخص معه تسعماية راكب من وجوه المهاجرين والأنصار" ، وفي مروج الذهب من غير إسناد أيضاً : وكان ممن شهد صفين مع علي من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلاً، منهم سبعة عشر من المهاجرين وسبعون من الأنصار، وشهد معه من الأنصار ممن بايع تحت الشجرة تسعماية، وكان جميع من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة" ، وفي مسند الشاميين وتاريخ دمشق بإسناد ضعيف عن عبادة بن نسي قال: "خطبنا معاوية فقال: شهد معي صفين ثلاث مائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم" ، ففي إسناد هذه الرواية عمرو بن هزان عن أبيه وهما مجهولان ، وفيها أيوب بن سويد الرملي ضعفه أحمد والنسائي وغيرهما ، وقال الذهبي عن هذه الرواية: إسنادها لين ، وفي ميزان الاعتدال وغيره عن حبة العرني قال "كان مع علي في صفين ثمانون بدرياً" وحبة العرني متفق على ضعفه ، وفي تاريخ الطبري من طريق سيف بن عمرو عن الشعبي قال "بالله الذي لا إله إلا هو ما نهض في تلك الفتنة إلا ستة بدريين ما لهم سابع أو سبعة ما لهم ثامن" ، وفي وقعة الجمل لسيف "أن علياً استنفر أهل المدينة فلم يجبه إلا رجلان أحدهما من الأنصار وهو أبو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت" ، وفي العلل ومعرفة الرجال لأحمد والسنة لأبي بكر الخلال بسند صحيح عن ابن سيرين قال "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، فما خفّ لها مائة بل لم يبلغوا ثلاثين" ، وفي السنة للخلال وتاريخ بغداد وغيرهما بسند حسن أنه قيل لشعبة وهو من كبار التابعين: إن أبا شيبة روى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال" شهد صفين من أهل بدر سبعون رجلاً، قال: كذب والله- يعني أبا شيبة- ذاكرنا الحكم فما وجدنا شهد صفين غير خزيمة بن ثابت" ، فتكذيب شعبة هو لأبي شيبة لأنه ضعيف ومنكر الحديث ، وفي السنة للخلال بسند صحيح عن سعيد ابن المسيب قال: "وقعت الفتنة ولم يبق من أهل بدر أحد، ولم يبق من المهاجرين أحد" .
فهذا الاضطراب في متن هذه الروايات حتى ولو زعموا صحة إسنادها جميعها فهو موجب لضعفها وعدم اعتبارها وكأنها لم تكن، ومن ثم يعني أن أحداً من الصحابة لم يشارك في هذه الفتن، حالها كحال أي رواية مضطربة المتن لا يمكن الجمع بين رواياتها المختلفة المضطربة، حيث لا يمكن إصدار حكم على ما تناقض واضطرب، وأكثر ما يمكن فعله في الروايات المضطربة متناً إن جاز لنا ذلك هو الترجيح بينها مع شرط التسليم بأن فيها الصحيح والضعيف، فيرجح الصحيح على الضعيف، والمتفق على صحته على المختلف فيه، والمسند على غير المسند، وما طابق الواقع والأُصول على ما لم يطابق، فترجح روايات النفي على الإثبات، ولأنها أيضاً بأسانيد صحيحة كما قد علمت.
ثم لو سلمنا جدلاً أن بعض الصحابة شاركوا في هاتين الفتنتين مع المختلف في صحبتهم، على أكثر الروايات الصحيحة آنفاً فإنه لا يتجاوز عددهم ثلاثين من بين ثلاثمائة ألف مقاتل في الجمل وصفين حسب مجموع الروايات المزعومة، أي بنسبة واحد لعشرة آلاف، وبالنسبة لعدد الصحابة الذين مات عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريقة بعض أهل الحديث في معرفة الصحابي على ما تقدم ذكره بأنه كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم ومات على الإسلام، فهم قرابة مائة ألف عدد من حج معه حجة الوداع، أي بنسبة ثلاثة لكل عشرة آلاف، وبالنسبة لعدد الصحابة على طريقة جمهور أهل الحديث والفقه والأُصول واللغة في معرفة الصحابي بأنه كل من لازم وعاشر النبي صلى الله عليه وسلم، فهم في أكثر ما يمكن ثلاثون ألفاً عددهم في غزوة تبوك، وكانت آخر غزوة للنبي صلى الله عليه وسلم، أي واحد لكل ألف.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:24 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ومما يؤكد قلة عدد الصحابة الذين شاركوا في هذه الفتنة أو قل ندرتهم، أن علماء الطبقات والرجال حينما أحصوا من شارك من الصحابة فيها فلم يتجاوزوا الثلاثين، ومن ضمنهم المختلف في صحبتهم ، كحجر بن عدي، وبسر بن أبي أرطأة، وعمرو بن الحمق، والحسنين أبناء علي بن أبي طالب، والأشعث بن قيس، وسليمان بن صرد، وأبي الأعور السلمي، وجعدة بن هبيرة، والوليد بن عقبة، والضحاك بن قيس الفهري، وزيد بن صوحان، وجبير بن الحباب، ومعاوية بن خديج، وعبد الله بن بديل، وغيرهم، مما يعني أن ما نُسب إليهم أنهم شاركوا في هذه الفتنة ممن اتفق على صحبته هم أقل مما ذكر بكثير وربما لم يتجاوزوا العشرة من بين أكثر من مائتي ألف مقاتل حسب الروايات المذكورة آنفاً.
فلا يقول بعد كل هذا أن معركة الجمل وصفين كانت بين الصحابة إلا جاهل أو مغرض حاقد منافق يريد الطعن على أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لأن من المعلوم على ظاهر الكف عند علماء المسلمين قاطبة بشتى علومهم ومذاهبهم "أن الحكم للأغلب لا للنادر" ، وفي هاتين الوقعتين كان الأعم الأغلب أو قل الغالبية العظمى والساحقة من الجيش في رواياتهم، هم من المنافقين والسفهاء من قتلة عثمان ومن غيرهم، بل وقد كان رؤوسهم قادة في هاتين المعركتين كما تقدمت الإشارة إليه، وليس للصحابة فيها ذكر غير العشرة أو الخمسة عشر، والحمد لله الذي تتم بنعمه الصالحات.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:25 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وبعد هذا التحقيق والتدقيق يتبين خطأ وبطلان ادعاء ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى مشاركة جمهور الصحابة في هذه الفتنة ، فقد خالف في ذلك ما رواه الثقات من التابعين ممن عاصر تلك الحقبة كما قد علمته عنهم آنفاً، فالعبرة بالدليل لا بما قيل ولو كان صاحبه من العلماء.
ومما يزيدك يقيناً أن هذا التهويل الذي يصوره لنا كذبة المؤرخين في عدد من شارك في صفين والجمل ما هو إلا كذب واختلاق، ذاك الاضطراب في عدد القتلى في تلك الفتنة أيضاً، ففي تاريخ خليفة "عدد القتلى سبعون ألفاً، خمسة وأربعون من أهل الشام، وخمسة وعشرون من أهل العراق" ، وفي مروج الذهب من غير إسناد " قتل يوم صفين من أهل الشام تسعون ألفاً، ومن أهل العراق عشرون ألفاً" ، وفي دلائل النبوة للبيهقي بسند فيه انقطاع "قُتل من أهل الشام عشرون ألفاً ومن أهل العراق أربعون ألفاً" ، وفي شرح الزرقاني على الموطأ من غير إسناد "قتل من أهل الشام سبعون ألفاً ومن أهل العراق عشرون وقيل خمسة وأربعون" ، وفي تاريخ بغداد "ستون ألفاً" ، وفي الفواكه الدواني للقيرواني من غير إسناد "قتل في صفين ألف وستماية" .
ومما يدلك على سقوط هذه الروايات لهذا العدد الهائل من القتلى عن الاعتبار فوق اضطرابها وعدم انضباطها ولو ادّعوا صحة أسانيدها، هو سقوط روايات عدد المشاركين الهائل في هذه الفتن عن الاعتبار لضعف أسانيدها واضطراب متنها كما قد علمت، فمن أين جاءوا بهذا العدد الهائل من القتلى؟!!.، لقد قرأنا عن معارك المسلمين مع الكفار كالقادسية واليرموك والجسر فلم يصل القتلى فيها جميعها إلى هذا العدد، مع أنها كانت معارك فيصلية بين الحق والباطل، فالقادسية لم يقتل فيها إلا ثمانية آلاف ونصف، واليرموك لم يقتل فيها إلا ثلاثة آلاف، والجسر لم يقتل فيها إلا أربعة آلاف، فلا يُصدق وقوع هذا العدد الهائل من القتلى في هاتين الفتنتين إلا جاهل أو منافق حاقد.
ثم أضف إليه اضطرابهم في مدة هذه الوقعة، فمن قائل تسعة أشهر ومن قائل سبعة أشهر ، ومن قائل ثلاثة أشهر ، ومن قائل مائة وعشرة أيام، ومن قائل سبعة وسبعون يوماً ، ومن قائل أربعون صباحاً ، ومن قائل بضعة أيام ، كل ذلك يدعو للتشكيك في وقوع هذه المعركة، إن لم يقطع بعدم وقوعها حسب ما يصوره كذبة المؤرخين.
فمعركة لا يُدرى عدد من حضرها ولا عدد من قتل فيها ولا كم استغرقت من الزمن، ليعني بالضرورة أنها كانت عبارة عن مناوشات هنا وهناك، لا كما يصوره كذبة المؤرخين من أنها معركة طاحنة بين جيشين عظيمين لم تشهد الأمة مثلها، سيما وأنه لم يثبت أنه تجاوز عدد القتلى من الطرفين فيها طيلة هذه المدة أكثر من مائة شخص، فانظر إلى رواياتهم التي تفضح كذبهم، فقد رووا لنا كما قد علمت أنه قتل في صفين قرابة مائة ألف، وكانوا يعدونهم بالقصب كما في تاريخ خليفة عن ابن سيرين وفي سنده عبد الأعلى مختلف في عدالته ، والسؤال هو: متى كان العد؟ أفي أول يوم أم في آخر يوم؟ وقد استغرقت المعركة في معظم رواياتهم أكثر من ثلاثة أشهر، فإن كان العد في أول يوم من أيامها فإنه يدل على كذب دعواهم هذه المدة لأن المعركة بعد العد قد انتهت فلا قتل ولا قتال، وإن كان العد في آخر يوم من أيامها فإنه يدل على كذب دعواهم استمراريتها طيلة هذه المدة الكبيرة، فتسقط رواياتهم من هذا الوجه أيضاً، فإن زعموا أن هذا العدد من القتلى سقط طيلة هذه المدة، فيا لله العجب جثث ظلت ملقاة على الأرض وفي الأودية طيلة ثلاثة شهور أو أكثر وفي آخر يوم قاموا بِعَدّها!!!! ألم تتعفن هذه الجثث ألم تنهشها الوحوش والزواحف؟!!!، فهل يصدق إلا غبي أن الصحابة وعلى رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعنهم يتركون القتلى من غير دفن طيلة هذه المدة المزعومة!!!.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:25 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ثم وأعجب من ذلك أن كذبة المؤرخين رووا ما يناقض هذا، ففي كتاب صفين لنصر بن مزاحم عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي يقول عن أهل صفين في أثناء المعركة : "وكانوا إذا تحاجزوا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء وهؤلاء في عسكر هؤلاء فيستخرجون قتلاهم فيدفنونهم" ، أي لم ينتظروا حتى انتهاء المعركة أو ليعدّوهم مع بقية القتلى، وإنما كانوا يدفنونهم أولاً بأول.


نائل أبو محمد 02-17-2014 09:26 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ثم وأكثر من ذلك أنه جاء في بعض الروايات أنهم كانوا يدفنون كل خمسين رجل في قبر واحد ، وبما أن عددهم وصل إلى مائة ألف قتيل فإنه يعني أنهم صلوا عليهم ألفي صلاة، ومما يعني أيضاً أن حفر قبورهم بهذا الحجم وتجهيزها وتجهيزهم للصلاة عليهم استغرقهم عدة أيام أو قل عدة أسابيع، وهذا يعني أن قتلاهم ظلوا منبوذين في العراء طيلة هذه المدة!!، لا يصدق هذا الكلام إلا جاهل أو حاقد، ويكفيك أن هذه الرواية منقطعة الإسناد، فإن راويها هو الزهري رحمه الله تعالى، ولم يدرك علياً ولا صفين .

إنهم يقصدون من مثل هذه الروايات البعيدة عن الأخلاق والمروءة والتقوى، والقريبة من الجاهلية، هو إيغار صدورنا على أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

لذا فإن كتب صفين والجمل من أخطر ما كتب في التحريض ضد الصحابة، فيحظر على عوام الناس قراءتها، ولقد صدق الإمام يحيى بن يحيى بقوله: "من نظر في كتاب صفين حمله على سب الصحابة" ، لأن كذبة المؤرخين من شيعة وغير شيعة حشوا في إخبارهم عنها من أقوال وأفعال نسبوها للصحابة زوراً وبهتاناً وتشويهاً للحقائق كعادتهم تصل إلى حد الخرافات، وخصوصاً في المراسلات بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وفي خطبهم التحريضية على قتال بعضهم لبعض مما يوهم الناس أن تلك المعارك إنما كانت بين الصحابة أنفسهم وأنهم قتلوا بعضهم بعضاً ولم يحفظوا فيها حرمة لدم ولا لدين.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:26 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
فمن ذلك: ما رواه لوط بن يحيى أبو مخنف رأس كذبة المؤرخين ، أن علي بن أبي طالب قال: "عباد الله امضوا إلى حقكم وقتال عدوكم، فإن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي السرح والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالاً وصحبتهم رجالاً فكانوا شر أطفال وشر رجال" .
ومن ذلك: ما رواه نصر بن مزاحم من طريق عمرو بن شمر وجابر الجعفي وهما كذابان : أن علياً رضي الله عنه خطب بصفين فكان مما قال: "وقد عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم عهداً فلن أحيد عنه، وقد حضرتم عدوكم وقد علمتم من رئيسهم منافق ابن منافق يدعوهم إلى النار، وابن عم نبيكم معكم بين أظهركم يدعوكم إلى الجنة وإلى طاعة ربكم، ويعمل بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، فلا سواء من صلى وكبر قبل كل ذكر، لم يسبقني بصلاتي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا من أهل بدر ومعاوية طليق ابن طليق" .

ومن ذلك: ما رواه لوط بن يحيى أبو مخنف ونصر بن مزاحم وهما كذابان ، أن علياً رضي الله عنه بعث عدي بن حاتم وشبث بن ربعي إلى معاوية رضي الله عنه يدعوانه إلى الطاعة والجماعة، فكان مما قاله معاوية
لهما: أما بعد فإنكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة، فأما الجماعة فنعما هي، وأما الطاعة لصاحبكم فإنا لا نراها، إن صاحبكم قتل خليفتنا وفرق جماعتنا وآوى ثأرنا وقتلتنا، وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله، فنحن لا نرد ذلك عليه، أرأيتم قتلة صاحبنا؟ ألستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به، ونحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة، فقال له شبث بن ربعي: أيسرك بالله يا معاوية إن أمكنت من عمار بن ياسر فقتلته؟ قال: وما يمنعني من ذلك؟ والله لو أمكني صاحبكم من ابن سمية ما قتلته بعثمان، ولكن كنت أقتله بنائل مولى عثمان بن عفان .

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:27 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ومن ذلك: ما رواه لوط بن يحيى أبو مخنف ونصر بن مزاحم وهما من هما في الكذب، "أن معاوية رضي الله عنه بعث إلى علي بن أبي طالب حبيب بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد الأخنس فكان مما قالوا لعلي: ادفع لنا قتلة عثمان إن زعمت أنك لم تقتله نقتلهم به، ثم اعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى بينهم يولي الناس أمرهم من أجمع عليه رأيهم" فكان مما قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه لهم: أما بعد فإن الله جل ثناؤه بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق فأنقذ به من الضلالة وانتاش به من الهلكة وجمع به من الفرقة، ثم قبضه الله إليه وقد أدى ما عليه صلى لله عليه وسلم، ثم استخلف الناس أبا بكر رضي الله عنه، واستخلف أبو بكر عمر رضي الله عنه، فأحسنا السيرة وعدلا في الأُمة، وقد وجدنا عليهما أن توليا علينا ونحن آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغفرنا ذلك لهما، وولي عثمان رضي الله عنه فعمل بأشياء عابها الناس عليه، فساروا إليه فقتلوه، ثم أتاني الناس وأنا معتزل أُمورهم، فقالوا لي بايع فأبيت عليهم، فقالوا لي بايع فإن الأُمة لا ترضى ألا بك، وإنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس، فبايعتهم فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني، وخلاف معاوية الذي لم يجعل الله عز وجل له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الإسلام طليق ابن طليق، حزب من هذه الأحزاب، لم يزل لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين عدواً هو وأبوه حتى دخلا في الإسلام كارهين، فلا غرو إلا خلافكم معه وانقيادكم له، وتدعون آل نبيكم صلى الله عليه وسلم الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم ولا أن تعدلوا بهم من الناس أحداً، فقالوا له: اشهد أن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوماً، فقال: لا أقول إنه قتل مظلوماً ولا أنه قتل ظالماً، قالوا: فمن لم يزعم أن عثمان قتل مظلوماً فنحن منه براء ثم قاموا وانصرفوا" .

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:27 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ومن ذلك أيضاً: ما رواه نصر بن مزاحم وأبو مخنف: "وكان علي عليه السلام إذا صلى الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة يقول: اللهم العن معاوية وعمراً وأبا موسى وحبيب بن مسلمة والضحاك بن قيس والوليد ابن عقبة وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فبلغ ذلك معاوية، فكان إذا قنت لعن علياً وابن عباس وقيس بن سعد والحسن والحسين" .
فهذه الروايات وما شاكلها كلها كذب وافتراء على علي ومعاوية رضي الله عنهما، فهي من طريق الأفاكين الكذابين كما قد علمت من حالهم، وذلك منهم لإيغار صدور المسلمين على أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أضف إليه أن الثابت عن علي ومعاوية رضي الله عنهما غير ذلك، فقد رد علي بن أبي طالب رضي الله عنه على من سب أهل الشام يوم صفين قائلاً "لا تسبوا أهل الشام جماً غفيراً فإن فيهم قوماً كارهون لما ترون" ، وقال: "لا تكرهوا إمارة معاوية فإنكم إن فقدتموه سترون الرؤوس تندر عن كواهلها كالحنظل" ، وفي كتب كذبة المؤرخين عن علي رضي الله عنه أنه كان ينهى أصحابه يوم صفين وقد سبوا أهل الشام قائلاً لهم: "كرهت لكم أن تكونوا لعانين، ولكن قولوا: اللهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم" ، وفيها أيضاً أن علياً قال: "وبدأ أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله، ولا يستزيدونا، فالأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء" ، وكذلك فعل معاوية رضي الله عنهم أجمعين، فقد كان إذا نزلت به نازلة أثناء الفتنة ولم يعرف جوابها كان يسأل عنها علي بن أبي طالب، فكان علي يجيبه عنها ، ومرة سُئل عن مسألة فقال للسائل: سل عنها علي بن أبي طالب فهو أعلم مني بها، قال: قولك أحب إلي من قول علي، قال بئس ما قلت" ، ولما بلغه موت علي بن أبي طالب قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب، فقال له أخوه عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام، فقال له: دعني منك" ، وقوله لزوجته لما استنكرت عليه بكاءه لموت علي: "إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم" ، وخلى لجيش علي يوم صفين عن الماء ليشربوا .

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:28 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
لذا فلا يظن عاقل أن من كانت هذه أخلاقهم قد يقولون في بعضهم ما زعمه كذبة المؤرخين فضلاً عن قتل بعضهم بعضاً، إضافة إلى كذب أسانيدها.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن ما زُعم عن معاوية بن أبي سفيان أنه أمر بسبّ علي بن أبي طالب على المنابر، فهو من مرويات الشيعة وكذبة المؤرخين ، وأكثر ما يحتجون به على ذلك غير ما تقدم من الروايات التاريخية، ما رواه مسلم والترمذي وغيرهما من طريق بكير بن مسمار عن سعد بن أبي وقاص أن معاوية قال له :"ما منعك أن تسب أبا تراب" فذكر سعد ثلاث خصال لعلي تمنع من سبه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له {أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي}، وقال{لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، فقال ادعوا لي علياً فأتى به أرمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه} ولما نزل قوله تعالى {قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال{ هؤلاء أهلي} .
فهذه الرواية لا يشفع لها مجرد وجودها في صحيح مسلم أو في سنن الترمذي، لأن في إسنادها بكير بن مسمار مختلف عليه، فلينه ابن حبان وابن حزم، وقال عنه البخاري: فيه نظر ، وهذا يضعف الاستدلال به، أضف إليه وجود اضطراب في متن الرواية، فرواها البخاري وأحمد وغيرهما من طريق ابن مسمار من غير ذكر السب ، ثم ليس في الرواية ما يدل على أن معاوية أمر سعداً بسب علي لا على المنابر ولا على غير المنابر، فكل ما في الرواية أن معاوية سأل سعداً عن السبب الذي منعه من سب علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، فأجابه عن السبب، وانتهت المسألة عند هذا الجواب، دون إنكار من معاوية عليه، أو أمره بسبه.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:28 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ومما يحتجون به أيضاً ما رواه ابن ماجة في سننه "أن سعداً دخل على معاوية، فذكروا علياً فنالوا منه فغضب سعد" فهذه الرواية أيضاً لا تصلح للاستدلال على أن معاوية سبّ علياً أو أمر بسبه على المنابر كما يزعمون، ففي إسنادها أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وابن سابط، وفيهما كلام، أما أبو معاوية: فإنهم اتهموه بالتدليس والارجاء ، وعن أحمد والنسائي وابن خراش وغيرهم أنه إن روى عن غير الأعمش فليس بحجة ، ورواية السبّ هذه رواها عن ابن سابط لا عن الأعمش، وأما ابن سابط: فقال عنه ابن معين: إنه لم يسمع من سعد بن أبي وقاص ، مما يعني أنها رواية منقطعة لا تقوم بها حجة، أضف إليه أنه ليس فيها تصريح بأن معاوية أمر بسب علي لا على المنابر ولا على غير المنابر.
ثم من المحال عند العقلاء على من اشتهر عنه العدل والحلم كمعاوية أن يأمر بذلك أو يسكت عنه، فإذا لم يفعله أثناء الفتنة فكيف بعدها؟!! بل وبعد موت علي رضي الله عنه؟!!

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:29 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ثم أمر آخر وهو فيصلي في مثل هذه القضية أن ما يشاع بأن معاوية بن أبي سفيان أمر بسب علي على المنابر دون أن يُروى ذلك بالتواتر فهو كذب وافتراء، لأنه يكون مما عمت به البلوى واطلع عليه وسمعه المئات بل الألوف، وتوفرت الدواعي على نقله بالتواتر، فلما لم يكن فقد دل على كذبه ولو صح عن آحاد الثقات، هذا ما عليه أئمة المسلمين على مر العصور، فكيف وهو عن روايات عرجاء لم تصح؟!! ، وأما ما قيل من أن سبه رضي الله عنه على المنابر استمر إلى أن منعه عمر بن عبد العزيز، فهو كذلك كذب وافتراء فلم يرو ذلك إلا في كتب التاريخ كما في الطبقات الكبرى لابن سعد ، من طريق لوط بن يحيى وهو من كذبة المؤرخين كما قد علمت.
ثم نعود إلى مرويات صفين، فهنالك روايات أُخرى من طريق كذبة المؤرخين أيضاً تتحدث عن أحوال المقاتلين في تلكما الموقعتين وعن دقائقها، فيها من المبالغة والسخافة والاستهزاء بالصحابة ما فيها، لتؤكد على كذبها فوق كذب إسنادها، فهي تتحدث عن أشياء لا يعرفها أحد إلا الله تعالى ثم الكاميرا الخفية، لأن الذين رووها لم يكونوا من المشاركين فيها ولا رووها عن أحد ممن شارك.
على نحو ما رواه الشيعي أبو الحسن المسعودي من غير إسناد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتل في موقعة صفين خمسمائة وثلاثة وعشرين رجلاً، وذلك أنه كان إذا قتل قتيلاً كبر إذا ضرب، ثم زعم المسعودي أنه ذكر ذلك من كان يليه في حربه ولا يفارقه من ولده وغيرهم، دون أن يبين من هم ولا سند ذلك .
وعلى نحو ما رواه المسعودي من غير إسناد أيضاً أن عمرو بن العاص كشف في المعركة لعلي بن أبي طالب عن عورته فتركه علي .
وعلى نحو ما رواه الطبري من طريق سيف بن عمر الضبي وهو متروك باتفاق ، أن رجلاً ضرب حكيم بن جبلة فقطع رجله، فحبا حتى أخذها فضرب بها صاحبه فأصاب جسده فصرعه وأتاه فقتله ثم اتكأ عليه .
وعلى نحو ما رواه غير واحد عن المقاتلين من نظمهم للشعر أثناء الاقتتال، وكأنهم في مبارزة شعرية لا في حرب، إلى غير ذلك من الحكايات والقصص البعيدة عن الحقيقة والقريبة من الخرافة فوق كونها من طريق الضعفاء والكذبة.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:29 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ومن الروايات المضطربة والمتناقضة في هذه الفتن المزعومة أيضاً والتي لا تقل أهمية عن عدد المشاركين والقتلى فيها، لتدلل على تأكيد كذبها، ألا وهي روايات رفع المصاحف والصلح بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، حيث مرة تبين قبول علي للصلح بمحض اختياره ومرة يجبر عليه من أصحابه وهو الخليفة.
فقد روى الإمام أحمد عن شقيق بن سلمة قال: "كنا بصفين فلما استحر القتل بأهل الشام اعتصموا بتل فقال عمرو بن العاص لمعاوية أرسل إلى علي بمصحف فادعه إلى كتاب الله فإنه لا يأبى عليك ذلك، فجاء به رجل، فقال بيننا وبينكم كتاب الله {ألم تر إلى الذين أُتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم بعد ذلك وهم معرضون} فقال علي: وأنا أولى بذلك، بيننا وبينكم كتاب الله" .
غير أن كذبة المؤرخين كأبي مخنف ونصر بن مزاحم رووا ما يناقضها، ففي وقعة صفين لابن مزاحم من طريق عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي ، وتاريخ الطبري من طريق شيخ كذبة المؤرخين أبي مخنف واللفظ له، أن علياً قال لأصحابه: "ويحكم ما رفعوا المصاحف لكم إلا خديعة ودهناً ومكيدة، فقالوا له: ما يسعنا أن نُدعى إلى كتاب الله عز وجل فنأبى أن نقبله، فقال لهم: فإني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب، فإنهم عصوا الله عز وجل فيما أمرهم ونسوا عهده ونبذوا كتابه، فقال له مسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي في عصابة معهما من القراء الذين صاروا خوارج بعد ذلك: يا علي، أجب إلى كتاب الله عز وجل إذ دعيت إليه، وإلا ندفعك برمتك إلى القوم، أو نفعل كما فعلنا بابن عفان، فقال: احفظوا عني نهيي إياكم ومقالتي لكم، أما أنا فإن تطيعوني تقاتلوا، وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم" .
ثم هنالك رواية ثالثة من طريق كذبة المؤرخين أيضاً لا ذكر فيها لا لعمرو بن العاص ولا للمكر والكيد والخديعة، وإنما كانت فكرة الاحتكام إلى كتاب الله رغبة الفريقين، فقد روى نصر بن مزاحم من طريق عمرو بن شمر وجابر الجعفي وهما كذابان، عن صعصعة بن صوحان قال: "إن الأشعث بن قيس قام في أصحابه ليلة الهرير يوم صفين، وكان مما قال: إنا إن نحن تواقفنا غداً إنه لفناء العرب وضيعة الحرمات، والله ما أقول هذه المقالة جزعاً من الحتف ولكني رجل مسن أخاف على النساء والذراري غداً إذا فنينا، قال صعصعة: فانطلقت عيون معاوية إليه بخطبة الأشعث، فقال: أصاب ورب الكعبة، لئن نحن التقينا غداً لتميلن الروم على ذرارينا ونسائنا ولتميلن أهل فارس على نساء أهل العراق وذراريهم، وإنما يبصر هذا ذوو الأحلام والنهى، اربطوا المصاحف على أطراف القنا، قال صعصعة: فثار أهل الشام فنادوا في سواد الليل: يا أهل العراق من لذرارينا إن قتلتمونا؟ ومن لذراريكم إن قتلناكم؟ الله الله في البقية، فأصبح أهل الشام وقد رفعوا المصاحف على رؤوس الرماح وقلدوها الخيل، ونادوا يا أهل العراق: كتاب الله بيننا وبينكم.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:30 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ثم تقول الرواية: وقام الناس إلى علي فقالوا: أجب القوم إلى ما دعوك إليه فإنا قد فنينا، فقام علي فقال:إنه لم يزل أمري معكم على ما أُحب إلى أن أخذَتْ منكم الحرب، وقد والله أخذَت منكم وتَرَكَتْ، وأخَذَت من عدوكم فلم تترك، وإنها فيهم أنكى وأنهك، إلا إني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأموراً، وكنت ناهياً فأصبحت منهياً، وقد أحببت البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون" .
فأنت كما ترى في هذه الروايات فإنها مرة تبين أن علياً كان مُكرها على الصلح من قبل أصحابه وهو الخليفة، ومرة يقبل الصلح باختياره دون إكراه، ومرة تذكر أن فكرة الصلح والاحتكام إلى كتاب الله فكرة خبيثة مخادعة ماكرة صاحبها عمرو بن العاص رضي الله عنه، ومرة تبين أنه لا علاقة لا لعمرو بن العاص ولا للمخادعة والمكيدة فيها، وإنما هي فكرة الطرفين للخروج من الفتنة، فروايات هذه حالها ولو صح إسنادها فهي ساقطة عن الاعتبار ولا حجة فيها لاضطرابها وتناقضها، فكيف وهي كذب؟! فلا حجة فيها من باب أولى قولاً واحداً.
ثم إضافة إلى اضطراب هذه الروايات وتناقضها، فإنها تتعارض مع ما صح إسناده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "إنه سيكون بعدي اختلاف وأمر، فإن استطعت أن تكون السلم فافعل" .

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:31 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ومن الروايات المضطربة والمتناقضة أو قل المتهافتة المختلقة المكذوبة على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم للنيل من عدالتهم، ما روي في قصة الحكمين بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وهما عمرو بن العاص من طرف أهل الشام وأبي موسى الأشعري من طرف أهل العراق، فتصف هذه الروايات علياً رضي الله عنه بالضعيف المكره على قبول أبي موسى الاشعري حَكَماً، وتصف عمرو بن العاص بالماكر والمخادع، وتصف أبا موسى الأشعري بالمغفل، وحاشاهم رضي الله عنهم من هذا البهتان.
ومن هذه الروايات ما رواه نصر بن مزاحم عن عمرو بن شمر وجابر الجعفي وهما كذابان كما قد علمت، عن محمد بن علي قال: "لما أراد الناس علياً أن يضع الحكمين، قال لهم: إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحداً هو أوثق برأيه ونظره من عمرو بن العاص، وانه لا يصلح للقرشي إلا مثله، فعليكم بابن عباس فارموه به، فإن عمرأً لا يعقد عقدة إلا حلها عبد الله، ولا يحل عقدة إلا عقدها، ولا يبرم أمراً إلا نقضه، ولا ينقض أمراً إلا أبرمه، فقال الأشعث: لا والله لا يحكم فينا مضريان حتى تقوم الساعة، ولكن اجعل رجلا من أهل اليمن إذ جعلوا رجلاً من مضر، فقال علي: إني أخاف أن يُخدع يمنيكم، فإن عمراً ليس من الله في شيء إذا كان له في أمر هوى، فقال الأشعث: والله لأن يحكما ببعض ما نكره وأحدهما من أهل اليمن أحب إلينا من أن يكون بعض ما نحب في حكمهما وهما مضريان، فقال علي: قد أبيتم إلا أبا موسى، قالوا نعم، قال: فاصنعوا ما شئتم" .

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:31 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وروى الطبري من طريق أبي مخنف نحو ذلك بألفاظ متغايرة فيها تحريض على الصحابة، جاء فيها أن علياً قال: "فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر، فلا تعصوني الآن، إني لا أرى أن أُولي أبا موسى، فقال الأشعث وزيد بن حصين الطائي ومسعر بن فدكي: لا نرضى إلا به، فإنه ما كان يحذرنا منه وقعنا فيه، قال علي: فإنه ليس لي بثقة، قد فارقني وخذل الناس عني ثم هرب مني حتى آمنه بعد شهر، ولكن هذا ابن عباس نوليه ذلك، قالوا: ما نبالي أنت كنت أم ابن عباس، لا نريد إلا رجلاً هو منك ومن معاوية سواء، ليس إلى واحد منكما بأدنى منه إلى الآخر، فقال علي: فإني أجعل الأشتر –النخعي- فقال الأشعث بن قيس: وهل سعر الأرض غير الأشتر، وهل نحن إلا في حكم الأشتر، قال علي: وما حكمه؟ قال: حكمه أن يضرب بعضنا بعضاً بالسيوف حتى يكون ما أردت وما أراد، قال: فقد أبيتم إلا أبا موسى، قالوا: نعم، قال: فاصنعوا ما أردتم" .
ومن هذه الروايات أيضاً ما رواه الطبري من طريق أبي مخنف رأس كذبة المؤرخين عن أبي جناب الكلبي وهو متروك وضعيف أيضاً عند الجمهور ، أن عمرو بن العاص احتال على أبي موسى الأشعري بخلع علي واثبات معاوية، جاء فيها: "فخطب أبو موسى الناس فقال: أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر أمراً أصلح لها ولا ألم لشعثها من رأي اتفقت أنا وعمرو عليه وهو أن نخلع عليا ومعاوية ونترك الأمر شورى وتستقبل الأمة هذا الأمر فيولوا عليهم من أحبوه، وإني قد خلعت علياً ومعاوية، ثم تنحى وجاء عمرو فقال: إن هذا قد قال ما سمعتم، وإنه قد خلع صاحبه، وإني قد خلعته كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية" .

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:32 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وقد روى نحو ذلك ابن سعد في طبقاته الكبرى وابن عساكر في تاريخه من طريق الواقدي وأبي بكر بن أبي سبرة ، وهما متروكان ضعيفان عند الجمهور .
فإن هذه الروايات فوق كونها كذباً لا يصح منها حرف واحد، فإنها تخالف الواقع والقضية المتنازع عليها، أما مخالفتها للواقع: فإن معاوية لم يكن خليفة حتى يخلع مع علي ثم يختار الناس واحداً غيرهما، وأما القضية المتنازع عليها فهي قضية قتلة عثمان كما قد علمت آنفاً، لا النزاع على الخلافة، فبان بذلك كذب هذه الروايات بجميع طرقها فوق كذب إسنادها والحمد لله رب العالمين.
ثم هنالك رواية ثانية مع ضعفها لانقطاعها، لا ذكر فيها لا لخلع علي ومعاوية رضي الله عنهما ولا للغفلة والمكر والخديعة، وهي كما في تاريخ الطبري ومصنف عبد الرزاق عن الزهري قال: "فأصبح أهل الشام قد نشروا مصحفهم ودعوا إلى ما فيها، فهاب أهل العراق، فعند ذلك حكّموا الحكمين، فاختار أهل العراق أبا موسى الأشعري، واختار أهل الشام عمرو بن العاص، فتفرق أهل صفين حين حُكّم الحكمان، فاشترطا أن يرفعا ما رفع القرآن ويخفضا ما خفض القرآن، وأن يختارا لأُمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهما يجتمعان بدومة الجندل، فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل بأذرح" ثم قال: "فلما اجتمع الحكمان بأذرح وتكلما قال عمرو بن العاص: يا أبا موسى أأنت على أن نُسمي رجلا يلي أمر هذه الأُمة، فسمه لي فإن أقدر على أن أتابعك فلك علي أن أتابعك، وإلا فلي عليك أن تتابعني، قال أبو موسى: أُسمي لك عبد الله بن عمر، وكان ابن عمر فيمن اعتزل، قال عمرو: إني أسمي لك معاوية بن أبي سفيان، فلم يبرحا مجلسهما حتى استبا، ثم خرجا إلى الناس، فقال أبو موسى: إني وجدت مثل عمرو مثل الذين قال الله عز وجل {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها} فلما سكت أبو موسى تكلم عمرو فقال: أيها الناس وجدت مثل أبي موسى كمثل الذي قال عز وجل {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا} وكتب كل واحد منهما مثله الذي ضرب لصاحبه إلى الأمصار" .

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:32 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
فهذه الرواية رغم مغايرتها للتي سبقتها فإنها أيضاً ضعيفة لأنها منقطعة، فالزهري لم يدرك علياً ولا صفين فقد ولد سنة خمسين للهجرة أي بعد الفتنة بأكثر من عشرة أعوام، بل اعتبر العلماء أن ما لم يسنده الزهري من المراسيل فلا حجة فيه، فقال الشافعي وابن معين والقطان وغيرهما: مراسيل الزهري ليست بشيء ، والحمد لله على نعمة الإسناد.
ثم هنالك رواية ثالثة تغاير اللتين سبقتاها أيضاً، تدلل على اضطراب هذه الحكاية وإسقاطها عن الاعتبار، فقد روى ابن عساكر والدارقطني واللفظ له عن حضين بن المنذر قال: "لما عزل عمرو معاوية جاء حضين بن المنذر فضرب فسطاطه قريباً من فسطاط معاوية، فبلغ نبأه معاوية، فأرسل إليه فقال: إنه بلغني عن هذا - أي عمرو- كذا وكذا، فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني عنه، فأتيته فقلت: أخبرني عن الأمر الذي وليت أنت وأبو موسى كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال الناس فيه في ذلك ما قالوا، والله ما كان الأمر على ما قالوا، ولكن قلت لأبي موسى: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه في النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فقلت: أين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: إن يستعن بكما ففيكما معونة، وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما، قال: فكانت هي التي قتل معاوية منها نفسه" .
فهذه الرواية وإن اختلفت عن مرويات كذبة المؤرخين آنفاً من حيث عدم ذكرها لما زعموه من غفلة أبي موسى ومكر عمرو، إلا أنها متفقة معها في خلع الرجلين، مع أن القضية ليست فيمن يكون خليفة، بل فيمن يقتل قتلة عثمان كما تقدم ذكره عن طلحة والزبير وعائشة ومعاوية وعلي، ولعلك تسأل أيضاً كيف يتوصل الحكمان إلى خلع الرجلين ولم نسمع عن أحد أن علياً تنازل عن الخلافة نزولاً لحكم الحكمين، أو قام الناس باختيار غيره خليفة لهم، بل المعروف يقينا أنه رضي الله عنه كان الخليفة واستمر فيها إلى أن قتله الخارجي ابن ملجم، فهذا كله يرد هذه الروايات صحيحها وسقيمها، إضافة إلى اضطراب متنها وتناقضه.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:33 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ومن الروايات التالفة والمتناقضة في موضوع التحكيم المزعوم ما ورد في كتاب الخوارج لأحد كذبة المؤرخين وهو الهيثم بن عدي ، جاء فيه: "أن الأشعث بن قيس لما ذهب إلى معاوية بالكتاب-أي كتاب الصلح- وفيه: هذا ما قاضى عبد الله علي أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان، قال معاوية: لو كان أمير المؤمنين لم أُقاتله، ولكن ليكتب اسمه وليبدأ به قبل اسمي لفضله وسابقته، فرجع إلى علي فكتب كما قال معاوية" .
ورواها الطبري نحو ذلك من طريق أبي مخنف وابن مزاحم من طريق عمر بن سعد الأسدي ، وهم من هم في الضعف والكذب، جاء فيها أن الذي رفض كتابة أمير المؤمنين في عقد الصلح هو عمرو بن العاص لا معاوية بن أبي سفيان، فبان بذلك الاضطراب فوق كذب الرواية وتلفيقها على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم لم يكتف كذبة المحدثين والمؤرخين أن كذبوا على الصحابة في موضوع التحكيم بل كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً، فروي عنهم روايتان إحداهما عند البيهقي وابن عساكر عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذه الأُمة ستختلف فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين ضلا وضل من اتبعهما" ، والثانية عند الطبراني وابن عساكر عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يكون في هذه الأمة حكمان ضالان، ضال من اتبعهما" ، ففي إسناد الرواية الأُولى زكريا بن يحيى الكندي الأعمى: قال عنه يحيى بن معين: ليس بشيء ، وفي الرواية الثانية جعفر بن علي وشيخه علي بن عابس، أما جعفر بن علي: فقال عنه الطبراني بعد أن روى هذه الرواية عنه: هذا عندي باطل، لأن جعفر بن علي شيخ مجهول ، وأما علي بن عابس: فقد ضعفه ابن معين والنسائي والجوزجاني والأسدي وغيرهم .

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:33 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
وبالجملة قال عنه الذهبي: حديث منكر ، وقال ابن كثير: هذا حديث منكر جداً وآفته زكريا بن يحيى، وقال في موضع ثان: فإنه حديث منكر ورفعه موضوع .
ثم ومما يرد هذه الروايات أيضاً، أنه لا تستقيم موافقة علي وأبي موسى رضي الله عنهما على التحكيم وهما قد رويا هذا الحديث، إلا أن يكون مما كُذب عليهما وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحمد لله أولاً وآخراً على نعمة الإسناد التي اختص بها ديننا عن بقية الملل والأديان.
وللعلم فإنك لو تتبعت كل ما روي في حادثة التحكيم وفي الحكمين وفي وصفهما بالغفلة والمكر لوجدتها كلها من صنع كذبة المؤرخين لم يصح منها حرف واحد، لأن الثابت الصحيح أن عمراً وأبا موسى رضي الله عنهما من خيار الصحابة، فلم يثبت عن أحد من الصحابة أو التابعين خلاف ذلك، كيف لا وأبو موسى قد ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء اليمن، فهل يولي من كان مغفلاً؟!!ّ! وكذلك ولاه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ويعتبره المسلمون منذ العصر الأول من فقهاء الصحابة، وأما عمرو بن العاص فأمره رسول الله على ذات السلاسل واستعمله على عمان، ثم سيره أبو بكر أميراً على الشام، وأمره عمر على جيش لفتح مصر وأمره عليها، كل ذلك معروف عند أهل الحق على ظاهر الكف، فلا يُصدق ما يقوله كذبة المؤرخين في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطعن والغمز واللمز، إلا المغفلون أو الحاقدون المنتسبون.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:34 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ومما يرد هذه الروايات جميعها رواية أيضاً غير ما ذكر من اضطرابها وضعف أسانيدها، سواء التي ذكرت عدد المشاركين في هذه الفتنة أو عدد القتلى فيها، أو التي ذكرت أخبار التحكيم أو أحوال المعركة: أنها تخالف مفهوم قاعدة عموم البلوى، وقاعدة تكذيب ما روي آحاداً وقد توفرت الدواعي على نقله بالتواتر .
فمعركة يحضرها عشرات الأُلوف إلى أكثر من مائتي ألف لم يُسند فيها شيء في دواوين الإسلام الصحيحة مما ذكر آنفاً من الروايات، في حين يجب أن يرويها من التابعين عدد لا حصر لهم عما لا يقل عن ثلاثين صحابياً مما زُعم أنهم شاركوا في تلك الفتن، لتوفر الدواعي على نقلها من قبل هذا العدد المتواتر، لأنها مما عمّت به البلوى، ولما لم يكن ذلك دل على كذب هذه الروايات جملة وتفصيلاً حسب هذه القاعدة حتى ولو روي فيها عن آحاد الثقات ولو كان صحيح الإسناد.
ومما يؤكد صحة هذه القاعدة وانطباقها على الواقع: أن حرب علي ابن أبي طالب رضي الله عنه للخوارج في النهروان بلغ ذِكرها صراحة وذِكرُ من حضرها ومن قتل فيها حد التواتر عن الصحابة والتابعين، وقد ملأ ذكرُها دواوين الإسلام الصحيحة، وهذا بخلاف ما قيل وزعم عما حصل في الجمل وصفين، فإن ما صح فيها فهو آحاد غريب يخالف مفهوم قاعدة عموم البلوى، وهو غير صريح أيضاً كما ستعرفه في الجواب عن الإعتراضات، وما كان صريحاً فليس بصحيح بل معظمه كذب كما عرفته آنفاً.
ولعلك تسأل عن سبب عدم اهتمام كذبة المؤرخين بحرب الخوارج في النهروان كاهتمامهم بالجمل وصفين؟!! ويمكن أن تعزو الأمر إلى سببين:
أولهما: أنه لم يوجد في الخوارج أحد ممن اتفق على صحبته لا فيمن خرج على عثمان ولا فيمن خرج على علي، والحمد لله رب العالمين ، إذ لو كان فيهم صحابي واحد ممن انطبق عليه معنى الصحبة لغة وشرعاً وعُرفاً، لنسجوا حوله الأكاذيب والمخالفات كالتي نسجوها حول العشرة الذين قيل أنهم شاركوا في صفين والجمل، وذلك منهم للنيل من شهودنا على ديننا وللطعن فيه بطريقة باطنية خبيثة.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:34 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ثانيهما: إن هذه الحرب قد اشتهر ذكرها في كتب المسلمين المعتمدة والصحيحة، فلم يستطيعوا تزييفها والكذب عليها كما فعلوا بشأن الجمل وصفين.
وعلى ما تقدم ذكره من أكاذيب حول هاتين الوقعتين فليس غريباً من بعض العلماء إنكارهم لهما كهشام وعباد وابن حزم وابن العربي ، ولا يقال بأنه إنكار لما هو معلوم بالتواتر وقوعه، لأن إنكار الكذب وما يتعارض مع القطعي هو من أخلاق العقلاء والحكماء ولو تواتر ذكره، بل وقد أوجبه الشرع على المسلمين، كوجوب إنكار ما ادعاه اليهود والنصارى في عيسى عليه السلام ولو تواتر عنهم ذلك، كما وإن إنكار اشتراك الصحابة في هاتين الوقعتين لا يضرنا، بل الأسلم لديننا إنكارها ليس فقط لأنها لم تثبت، بل لأنها تخالف ما أخبر به الله ورسوله عن الصحابة من العدالة والتقوى والورع في الدين كما تقدم ذكره.
أضف إلى ذلك كله أن هنالك روايات توحي صراحة ودلالة أنه لم يقع قتال في تلكما الوقعتين بتلك الضخامة وبذاك التهويل الذي يصوره كذبة المؤرخين، وهذا يتفق مع ما هو معلوم عند علماء المسلمين على ظاهر الكف أن قتال البغاة إنما هو قتال تأديب حتى يرجعوا إلى أمر الله لا قتال إبادة، فلا يتبع مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ، هذا إذا سُلّم أنهم بغاة، لأن كل من لم يشارك فيه من الصحابة وكذلك جمهور علماء الحديث والفقه اعتبروه قتال فتنة لا قتال بغاة ، وهو أدنى منه بكثير، فلا هو واجب ولا مستحب، بل تركه أولى كما سيأتي بيانه.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:35 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ففي تاريخ دمشق الكبير عن أبي الصلت سليم الحضرمي قال: "شهدنا صفين فإنا على صفوفنا وقد حلنا بين أهل العراق وبين الماء فأتانا فارس على برذون مقنعاً بالحديد فقال السلام عليكم فقلنا وعليك، قال: أين معاوية؟ قلنا: هو ذا، فأقبل حتى وقف ثم حسر عن رأسه، فإذا هو الأشعث بن قيس الكندي، فقال: الله الله يا معاوية في أُمة محمد صلى الله عليه وسلم، هبوا أنكم قتلتم أهل العراق، فمن للبعوث والذراري؟ أم هبوا أنا قتلنا أهل الشام، فمن للبعوث والذراري؟ الله الله، فإن الله يقول {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأُخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} فقال له معاوية: فما الذي تريد؟ قال: أن تخلوا بيننا وبين الماء، فوا الله لتُخلن بيننا وبين الماء أو لنضعنّ سيوفنا على عواتقنا ثم نمضي حتى نرد الماء أو نموت دونه، فقال معاوية لأبي الأعور وعمرو بن سفيان: خل بين إخواننا وبين الماء، فقال الأعور لمعاوية كلا والله لا نخلي بينهم وبين الماء، فعزم عليه معاوية حتى خلى بينهم وبين الماء، فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى كان الصلح بينهم، ثم انصرف معاوية إلى الشام بأهل الشام، وعلي إلى العراق بأهل العراق" .
فهذه الرواية تعتبر من أصح ما روي في موضوع الماء، وحتى التي زعم فيها أنهم اقتتلوا على الماء فوق كونها كذباً لأنها من طريق أبي مخنف لوط بن يحيى شيخ كذبة المؤرخين ، فإنه ليس فيها أنه كان قتال إبادة، ففيه عن شاهد عيان للوقعة "ثم أشهد أنهم خلوا لنا عن الماء فما أمسينا حتى رأينا سُقاتنا وسُقاتهم يزدحمون على الشريعة وما يؤذي إنسان إنساناً" .
وفي تاريخ الطبري عن أبي عبد الرحمن السلمي "وكنا إذا تواعدنا من القتال تحدثوا إلينا وتحدثنا إليهم" .
وفي مستدرك الحاكم عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: "وكانوا إذا تحاجزوا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء وهؤلاء في عسكر هؤلاء" .
وفي تاريخ دمشق عن بكار بن بلال "إنه لما بلغ أهل الشام يوم صفين مقتل عمار بن ياسر، فنادى مُنادِ أهل الشام أصحاب علي: إنكم لستم بأولى بالصلاة على عمار منّا، قال: فتواعدوا عن القتال حتى صلوا عليه جميعاً" .
ومن الروايات الدالة أيضا على أنه لم يكن قتال في تلك المعركتين بتلك الضخامة التي زعمها كذبة المؤرخين ما رواه اسحق بن راهويه والحاكم في المستدرك والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة واللفظ له بسند صحيح أن رجلاً من أهل صفين لعن أهل الشام فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تسبوا أهل الشام جمعاً غفيراً، فإن فيهم قوماً كارهون لما ترون، وإن فيهم الأبدال" ، فإن هذا الحديث عن علي رضي الله عنه يرد كل ما نُسب إليه من روايات فيها تحريض على قتال أهل الشام وسبهم، إضافة إلى أنها من طريق كذبة المؤرخين كما قد علمت.
فلا يقول بعد كل هذه الروايات في علاقاتهم في هذه الحرب المزعومة أنهم اقتتلوا قتال إبادة وقتال أعداء لا قتال فتنة إلا جاهل أو مغرض حاقد، هذا على فرض التسليم أنه حصلت معركة لا شجار، وأن بضعة من الصحابة شاركوا فيها، خصوصاً وأن كل ما روي في كونها معركة طاحنة، وفي عدد الجيش وفي عدد قتلاهم الهائل، كله كذب كما قد علمت آنفاً، والحمد لله على براءة الصحابة مما نسبه إليهم الحاقدون.


نائل أبو محمد 02-17-2014 09:37 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
الأمر الرابع في أسس هذا البحث: ما خالف القطعي يرد دراية:
أما رد ما روي في كون الصحابة رضي الله عنهم شاركوا في هذه الفتن دراية، فمن عدة وجوه:
أولاً: إنه يتعارض مع القطعي من القرآن والسنة في شدة تقواهم وورعهم وعدالتهم وتراحمهم وحبهم لبعضهم والحرص على أُخوتهم وأنهم خير الناس بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكر الأدلة عليه عند الحديث على عدالتهم، فلا يتعمدون فعل ما يخالف ذلك، {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأً} وما قيل أنه ورد فيُرد دراية لمخالفته لهذا القطعي.
ثانياً: إن كل ما قيل في الصحابة واشتراكهم في هذه الفتن ومِن قتل بعضهم بعضاً هو من باب التحريض على الصحابة للطعن في عدالتهم وورعهم ودينهم لإثبات فسقهم وبالتالي إسقاط مروياتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يتعارض مع قوله صلى الله عليه وسلم {إذا ذكر أصحابي فأمسكوا} ومع قوله {وأصحابي أمنة لأُمتي} وقوله {أكرموا أصحابي فإنهم خيار أُمتي} وقوله {إحفظوني في أصحابي فإنهم خياركم} .
ثالثاً: يتعارض مع ما قاله الله تعالى فيهم وفي أخلاقهم {أشداء على الكفار رحماء بينهم} وقوله {ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا}.
رابعاً: رواياتهم عن اقتتال الصحابة فيما بينهم تتعارض مع مفهوم رضا الله عنهم، لأن مرتكبي المعاصي والآثام لا يرضى الله عنهم قال الله تعالى {إن الله لا يحب المفسدين} وقوله {إنه لا يحب الظالمين} وقوله {إن الله لا يحب المعتدين} إلى غير ذلك.

نائل أبو محمد 02-17-2014 09:38 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
خامساً: تتعارض مرويات كذبة المؤرخين من شيعة وغير شيعة من أن الصحابة اقتتلوا فيما بينهم مع ما رواه الصحابة لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله {لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض} وقوله أيضاً {إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار} وقوله {سباب المسلم فسوق وقتاله كفر} وقوله {كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه} وقوله {ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم} فهذه الاحاديث الصحيحة عنهم في التحذير من قتل المسلمين بعضهم لبعض لتؤكد أن ما روي عنهم من المشاركة في تلك الفتن هو محض كذب وافتراء.


نائل أبو محمد 02-17-2014 09:40 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
الاثنين 17 ربيع الثاني 1435

يتبع غداً إن شاء الله ، بقية النقل من الكتاب صفحة 106 ، وصلنا عند العنوان التالي : ملابسات واعتراضات:



نائل أبو محمد 02-18-2014 05:14 PM

رد: كتاب : الفرية الكبرى صفين والجمل
 
ملابسات واعتراضات:
فإن قيل بأن هنالك أحاديث صحيحة تدلل على أنه حصل قتال بين الصحابة وأنه بغى بعضهم على بعض وهي كفيلة بإسقاط عدالتهم: من ذلك: حديث {تقتل عماراً الفئة الباغية} الجواب عليه من وجوه:
أولاً: هذا الحديث وإن ورد في الصحاح، غير أنه ليس مما اتفق العلماء على تصحيحه، فقد ضعفه غير واحد منهم، ففي المنتخب من علل الخلال بإسناد عن أبي أُمية محمد بن إبراهيم قال: "سمعت في حلقة أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبي خيثمة والمعيطي، وذكروا {تقتل عماراً الفئة الباغية} فقالوا: ما فيه حديث صحيح" ، ومنه أيضاً عن أحمد بن حنبل قال: "روي في عمار {تقتله الفئة الباغية} ثمانية وعشرون حديثاً ليس فيها حديث صحيح" ، وفي البصائر والذخائر عن أبي حيان التوحيدي قال: "سألت ابن الجعابي عن حديث {تقتل عماراً الفئة الباغية} فقال: لا أصل له ولا فضل، وإنما ولّده مولد" ، وفي شذرات الذهب عن أبي علي النجاد الصغير في حوار له مع رافضي وقد سأله عن حديث "تقتله الفئة الباغية" قال: إن أنا قلت لم يصح وقعت منازعة ، وفي منهاج النبوة لابن تيمية: وضعفه الحسين الكرابيسي ، فهذا الاختلاف على صحته بين العلماء وإن رواه البخاري وغيره، يجعل الاحتجاج به مضطرباً ظنياً في جرح من ثبتت عدالته بالدليل القطعي من الكتاب والسنة كما تقدم ذكره، ثم الذين ضعفوه حتماً يرفضون أن يكون معاوية ومن معه بغاة، أو أن يكون قتال علي لهم قتال بغاة، وهذا منهم يتفق مع رأي الصحابة الذين لم يشاركوا في الجمل وصفين، معتبرينه قتال فتنة لا قتال بغاة وهم الغالبية الساحقة من الصحابة، كما قد علمت عنهم آنفاً.


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 10:04 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.2
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.