بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مرحبا بكم مع الشيخ خالدالمغربي - المسجد الأقصى

017

الإسراء

آية رقم 085

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا

صدق الله العظيم

 

الروح بين عالم الخلق وعالم الأمر
 

دكتور / محمود السيد خطاب

استشاري الجراحة بمستشفى السنبلاويند

 وصاحب العديد من المؤلفات في مجال الدعوة الإسلامية.

تظل الآية رقم /85/ من سورة الإسراء.. { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً } [الإسراء: 85]... من يوم نزولها وهي مثار تساؤلات من عامة المسلمين وخاصتهم عن معناها ومثار آراء متباينة من المفسرين: من حيث المراد من قول الله عن الروح وعن أمره وعن موضوع العلم القليل الذي يؤتاه المخاطبون بالآية... ومثار بحث العلماء عن مصدر العلم الكثير الذي يشبع رغبة الإنسان إلى المعرفة ويكافئ حبه لاستطلاع الغيب ودأبه لكشف المجهول...

وتظل الروح – من قبل نزول الآية ومن بعد – مثار تساؤلات حائرة بين الناس عن أصلها وحقيقة وجودها وعن آثارها وماهيتها وعن مصيرها بنهاية الحياة الدنيا وعن موقعها في دار القرار...

ونحن من جانبنا في هذا اللقاء سنجلي – بعون الله وتوفيقه – بعض دقائق ذلك إذ تجد في الكتاب – الذي أنزله الله تبياناً لكل شيء – بيان ما غاب عنا وغمض على أفهامنا واستعصى عن البيان شريطة الإقبال على مأدبة الله... مؤمنين بكل حرف فيه وكل كلمة وآية...

وقد وجدت في كتاب الله... أن علوم الإنسان كلها مكتسبة لقول الله... { وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } [النحل: 87]. وأن العلوم بعد ذلك تصل إلى قلب الإنسان بطرق ثلاث:

* الطريق الحسي للحصول على العلم المادي.. المكتسب عن طريق الحواس:

والعلم من هذا الطريق متاح للحيوان والإنسان فور الخروج إلى الحياة الدنيا ويجب التذكير بأن الحيوانات تقبل التعلم على اختلاف بينها في درجة التحصيل فمنها الصقر القناص والكلب المعلَّم وكلاب الحراسة.

ولكن الطريق الحسي ضيق ومحدود … ضيق لأنه يتعلق بالماديات فقط دون موجودات عالم الغيب والملكوت وضيق لأنه يتعلق بالظواهر والمظاهر دون الماهيات والحقائق … وضيق لأنه يتوقف على الحواس ثم إنه مفيد ومحدود بدقة الحواس وطاقاتها ومدى كل منها وغير ذلك مما هو موضوع دراسات علم وظائف الأعضاء في الحيوان وفي الإنسان …

فنحن نعلم أن عين الإنسان وأذنه (1) – بل كل حواسه – تستجيب لمتغيرات بيئية ذات شدة معينة بحيث لا تحس المؤثرات التي تقل عن ذلك أو تتجاوز مداه وشدته.

ثم إن الثقة في العلم المتحصل عن طريق الحواس: محل شك العلماء والفلاسفة وذلك لاختلاف الناس في إدراكاتهم الحسية ولتعرض أعضاء الحس وأدواته للمرض ( فقد لا ترى العين ضوء الشمس من رمد)... فوق أن العلم الحسي يتعرض بطبيعة الحصول عليه لظواهر الزيغ والطغيان فيما يصفه المختصون بظاهرة (خداع الحواس) وأثبته القرآن لكل من هم دون مرتبة الأنبياء والرسل: إذ نفاه عن خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم... { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى } [النجم: 17].

وفوق ذلك فليس للحيوان علم من غير طريق الحواس وقد قرر القرآن الكريم في ذلك قولاً فصلاً: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } [الأعراف: 179].

لأن شأن الحواس أن تيسر مع الروح للإنسان طريقاً أوسع إلى علوم عقلية ومعارف قلبية لا يتحصل الحيوان عليها. رغم أن بعض أنواع الحيوان يفوق بني الإنسان في بعض نواحي العلم الحسي... فمن الحيوانات ما هو أحد بصراً أو أرهف سمعاً أو أدق شماً... ومنها ما يتحسس الزلازل والعواصف والبراكين.. قبل وقوعها... !!

ولكن علم الحيوان يقف عند حد العلم المادي لا يتخطاه إلى ما بعده لأن الحيوان لا يملك ما يكسب به علماً فوق ذلك ومنه الطريق الثاني للعلم..

* العلم عن طريق الاستدلال العقلي:

 لاكتساب علوم ومعارف تتجاوز طاقات الحواس وتتخطى قدرات الحيوان لأن العلم بالاستدلال يتحصل للناس باستنباط نتائج وعلاقات غير محسوسة من مقدمات محسوسة فهو استدلال بالمشهود على الغائب.

ورغم أن هذا الطريق للعلم متاح لكل بني الإنسان إلا أن الفائدة منه تعظم لكل من يحسن استخدام آلاته … فمن الناس من يحسن الاستدلال عقلاً ومنهم من لا يتخطى المعلومة الحسية والمثل المشهور على أهمية هذا الطريق للإنسان وعلى فضل من يحسنون السعي خلاله: هو استنباط أن الأرض كروية وذلك بعد طول اعتقاد راسخ بكونها مسطحة وأن حافتها تنتهي إلى بحر الظلمات… وغيره من الخرافات !!

فقد استدل بعض الناس ببعض المشاهدات الحسية المتاحة للجميع على أن الأرض الممتدة أمامهم لا يمكن أن تكون مسطحة – بحسب التصور السائد وقتها – وأن الشكل الكروي، يتوافق مع المشاهدة العديدة مثل: ظاهرة الأفق وما نراه عند نهاية البصر … من انطباق السماء على الأرض. ثم ما نراه من امتداد الأفق.. كلما سرنا في اتجاهه وظهور خط أفق جديد.. لا ينتهي إلى حافة الأرض المسطحة..

ومن المشاهدات أيضاً: ظاهرة ظهور أعالي السفن القادمة إلى الموانئ قبل أسافلها واختفاء أسافل السفن الراحلة قبل أعاليها … ومشاهدات أخرى عديدة.. تجمعت هذه المعلومات حتى أصبحت كروية الأرض معلومة عقلية.. دل عليها النظر السليم واستنباط معلومة غير مشهودة … ( لا تدركها الحواس مباشرة).. من مقدمات وشواهد مادية بسيطة.

ثم ثبت بعد ذلك صحة الاستدلال على كروية الأرض وتحول التصور عن ذلك من معلومة عقلية إلى معلومة حسية … شاهدها رواد الفضاء بأعينهم في رحلاتهم إلى الفضاء الخارجي إذ وجدوا الأرض كرة معلقة في السماء ورأينا نحن صورها.

فيمكن للإنسان – بهذه الملكة – أن يحّكِم عقلاً.. بوجود ما لا تدركه الحواس وأن يحّكِم عقلاً – ضد ما تدركه الحواس: القاصرة بطبعها -: يكون السراب سراباً.

والمثل الذي أورده القرآن: أشد وضوحاً ودلالة – وهو حركة الظلال – يقول الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } [الفرقان: 45-46]. فكل منا يحكم – دائماً – أن ظل الأشياء يتحرك رغم أن العين لا تبصر له مداً ولا قبضاً. ولكنه الحكم بالاستدلال.. استنباطاً ! من جمع مشاهدتين أو أكثر.. عن موضع الظل – في أوقات متلاحقة..

ولكن الاستدلال والاستنباط يتوقف على موجودات مادية: هي المقدمات والشواهد التي يتبنى عليها ويتوقف على من يحسن الاستدلال... ويتوقف على سلامة الاستدلال وتحريف الواقع.

وقد بث الله آيات كونية.. لتدل الناس عليه: (سبحانه وتعالى) وعلى وحدانيته ولكن كثيراً من الناس.. معرضون فلا يستدلون بالظواهر والآثار على الجواهر والحقائق ولا يعتبرون بالوقائع ولا يتذكرون ما ورائها من مقاصد ودوافع { وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } [يوسف: 105]. وهؤلاء بالطبع محرومون من سبيل واسع إلى علم يفيدهم.. دنيا وآخرة.

وقد مدح الله الذين يستدلون بآيات كونه ويستنبطون من آيات قرآنه علوماً كثيراً اكتسبوها هم من الشواهد المتاحة لكل الناس: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء: 83]. فالذين يقدرون على الاستنباط يكتسبون وحدهم علماً لا يكسبه غيرهم.. من ذات البيانات والآيات والمشاهدات المتاحة.

* طريق النبأ والخبر الصادق:

أما الطريق الثالث فهو الطريق الأوسع للعلوم والمعارف الإنسانية التي تكتسب عن طريق النبأ والخبر الصادق.. مسموعاً ومقروءاً ووحياً إذ يتعلق بالعلم عن الماضي، وإن تلاشت آثاره وشواهده: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: 6-8] … وبالغيب الحاضر.. مكاناً وزماناً: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } [الطلاق: 12]… وبالغيب الآتي حتماً: { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } [الأنبياء: 104].

فقد حددت الآية نهاية الكون على سبيل اليقين في مقابل ظن العلماء وتخميناتهم عن التوسع اللا نهائي له أو نهايته بالانسحاق العظيم أو عن طريق نظرية الأكوان المتجددة … إلى ما لا نهاية ويتعلق كذلك بالغيب المطلق: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11].

والإنسان لا يكتسب هذا العلم إلا بثقة في المخبر به حيث لا دليل على صحة الخبر إلا صدق المخبر والمنبئ وهذا هو الإيمان فمن آمن بكلام الوحي: فقد كسب علماً يقينياً واسعاً لا طريق له غيره وهو لا يتاح لغير المؤمن ومن ذلك علم المؤمنين عن الملائكة واليوم الآخر وعن الميزان والصراط وكتاب الأعمال وعن العرش والكرسي واللوح المحفوظ والقلم وعن الجنة والنار وعن الواحد القهار سبحانه وتعالى …

وعلم الناس بالروح:لا يقع إلا من هذا الطريق فهي لا تدرك ذاتاً بالحواس ولا تقاس إنما فقط توصف بآثارها التي وردت في نصوص الوحي المعصوم.. قرآناًً وسنة.

والعلم عن طريق النبأ والخبر الصادق يتيح للمؤمن علماً لا شكّ فيه في مقابل الاستدلال والعلم عن الطريق الحسي الذي لا يتيح إلا ظناً واحتمالات وذلك لطبيعة الحواس وما يظهر لها من الأشياء لا يقين للناس فيها { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } [الروم: 7]. فلا يمكن الوقوف بعلم عن الروح.. بعيداً عن الوحي المحفوظ. فمن آمن بكلام الوحي عنها فقد كسب بإيمانه علماً.. لا طريق له غيره ولا طريق لغيره إليه إلا إذا آمن بما آمن به وذلكما عبر عنه القرآن بالآية: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً } [الإسراء: 85].

ولا يُفهم من الآية إلا أنها تحمل الرد على سؤال وجه إلى الرسول عن الروح فنزلت الآية تحمل خبر السؤال وتحمل الرد لا تحمل النهي عن البحث فيها والرد محصور ولا شك في كلمات القرآن: { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [الإسراء: 85] إضافة إلى ما يفهم ضمناً عن قناعة المتحاورين بالرد وأن الذي يعلمه الإنسان قليل قليل: نسبة إلى ما لا يعلمه.. { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يوسف: 76].

من ثم نبحث في كلمة القرآن: { أَمْرِ رَبِّي } إيماناً بها واهتداء بقرآن الله إلى العلم في آياته وكلماته لنجد أنها تشير إلى عالم مستقل عن الموجودات هو عالم الأمر ولنجد في آيات القرآن – كذلك – فارقاً فاصلاً بين عالم الخلق وعالم الأمر.

وأوضح مثال لتأصيل الفرق بينهما هو ظاهرة الليل والنهار التي تنتج عن دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس … فالأرض والشمس أجرام مخلوقة من مادة ذات تركيب وكثافة وحجم وكتلة … وقد خلق كل منهما على مراحل – أما الدوران الذي ينتج عنه الليل والنهار فهو أمر الله للأرض أن تدور حول نفسها أمام الشمس … فالليل والنهار – على ذلك – من موجودات عالم الأمر وهي موضوع علم أوسع كثيراً من العلم عن عالم الخلق والشهادة: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً } [الإسراء: 85].

ويقع عالم الأمر ويتحقق وجوده في الواقع من لا شيء وفي لا زمن وإنما فقط بكلمة الله.. (كن) والتي تعني إيجاداً بالأمر.. لكائنات وإيقاعاً.. لأحداث وظواهر: لا تصنف ضمن موجودات عالم الخلق والشهادة.

وقد جمع الله الخلق والأمر وباين بينهما – كعوالم مختلفة – في آية الأعراف.. { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [الأعراف: 54]… والروح أحد كائنات عالم الأمر.. { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي }.

والمتدبر لآيات القرآن الكريم يجد التعبير عن عالم الأمر واضحاً – على مرّ الآيات والسور – بكلمات لا تعني الخلق على مراحل من مادة كالتصوير والتشكيل والتحويل.. خلقاً من بعد خلق – وإنما تعني الإيجاد المباشر بالأمر مثل: جعل أنشأ كتب سخر..

والآيات كثيرة منها قول الله تعالى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً } [الملك: 15]… بعد أن خلقها بما قدره فيها من ظروف مناخية مواتية وما جعله لها من عوامل فيزيائية وكيماوية وجغرافية.. تقع في مستوياتها المثلى فتكون الأرض زلولاً لبني الإنسان وكذلك الآية: { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالاً … } [النحل: 81]. بأمره للضوء أن يسير في خطوط مستقيمة … ويجعل بعض المخلوقات كثيفة المادة تحجب الضوء فتكون ظلالاً.. ومثل الآية: { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً … } [الروم: 21].

وبمثل ذلك عبر القرآن عن حدث إطلاق الروح في بدن الإنسان المعدّ لها بكلمات … {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي … } [الحجر: 29]. { وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ … } [السجدة: 9]. وفصلت ذلك آية (سورة المؤمنون) وبإعجاز لا يدرك الناس منتهاه: { ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } [المؤمنون: 14].

ونجد مثله في حديث ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يجمع أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يأمر الله ملكاً فينفخ الروح فيه ) متفق عليه.

الروح:إذن من عالم الأمر وعنصر وجودها هو النور... والروح نور على نور ولكنها تعمل في الإنسان من خلال بدنه المظلم الكثيف.. زمن وجوده في الحياة الدنيا: { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ } [الزمر: 6].

ولقد كان للروح وجود أسبق ككائن حي مستقل الوجود قبل نفخها في البدن – وتلك مرحلة الذرّ من أطوار الإنسان –. فقد كانت تعي الوجود وتدرك الإيمان وتشهد الوحدانية وتفهم الشرك وتنكره بل شهدت لربها وآمنت به رباً وإلهاً واحداً.. { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا... } [الأعراف: 172].

ولها بعد حياة البدن في الدنيا وجودها المستقل عن البدن طوال مرحلة البرزخ حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نسمة المؤمن معلقة في قناديل تحت العرش ) ويقول: (أرواح الشهداء في حواصل طير خضر )... ويقرر القرآن: { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [آل عمران: 169].

لقد جمع الله في كل إنسان – طوال حياته الدنيا – بين عالم الخلق.. فمثلاً في بدنه المكون من ذرات عناصر الأرض وبين عالم الأمر... بنفخة الروح التي حلت نوراً من أمر الله ونفخة من روحه في البدن المخلوق طيناً.

تلهم الإنسان معرفة ربه وتدله على الغاية والمنتهى وتقوده بالتقوى إلى بلاد الأفراح في دار القرار إذ ألهم الله كل نفس – بالروح – تقواها فتشهد بـ ( لا إله إلا الله)... ما ليس غريباً عليها إذ شهدت قديماً يوم أقرت: { بَلَى شَهِدْنَا... } [الأعراف: 172].

ومن يعيش حياته الدنيا مهملاً جانب النور فيه – ملبياً غرائز النفس وشهواتها الأمارة بالسوء، فإنه وأمثاله يقضي حياته الدنيا: { يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ } [محمد: 12]. إذ أهمل نور روحه وطغت نفسه الأمارة وطغى بها وآثر الحياة الدنيا من ثم... { فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى } [النازعات: 39]. { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } [النازعات: 40]... من ثم ندعو بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم آتي نفسونا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ) رواه مسلم.

اللهم علمنا من القرآن ما جهلنا وذكرنا منه ما نسينا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار واجعله لنا حجة يا رب العالمين...

دكتور / محمود خطاب


الهوامش:

(1) العين البشرية: لا تري الأشعة تحت الحمراء فما دونها ولا الأشعة فوق البنفسجية فما فوقها والأذن البشرية لا تسمع ترددات موجات الصوت الأقل من 20 ذبذبة في الثانية ولا تسمع التي تتجاوز تردداتها.. (30. 000) وحدة في الثانية.

 

 

الروح في ضوء القرآن الكريم
 

دكتور / أحمد شوقي الفنجري(1)

لقد حاول الإنسان منذ القدم أن يعرف ما هي الروح وما هو الموت، ومع عصر التفجر العلمي في القرن العشرين بدأ الإنسان بالاستعانة بالأجهزة العلمية الدقيقة في دراسة الروح... واعترفت الكثير من الجامعات العلمية بهذا العلم في أوروبا وأمريكا فخصصت له مقعداً للتدريس والتعليم مع غيره من الظواهر التي تسمى ما وراء الطبيعة. وكان أولها في جامعة كامبردج سنة 1940م ثم اكسفورد سنة 1943م ثم تتابعت الجامعات.

كذلك تكونت جمعيات أهلية كثيرة في أنحاء العالم من الهواة والباحثين الجادين تتبادل الدراسات والتجارب العلمية. ولها مجلات دورية مثل المجلة الروحية في أمريكا وإنجلترا... وهم يعقدون الكثير من المؤتمرات والندوات تماماً كما تفعل الجماعات الطبية والعلمية ويتبادلون آخر ما توصلوا إليه من علم.

ومن أوائل التجارب التي كانوا يجرونها أن يضعوا إنساناً يحتضر على جهاز به ميزان لتقدير وزن الروح بعد خروجها من الجسم ويضعون على رأسه جهاز (eeg)لقياس ذبذبات المخ الكهربائية أثناء الوفاة وعلى قلبه جهاز لرسم القلب (eeg)كذلك وضعوا كاميرات خاصة تعمل بالأشعة تحت الحمراء لتصوير الروح أثناء خروجها (infra red photography)حيث وجد أنها لا تظهر بالضوء العادي. ( 1 ).

وقد وجد العلماء إرتباطاً كبيراً بين علم الأرواح وعلم التنويم المغناطيسي (hypnosis)وعلم التخاطر (telepathy)وهو علم نقل الأفكار عن بعد وأيضاً علوم دراسة الأشباح والجن.

ولم يعد علم الأرواح قاصراً على التسلية والهواية أو كشف المجهول... بل دخل مجال العلاج الطبي وخاصة في الأمراض التي عجز الطب الحديث عن شفائها مثل الصرع والجنون والشيزوفرينيا ( 2 ) وألفت في ذلك الكثير من الكتب والمجلات وبعضهم استطاع إجراء عمليات جراحية بالأرواح وإخراج الأورام من جسم الإنسان في مؤتمر عام وبشهود من الأطباء.

وتعرف الروح في نظر العالم أنها عبارة عن موجات ذات تردد عالي وأنها موجودة بيننا في كل مكان وفي العالم الأثيري... ولكننا لا نراها ولا نسمع صوتها بسبب عجز العين البشرية والأذن عن ذلك... فقد ثبت علمياً أن العين البشرية لا ترى إلا في حدود معينة هي ألوان الطيف. فالضوء الأحمر الذي نراه بالعين له ذبذبة ( 4×10 10) = 400 ألف مليون ذبذبة / ثانية...

أما الضوء ( تحت الأحمر infra red)فهو أقل من ذلك فلا تراه العين، والضوء البنفسجي له تردد ( 7× 10 10 ) = 700 ألف مليون ذبذبة / ثانية فإنه زاد عن ذلك في فوق البنفسجية فلا تراها: وقد قدروا الأرواح بأنها ذبذبة أعلى من فوق البنفسجية وأقل من الذبذبة (ray×).

ونفس الشيء بالنسبة للأذن البشرية التي تسمع فقط من 20 ذبذبة / ثانية وحتى 000 و20 ذبذبة وما زاد عن ذلك فلا تسمعه، وقد ثبت بالتجربة أن بعض الحيوانات كالكلاب والقطط والخيل تسمع أكثر مما يسمعه الإنسان، ولذلك تراها تجفل أو تصرخ فجأة لأنها تسمع ما لا نسمعه نحن...

ويقسم علماء الأرواح الأدلة إلى نوعين ذهني (mental)ومادي (phlysical)فمن النوع الأول الذهني ظاهرة التخاطر (telesphy).وظاهرة الرؤية عن بعد (clain voiance)وظاهرة الخطاب المباشر الذي تستعمل فيه الروح حنجرة الوسيط ونتكلم بلغتها الأصلية التي قد لا يعرفها الوسيط.

أما الأدلة المادية فمنها نظرية التجسيد (materializationونظرية رفع الأشياء (lev - itationونظرية التصوير الروحي (psychic photography)وهو علم جديد ظهر في السنوات الأخيرة فقط بعد اختراع أفلام خاصة.

وآخر ما وصلت إليه الدراسات في ماد (d.n.a)التي يعتقد العلماء أنها تمثل سر الحياة والروح في الخلية الحية واكتشاف تركيبها الكيميائي، وقد نال الكشف عن ذلك جائزة نوبل.

ورغم كل هذه الأبحاث والإنجازات فما زالت الإنسانية في أول الطريق وما زال موضوع الروح أحد الأسرار الغامضة على العلم، وما يزال الدين هو مصدر العلم الرئيسي عن سر الروح.

الجانب الديني:

لم يرد أي تعريف للروح في التوراة أو الإنجيل وإنما استعملت هذه الكلمة بأوصاف أخلاقية ومعنوية مثل الروح الشريرة أي: الشيطان والروح الرضية التي تفرق بين الناس والروح الخفية كالملائكة واستعمل لفظ الروح القدس عن الله.

وعندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم في قومه وأعلن النبوة ذهب بعضهم إلى اليهود يسألونهم في أمر يمتحنون به هذا النبي فطلبوا منهم أن يسألوه في أمر لم يخبر به أي نبي من قبله وهو الروح. فلما سئل الرسول في ذلك أمهلهم حتى يأتيه فإذا بالقرآن يرد عليهم )ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ([الإسراء: 85].والمعنى العلمي لهذه الآي أن الروح أمر يصعب على البشر أن يفهموه لأنه أكبر من علمهم وعقولهم ومهما أوتي الإنسان من العلم لن يفهم حقيقة الروح، وهذا هو السر في هذا الرد المقتضب حتى لا يقع الناس في البلبلة والظنون وينشغلوا عن الدعوة الجديدة بأمور فلسفية وقد ذهب المفسرون بعد ذلك إلى شتى التفاسير فمنهم من قالوا: إن هذا الرد معناه: نهى المسلمين عن الدراسة والعلم بهذه القضية... بينما ذهب الأكثرية بأنها لم تنص على القول: ( قل الروح من علم ربي ) بل نصت: ( من أمر ربي ) والفارق بينهما كبير وواضح ومن هنا فلم يتوقف علماء المسلمين عن الكتابة والدراسة في هذا الموضوع من ذلك كتاب ( الروح لابن سينا ) وكتاب ( الروح لابن القيم ) وعشرات الكتب على مر العصور.

وهذه بعض القضايا عن الروح التي ذكرت في القرآن وجاء العلم الحديث لتأكيدها:

أولاً: أننا لا نرى الأرواح ولا نسمع صوتها لا لأنها غير موجودة ولكن لقصور في العين البشرية والأذن البشرية عن إدراكها وقد شرحنا ذلك علمياً... والقرآن الكريم يؤكد هذه الحقيقة فيذكر أن هناك أشياء كثيرة حولنا لا نراها بأعيننا فيقول تعالى: )فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ([الحاقة: 38 ـ 39]. ومن الإعجاز القرآني:أن الله تعالى يقسم قسماً بكمية الأشياء التي لا نبصرها بأعيننا حيث قدر العلم الحديث أن نسبة ما تبصره العين البشرية إلى ما لا تبصره هو 1: 10 مليون وهذه نسبة مهولة ما كان أحد يتصورها أو يعقلها وقت نزول القرآن وهذا هو مغزى القسم العظيم.

ثانياً:  والإسلام لا يقف عند هذه الظاهرة حيث عجز العلم الحديث عن تفسيرها فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن الروح: ( يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمع الإنسان لصعق ) البخاري.

فالله تعالى خلق العين والأذن البشرية لا ترى ولا تسمع الأرواح.. حتى لا يصاب الإنسان بالهلع والذعر من سماعها وهذا أمر بديهي ورحمة من الله تعالى بالبشر الأحياء... فطالما كانت الصلة المادية بين الإنسان والأرواح منقطعة ولا يمكن لمسهم أو التحدث معهم في الظروف العادية... فلا شك أننا نصاب بالفزع إذا رأيناهم أو سمعناهم دون أن نستطيع لمسهم.

والقرآن الكريم يؤكد على هذه الحقيقة حتى مع الأنبياء: فقد فزع سيدنا إبراهيم حين زاره الملائكة... فمد إليهم يده بالطعام ولكنه لم يجد لهم جسداً يمكن أن يلمسه ففزع منهم وفي ذلك يقول تعالى:

)فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة ([هود: 70].وتفسير ذلك: أن الملائكة كالأرواح ليس لها جسد يمكن لمسه باليد. ونفس الشيء حدث مع سيدنا لوط عندما زاره الملائكة في بيته ففزع منهم )ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً ([هود: 77].

ثالثاً: ومن الإعجاز العلمي في الإسلام أنه أول من أشار إلى حقيقة أن بعض الحيوانات كالخيل والكلاب تستطيع أن ترى الأرواح وتسمع صوتها دون البشر فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا سمعتم صهيل الخيل ونباح الكلاب بعد هدأة الليل فاستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنها ترى ما لا ترون ).

وهذه الحقيقة العلمية لم تكتشف إلا في أواخر القرن العشرين بعد اختراع أجهزة الضوء أو السمع ذات التردد العالي.. وقد اخترعت ( صفارة الكلاب ) والتي يسمعها الكلب ولا يسمعها الإنسان وأصبحت إحدى وسائل التدريب والتجارب العلمية...

رابعاً: ويؤكد العلم الحديث أن الأرواح لا يمكنها الظهور أو الإتيان بأي عمل ملموس في جلسة الأرواح إلا في وجود الظلام أو على الأكثر ضوء أحمر ضعيف... وتعليل ذلك: أن الروح عبارة عن ذبذبات ضوئية وصوتية تتكسر في وجود الضوء العادي أو الصوت العادي... ولذلك فإن جلسات تحضير الأرواح لا تعقد إلا ليلاً وفي الليالي القمرية الهادئة التي لا يوجد بها برق ورعد. وقد أشار الرسول إلى هذه الحقيقة قبل أن يكتشفها العلم حيث يقول: ( أقلوا الخروج في هدأة الليل فإن لله دواباً يبثهن في هذه الساعة ). ومعنى هدأة الليل: هو الجمع بين الظلام والهدوء فهو إيجاز بلاغي.

خامساً: حياة البرزخ بين القرآن والعلم:

الروح بعد مغادرتها الجسم لا تنتقل إلى الجنة أو النار مباشرة بل إلى حياة البرزخ.. وكلمة البرزخ أصلها فارسي وكان يستعملها العرب للتعبير عن مكان بين مكانين وقد استعملها القرآن عن مرحلة أو حياة بين حياتين... وفي ذلك يقول تعالى: )ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ([المؤمنون: 100]فالبرزخ مرحلة بين الموت ويوم تقوم الساعة.

والعلم الحديث يتفق مع القرآن في وجود البرزخ ولكنه يطلق عليه اسم ( العالم الأثيري ) وتصفه كتب العلم الحديث بأنه عبارة عن الفراغ الموجود بين الأرض وجميع السماوات المحيطة بنا... بما فيها الشمس والكواكب السيارة وبعد الاكتشافات المبهرة في عالم الذرة أضيف إليه الفراغ الموجود في داخل جميع الأجسام الصلبة وداخل الذرة نفسها... أي: بين البروتون والإلكترون، فالأرواح تعيش حرة طليقة في هذه الفراغات الهائلة لا يمنعها أي حاجز عادي وتستطيع أن تنفذ من داخل فراغات الذرة ولو كانت حائطاً من الصلب.

سادساً : والروح تنتقل في عالم البرزخ بسرعة قدرها أحد علماء المسلمين المعاصرين بأنها خمسون مرة سرعة الضوء. فقد توصل الدكتور منصور حسب النبي أستاذ علم الفيزياء بجامعة عين شمس في كتابه ( الإعجاز العلمي في القرآن ) على معادلة حسابية من آيتين من القرآن الكريم:

ـ الأولى في سورة السجدة الآية الخامسة حيث يقول الله تعالى:

)يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ([السجدة: 5].ومعنى هذه الآية: أن المسافة التي يقطعها ( الأمر الكوني ) في زمن يوم أرضى تساوي في الحد والمقدار المسافة التي يقطعها القمر في مداره حول الأرض في زمن ألف سنة قمرية، وقوله: مما تعدون. أي: في الكون المشاهد لكم وفي الأمور الخاضعة لقياسكم. وبحل هذه المعادلة القرآنية الأولى ينتج لنا سرعة 299792.5كم / ث مساوية تماماً لسرعة الضوء في الفراغ المعلنة دولياً، والمتفقة مع مبدأ اينشتاين.

أما الآية الثانية فتتحدث عن سرعة الروح والملائكة في عالم الغيب وتقدرها بأنها تعادل خمسين مرة × السرعة السابقة أي: خمسين مرة سرعة الضوء وفي ذلك يقول الله تعالى في سورة المعارج الآية الرابعة:

ـ )تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة (.ومعنى ذلك: أن سرعة الروح تساوي 299792.5 × 50 كم / ث والله أعلم.

سابعاً: طبيعة الروح من طبيعة الله: في أكثر من آية من القرآن الكريم يؤكد الله تعالى أن الروح هي نفخ من روح الله: وقد ذكر ذلك عن نفخ الروح في جسد آدم بعد إتمام خلقه فيقول تعالى: )فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ([ص: 72].. ويقول عن الجنين حين تدب في جسده الروح: )ثم سواه ونفخ فيه من روحه ([السجدة: 9].فالروح في الإنسان هي نفخ من روح الله وطبيعتها من طبيعة الله.. فهي لا ترى بالعين البشرية. فالله تعالى يقول عن نفسه: )لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ([الأنعام: 103]. ويقول أيضاً: )ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ([الأعراف: 143].

ثامناً: ومن الإعجاز الطبي أيضاً ما ذكره القرآن من أن الروح لا تبعث في الجنين في بطن أمه إلا بعد الشهر الثالث من عمره وقد قدرها الفقهاء 120 يوماً وهذا هو نفس ما توصل إليه العلم في العصر الحديث. فالجنين قبل ذلك لا يكون كامل النمو فهو إما نطفة أو علقة أو مضغة، وكلها مراحل بدون روح وهو ما يسمى في الطب بالحياة البيولوجية مثل حياة النبات أو حياة المني والبويضة، وفي ذلك يقول الله تعالى: )ثم سواه ونفخ فيه من روحه ([السجدة: 9]. ومعنى سواه: أي: أكمل خلقه... ومعناه: أن نفخ الروح لا يأتي إلا بعد اكتمال الخلق والنمو في الرحم وهذا ما يؤكده العلم فالجنين بعد الشهر الثالث يتحول إلى إنسان حي وله حركة إرادية ويسمع الأصوات بل إن بعض الأبحاث العلمية تذكر أنه يطرب للموسيقى وينزعج لخلافات الوالدين ولا يحدث ذلك إلا بعد اكتمال الشهر الثالث.

تاسعاً: والله تعالى يحفظ الروح داخل الجسد فلا تفارقه إلا بأمره وفي الموعد المحدد وفي ذلك يقول تعالى: )إن كل نفس لما عليها حافظ ([الطارق: 4].

والحافظ هنا كلمة تحمل معاني كثيرة، فالحافظ قد يكون ملاكاً داخل الجسم أو خارجه يلازم الروح ويحافظ عليها حتى لا تغادر الجسد. وبطبيعة الحال فإننا لا نرى هذا الملاك أو نحس به. والعلم الحديث يؤيد هذه النظرية مع اختلاف في التسمية والتعبير... إذ أن الحافظ هنا في العلم هو مواد في الكيمياء الحيوية موجودة داخل أجسامنا تحافظ على العلاقة بين الروح والجسد وتقول النظريات العلمية أن هذه العلاقة إذا اختلت فإن الإنسان يصاب بالكثير من الأمراض النفسية والروحية دون أن يكون به مرض عضوي.

عاشراً: ومن الآيات التي حيرت المفسرين على مر العصور قوله تعالى )وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع ([الأنعام: 98].وقد فسرها بعضهم بأن المستقر هو الرحم الذي ينمو فيه الجنين والمستودع هو صلب الرجل أي: الخصية التي تمد الأرحام بالحيوانات المئوية. وهذا تفسير خاطىء لأن الآية تتحدث عن الأنفس أي: الأرواح وليس الأجساد وكثيراً ما يتحدث القرآن الكريم عن الروح بكلمة النفس. والتفسير الذي نراه أن المستقر هو جسم الإنسان الذي تستقر فيه الروح في الحياة الدنيا منذ أن تدخل في جسم الجنين وحتى وفاة الإنسان، أما المستودع فهو حياة البرزخ التي تنتقل إليها الأرواح كلها إلى أن يأتي يوم البعث فتبقى فيها الروح وديعة مع غيرها إلى أن تقوم الساعة.

حادي عشر: الحياة في البرزخ:

والأرواح في البرزخ تكون سعيدة أو تعيسة لأنها تنبأ بمكانها يوم القيامة في الجنة أو النار حسب أعمالها في الدنيا، والله تعالى يصف حياة المؤمنين الصالحين في البرزخ )ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ([آل عمران: 170].

وأما الكفار والبغاة فيعرفون مصيرهم في النار والعذاب ويقول تعالى: )وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم (.ويفسر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة بقوله: ( إنما نسمة المؤمن طائر يعلق من شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه ) متفق عليه.

ويقول أيضاً: ( إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده من الجنة أو النار بالغداة والعشي ). والأرواح تعيش حرة طليقة في البرزخ بين السماء والأرض وهي لا ترتبط بالجسم ولا بالقبر... وكان الناس قبل الإسلام يقدسون المقابر ويبنون للموتى أضرحة فاخرة ويضعون فيها الطعام والأنوار والحراس اعتقاداً منهم أن روح الميت مرتبطة بالقبر وتسعدها هذه المظاهر... فأمر الإسلام بهدم القبور وتسويتها بالأرض بل نهى الرسول عن زيارتها حتى ينسى الناس هذا التقليد الجاهلي فلما نسوه وآمنوا قال الرسول: ( كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترقق القلوب ) وفي رواية أخرى: ( إنها تذكر بالموت ) ( ولم يقل: فإنها تسعد الميت ).

ومعناه: أنه لا توجد صلة بين روح الميت والقبر أو بينها وبين الجسد والأرواح تتفاوت في مستقرها في البرزخ أعظم التفاوت فمنها أرواح في أعلا عليين في الملأ الأعلى مع الأنبياء والشهداء والصالحين ومنها أرواح في أسفل السافلين مع القتلة والزناة والمشركين. هكذا رأى رسول الله الأرواح ومنازلها في البرزخ ليلة الإسراء وبشر به.

والأرواح في البرزخ تتزاور بينها، كما أنها تسمع كلام الأحياء وتتأثر بدعواتهم الصالحة وتزورهم أينما كانوا والقرآن الكريم يقول:

)ولو أن قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ([الرعد: 31]والرسول صلى الله عليه وسلم كان يخاطب الموتى عند زيارته للمقابر... فيقول له الصحابة: يا رسول الله! أتخاطب جيفاً قد بليت. فيقول لهم: ( لستم بأسمع لكلامي منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا ). متفق عليه.

ثالث عشر: الأشياء التي تنفع الميت في البرزخ نوعان:

أولاً: أشياء فعلها قبل موته: يقول رسول الله: ( إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته قبل موته علماً علمه، ونشره، وولداً صالحاً يدعو له ومصحفاً ورثه ومسجداً بناه وبيتاً لابن السبيل بناه ونهراً أجراه وصدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته ). متفق عليه.

الصدقة الجارية والعلم النافع والولد الصالح وبناء بيت للإيواء أو بناء مسجد أو شق نهر أو حفر بئر أو غرس شجر مثمر كلها ترفع درجة الميت عند الله.

ثانياً: ما يفعله له الأحياء فأربع أمور: أولها قضاء الدين عنه ثم الدعاء والصلاة والصوم له وقراءة القرآن على روحه ثم رصد صدقة جارية له ثم الحج عنه.

المراجع:

1ـ راجع كتاب تصوير الأرواح:

(hans holzar psyshic photography souvenir press ltd london).

2ـ (thirty years spiritual hcaler. By harry edwards. london).

3ـ كتاب ( على حافة العالم الأثيري. د. رؤوف عبيد ( مترجم ).

4ـ دكتور منصور حسب النبي أستاذ الفيزياء بجامعة عين شمس كتاب ( الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ).

5ـ كتاب فقه السنة ( الشيخ سيد سابق ).


[1]– طبيب استشاري، ومفكر إسلامي، وعضو مجلس إدارة جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بمصر.

 

 

الفقه الطبي
 

أ.د. مجاهد محمد أبو المجد

أستاذ الباطنية بكلية طب المنصورة

عضو الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة

عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية (لجنة الإعجاز)

محاضرة هامة بعنوان (الفقه الطبي ) يتناول فيه المؤلف النقاط التالية: متى تنفخ الروح ؟. مدة الحمل. مراحل تكوين الجنين. هل تحيض الحامل؟

      حجم الملف 2.2 ميكا بايت

 نوعه الملف (بور بوينت شرائح )

أضغط هنا للتحميل

للتواصل مع المؤلف 

 

abuelmagdmm@yahoo.com  

 

الفاكس: 0020502222770

 

رقم الهاتف:0020102334510

 

مواضيع ذات علاقة

اسم الموضوع

هجري

تاريخ الموضوع

الإعجاز الطبي والدوائي في القرآن الكريم

12 شعبان 1429

2008/08/13

الإعجاز في جسم الإنسان في القرآن الكريم

06 شعبان 1429

2008/08/07